مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الثاني (من أول فبراير 1964 إلى آخر مايو 1964) - صـ 994

(88)
جلسة 19 من إبريل 1964

برئاسة السيد/ عبد العزيز الببلاوي رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة: محمود سعد الدين الشريف ومحمد تاج الدين يس وعبد الفتاح نصار وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 897 لسنة 7 القضائية

( أ ) حكم - تفسيره - لا يكون إلا بالنسبة لقضائه الوارد في منطوقة دون أسبابه إلا ما كان منها مرتبطاً بالمنطوق ارتباطاً جوهرياً مكوناً لجزء منه مكملاً له - مناطه - أن يقع بالمنطوق غموض أو إبهام يقتضي الإيضاح والتفسير لاستجلاء قصد المحكمة فيما غمض أو أبهم ابتغاء الوقوف على حقيقة المراد منه حتى يتسنى تنفيذ الحكم بما يتفق وهذا القصد.
(ب) حكم تفسيري - اعتباره متمماً للحكم الذي يفسره من جميع الوجوه لا حكماً جديداً - أثر ذلك ونطاق التفسير - اقتصاره على إيضاح ما أبهم من الحكم بحسب تقدير المحكمة لا ما التبس على الخصوم فهمه رغم وضوحه - عدم مجاوزة حدود التفسير إلى التعديل - لا محل لطلب التفسير: إذا تعلق بأسباب منفكة عن المنطوق، أو بمنطوق لا غموض فيه ولا إبهام أو إذا استهدف تعديل ما قضى به الحكم ولو كان خاطئاً أو إذا رمى إلى إعادة مناقشة ما فصل فيه من الطلبات الموضوعية - أساس ذلك.
(جـ) حكم الإلغاء - تنفيذه - تفسيره - الحكم بإلغاء قرار الترقية فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية - استناده في ذلك إلى الأقدمية الواجب اعتبارها للمدعي التي تجعله أقدم من المطعون على ترقيتهما - تنفيذ منطوق هذا الحكم في ضوء الأسباب المرتبطة به يقتضي صرف الفروق المالية المترتبة على الإلغاء كأثر حتمي له - ترك النص على صرف هذه الفروق في المنطوق قد جعل المنطوق مبهماً وغامضاً، ولا يعتبر عدولاً عن ترتيب هذه الأثر وأعماله - أساس ذلك.
1 - أن المشرع أجاز في المادة 366 من قانون المرافعات المدنية والتجارية للخصوم أن يطلبوا إلى المحكمة التي أصدرت الحكم تفسير ما وقع في منطوقه من غموض أو إبهام. وذلك بطلب يقدم بالأوضاع المعتادة لرفع الدعاوى، ونص في المادة 377 منه على أن الحكم الصادر بالتفسير يعتبر من كل الوجوه متمماً للحكم الذي يفسره أي ليس حكماً مستقلاً، ومفاد ذلك أن طلب تفسير الحكم لا يكون إلا بالنسبة إلى قضائه الوارد في منطوقه وهو الذي يحوز حجية الشيء المقضى به أو قوته دون أسبابه إلا ما كان من هذه الأسباب مرتبطاً بالمنطوق ارتباطاً جوهرياً ومكوناً لجزء منه مكملاً له، كما لا يكون إلا حيث يقع في هذا المنطوق غموض أو إبهام يقتضي الإيضاح والتفسير لاستجلاء قصد المحكمة فيما غمض أو أبهم ابتغاء الوقوف على حقيقة المراد منه حتى يتسنى تنفيذ الحكم بما يتفق وهذا القصد.
2 - يعتبر الحكم الصادر بالتفسير متمماً للحكم الذي يفسره من جميع الوجوه لا حكماً جديداً وبهذه المثابة يلتزم أن يقف عند حد إيضاح ما أبهم بالفعل بحسب تقدير المحكمة لا ما التبس على ذوي الشأن فهمه على الرغم من وضوحه وذلك دون المساس بما قضى به الحكم المفسر ينقص أو زيادة أو تعديل وإلا كان في ذلك إخلال بقوة الشيء المقضى به وفي هذا النطاق يتحدد موضوع طلب التفسير فلا يكون له محل إذا تعلق بأسباب منفكة عن المنطوق أو بمنطوق لا غموض فيه ولا إبهام أو إذا استهدف تعديل ما قضى به الحكم بالزيادة أو النقص ولو كان قضاؤه خاطئاً أو إذا رمى إلى إعادة مناقشة ما فصل فيه من الطلبات الموضوعية، أياً كان وجه الفصل في هذه الطلبات.
