مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الثاني (من أول فبراير 1964 إلى آخر مايو 1964) - صـ 947

(82)
جلسة 18 من إبريل 1964

برئاسة السيد/ عبد العزيز الببلاوي رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة: حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور وعادل عزيز زخاري المستشارين.

القضية رقم 361 لسنة 7 القضائية

( أ ) اختصاص - اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري - هو اختصاص محدد بما نص عليه القانون - خروج قرارات النقل من اختصاص المجلس - اختصاصه بنظر الطعون في قرارات النقل إذا انطوت على عقوبة معينة - حالات اعتبار قرار النقل متضمناً عقوبة مقنعة.
(ب) موظف - نقل - اختصاص لجان شئون الموظفين بقرارات النقل طبقاً للمادة 28 من القانون رقم 210 لسنة 1951 يشمل قرارات النقل المكاني - لا يغير من هذا الحكم أن رأي هذه اللجان استشاري - أساس ذلك.
(جـ) موظف - تأديب - صدور قرار النقل المكاني من رئيس إداري مختص بالتأديب دون النقل استناداً إلى ذات أسباب مجازاة الموظف بالخصم من راتبه - يؤكد أن القرار يستر جزءاً تأديبياً.
1) أن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري هو اختصاص محدد بما نص عليه في القانون ويبين من أحكام الفقرات الثالثة والرابعة والخامسة من المادة الثامنة من القانون رقم 55 لسنة 1959 التي حددت اختصاصاته في إلغاء القرارات الإدارية الصادرة في شئون الموظفين أن قرارات النقل ليست من بينها إلا أن القضاء الإداري قد جرى على اختصاصه بنظر الطعون في قرارات النقل إذا انطوت هذه القرارات على عقوبة مقنعة من الظروف التي صدر فيها قرار النقل كما لو كان النقل من وظيفة إلى وظيفة أقل منها في السلم الإداري من حيث سعة الاختصاص والمزايا أو إذا كان قرار النقل قد صدر دون استيفاء الإجراءات التي استوجبها القانون أو صدر مخالفاً لقاعدة التزمت بها الجهة الإدارية في إجراء النقل بين موظفيها.
2) أن النقل المكاني يخضع لأحكام المادة 28 من القانون رقم 210 لسنة 1951 التي تقضي باختصاص لجان شئون الموظفين بالنظر في نقل الموظفين لغاية الدرجة الأولى على أن ترفع اقتراحات اللجان إلى الوزير لاعتمادها - ومجرد كون رأي هذه اللجان استشارياً لا يبرر إغفال عرض النقل عليها إذ أن ذلك إجراء جوهري أوجبه القانون لاعتبارات تتعلق بالصالح العام - كما أن اختصاص لجان شئون الموظفين في هذا الشأن عام يشمل النقل من مصلحة إلى مصلحة أخرى أو من وزارة إلى وزارة أخرى كما يشمل النقل من بلد إلى آخر ولو كانت الوظيفتان تابعتين لمصلحة واحدة - ذلك أن النقل من بلد إلى آخر ينطوي على أثر قانوني معين هو إنهاء الولاية الوظيفية للموظف المنقول في الجهة المنقول منها وإسناد اختصاصات الوظيفة إليه في دائرة الجهة المنقول إليها فهو لا يقل في أهميته وتعلقه بالمصلحة العامة عن النقل من مصلحة إلى أخرى أو من وزارة إلى أخرى - أما الاستناد إلى المادة 23 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 210 لسنة 1951 للقول بأن نقل الموظف من بلد إلى آخر لا يخضع لأحكام المادة 28 من ذلك القانون متى كانت الوظيفتان تابعتين لمصلحة واحدة فمردود بأن حكم المادة 28 من القانون عام شامل لا يقيده نص في اللائحة وبأن المادة 23 من اللائحة لم تعالج سوى الحالة التي يكون فيها النقل من جهة إلى أخرى تستقل كل منهما بلجنة لشئون الموظفين الخاصة بها.
3) أن صدور القرار المتضمن نقل المدعي إلى ساحل المحمودية من رئيس إداري مختص بالتأديب دون النقل ومستنداً إلى ذات الأسباب التي جوزي المدعي من أجلها بخصم أسبوع من مرتبه - لإيداع مجالاً للشك في أن مصدر القرار ما قصد بهذا النقل إلا توقيع جزاء على المدعي مكمل للجزاء الآخر وهو الخصم من مرتبه فيكون القرار في هذا الشق منه وإن كان في ظاهرة نقلاً مكانياً إلا أنه يستر في الواقع جزاء تأديبياً يعيبه أنه ليس من الجزاءات المنصوص عليها في القانون على سبيل الحصر.


