مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الثاني (من أول فبراير 1964 إلى آخر مايو 1964) - صـ 978

(86)
جلسة 19 من إبريل 1964

برئاسة السيد/ الدكتور محمود سعد الدين الشريف نائب رئيس المجلس وعضوية السادة/ علي محسن مصطفى وعبد الفتاح نصار ومحمد مختار العزبي وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 609 لسنة 7 القضائية

( أ ) موظف - تعيين - شهادة ميلاد - قومسيون طبي - سن الموظف عند التعيين - تثبت بشهادة ميلاده أو بصورة رسمية لها مستخرجة من سجلات المواليد - الامتناع عن تقديم هذه الشهادة لسبب من الأسباب - تحديد السن بقرار يصدر من القومسيون الطبي العام - امتناع الطعن في مثل هذا القرار حتى ولو قدمت بعد ذلك شهادة الميلاد أو صورتها الرسمية.
(ب) موظف - ملف خدمة - إثبات - الأوراق والبيانات التي تتعلق بالموظف وتثبت أن له حقاً - ينبغي كأصل مسلم به أن تكون مودعة بملف خدمته أو في القليل يتعين أن يشار في الأوراق التي يقدمها بما لا يدع مجالاً للمنازعة في هذا التقديم.
(جـ) إثبات - شهادة ميلاد - قومسيون طبي - سابقة تقديم شهادة الميلاد قبل أن تهم جهة الإدارة بإحالة الموظف إلى القومسيون الطبي - من الأمور التي يتوقف عليها استقرار علاقة الموظف بالحكومة على أساس ثابت غير قلق - وجوب أن تثبت بطريق يقيني لا مجال فيه للظن - ليس أكفل لتوافر هذا الدليل القطعي من ثبوت تقديم هذه الشهادة بدليل يستفاد من أوراق الملف ذاتها.
1) لا منازعة في أن سن الموظف تثبت عند التعيين بشهادة ميلاده أو بصورة رسمية منها مستخرجة من سجلات المواليد باعتبارها ناطقة بالحقيقة من حيث تحديد سن صاحبها. فإن امتنع تقديمها لسبب من الأسباب حددت السن بقرار يصدر من القومسيون الطبي العام ويكون هذا القرار غير قابل للطعن حتى ولو قدمت بعد ذلك شهادة الميلاد أو صورتها الرسمية.
2) من الأصول المسلم بها أن كل ما يتعلق بالموظف من أوراق وبيانات تثبت أن له حقاً ينبغي أن تكون مودعة بملف خدمته باعتباره وعاء عمله الطبيعي أو في القليل يتعين أن يشار في الأوراق التي يقدمها بما لا يدع مجالاً للمنازعة في هذا التقديم، ما دام صاحب الشأن يزعم إنها قدمت بالطريق الرسمي إلى الجهة الإدارية المختصة في الميعاد المحدد لذلك قانوناً.
3) لا جدال في أن سبق تقديم شهادة الميلاد قبل أن تقرر جهة الإدارة بإحالة الموظف إلى القومسيون الطبي - وهو من الأمور التي يتوقف عليها استقرار علاقة بالحكومة على أساس ثابت غير قلق - ينبغي أن يثبت بطريق يقيني قاطع لا مجال فيه للظن وليس أكفل لتوافر هذا الدليل القطعي من ثبوت تقديم هذه الشهادة بدليل يستفاد من أوراق الملف ذاتها منعاً من التلاعب في تحديد السن أو إبراز هذه الشهادة بعد تمام الإحالة إلى القومسيون حسبما توحي إليه المصلحة الخاصة.