3 - أن قضاء المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 117 لسنة 3 القضائية قد صدر بإلغاء القرار الإداري رقم 517 المؤرخ 9 من مايو سنة 1954 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الخامسة الإدارية، وجاء في الأسباب أن هذا القضاء استند إلى الأقدمية الواجب اعتبارها للمدعي التي تجعله أقدم من المطعون على ترقيتهما، وعلى هذا فإن تنفيذ منطوق هذا الحكم في ضوء الأسباب المرتبطة به يقتضي بالضرورة صرف الفروق المالية المترتبة على الإلغاء على أنه ولئن كان صرف الفروق بهذه المثابة من الآثار الحتمية لمنطوق الحكم المطلوب تفسيره وأسبابه المرتبطة به إلا أن ترك النص على صرف هذه الفروق في ذلك المنطوق رغم المطالبة أمام المحكمة العليا في مذكرة المدعي قد يجعل المنطوق مبهماً وغامضاً، لأنه قد يثير التساؤل حول مدى إجابة المحكمة لهذا الطلب مع أن الأمر لا يحتمل جدالاً اعتباراً بأن استحقاق هذه الفروق هو من النتائج الحتمية لحكم الإلغاء. وقد يزيد المنطوق إبهاماً ما درجت عليه الأحكام من تضمين منطوقها الآثار المترتبة على الحكم بالإلغاء ومن هذه الآثار على وجه القطع واليقين تلكم الفروق المالية التي يستحقها المحكوم لصالحه نتيجة إرجاع ترقيته إلى تاريخ القرار المقضي بإلغائه فيما تضمنه من تخطيه في الترقية بالقرار المطعون فيه بمعنى أن المحكمة عندما سكتت في الحكم المطلوب تفسيره في أسبابها ومنطوقها عن النص على هذا الأثر الحتمي لم ترد العدول عن ترتيبه وإعماله وعلى ذلك فإن الأمر يستدعي تفسير ذلك المنطوق بما يفيد تضمنه لهذا الأثر الحتمي واستحقاق المدعي للفروق المالية المترتبة على ذلك الحكم.


إجراءات الطعن

رفع المدعي هذه الدعوى بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 6 من مارس سنة 1961 طالباً تفسير الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 117 لسنة 3 القضائية بتاريخ 13 من فبراير سنة 1959.
وقال شرحاً لدعواه أنه سبق أن رفع الدعوى رفع 571 لسنة 9 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري ضد وزارة الحربية يطلب فيها الحكم بإلغاء القرار الإداري رقم 517 بتاريخ 9 من مايو سنة 1954 بترقيه عبد الحميد مصطفى وعبد الحميد فضلي إلى الدرجة الخامسة بالكادر الإداري فيما تضمنه من تخطيه في هذه الترقية وإلزام الحكومة بالمصروفات. غير أن محكمة القضاء الإداري (هيئة ثالثة) حكمت برفض الدعوى. وفي 2 يناير سنة 1957 طعن رئيس هيئة مفوضي الدولة في ذلك الحكم وتقيد طعنه برقم 117 لسنة 3 القضائية طالباً فيه قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بإلغاء القرار رقم 517 سالف الذكر وإلزام الحكومة بالمصروفات. وبجلسة 14 فبراير سنة 1959 حكمت المحكمة الإدارية العليا بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلغاء القرار 517 المشار إليه فيما تضمنه من تخطي المدعي للترقية إلى الدرجة الخامسة بالكادر الإداري وألزمت الحكومة بالمصروفات.
