مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الثاني (من أول فبراير 1964 إلى آخر مايو 1964) - صـ 1096

(99)
جلسة 31 من مايو 1964

برئاسة السيد/ الدكتور محمود سعد الدين الشريف نائب رئيس المجلس وعضوية السادة: علي محسن مصطفى وعادل عزيز زخاري وحسنين رفعت حسنين وأبو الوفا زهدي محمد المستشارين.

القضية رقم 229 لسنة 7 القضائية

حكم - قوة الأمر المقضي - وجوب تفسير القواعد الخاصة بها تفسيراً ضيقاً والاحتراس في توسيع مداها - اختلاف الموضوع أو السبب أو الاخصام في الدعوى الثانية عنه في الأولى - أثره - لا قوة للحكم الأول تمنع من نظر الدعوى الثانية - أساس ذلك ومثال بالنسبة للنزاع حول استحقاق بدل التفرغ المقرر للمهندسين.
إذا شجر نزاع المدعي والحكومة حول استحقاق بدل تفرغ عن مدة سابقة وقضى في هذا النزاع برفضه في دعوى سابقة، فإنه يجوز له العود إلى هذا التنازع بالنسبة إلى مدة جديدة لم تسلم له الحكومة في شأنها باستحقاق هذا البدل ولا تقف من ثم قوة الشيء المقضي مانعاً من نظر الموضوع المغاير سواء توقف ثبوت استحقاق البدل خلال المدة الجديدة على ذات الشروط أو على شروط مغايرة وفقاً لقواعد تنظيمية جديدة ذلك أن القواعد الخاصة بقوة الأمر المقضي هي من القواعد الضيقة التفسير التي يجب الاحتراس من توسيع مداها منعاً للأضرار التي قد تترتب على هذا التوسيع وإذن فكلما اختل أي شرط من شروط تلك القاعدة كالموضوع أو السبب أو الاخصام بأن اختلف أيها في الدعوى الثانية عما كان عليه في الدعوى الأولى وجب الحكم بأن لا قوة للحكم الأول تمنع من نظر الدعوى الثانية، ومن ثم يتعين رفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها.


إجراءات الطعن

عن الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة الأشغال في الدعوى رقم 130 لسنة 5 القضائية الذي قضى بأحقية المطعون ضده في بدل التفرغ المقرر طبقاً لقرار السيد رئيس الجمهورية رقم 68 لسنة 57 اعتباراً من تاريخ العمل به في 1/ 8/ 1957 وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق المالية من ذلك التاريخ وإلزام الطاعنة بالمصروفات وطلب السيد الطاعن اعتماداً على أسباب طعنه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء أصلياً بعدم جواز نظر الدعوى السابقة الفصل فيها واحتياطياً برفضها وإلزام المطعون ضده بالمصروفات.
وفي أول يناير سنة 1961 أعلن الطعن للمطعون ضده وعين له أولاً جلسة 11/ 5/ 1963 وأخطر بها ذوو الشأن في 1/ 4/ 1963 فقررت بإحالته إلى هذه المحكمة فعينت له جلسة 19/ 4/ 1964 وأخطروا بها في 2/ 4/ 1964 فسمعت المحكمة ما رأت ضرورة سماعه من ملاحظات الطرفين ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع هذه المنازعة تجمل في أن المطعون ضده أقام دعواه بتاريخ 7/ 3/ 1958 طالباً فيها الحكم باستحقاقه لصرف بدل تفرغ طبقاً لأحكام قرار رئيس الجمهورية الصادر في 13/ 7/ 1957 بواقع مبلغ 9 جنيه تسعة جنيهات في الشهر ابتداء من 1/ 8/ 1957 وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وفي تبيان دعواه ذكر أنه حصل على دبلوم الفنون والصناعات في سنة 1930 والتحق بخدمة وزارة الأشغال بوظيفة رسام اعتباراً من 23/ 11/ 1930 وعندما طبقت عليه أحكام قانون المعادلات الدراسية رقى إلى الدرجة الخامسة الشخصية اعتباراً من 7/ 3/ 1953 وذلك إعمالاً لنص المادة - 40 مكرر من قانون نظام موظفي الدولة وأضاف إلى هذه الوقائع أن نقابة المهن الهندسية أصدرت قرارها في 9/ 7/ 1952 بقيده مهندساً في سجلاتها تحت رقم 24424/ مدني، ومن ثم يستحق بدل التفرغ الذي نص عليه قرار رئيس الجمهورية رقم 618 لسنة 1957.