إجراءات الطعن

في 8 من ديسمبر سنة 1960 أودعت إدارة قضايا الحكومة بالنيابة عن السيد وزير الاقتصاد تقرير طعن في الحكم الصادر بتاريخ 10 من أكتوبر سنة 1960 من المحكمة الإدارية لوزارات الخزانة والاقتصاد والصناعة والزراعة والتموين في الدعوى رقم 107/ 7 القضائية المقامة من السيد/ محمد فتحي عبد الرحيم ضد السيد وزير الاقتصاد - القاضي بإلغاء القرار رقم 102 لسنة 1959 الصادر بتاريخ 3 من يونيو سنة 1959 من السيد مدير عام مصلحة الرقابة التجارية فيما تضمنه من نقل المدعي إلى ساحل المحمودية اعتباراً من 6 من يونيو سنة 1959 مع ما يترتب على ذلك من آثار وبرفض ما عدا ذلك من طلبات وإلزام المدعي المصروفات. وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر دعوى إلغاء قرار نقل المطعون ضده مع إلزامه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقد أعلن الطعن إلى المطعون ضده في 11 من ديسمبر سنة 1960 - وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 29 من فبراير سنة 1964 وأبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة في 12 من يناير سنة 1964 وفيها قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة العليا حيث عين لنظره أمامها جلسة 28 من مارس سنة 1964 التي أبلغ بها الطرفان في أول مارس سنة 1964 وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت إرجاء النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وسماع المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل في أنه بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 6 من أغسطس سنة 1959 أقام المدعي الدعوى رقم 1201 لسنة 13 القضائية ضد السيد وزير الاقتصاد طالباً الحكم بقبولها شكلاً وإلغاء الأمر الإداري رقم 102 لسنة 1959 الصادر بتاريخ 4 من يونيو سنة 1959 من مصلحة التجارة الداخلية والقاضي بمجازاته بخصم سبعة أيام من مرتبه مع نقله إلى ساحل وسوق المحمودية بمديرية البحيرة وإلزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وقال بياناً لدعواه أنه كان قد عين في أول أغسطس سنة 1948 بمصلحة السكة الحديد ثم نقل إلى ديوان عام وزارة التجارة ثم إلى مصلحة الرقابة التجارية ثم نقل إلى ساحل الحبوب بروض الفرج على أثر الشكوى التي كان قد قدمها في 18 من ديسمبر سنة 1957 متظلماً من نظام العمل بقلم النسخ الذي كان بعمل به وأسند إليه في ساحل روض الفرج العمل على الآلة الكاتبة إلى جانب عمله كمندوب قضائي الساحل مهمته الاتصال بالمحاكم والنيابات وإدارة قضايا الحكومة في شأن ما يتعلق بالحكومة من قضايا. وذكر أنه على أثر شكوى كان قد تقدم بها إلى النائب العام لعدم إعطائه شهادة بعدم إيداع أسباب الحكم الصادر في الجنحة المباشرة رقم 1126 من محكمة روض الفرج أرسل السيد وكيل نيابة روض الفرج كتاباً سرياً إلى المصلحة ناسباً له أنه يعمل لدى الأستاذ مجدي يعقوب مرجان المحامي ويتدخل في أعمال الغير فأحيل إلى النيابة الإدارية للتحقيق معه ونقل إلى ساحل غمرة بمسطرد دون انتظار نتيجة التحقيق وانتهت النيابة الإدارية إلى مساءلته مساءلة شديدة مع توصية الجهة الإدارية بجعله بمنأى عن عمله الحالي مستندة إلى تقرير وتحريات البوليس عنه. وصدر القرار المطعون فيه استناداً إلى تحقيق النيابة الإدارية وأعلن بهذا القرار في 4 من يونيو سنة 1959 فتظلم منه في ذات اليوم ولم يتلق رداً على تظلمه ونعى المدعي على القرار المذكور أنه صدر مشوباً بعيب عدم الاختصاص لعدم عرضه على لجنة شئون الموظفين فضلاً عن مخالفته للقانون لتضمنه عقوبتين عن فعل واحد هما خصم سبعة أيام من مرتبه والنقل الجزائي من القاهرة إلى المحمودية وذكر أن هذا النقل إلى جهة ثانية لا يحقق منفعة له وليس بمناسبة ترقية وليس فيه تحقيق للصالح العام - وأضاف أن القرار المطعون فيه قد صدر مشوباً بعيب التعسف في استعمال السلطة ودلل على هذا العيب بأن بينه وبين وكيل مصلحة التجارة الداخلية خصومة ثابتة فانتهز فرصة التحقيق المشار إليه واقترح خصم خمسة عشر يوماً من مرتبه مع نقله إلى المحمودية وذكر المدعي أنه فضلاً عن أن القرار المطعون فيه تضمن جزائين فإنه لا يحقق مصلحة عامة لأن ساحل الحبوب لا يغل كسباً للخزانة العامة إلا في موسم الأرز حيث يبلغ إيراده 200 جنيه وقد جعل هذا الفزع منفى ينقل إليه الموظفون المراد نفيهم وأنه اقترح مراراً إلغاءه لأن إيراده لا يوازي مصاريفه واستشهد المدعي بكل ذلك للقول بأن نقله كان نقلاً تعسفياً قصد به الانتقام منه بغير سبب جدي.