إجراءات الطعن

بتاريخ 19 من يناير سنة 1961 أودع السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة عريضة طعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بالإسكندرية بجلسة 21 من نوفمبر سنة 1960 في الدعوى رقم 194 لسنة 7 القضائية المرفوعة من السيد/ خميس السيد فودة ضد إدارة النقل العام القاضي بإلغاء القرار الصادر من مدير عام إدارة النقل العام لمنطقة الإسكندرية في 19/ 10/ 1959 بفصل المدعي من الخدمة اعتباراً من 1/ 11/ 1959 وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الإدارة المصروفات ومائتي قرش أتعاب المحاماة. وطلبت إدارة قضايا الحكومة للأسباب المبينة بصحيفة الطعن الحكم بقبوله شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، ورفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين. وقد أعلن الطعن إلى المدعي في أول مارس 1961 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 23 من يونيو سنة 1962 بميعاد هذه الجلسة وفيها قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى المحكمة الإدارية العليا وحددت لذلك جلسة أول مارس سنة 1964 وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من ملاحظات ذوي الشأن على الوجه المبين بالمحضر قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من أوراق الطعن في أن المدعي أقام دعواه طالباً الحكم بإلغاء القرار الإداري الصادر من إدارة النقل العام لمنطقة الإسكندرية في 19/ 10/ 1959 بفصله من الخدمة اعتباراً من 1/ 11/ 1959 وما يترتب على ذلك من آثار. واحتياطياً الحكم باستحقاقه تعويضاً متناسباً مع ما كان يتقاضاه من أجر بمراعاة غلاء المعيشة فيما لو استمر في الخدمة حتى بلوغه السن القانونية استناداً إلى شهادة ميلاده وإلزام الإدارة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال في بيان ذلك أنه كان يعمل بإدارة النقل العام بالإسكندرية ناظر محطة الرمل ولكنه فوجئ بقرار فصله من الخدمة اعتباراً من 1/ 11/ 1959 مؤرخ 19/ 10/ 1959 على زعم أنه بلغ السن القانونية استناداً إلى تقرير القومسيون الطبي الحاصل في 22/ 10/ 1953 بأن سنه ستون سنة وهذا القرار يخالف القانون والواقع وأضاف المدعي بأنه كان قد تقدم في 1/ 10/ 1953 بشهادة ميلاده وكان الاسم مغايراً فطلبت الإدارة التصحيح - وسار في إجراءات التصحيح التي استغرقت أكثر من ثلاثة أسابيع وأرفق الشهادة مع التصحيح في 17/ 11/ 1953 والدليل على أن الشهادة قدمت قبل التصحيح مستمد من قرينة قانونية سليمة هي تقديمه الشهادة المرفقة بالتصحيح إذ يعتبر ذلك دليلاً على أنه كان قد تقدم بشهادة الميلاد ثم طلب منه تصحيح السن. وقد صدر قرار من مدير عام بلدية الإسكندرية برقم 76 لسنة 1957 نص فيه على أنه إذا لم يكن تقدير السن قد أصبح نهائياً - أي لم ينقضي عليه ستون يوماً تقبل من الموظف شهادة الميلاد. وقد سبق أن قدم المدعي شهادة ميلاده في 1/ 10/ 1953 ثم أعاد تقديمها ومعها دليل تصحيح الاسم بناء على طلب الإدارة في 17/ 11/ 1953. ولما كان قرار القومسيون الطبي الصادر في 22/ 10/ 1953 قد صدر مخالفاً لشهادة الميلاد التي تفيد أن سن المدعي هو خمس وخمسون سنة في سنة 1953 بينما قرر القومسيون الطبي سن المدعي في ذات السنة ستين سنة. ولما كان القرار الصادر بفصل المدعي قد استند إلى قرار القومسيون الطبي غير النهائي بتقدير سنة لأن المدعي كان تقدم بشهادة الميلاد والتصحيح في 17/ 11/ 1953 بعد ستة وعشرين يوماً بعد تقدير القومسيون الطبي لذلك يكون القرار الصادر بفصل المدعي من الخدمة مخالفاً للقوانين واللوائح واستطرد المدعي يقول أن القرار المطعون فيه قد مس بحق مكتسب له إذ أنه كان يبلغ سن الخامسة والستين حسب تقدير القومسيون الطبي في 21/ 10/ 1958 بينما لم تفصله الإدارة إلا في 1/ 11/ 1959، ومن ثم يكون من حقه البقاء في الخدمة حتى سن الخامسة والستين طبقاً