ومن حيث إن تلك المحكمة أصدرت حكمها على النحو السالف ذكره وأقامت قضاءها على أن القرار المطلوب إعمال حكمه صدر بالتطبيق لحكم القانون 154 لسنة 1957 في شأن بدل التفرع للمهندسين وأن هذا القرار يمنح بدل التفرغ للمهندسين الحائزين على لقب مهندس بالتطبيق لنص المادة - 3 من القانون 89 لسنة 1946 بشرط أن يكون شاغلاً لوظيفة هندسية مخصصة في الميزانية لمهندسين وأن يكون قائماً بأعمال هندسية بحتة أو قائماً بالتعليم الهندسي وكذلك إلى المهندس الموجود حالياً في الخدمة ممن عومل بحكم القانون 67 لسنة 1950 ولا تتوافر فيه الشروط السابقة وذلك بشرط قيامه بأعمال هندسية بحته وأضاف الحكم إلى ما تقدم أن رفض التظلم المقدم من المطعون ضده إلى اللجنة القضائية يطلب منحه بدل تفرغ على أساس القانون 67 لسنة 1950 لا يحول دون نظر دعواه يطلب بدل تفرغ على أساس آخر حتى لو قيل أن قرار اللجنة القضائية له حجية الشيء المقضي فيه باعتبار قرارها حكماً إذ هو طلب أولاً على أساس منحه لقب مهندس وطلب أخيراً ارتكاناً على سبب آخر وابتداء من 1/ 8/ 1957 أي بعد العمل بالقرار الجمهوري رقم 618 لسنة 1957 ولما كان لكل من القانون وقرار رئيس الجمهورية مجاله ولكل شرائط لأعماله فلا محل إذا للقول بعدم جواز نظر هذه الدعوى إذ أساسها الجديد يغاير أساس الدعوى الأولى ثم استعرضت شرائط هذا القرار وانتهت بالقول بتوافرها في شأنه.
ومن حيث إن الطعن أسس من ناحية الشكل على أن القانون 67 لسنة 1950 اشترط شرطين لازمين الأول منهما: - الاشتغال بأعمال هندسية بحتة. والثاني: الحصول على شهادة جامعية أو ما يعادلها مما يؤهل في التعيين في الدرجة السادسة أو الحصول على لقب مهندس وشرط الاشتغال بأعمال هندسية لا زال لازماً للإفادة من القرار الجمهوري رقم 617 لسنة 1957 وإذ قضت اللجنة القضائية في هذا الشرط بأنه متخلف ولكن عندما نظرت المحكمة الإدارية الدعوى رقم 311 لسنة 3 القضائية قضت بعدم جواز نظرها لسابقة الفصل فيها وقررت أيضاً عدم استحقاق المطعون ضده لبدل التخصص فإذا ما عاد إلى إقامة هذه الدعوى فهو عود منه إلى خصومة سبق الفصل فيها قضائياً قضاءاً حائز قوة الشيء المقضي فيه، وعلى أساس هذا النظر يكون الدفع بعدم جواز نظر الدعوى الحالية لسابقة الفصل فيها قائماً وتوافرت له الأسباب القانونية لوجوده.