ويقول المدعي أن الوزارة بعد أن قامت بتنفيذ الحكم تنفيذاً صحيحاً وصرفت له الفروق المستحقة له كنتيجة لإلغاء القرار المطعون فيه وما يستتبع ذلك من تعديل في أقدمية الدرجة الخامسة وفي الدرجات التالية، عادت واستردت ما صرفته له بالفعل من فروق مالية مستندة في ذلك إلى أن الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا لم ينص على صرف الفروق المالية ومن ثم فإنه يحق له أن يستصدر من المحكمة الإدارية العليا حكماً بتفسير الحكم الصادر منها على أساس أن المحكمة قد أغفلت النص على أحد الآثار المترتبة حتماً على صدور حكمها بإلغاء القرار المطعون فيه، أو على أساس أن عدم النص على هذا الأثر الحتمي أمر غامض من شأن المحكمة وحدها التي أصدرت الحكم المطعون فيه أن تجلوه.
وانتهى المدعي إلى طلب تفسير الحكم بما يلزم وزير الحربية بأن يدفع له كافة الآثار المترتبة على إلغاء القرار الذي صدر حكم المحكمة الإدارية العليا بإلغائه في الطعن رقم 117 لسنة 3 القضائية مع إلزامه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها في الدعوى انتهت فيه إلى طلب رفضها بمقولة أنه ليس ثمة غموضاً في منطوق حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 117 لسنة 3 القضائية المشار إليه المطلوب تفسيره - وإذا صح أن النزاع قد ثار في شأن الفروق المالية المترتبة على تنفيذ الحكم بالإلغاء بين المدعي والوزارة فتلك مسألة متعلقة بكيفية تنفيذ الحكم ولا تتصل بتفسير منطوقة.
ودفعت الحكومة الدعوى بأن طلب التفسير لا يستند إلى أساس من القانون ذلك أن منطوق الحكم واضح لا غموض فيه ولا إبهام ذلك أنه قضى بإلغاء القرار فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الخامسة بالكادر الإداري دون أن يقضي بأية فروق مالية قد تترتب على هذا الإلغاء وعلى ذلك فإن المدعي إنما يستهدف من دعوى التفسير تعديل ما قضى به الحكم بالزيادة، ومن ثم تكون الدعوى في غير محلها كما ذهبت الحكومة إلى أن الفروق المالية لا يمكن أن تترتب حتماً وبطريق اللزوم على الحكم بإلغاء قرار التخطي في الترقية بمقولة أن استحقاق المدعي لهذه الفروق مترتب على اعتباره مرقى الأمر الذي لا يتم إلا بصدور قرار إداري جديد ينشئ المراكز القانونية في هذا الشأن.
وبعد تحضير الدعوى تحدد لنظرها جلسة وفيها وفي الجلسات التالية نظرت على التفصيل الموضح بمحضر الجلسة وتحدد للنطق بالحكم جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة قانوناً.
من حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من الأوراق تتحصل في أن المدعي رفع في 13 مارس سنة 1955 الدعوى رقم 571 لسنة 9 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة أ) ضد وزارة الحربية طلب فيها الحكم بإلغاء القرار الإداري رقم 517 بتاريخ 9 مايو سنة 1954 بترقية عبد الحميد مصطفى وعبد الحميد فضلي إلى الدرجة الخامسة بالكادر الإداري فيما تضمنه من تخطيه في هذه الترقية مع إلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وأوضح المدعي أنه خلت درجتان خامسة بالكادر الإداري فصدر القرار المطعون فيه بترقية المطعون على ترقيتهما رغم أنهما من أصحاب المؤهلات التكميلية ولو طبقت الوزارة أحكام المادة السادسة من القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية وهي التي تفترض للجامعيين أقدمية مقدارها ثلاث سنوات على أصحاب المؤهلات التكميلية لاستحق