لشهادة ميلاده - وليس طبقاً لقرار القومسيون الطبي غير النهائي. وطلب المدعي الحكم بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار الإداري الصادر من إدارة النقل العام لمنطقة الإسكندرية في 19/ 10/ 1959 بفصله من الخدمة اعتباراً من 1/ 11/ 1959 وما يترتب على ذلك من آثار واحتياطياً باستحقاقه تعويضاً يتناسب مع ما كان يتقاضاه من أجر وإعانة غلاء معيشة فيما لو استمر في الخدمة حتى بلوغه السن القانونية استناداً إلى شهادة ميلاده، وإلزام الإدارة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة - وعقبت إدارة النقل العام على الدعوى فقالت أن المدعي التحق بخدمة الإدارة باسم "خميس عبد الحميد مصطفى" ولم يقدم شهادة ميلاده ضمن مسوغات التعيين وطبقاً للأمر الإداري رقم 67/ 509 كان يتعين على المدعي تقديم شهادة ميلاده أو مستخرج رسمي منها خلال المدة التي حددها القرار الإداري سالف الذكر إلا أنه لم يتقدم بشيء من ذلك، ومن ثم أحالته الإدارة إلى القومسيون الطبي في 22/ 10/ 1953 الذي قدر سنه في ذلك التاريخ بستين سنة وبعد ذلك تقدم المدعي بشهادة ميلاد باسم مغاير لاسمه الذي التحق به في خدمة الإدارة، وطلبت منه الإدارة تصحيح الاسم حتى يتسنى لها اعتماد شهادة الميلاد الصحيحة. وأقام المدعي باتخاذ إجراءات التصحيح وتقدم بها للإدارة في 17/ 11/ 1953 وفصل المدعي من الخدمة اعتباراً من 1/ 11/ 1959 أخذاً بقرار القومسيون الطبي باعتباره الأساس في إنهاء خدمة المدعي في حالة عدم وجود شهادة الميلاد أو المستخرج الرسمي منها، وذلك لأنه إذا لم يقدم الموظف شهادة ميلاده أو المستخرج الرسمي منها عند التعيين يكون الاعتداد بتقدير القومسيون الطبي لسنه، ولا يقبل منه الطعن بعد ذلك في هذا التقدير ولو قدم شهادة الميلاد فيما بعد. واستطردت الإدارة تقول أنه لا صحة لما يتحدى به المدعي من أنه تقدم بشهادة ميلاده قبل إحالته إلى القومسيون الطبي لأنه لو كان فعل ذلك لما أحيل إلى القومسيون الطبي أصلاً بقصد تقدير سنه. والثابت من الأوراق أنه أحيل إلى القومسيون الطبي في 22/ 10/ 1953 الذي قدر سنه بستين سنة ثم تقدم بشهادة ميلاد باسم مغاير ورأت الإدارة ضرورة تصحيح الاسم الوارد بها حتى يمكن اعتمادها. وتم إجراء التصحيح وتقدم بها المدعي في 17/ 11/ 1953 أي بعد صدور قرار القومسيون الطبي الذي لم يعد بد من النزول عليه. وأضافت الإدارة أن تسامحها مع المدعي والإبقاء عليه في الخدمة إلى ما بعد بلوغه سن الخامسة والستين في 21/ 10/ 1958 لا يمكن أن ينشئ له حقاً في البقاء في الخدمة إلى أن يبلغ الخامسة والستين طبقاً لشهادة ميلاده وعلى ذلك يكون القرار الصادر بفصل المدعي من الخدمة قد صدر سليماً مطابقاً للقانون ولما كان القرار المطعون فيه قد خلا من العيب وفي حدود القانون، فإن الإدارة لا تكون قد وقعت في الخطأ بإصداره، ومن ثم لا تسأل عن التعويض عنه وخلصت الإدارة إلى طلب الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات.
وكرر المدعي في المذكرة المقدمة منه في 16/ 6/ 1960 أوجه دفاعه السابق إيضاحها وانتهى إلى الصميم على طلباته.
وقدم مفوض الدولة تقريراً رأى فيه رفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات على أساس أنه لم يبين من الأوراق أن المدعي قد قدم شهادة ميلاده عند التحاقه الخدمة أو قبل إحالته إلى القومسيون الطبي لتقدير سنه، وعلى ذلك يعتبر تقديم القومسيون الطبي سنه نهائياً ولا يحق للمدعي الاستناد إلى شهادة ميلاده، ويكون فصله مطابقاً للقانون، ومن ثم لا يجب تعويض المدعي عنه.
وبجلسة 21 من نوفمبر سنة 1960 قضت المحكمة بإلغاء القرار الصادر من مدير عام إدارة النقل العام لمنطقة الإسكندرية في 19/ 10/ 1959 بفصل المدعي من الخدمة اعتباراً من 1/ 11/ 1959، وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الإدارة بالمصروفات ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة.