ومن ناحية الموضوع أقيم على أن القانون 154 لسنة 1957 في شأن بدل التفرغ للمهندسين نص على أنه يجوز بقرار من رئيس الجمهورية منح بدل التفرغ للمهندسين بالشروط التي ينص عليها هذا القرار ثم ألغى هذا القانون السابق عليه الرقيم 67 لسنة 1950 كما قرر العمل به من الشهر التالي لتاريخ نشره في 13/ 7/ 1957 وتنفيذاً للقانون 154 لسنة 1957 صدر القرار الجمهوري 618 لسنة 1957 الذي منح بدل التفرغ للمهندسين الحاصلين على لقب مهندس طبقاً لنص المادة 3 من القانون 89 لسنة 1946 بشرط أن يكونوا شاغلين لوظائف هندسية مخصصة في الميزانية لمهندسين وأن يكونوا مشتغلين بصفة فعلية بأعمال هندسية بحتة أو قائمة بالتعليم الهندسي كما منح المهندسين الموجودين حالياً في الخدمة ممن عوملوا بأحكام القانون 67 لسنة 1950 ولا تتوافر فيهم الشروط السابقة بشرط قيامهم بأعمال هندسية بحتة. وإذ وظيفة المطعون ضده المدرجة في الميزانية وظيفة "رسام" من الدرجة الخامسة الفنية الشخصية بالكادر الفني المتوسط وليست من المخصصة لمهندسين ولم يصدر قرار إداري يغير منها وإذ كان من اللازم توافر شروط القرار الجمهوري آنف الذكر مجتمعة ولا يكفي تحقق شرط واحد منها دون الآخر فإنه لا يفيد منه ولا يعتبر كذلك من الاستثناء الذي أورده إذ لم يعامل بحكم القانون 67 لسنة 1950 بل صدرت أحكام ضده نهائية بعدم معاملته به، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأصبح واجب الإلغاء.
ومن حيث إن إدارة قضايا الحكومة أرفقت طعنها بمذكرة ذهبت فيها إلى القول بأن الحكم المطعون فيه أخطأ حين قضى للمطعون ضده في نزاع سبق أن فصل فيه نهائياً من المحكمة الإدارية وكان يتعين عليه عدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها لاتحاد الخصوم والموضوع والسبب فالخصوم متحدون والموضوع واحد هو المطالبة ببدل تخصص أو تفرغ ولا يهم فيه اختلاف المدة كما أن السبب هو قيام المدعي بأعمال يستأهل عنها هذا البدل ثم ذهب ذلك إلى معالجة موضوع المنازعة وقالت فيه أن القرار الجمهوري يستلزم ثلاثة شروط هي: -
(1) أن يكون الموظف حاصلاً على لقب مهندس بالتطبيق لنص المادة 3 من القانون 89 لسنة 1946 بإنشاء نقابة للمهن الهندسية.
(2) أن يشغل وظيفة هندسية مخصصة في الميزانية لمهندس.
(3) أن يكون مشتغلاً فعلاً بأعمال هندسية بحتة وقائماً بالتعليم الهندسي.
ثم استطردت إلى القول بأنها فحصت حالة المطعون ضده فتبين لها أن الشرط الثاني والثالث غير متوافرين في شأنه إذ الميزانية بها درجات مخصصة لوظائف مهندسين ورسامين ولم يقم بأعمال هندسية بحتة ومرد ذلك يرجع إلى الجهة الإدارية فهي التي تقرر ما إذا كان يقوم بأعمال هندسية أم لا، أما استناده إلى أنه حصل على لقب مهندس سنة 1952 فلا يجديه شيئاً إذ أن بدل التفرغ لا يمنح لوصف مهندس وإنما يمنح لطوائف من المهندسين ممن توافرت في شأنهم الشرائط الواردة في القرار الجمهوري رقم 618 لسنة 1957 سابق الذكر وبعد أن فصلت ما تقدم انتهت إلى التصميم على الطلبات الواردة في صحيفة الطعن.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قدمت تقريراً في هذه المنازعة ردت على الدفع بعدم جواز نظر الدعوى بأن الدعوى الحالية تقوم على سبب غير الذي قام عليه التظلم إذ أن المطالبة فيه كان أساسها منحه لقب مهندس من نقابة المهن الهندسية بيد أن الدعوى الحالية تقوم المطالبة فيها ببدل التفرغ على أساس القانون رقم 154 لسنة 1957 وقرار رئيس الجمهورية رقم 618 لسنة 1957 وإذا ما اختلف السبب يكون هذا الدفع على غير أساس ومتعين الرفض.