وبجلسة 18 من نوفمبر سنة 1959 قضت محكمة القضاء الإداري بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وبإحالتها إلى المحكمة الإدارية المختصة بمنازعات وزارة الاقتصاد تأسيساً على أن المدعي موظف من الدرجة الثامنة الكتابية بالوزارة المذكورة وقيدت الدعوى بجدول المحكمة الإدارية برقم 107 لسنة 7 القضائية - وقد أجابت مصلحة الرقابة التجارية على الدعوى بمذكرة قالت فيها أنه في 16 من يوليو سنة 1958 ورد كتاب سري من وكيل نيابة روض الفرج يتضمن أن المدعي كثيراً ما يتردد على نيابة روض الفرج للاطلاع على قضايا جنح خاصة بمتهمين لا شأن له بقضاياهم وتبين أنه يعمل على الآلة الكاتبة بمكتب الأستاذ مجدي يعقوب الذي يكلفه أحياناً بالاطلاع على قضايا الجنح التي يوكل عن المتهمين فيها وطلبت النيابة المذكورة الإفادة عما إذا كان مصرحاً له بالعمل في غير أوقات العمل الرسمية بذلك المكتب - وبالرجوع إلى مراقبة الأسواق أفادت بأنه يعمل على الآلة لكاتبة بساحل روض الفرج علاوة على قيامه بالتحريات الخاصة بقضايا الساحل المذكور وببحث ملف خدمته تبين أنه رخص له في الاشتغال في محل راديو سنة 1955 وأنه لم يرخص له في الاشتغال بمكتب المحامي المذكور وأحيل الموضوع إلى النيابة الإدارية لتحقيقه فانتهت إلى ثبوت تردد المدعي على نيابة روض الفرج للاطلاع على قضايا جنح لا تمت لعمله بصلة وذلك في أوقات العمل الرسمية وأن جميع هذه القضايا خاصة بمكتب الأستاذ/ مجدي يعقوب المحامي وثبوت اشتغاله على الآلة الكاتبة بمكتب المحامي المذكور في غير أوقات العمل الرسمية بدون ترخيص وذلك بناء على ما جاء بالتحريات التي قامت بها حكمدارية بوليس القاهرة كما ثبت أيضاً اشتغاله نظير مقابل بسينما روض الفرج الصيفي وسينما ألف ليلة الشتوي في غير أوقات العمل الرسمية دون ترخيص وطلبت النيابة الإدارية مساءلته مشدداً فيما نسب إليه وتوصية الجهة الإدارية باتخاذ الإجراءات الكفيلة بما ينأى به عن إمكان استغلال ظروف عمله المصلحي في تأدية أعمال للغير، وذكرت المصلحة أنه بناء على توصية النيابة الإدارية صدر الأمر الإداري رقم 102 لسنة 1959 بمجازاته بخصم سبعة أيام من مرتبه عن شهر يونيو سنة 1959 عن المخالفات التي ارتكبها وذلك تطبيقاً للمادة 83 من القانون رقم 210 لسنة 1951 وبإحدى العقوبات المنصوص عليها في المادة 84 بناء على السلطة المخولة بالمادة 85 من ذات القانون كما تقرر نقله إلى ساحل المحمودية اعتباراً من 6 من يونيو سنة 1959 ليكون بعيداً عن الأماكن التي يباشر فيها تلك الأعمال تنفيذاً لتوصية النيابة الإدارية وبعد أن أشارت المصلحة التي تظلم المدعي من هذا القرار وإلى رفض هذا التظلم قالت أن أمر الجزاء والنقل صدر من المدير العام الذي يملك حق إصداره بناء على السلطة المخولة له بالمادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 وأن النقل لم يكن سوى نقل موظف لصالح العمل من فرع أو مكتب إلى آخر بنفس المراقبة التي يعمل بها وهي مراقبة الأسواق ولم يكن من التنقلات التي تتطلب في إجرائها العرض على لجنة شئون الموظفين - وذكرت المصلحة أن الخصومة التي يدعيها المدعي لا وجود لها وأن الأمر وإن اشتمل على واقعتين واقعة الجزاء وواقعة النقل إلا أن كلاً منهما منفصل تماماً عن الأخرى فالجزاء وقع عن المخالفات التي ارتكبها وثبتت مسئوليته عنها أما النقل فقد تم لصالح العمل وبناء على توصية النيابة الإدارية ولم يكن من المعقول أن ينقل من فرع بالقاهرة إلى فرع آخر بالقاهرة ما دام أنه بحكم اتصالاته