الترقية إلى هاتين الدرجتين جامعيان من موظفي الوزارة، هما السيد/ رفعت محمد يوسف محفوظ والثاني هو المدعي غير أن إدارة المستخدمين بالوزارة استندت في إجراء ترقية أصحاب الشهادات التكميلية إلى فتوى شعبة الشئون المالية والاقتصادية بمجلس الدولة المؤرخة 29/ 4/ 1954، كما استندت إلى هذه الفتوى في ترتيب أقدمية المدعي ترتيباً مخالفاً للقانون وأخذ المدعي يدلل على مدى مجانبة هذا التقصير لنص المادة السادسة من قانون المعادلات، وأوضح أن الأثر القانوني المترتب على هذا النص هو إلزام كل مصلحة بتعديل كشوف الأقدميات بحيث تحسب لكل صاحب شهادة عالية أقدمية قدرها ثلاث سنوات على صاحب الشهادة المقرر لها الدرجة السادسة المخفضة وهذا التعديل في الأقدمية لا يتأثر بداهة بوجود أصحاب شهادات متوسطة في هذا الكشف ودفعت الوزارة بأن المطعون على ترقيتهما هما الأول والثاني في كشف أقدمية الدرجة السادسة الإدارية وترجع أقدميتهما فيها إلى 2/ 8، 11/ 10/ 1948 أما المدعي فأقدميته فيها من 18/ 1/ 1950 وأن القاعدة الواردة في قانون المعادلات الدراسية هي قاعدة استثنائية لم تواجه إلا حالة واحدة هي حالة التنافس، أما إذا تدخلت طائفة أصحاب الشهادات المتوسطة بين طائفة أصحاب الشهادات الجامعية والشهادات التكميلية المقرر لها 500 م و10 ج في الدرجة السادسة فيمتنع تطبيق هذا الاستثناء وتتعين العودة للقواعد العامة للترقي المنصوص عليها في القانون رقم 210 لسنة 1951 عملاً بالقاعدة المتبعة وهي أن الاستثناء لا يجوز التوسع فيه - وبجلسة 8 نوفمبر سنة 1956 حكمت محكمة القضاء الإداري برفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات واستندت في قضائها إلى أن هذه الأقدمية الاعتبارية لا تقوم لها قائمة إلا عندما ينحصر التنافس بين حملة الشهادات التكميلية وبين حملة المؤهلات العالية وهو ما لا يقع إلا عندما يكون حامل الشهادة العالية تالياً في الترتيب مباشرة لحامل الشهادة التكميلية فإذا توسط بينهما أحد ممن لا يحتج قبلهم بتلك الأقدمية النسبية كحملة المؤهلات المتوسطة فإن التنافس عندئذ لا يقوم.
وفي 2 يناير سنة 1957 طعن رئيس هيئة المفوضين في ذلك الحكم طالباً قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بإلغاء القرار المطعون فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الخامسة الإدارية وإلزام الحكومة بالمصروفات وتقيد الطعن برقم 117 لسنة 3 القضائية واستند الطعن إلى ما سبق أن أبدته هيئة المفوضين في نقطة النزاع القائمة في الطعن رقم 64 لسنة 3 القضائية بتاريخ 22/ 12/ 1956 من أن فكرة التنافس التي أخذ بها الحكم المطعون لا تتفق والتفسير الصحيح لنص المادة السادسة لأن التنافس أساس الرأي قائم دائماً أبداً بين الموجودين في درجة واحدة فتوجد الصلاحية بجواز الأقدمية كما توجد نسبة الكفاية بجواز نسبة الأقدمية وهو ما سارت عليه أحكام المحكمة العليا - وعند تحضير الطعن أمام هيئة المفوضين قدم مندوب الوزارة في جلسة المناقشة في 15/ 7/ 1958 خطاباً من وزارة الحربية يتضمن موافقتها على تسوية الموضوع طبقاً لحكم المحكمة الإدارية العليا وقرر مفوض الدولة تأجيل المناقشة لجلسة 29/ 7/ 1958 لتقدم الوزارة قراراً وزارياً بتعديل أقدمية المطعون لصالحه طبقاً للمبدأ الذي وضعته المحكمة الإدارية العليا مع الإنذار في الغرامة وتكرر التأجيل لتنفيذ ذلك القرار حتى جلسة 13/ 8/ 1958 وأثبت المفوض في