وأما عن موضوع الدعوى فذكر التقرير أن المطعون ضده يشغل وظيفة رسام وهذه الوظيفة ليست بحسب وضعها في الميزانية لمهندس وبذا يتحقق الشرط الثاني من شرائط قرار رئيس الجمهورية ببدل التفرغ ولا يسوغ القول أن الرسامين من الدرجة السادسة فما فوقها لا يشغلها إلا مهندسون لأن الرسام غير المهندس يمكن أن يشغل أعلى من تلك الدرجة دون إصباغ صفة المهندس على وظيفة أو مهنة، ومن ثم يكون الحكم غير سديد وآية ذلك أن السيد وكيل وزارة الإشغال أصدر في تاريخ لاحق للحكم قراره في 24/ 1/ 1961 الرقيم 1195 ونصت مادته الأولى على أنه تجنب درجات السادة خريجي الفنون والصناعات الحاصلين على لقب مهندس من نقابة المهن الهندسية عن باقي وظائف الكادر الفني المتوسط بمصلحة الري كوحدة مستقلة في الأقدميات والترقيات على أن تلقب وظائفهم بلقب (مهندس) بأقلام الرسم مع إلغاء أدنى الدرجات كلما خلت من شاغليها وقد ورد اسم المطعون ضده ضمن من شغلهم هذا القرار، ومن ثم يستحق بدل التفرغ من تاريخ العمل بهذا القانون باعتباره استوفى جميع شرائط القرار الجمهوري آنف الذكر ثم استند التقرير على كتاب وزارة الأشغال رقم 3/ 12/ 243 - 658 المؤرخ 5/ 2/ 1963 الذي أرسلته إلى هيئة مفوضي الدولة بأن المطعون ضده يقوم بأعمال هندسية بحيث منح بدل التفرغ للمهندسين اعتباراً من 1/ 7/ 1960 حسب القرار الوزاري رقم 1125 لسنة 1960 آنف الذكر وهو تاريخ العمل به واستنتج عدم قيامه بعمل هندسي بحت في تاريخ أسبق، ومن ثم ذهب إلى الحكم بالطلبات الآتية: -
أولاً: قبول الطعن شكلاً.
ثانياً: رفض دفع الحكومة بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها.
ثالثاً: إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من أحقية المطعون ضده في بدل التفرغ المقرر طبقاً لقرار السيد رئيس الجمهورية رقم 618 لسنة 1957 اعتباراً من 1/ 8/ 1953 حتى تاريخ منحه البدل المذكور في 1/ 7/ 1960.
رابعاً: إلزام المطعون ضده بالمصروفات والأتعاب.
ومن حيث إن المطعون ضده قدم مذكرة قال فيها أنه منح لقب مهندس من نقابة المهن الهندسية في 9/ 10/ 1952 وظل يباشر نفس الأعمال التي كان يباشرها وهي أعمال هندسية منذ سنة 1951 ولا يزال يمارس أعمالا هندسية بحتة اعتبرتها الطاعنة نفسها أنها كافية لمنحه لقب مهندس وأن أعماله في قلم الرسم هي أخذ رسم من واقع الطبيعة ومراقبة تنفيذه في الطبيعة أيضاً وهذا عمل هندسي بحت ولا جدال فيه، أما الرسام فمهمته الشف والنقل من رسم آخر وهذا معنى الرسام في نظر وزارة الأشغال وأضافت المذكرة إلى ما تقدم أن ميزانية وزارة الأشغال تجعل الدرجات السادسة فما فوقها للوظائف المخصصة لمهندسين أي لا يشغلها إلا مهندسون وذلك بخلاف الوظائف الأدنى من السادسة فلا يشغلها المهندسون وإنما يشغلها مساعدو المهندسين وأن قرار وكيل وزارة الأشغال الذي قرر له بدل تفرغ لم يكن قراراً منشئاً وإنما كان قراراً كاشفاً وجاء تنفيذاً للقرار الجمهوري رقم 618 لسنة 1957 آنف الذكر وأن ما تدعيه الطاعنة من أنه لا يقوم بأعمال هندسية بحتة يخالف الواقع وأن مرؤوساً له يدعى عدلي رزق عزيز حكم له ببدل تفرغ بالحكم رقم 53 ش لسنة 1 القضائية في 8/ 1/ 1953 لجان قضائية ولم تطعن على حكمه بمطعن ما وكذلك صدر حكم له قبله هو السيد عثمان السعيد إبراهيم الجندي في القضية 2522 لسنة 2 لجان قضائية من المحكمة الإدارية في 5/ 12/ 1954 ورفع عنه الطعن 1393 لسنة 2 القضائية وقضى برفضه وركن إلى كتاب السيد مفتش مشروعات ري الوسطى المؤرخ 9/ 3/ 1961 للقول بأنه يقوم بأعمال هندسية بحتة ثم صمم على طلباته وهي الحكم برفض الطعن وإلزام وزارة الأشغال بالمصروفات.