السابقة سيتمكن من العودة إلى ارتكاب ذات المخالفات - وانتهت المصلحة إلى القول بأن القرار الإداري المطعون فيه صدر سليماً ممن يملك سلطة إصداره وأن نقل المدعي لم يكن بمثابة عقوبة وإنما كان لصالح العمل ولم يكن مشوباً بعيب عدم الاختصاص - وعقب المدعي على دفاع الجهة الإدارية بمذكرة قال فيها أن القرار إذ اشتمل على نقل مقترناً بجزاء آخر بعد قراراً معيباً من حيث الشكل كما أن النقل لم يحقق مصلحة عامة وأضاف أنه مريض بالروماتيزم طبقاً لتقارير القومسيون الطبي مما يجعل بقاءه بساحل المحمودية مهدداً له بالخطر.
وبجلسة 10 من مايو سنة 1960 قضت المحكمة الإدارية بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار رقم 102 لسنة 1959 الصادر بتاريخ 3 من يونيو سنة 1959 من السيد مدير عام مصلحة الرقابة التجارية فيما تضمنه من نقل المدعي إلى ساحل المحمودية اعتباراً من 6 من يونيو سنة 1959 مع ما يترتب على ذلك من آثار ورفضت ما عدا ذلك من طلبات وألزمت المدعي المصروفات. وأقامت قضاءها فيما يتعلق برفض طلبات المدعي الخاصة بإلغاء القرار فيما تضمنه من مجازاته بخصم سبعة أيام من مرتبه عن شهر يونيو سنة 1959 على أن القرار قد جاء مستنداً إلى وقائع ثابتة وتحقيق كفل للمدعي فيه حق الدفاع عن نفسه واستخلص استخلاصاً سائغاً من أصول ثابتة في الأوراق وكان الباعث عليه ابتغاء الصالح العام فجاء سليماً مطابقاً للقانون كما أقامت قضاءها بإلغاء هذا القرار فيما تضمنه من نقل المدعي إلى ساحل المحمودية على أنه وإن كان المسلم به أن لجهة الإدارة الحرية المطلقة في نقل موظفيها نقلاً مكانياً يحقق المصلحة العامة دون ما رقابة عليها من القضاء الإداري إلا أنه إذا تم هذا النقل بطابع خاص يخرجه عن نطاق المصلحة العامة وأفصحت الإدارة في قرارها عن تبيان ذلك كان للمحكمة أن تجري رقابتها على القرار لتقصي مشروعيته وأن النيابة الإدارية كانت قد أوصت بعد التحقيق الذي أجرته مع المدعي بأن تتخذ الجهة الإدارية الإجراءات الكفيلة بما ينأى بالمدعي عن إمكان استغلال ظروف عمله المصلحي في تأدية أعمال للغير في وقت العمل الرسمي فاتخذت جهة الإدارة من هذه التوصية ذريعة لنقل المدعي إلى ساحل المحمودية وكان يمكن أن تتحقق التوصية وتنتج آثارها بإبعاد المدعي عن عمله إلى عمل آخر يحقق الصالح المنشود من انصراف المدعي إلى عمله الرسمي دون ما يثير حوله الشبهات وبصمه بمخالفة أحكام القانون وأن النقل في هذه الصورة قد تعدى الغاية التي شرع من أجلها وهي تنسيق الوظائف والموظفين حسب حاجة العمل في مراكزه المختلفة بما يتفق وتحقيق المصلحة العامة وجاء عقب تحقيق أجرى مع المدعي مما يخرجه عن وصفه نقلاً مكانياً إلى اعتباره جزاء مقنعاً أضيف إلى الشطر الأول من الجزاء وأن المادة 84 من القانون رقم 210 لسنة 1951 تنص على الجزاءات التي يجوز توقيعها على الموظفين المعينين على وظائف دائمة على سبيل الحصر فليس لجهة الإدارة أن تبتدع من الجزاءات لتنزلها بموظفيها وإلا كان تصرفها متسماً بالانحراف في استعمال السلطة خاصة وقد ثبت من الحافظة المقدمة من وزارة الاقتصاد بتاريخ 28 من يونيو سنة 1960 أن القومسيون الطبي العام قد كشف على المدعي بتاريخ 16 من مارس سنة 1960 فوجد عنده روماتزم مفصلي بالركبتين وقرر له أجازة خمسة عشر يوماً ابتداء من 5 من مارس سنة 1960 كما اعتمد بتاريخ 13 من إبريل سنة 1960 الشهادة الطبية بنتيجة الكشف الطبي على المدعي بمعرفة الإدارة الصحية ببلدية القاهرة بتاريخ 22 من مارس سنة 1960 