المحضر ما يأتي: "وقد لفتنا نظر الحاضر عن الوزارة أن عدم تنفيذ المبدأ الذي قررته المحكمة العليا في جميع أجزائه بما فيها صرف الفروق قد يعرضها للغرامة في حالة عدم تنفيذ مبدأ المحكمة العليا وطلب مندوب الوزارة التأجيل حتى يتصل بديوان الموظفين". وتقرر التأجيل لجلسة 21/ 10/ 1958 وفيها حضر مندوب الوزارة وقرر أن مسلك الوزارة في هذا الطعن هو ذات مسلكها في الطعن رقم 852 لسنة 3 وأنها ملزمة بكتاب ديوان الموظفين فقرر المفوض إنهاء المناقشة وعرض الطعن على المحكمة العليا - وفي 14/ 2/ 1959 حكمت المحكمة الإدارية العليا في الطعن 117 لسنة 3 بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلغاء القرار الإداري المطعون فيه فما تضمنه من تخطي المدعي للترقية إلى الدرجة الخامسة الإدارية بالكادر الإداري وألزمت الحكومة بالمصروفات واستندت في قضائها إلى المبدأ الذي سبق أن حكمت به في الطعن رقم 64 لسنة 3 القضائية وغيره من الطعون التي تقوم على ذات المنازعة ولكنها لم تقض في حكمها المطلوب تفسيره بالآثار المترتبة على قضائها ومنها صرف الفروق المالية المترتبة على إلغاء القرار المطعون ومع ذلك فإن جهة الإدارة بعد إعلانها بذلك الحكم نفذته كاملاً بأن أجرت ترقية المدعي إلى الدرجة الخامسة الإدارية وأرجعت أقدميته فيها إلى تاريخ القرار المطعون والذي قضى بإلغائه أي إلى 9 مايو سنة 1954 وصرفت الفروق المالية المستحقة على هذا الأساس غير أن الوزارة تداولت وقررت استرداداً ما صرفته للمدعي من هذه الفروق المالية بمقولة أن الحكم المطلوب تفسيره لم يقض بها فرفع المدعي هذه الدعوى طالباً تفسير الحكم بما يلزم الوزارة بأن تدفع له كافة الآثار المترتبة على إلغاء القرار المطعون مع إلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث إن المشرع أجاز في المادة 366 من قانون المرافعات المدنية والتجارية للخصوم أن يطلبوا إلى المحكمة التي أصدرت الحكم تفسير ما وقع في منطوقه من غموض أو إبهام. وذلك بطلب يقدم بالأوضاع المعتادة لرفع الدعاوى، ونص في المادة 377 منه على أن الحكم الصادر بالتفسير يعتبر من كل الوجوه متمماً للحكم الذي يفسره أي ليس حكماً مستقلاً، ومفاد ذلك أن طلب تفسير الحكم لا يكون إلا بالنسبة إلى قضائه الوارد في منطوقه وهو الذي يحوز حجية الشيء المقضى به أو قوته دون أسبابه إلا ما كان من هذه الأسباب مرتبطاً بالمنطوق ارتباطاً جوهرياً ومكوناً لجزء منه مكملاً له، كما لا يكون إلا حيث يقع في هذا المنطوق غموض أو إبهام يقتضي الإيضاح والتفسير لاستجلاء قصد المحكمة فيما غمض أو انبهم ابتغاء الوقوف على حقيقة المراد منه حتى يتسنى تنفيذ الحكم بما يتفق وهذا القصد. ويعتبر الحكم الصادر بالتفسير متمماً للحكم الذي يفسره من جميع الوجوه لا حكماً جديداً ولهذه المثابة يلتزم أن يقف عند حد إيضاح ما أبهم بالفعل بحسب تقدير المحكمة لا ما التبس على ذوي الشأن فهمه على الرغم من وضوحه وذلك دون المساس بما قضى به الحكم المفسر ينقص أو زيادة أو تعديل وإلا كان في ذلك إخلال بقوة الشيء المقضى به وفي هذا النطاق يتحدد موضوع طلب التفسير فلا يكون له محل إذا تعلق بأسباب منفكة عن المنطوق أو بمنطوق لا غموض فيه ولا إبهام أو إذا استهدف تعديل ما قضى به الحكم بالزيادة أو النقص ولو كان قضاؤه خاطئاً أو إذا رمى إلى إعادة مناقشة ما فصل فيه من الطلبات الموضوعية، أياً كان وجه الفصل في هذه الطلبات.