وأقامت المحكمة قضاءها على أن الأصل في تقدير سن الموظفين والعمال هو الاعتداد بشهادة الميلاد أو بالشهادة الرسمية المستخرجة من دفتر المواليد وأنه في حالة عدم إمكان الحصول على إحدى هاتين الشهادتين يكون الاعتداد بتقدير القومسيون الطبي المختص وقد أوجب القانون احترام تقدير القومسيون الطبي لسن الموظف أو العامل ولم يجز الطعن فيه بحال من الأحوال أو الرجوع فيه لسبب أو لآخر إذ كان سبب التقدير هو عدم تقديم الموظف أو العامل شهادة ميلاده أو الشهادة الرسمية المستخرجة من دفتر قيد المواليد. ولئن كان ملف خدمة المدعي قد خلا مما يثبت أنه قدم شهادة ميلاده عند التحاقه بالخدمة، وكان المدعي قد ذهب في هذه الدعوى مذهباً يؤكد فيه أنه قدم هذه الشهادة في أول أكتوبر سنة 1953 قبل إحالته إلى القومسيون الطبي في 22/ 10/ 1953 لتقدير سنه ولئن كان ملف خدمة المدعي قد خلا من الدليل المثبت لصحة هذا الإدعاء - إلا أن المحكمة ترجح أن المدعي كان قد تقدم بشهادة ميلاده في تاريخ سابق على إحالته إلى القومسيون الطبي لتقدير سنه ولما كان اسم المدعي الثابت في هذه الشهادة هو "خميس السيد فودة" وتاريخ ميلاده هو 12/ 10/ 1899 وكان اسمه الذي التحق به بالخدمة واستمر به على أساسه هو "خميس عبد الحميد مصطفى" فقد رفضت الإدارة الاعتداد بشهادة ميلاده لاختلاف الاسم الثابت فيها على الاسم الثابت فيها على الاسم الذي تتعامل به مع المدعي وطلبت منه تصحيح اسمه وإثبات أن الاسمين لشخص واحد. وفي أثناء ذلك أحالته إلى القومسيون الطبي لتقدير سنه وكان المدعي في ذات الوقت يعمل على استخراج شهادة رسمية بأن الاسمين المذكورين هما لشخص واحد هو ذاته - أي المدعي - ونجح في ذلك وقدم شهادة تصحيح الاسم ومعها ميلاده مرة أخرى في 17/ 11/ 1953 ومع ذلك التاريخ اعتدت الإدارة باسمه الصحيح الثابت في شهادة الميلاد وهو "خميس السيد فودة" وإذا كانت المحكمة قد أطمأنت إلى أن المدعي كان قد قدم شهادة ميلاده في تاريخ سابق على إحالته إلى القومسيون الطبي ثم اطمأنت إلى أنه قدمها ومعها شهادة التصحيح في 17/ 11/ 1953 فإنه ينبغي التنويه إلى أن ملف خدمة المدعي قد خلا أيضاً مما يثبت تاريخ تقديم المدعي شهادة الميلاد المصححة، إلا أن الإدارة أقرت في المذكرات المرفوعة من قسم المستخدمين إلى إدارة الشئون القانونية بعد تظلم المدعي من القرار الصادر بفصله من الخدمة بأنه - أي المدعي - تقدم بشهادة ميلاده والشهادة الإدارية المصححة في 17/ 11/ 1953 فإذا كان ملف خدمة المدعي قد خلا من الدليل على تاريخ تقديم المدعي لشهادة ميلاده لأول مرة ولثاني مرة أيضاً، فإن المحكمة تترخص في تقدير الميعاد الذي قدم فيه المدعي شهادة ميلاده لأول مرة وما كان المدعي ليسعى من تلقاء نفسه إلى استخراج شهادة رسمية بتصحيح اسمه لولا أنه كان قد تقدم بشهادة ميلاده من قبل، ثم رأت الإدارة عدم الاعتداد بها لاختلاف الاسم الوارد فيها عن الاسم الذي تتعامل بمقتضاه مع المدعي منذ التحاقه بالخدمة، وبناء على ذلك أحالته إلى القومسيون الطبي لتقدير سنه على أساس أنه لم يقدم شهادة ميلاده أو الشهادة الرسمية المستخرجة من دفتر المواليد كما سعى إلى إثبات أن الاسم الثابت في شهادة الميلاد والاسم الذي يتعامل به مع الإدارة وهما اسمان لشخص واحد، هو المدعي ذاته وبناء على ما تقدم تكون الإدارة عندما أحالت المدعي إلى القومسيون الطبي لتقدير سنه في 22/ 10/ 1953 قد خالفت القانون، لأن هذه الإحالة لا تجب قانوناً إلا حيث لا يقدم الموظف أو العامل شهادة ميلاده أو المستخرج الرسمي من دفتر قيد المواليد، ومن ثم لا يجب الاعتداد بتقدير القومسيون الطبي لسن المدعي إذ لا يعتبر هذا التقدير قد ورد على حالة من الحالات التي يجب فيها الاعتداد به ويتعين التعويل على شهادة ميلاد المدعي في تحديد السن التي يحال فيها إلى التقاعد قانوناً. وهذه الشهادة دون غيرها من الأدلة والتقديرات هي عنوان الحقيقة في تحديد سن المدعي، ومن ثم في تحديد السن التي يحال عندها إلى التقاعد وإذ صدر قرار المدير العام لإدارة النقل العام بفصل المدعي من الخدمة استناداً إلى تقدير القومسيون الطبي لسنه ستين سنة في 22/ 10/ 1953 فإن هذا القرار يكون قد انطوى على مخالفة القانون.