والتي بينت له أنه وجد عنده روماتزم مفصلي ونصحت له بالأماكن الجافة واقترحت أجازة لمدة 45 يوماً مما يؤكد أن القرار المطعون فيه فيما يتعلق بالنقل قد صدر جزاء للمدعي ودون مراعاة لحالته الصحية ولا يغير من هذا أن الشهادات المذكورة جاءت في تاريخ لاحق لأنها إنما تبين حالة قديمة وليست مستحدثة في تاريخ معاصر للشهادات وأنه يبين من ذلك أن القرار المطعون فيه فيما تضمنه من نقل المدعي إلى ساحل المحمودية لم يقم على أساس من القانون مما تكون معه دعوى المدعي في هذا الشق متعينة القبول.
ومن حيث إن حاصل ما يقوم عليه الطعن أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله لأن النقل المكاني لا يعتبر جزاء عن جزم ارتكبه الموظف وإنما هو من قبيل الإجراءات التنظيمية البحتة التي تترخص فيها جهة الإدارة بما لها من سلطة تقديرية ما دام رائدها الصالح العام وبغيتها منفعة المرفق الإداري. ولأن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري هو اختصاص محدد بما نص عليه في القانون واختصاصه في إلغاء القرارات الإدارية الصادرة في شأن الموظفين لا يشمل قرارات النقل لأن الموظف بحكم الوظيفة من عمال المرافق العامة التي يجب أن تسير في جميع البلاد على حد سواء فإذا اقتضت المصلحة نقله من بلد إلى آخر وجب أن يوطن نفسه على تحمل ذلك في سبيل أداء واجبه وإلا اختل سير المرفق فالنقل من الملاءمات المتروكة لتقدير الإدارة حسبما يكون متفقاً مع الصالح العام والمدعي بحكم وظيفته وهي وظيفة كاتب يقوم بالأعمال الكتابية في أي مكان ينقل إليه أو أية جهة إدارية يتبعها ما دام عمله مهما تغير المكان أو الجهة التي يتبعها ما دام عمله مهما تغير المكان أو الجهة التي يتبعها ما زال عملاً كتابياً في طبيعته ولا يعتبر نقله تعييناً في وظيفة جديدة كما لا يعتبر مثل هذا النقل تأديباً حتى يدخل في اختصاص القضاء الإداري - وأنه يبين من القرار المطعون فيه أن الأثر القانوني الذي اتجهت فيه الإدارة إلى إحداثه بهذا القرار لا يعدو أن يكون نقلاً للمدعي من مكان إلى آخر في نفس الوظيفة ونفس الدرجة وأن العمل الذي أسند إليه هو من طبيعة الأعمال الكتابية التي كان يقوم بها قبل نقله، ومن ثم لا يكون هذا القرار من القرارات التي يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بطلب إلغائها وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب بإلغائه القرار فيما يتعلق بنقل المدعي فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله مما يتعين معه إلغاؤه والحكم بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر دعوى إلغاء القرار المطعون ضده.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قدمت تقريراً انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلغاء القرار رقم 102 لسنة 1959 فيما تضمنه من نقل المطعون ضده إلى ساحل المحمودية والحكم بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر هذا الطلب مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات وذلك تأسيساً على ما تضمنه ذلك التقرير من أسباب تتحصل في أنه بالاطلاع على القرار رقم 102 لسنة 1959 والظروف التي لابست إصداره لا يبين أنه فيما تضمنه من نقل المدعي قد انصرفت نية مصدره إلى مجازاته بذلك جزاء تأديبياً تكميلياً للجزاء الذي وقعه عليه ذلك القرار بالخصم من راتبه وأن نفس المدعي لم ينع على نقله أنه قد تضمن تنزيلاً في درجته أو في وظيفته وإن نقله كان نقلاً مكانياً اقتضته طبيعة العمل.