ومن حيث إنه إذا شجر نزاع المدعي والحكومة حول استحقاق بدل تفرغ عن مدة سابقة وقضى في هذا النزاع برفضه في دعوى سابقة، فإنه يجوز له العود إلى هذا التنازع بالنسبة إلى مدة جديدة لم تسلم له الحكومة في شأنها باستحقاق هذا البدل ولا تقف من ثم قوة الشيء المقضي مانعاً من نظر الموضوع المغاير سواء توقف ثبوت استحقاق البدل خلال المدة الجديدة على ذات الشروط أو على شروط مغايرة وفقاً لقواعد تنظيمية جديدة. ذلك إن القواعد الخاصة بقوة الأمر المقضي هي من القواعد الضيقة التفسير التي يجب الاحتراس من توسيع مداها منعاً للأضرار التي قد تترتب على هذا التوسيع وإذن فكلما اختل أي شرط من شروط تلك القاعدة كالموضوع أو السبب أو الاخصام بأن اختلف أيها في الدعوى الثانية عما كان عليه في الدعوى الأولى وجب الحكم بأن لا قوة للحكم الأول تمنع من نظر الدعوى الثانية، ومن ثم يتعين رفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها.
ومن حيث إنه عن الموضوع أن القانون 154 لسنة 1957 في شأن بدل التفرغ للمهندسين نصت مادته الثانية على أنه يجوز بقرار من رئيس الجمهورية منح بدل تفرغ للمهندسين وذلك للطوائف وبالشروط والفئات التي ينص عليها القرار ونصت مادته الثالثة على إلغاء القانون رقم 67 لسنة 1950 بتقرير بدل التخصص للمهندسين ونصت مادته الثالثة على العمل به من تاريخ نشره وقد نشر في 13/ 7/ 1957.
ومن حيث إنه يبين من حكم المادة الثانية من القانون رقم 154 لسنة 1957 في شأن بدل التفرغ للمهندسين أن المشرع فوض رئيس الجمهورية في إصدار قرار ببدل التفرغ وذلك لطوائف من المهندسين وبالشروط التي ينص عليها هذا القرار.
ومن حيث إنه إعمالاً لهذا التفويض التشريعي أصدر السيد رئيس الجمهورية قراره الرقيم 618 لسنة 1957 الذي أشير في ديباجته إلى هذا القانون وإلى القانون رقم 89 لسنة 1946 بإنشاء نقابة المهن الهندسية المعدل بالقانون رقم 77 لسنة 1957 ونصت مادته الأولى على ما يأتي: -
"يمنح بدل تفرغ للمهندسين الحائزين على لقب مهندس بالتطبيق لنص المادة الثالثة من القانون رقم 89 لسنة 1946 المشار إليه، بشرط أن يكونوا شاغلين لوظائف هندسية مخصصة في الميزانية لمهندسين، وأن يكونوا مشتغلين بصفة فعلية بأعمال هندسية بحتة أو قائمين بالتعليم الهندسي.