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أنه تثبت سن الموظف عند التعيين بشهادة الميلاد أو بصورة رسمية منها مستخرجة من سجلات المواليد وإلا حددت السن بقرار من القومسيون الطبي العام ويكون هذا القرار غير قابل للطعن حتى ولو قدمت بعد ذلك بشهادة الميلاد أو صورتها الرسمية - وأن المحكمة قالت في حكمها المطعون فيه أن ملف خدمة المدعي قد خلا من الدليل على تقديم المدعي شهادة ميلاده أو مستخرجاً رسمياً منها إلا أنها رجحت تقديمه للشهادة في تاريخ سابق على الإحالة للقومسيون ولم تدعم هذا الترجيح بما ينهض دليلاً على ذلك بل بنت اعتقادها هذا على أن مجرد تصحيح الاسم سبب يؤكد تقدمه بالشهادة المذكورة بها اسم غير اسمه قبل إحالته للقومسيون - ولما كانت الأحكام لا تبنى على افتراضات لا يسندها الدليل المادي فإن ما ذهبت إليه المحكمة الإدارية قد استند إلى واقعة لا دليل عليها من الأوراق بقول ذات المحكمة - ولما كان لقرار القومسيون حجية في شأن تقدير السن فإن قرار فصل المدعي لبلوغه السن القانونية وإن تراخى لا يكسبه حقاً في القضاء أكثر من هذه المدة وبناء على ذلك يكون الحكم قد أخطأ في تطبيق القانون وقام به وجه من أوجه الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إنه لا منازعة في أن سن الموظف تثبت عند التعيين بشهادة ميلاده أو بصورة رسمية منها مستخرجة من سجلات المواليد باعتبارها ناطقة بالحقيقة من حيث تحديد سن صاحبها. فإن امتنع تقديمها لسبب من الأسباب حددت السن بقرار من القومسيون الطبي العام ويكون هذا القرار غير قابل للطعن حتى ولو قدمت بعد ذلك شهادة الميلاد أو صورتها الرسمية. وأنه ومن الأصول المسلم بها أن كل ما يتعلق بالموظف من أوراق وبيانات تثبت أن له حقاً ينبغي أن تكون مودعة بملف خدمته باعتباره وعاء عمله الطبيعي أو في القليل يتعين أن يشار في الأوراق التي يقدمها بما لا يدع مجالاً للمنازعة في هذا التقديم، ما دام صاحب الشأن يزعم أنها قدمت بالطريق الرسمي إلى الجهة الإدارية المختصة في الميعاد المحدد لذلك قانوناً.
ومن حيث إنه لا جدال في أن سبق تقديم شهادة الميلاد قبل أن تهم جهة الإدارة بإحالة الموظف إلى القومسيون الطبي وهو من الأمور التي يتوقف عليها استقرار علاقة الموظف بالحكومة على أساس ثابت غير قلق - ينبغي أن يثبت بطريق يقيني قاطع لا مجال فيه للظن وليس أكفل لتوافر هذا الدليل القطعي من ثبوت تقديم هذه الشهادة بدليل يستفاد من أوراق الملف ذاتها منعاً من التلاعب في تحديد السن أو إبراز هذه الشهادة بعد تمام الإحالة إلى القومسيون حسبما توحي إليه المصلحة الخاصة.
ومن حيث إنه قد بان للمحكمة أن ملف خدمة المطعون ضده قد خلا من وجود ما يثبت أنه تقدم بشهادة ميلاده في الميعاد المحدد كما أن أوراق الدعوى تفتقر إلى قيام الدليل المادي على حصول هذه الواقعة وعلى ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه على أن شهادة الميلاد قد قدمت في الميعاد لمجرد الاطمئنان إلى ذلك واستناداً إلى الظن الذي لا يغني عن الدليل شيئاً واستنتاجاً من أقوال مرسلة وملابسات لا تؤيدها الأوراق قد استخلص واقعة تقديم الشهادة المذكورة استخلاصاً غير سائغ من أصول لا تنتجها ولا تبرر النتيجة التي انتهى إليها، ومن ثم يكون الحكم قد وقع مخالفاً للقانون حقيقاً بالإلغاء ويتعين القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى مع إلزام رافعها بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.