ومن حيث إن الوزارة الطاعنة قدمت مذكرة رددت فيها ما جاء بصحيفة الطعن وأضافت أن نقل المدعي إلى ساحل المحمودية نقل مكاني في حدود ذات الإدارة وأن النقل المكاني يختلف في طبيعته عن النقل من إدارة إلى أخرى أو من مصلحة إلى أخرى الذي يتعين عرضه على لجنة شئون الموظفين تطبيقاً لنص المادة 23 من اللائحة التنفيذية لقانون الموظفين لأن ما يتعين عرضه على اللجنة هو النقل النوعي أي النقل من مصلحة إلى أخرى لكل منهما لجنة شئون موظفين ولهذا اشتراط القانون موافقة اللجنتين أما داخل الجهة الواحدة فلم يشترط القانون بالنسبة إلى النقل عرض الأمر على لجنة شئون الموظفين لأن النقل هنا من الإجراءات التي يملكها رئيس المصلحة لحسن سير العمل - أما عن حالة المدعي الصحية فإن أعراض المرض لم تظهر إلا بعد صدور القرار المطعون فيه مما يجعلها لا تقوم سبباً للطعن عليه وانتهت الوزارة إلى التصميم على طلباتها الواردة بتقرير الطعن.
ومن حيث إن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري هو الحكم المطعون فيه قد جاء سليماً فيما أثبته عن القرار المقضي بإلغائه وأن الوقائع الثابتة بالأوراق تفيد أن نقله إنما كان عقاباً له عما نسب إليه وانطوى على إساءة استعمال السلطة من جانب جهة الإدارة وأن الصالح العام يأبى مثل هذا النقل الذي يعرضه لاستفحال مرضه.
ومن حيث إنه يتعين بادئ ذي بدء البحث فيما إذا كان لمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري اختصاص في مثل هذا النزاع أم أنه يخرج أصلاً عن اختصاصه.
ومن حيث إن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري هو اختصاص محدد بما نص عليه في القانون ويبين من أحكام الفقرات الثالثة والرابعة والخامسة من المادة الثامنة من القانون رقم 55 لسنة 1959 التي حددت اختصاصاته في إلغاء القرارات الإدارية الصادرة في شئون الموظفين أن قرارات النقل ليست من بينها إلا أن القضاء الإداري قد جرى على اختصاصه بنظر الطعون في قرارات النقل إذا انطوت هذه القرارات على عقوبة مقنعة تستشف من الظروف التي صدر فيها قرار النقل كما لو كان النقل من وظيفة إلى وظيفة أقل منها في السلم الإداري من حيث سعة الاختصاص والمزايا أو كان قرار النقل قد صدر دون استيفاء الإجراءات التي استوجبها القانون أو صدر مخالفاً لقاعدة التزمت بها الجهة الإدارية في إجراء النقل بين موظفيها.