ومن حيث إن حكم هذه المحكمة المطلوب تفسيره قد أفصح بوضوح في أسبابه من أن المدعي بالتطبيق للفقرة الثانية من المادة السادسة من القانون 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسة يعتبر وهو من حملة المؤهلات الجامعية في خصوص الترقية أقدم من المطعون على ترقيتهما بوصفهما الأول والثاني في ترتيب الأقدمية الأصلية وذلك بعد إضافة الثلاث سنوات التي ميزه بها القانون ويكون المدعي والحالة هذه أحق بالترقية قبلهما وعلى هذا الأساس انتهت إلى قولها "ومن حيث إنه على هدي ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه ويتعين إلغاؤه والقضاء بإلغاء القرار رقم 517 الصادر بتاريخ 9 مايو سنة 1954 بترقية عبد الحميد مصطفى عمر وعبد الحميد فضلي فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الخامسة بالكادر الإداري وبأحقية المدعي في الترقية لهذه الدرجة". والمحكمة العليا في هذا الحكم قضت بما استقر عليه قضاؤها في أمثال هذه المنازعة وهو ما سماه مفوض الدولة "بالمبدأ" الذي قضت به في الطعن رقم 64 لسنة 3 القضائية وغيره من المطعون المماثلة ومنها الطعن رقم 852 لسنة 3 القضائية أيضاً وهذا الطعن الذي تمسكت الحكومة بدفاعها عند تحضير الطعن رقم 117 لسنة 3 القضائية الصادر فيه الحكم المطلوب تفسيره.
ومن حيث إن قضاء المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 117 لسنة 3 القضائية قد صدر بإلغاء القرار الإداري رقم 517 المؤرخ 9 مايو سنة 1954 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الخامسة الإدارية، وجاء في الأسباب أن هذا القضاء استند إلى الأقدمية الواجب اعتبارها للمدعي التي تجعله أقدم من المطعون على ترقيتهما، وعلى هذا فإن تنفيذ منطوق هذا الحكم في ضوء الأسباب المرتبطة به يقتضي بالضرورة صرف الفروق المترتبة على الإلغاء على أنه ولئن كان صرف الفروق بهذه المثابة الحتمية لمنطوق الحكم المطلوب تفسيره وأسبابه المرتبطة به إلا أن ترك النص على صرف هذه الفروق في ذلك المنطوق رغم المطالبة أمام المحكمة العليا في مذكرة المدعي قد يجعل المنطوق مبهماً وغامضاً لأنه قد يثير التساؤل حول مدى إجابة المحكمة لهذا الطلب مع أن الأمر لا يحتمل جدالاً اعتباراً بأن استحقاق هذه الفروق هو من النتائج الحتمية لحكم الإلغاء. وقد يزيد المنطوق إبهاماً ما درجت عليه الأحكام من تضمين منطوقها الآثار المترتبة على الحكم بالإلغاء ومن هذه الآثار على وجه القطع واليقين تلكم الفروق المالية التي يستحقها المحكوم لصالحه نتيجة إرجاع ترقيته إلى تاريخ القرار المقضي بإلغائه فيما تضمنه من تخطيه في الترقية بالقرار المطعون فيه بمعنى أن المحكمة عندما سكتت في الحكم المطلوب تفسيره في أسبابها ومنطوقها عن النص على هذا الأثر الحتمي لم ترد العدول عن ترتيبه وأعماله وعلى ذلك فإن الأمر يستدعي تفسير ذلك المنطوق بما يفيد تضمنه لهذا الأثر الحتمي واستحقاق المدعي للفروق المالية المترتبة على ذلك الحكم.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بتفسير الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 117 لسنة 3 القضائية بتاريخ 14 فبراير سنة 1959 بما يجعل المدعي مستحقاً للفروق المالية المترتبة على حكمها المذكور بإلغاء القرار رقم 517 بتاريخ 9 مايو سنة 1954، وألزمت الحكومة بالمصروفات.