ومن حيث إنه بالرجوع إلى القرار المتضمن نقل المدعي إلى ساحل المحمودية يبين أنه صدر في 3 من يونيو سنة 1959 من مدير عام مصلحة الرقابة التجارية مستنداً إلى مذكرة النيابة الإدارية في شأن ما نسب إلى المدعي التي انتهت فيها إلى مسئوليته لثبوت اشتغاله بأعمال أخرى غير عمله المصلحي وإلى التوصية باتخاذ الإجراءات اللازمة التي تكفل عدم استغلاله لعمله المصلحي في تأدية أعمال للغير وقد نص القرار المذكور على مجازاة المدعي (بخصم سبعة أيام من مرتبه عن شهر يونيو سنة 1959 وذلك لاستغلاله وقت عمله الرسمي كمندوب قضائي في الاطلاع على قضايا لمتهمين لا شأن لعمله بقضاياهم وتخص مكتب السيد مجدي يعقوب مرجان المحامي ولأنه يعمل في غير أوقات العمل الرسمية دون الحصول على ترخيص سابق مع نقله إلى ساحل المحمودية اعتباراً من 6 من يونيو سنة 1959.
ومن حيث إن القرار المذكور قد صدر من مدير عام مصلحة الرقابة التجارية أي من رئيس مختص بتوقيع الجزاءات التأديبية على مرؤوسيه في الحدود المنصوص عليها في المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 ولكنه غير مختص أصلاً بنقل أحد من هؤلاء المرؤوسين من بلد إلى آخر.
ومن حيث إن النقل المكاني يخضع لأحكام المادة 28 من القانون رقم 210 لسنة 1951 التي تقضي باختصاص لجان شئون الموظفين بالنظر في نقل الموظفين لغاية الدرجة الأولى على أن ترفع اقتراحات اللجان إلى الوزير لاعتمادها - ومجرد كون رأي هذه اللجان استشارياً لا يبرر إغفال عرض النقل عليها إذ أن ذلك إجراء جوهري أوجبه القانون لاعتبارات تتعلق بالصالح العام - كما أن اختصاص لجان شئون الموظفين في هذا الشأن عام يشمل النقل من مصلحة إلى مصلحة أخرى أو من وزارة إلى وزارة أخرى كما يشمل النقل من بلد إلى آخر ولو كانت الوظيفتان تابعتين لمصلحة واحدة - ذلك أن النقل من بلد إلى آخر ينطوي على أثر قانوني معين هو إنهاء الولاية الوظيفية للموظف المنقول في الجهة المنقول منها وإسناد اختصاصات الوظيفة إليه في دائرة الجهة المنقول إليها فهو لا يقل في أهميته وتعلقه بالمصلحة العامة من النقل من مصلحة إلى أخرى أو من وزارة إلى أخرى - أما الاستناد إلى المادة 23 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 210 لسنة 1951 للقول بأن نقل الموظف من بلد إلى آخر لا يخضع لأحكام المادة 28 من ذلك القانون متى كانت الوظيفتان تابعتين لمصلحة واحدة فمردود بأن حكم المادة 28 من القانون عام شامل لا يفيده نص في اللائحة وبأن المادة 23 من اللائحة لم تعالج سوى الحالة التي يكون فيها النقل من جهة إلى أخرى تستقل كل منهما بلجنة شئون الموظفين الخاصة بها.
3 - ومن حيث إن صدور القرار المتضمن نقل المدعي إلى ساحل المحمودية من رئيس إداري مختص بالتأديب دون النقل ومستنداً إلى ذات الأسباب التي جوزي المدعي من أجلها بخصم أسبوع من مرتبه - لإيداع مجالاً للشك في أن مصدر القرار ما قصد بهذا النقل إلا توقيع جزاء على المدعي مكمل للجزاء الآخر وهو الخصم من مرتبه فيكون القرار في هذا الشق منه وإن كان في ظاهره نقلاً مكانياً إلا أنه يستر في الواقع جزاء تأديبياً يعيبه أنه ليس من الجزاءات المنصوص عليها في القانون على سبيل الحصر. ويخضع هذا القرار لرقابة مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري ما دام يحمل في طياته قرار مقنعاً مما يختص المجلس بطلب إلغائه.
ومن حيث إن القرار المذكور فيما تضمنه من نقل المدعي قد خالف القانون بانطوائه على جزاء تأديبي ليس من الجزاءات المنصوص عليها في المادة 84 من القانون رقم 210 لسنة 1951 أو التي يختص رئيس المصلحة بتوقيعها وفقاً لأحكام المادة 85 من ذلك القانون - فيكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلغائه قد أصاب الحق فيما انتهى إليه، ومن ثم يكون الطعن على غير أساس سليم من القانون متعيناً رفضه وإلزام الحكومة المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً، وألزمت الحكومة بمصروفات الطعن.