ومع ذلك يمنح البدل المذكور إلى المهندسين الموجودين حالياً في الخدمة من عوملوا بأحكام القانون رقم 67 لسنة 1950 ولا تتوافر فيهم الشروط الواردة في الفقرة السابقة، وذلك بشرط قيامهم بأعمال هندسية بحتة.
ونصت مادته الرابعة على العمل به من الشهر التالي لتاريخ نشره في الجريدة الرسمية وقد صدر في 13/ 7/ 1957.
ومن حيث إنه يستفاد من نص هذه المادة أن بدل التفرغ لا يمنح إلا للمهندسين الذين تتوافر فيهم الشرائط الآتية: -
(1) أن يكون المهندس حائزاً لهذا اللقب بالتطبيق لنص المادة الثالثة من القانون 89 لسنة 1946 الخاص بإنشاء نقابة المهن الهندسية.
(2) أن يكون شاغلاً لوظائف هندسية مخصصة في الميزانية لمهندسين.
(3) أن يكون مشتغلاً بأعمال هندسية بحتة بصفة فعلية أو قائماً بالتعليم الهندسي.
وكذلك يمنح هذا البدل إلى المهندسين الموجودين حالياً في الخدمة ممن عوملوا بأحكام القانون رقم 67 لسنة 1950 لا تتوافر فيهم الشروط المذكورة آنفاً وذلك بشرط قيامهم بأعمال هندسية بحتة (تراجع المذكرة التفسيرية لهذا القرار).
ومن حيث إنه ليس لكل مهندس وإن كان حائزاً للقب مهندس أن يستحق بدل التفرغ إذا لم تتوافر فيه الشروط السابقة أو لم يقم بأعمال هندسية بحتة إن كان من بين المهندسين الموجودين في الخدمة حالياً.
ومن حيث إنه قد تبين من كتاب المفتش العام لمشروعات ري الوجه القبلي الموجه إلى السيد رئيس المحكمة الإدارية والمؤرخ 21/ 7/ 1960 رقم 5/ 1/ 120 أن المطعون ضده لم يصدر في شأنه قرار وزاري بشغله وظيفة مهندس بالميزانية وأنه لا يقوم فعلاً بأعمال هندسية وإنما يشغل درجة مخصصة في الميزانية لرسامين.
ومن حيث إن مناط الأحقية في بدل التفرغ على هدي قرار رئيس الجمهورية رقم 618 لسنة 1957 هو توافر الشروط التي ذكرها في المهندس أو كونه من الموجودين في الخدمة حالياً ولم تتوافر فيه هذه الشروط إنما توافر فيه شرط الأشغال بأعمال هندسية بحتة.
ومن حيث إن المطعون ضده لم يشغل وظيفة مخصصة لمهندسين في الميزانية كما قررت الجهة الإدارية التي يتبعها ولم يطعن على تقريرها بما يهدره، ومن ثم لا تكون له الأحقية في بدل التفرغ إلا بعد العمل بقرار وكيل وزارة الأشغال رقم 1125 لسنة 1960 وابتداء من التاريخ الذي حدده وقد منحه فعلاً كما يبين من كتاب وكيل وزارة الأشغال المؤرخ 5/ 2/ 1963 رقم 3/ 12/ 234 والمشار إليه في تقرير هيئة مفوضي الدولة.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه وقد ذهب إلى غير ما تقدم يكون حكماً واجب الإلغاء وتضحى دعوى المطعون ضده بغير سند من القانون ومتعينة الرفض.
ومن حيث إن المدعي أصابه الخسر في الدعوى فيلزم بالمصروفات جميعها وذلك إعمالاً لنص المادة 357 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من استحقاق المدعي لبدل التفرغ وفقاً لقرار رئيس الجمهورية رقم 618 لسنة 1957 اعتباراً من أول أغسطس سنة 1957 حتى تاريخ منحه البدل المذكور في أول يوليه سنة 1960 وبرفض طلب استحقاقه لهذا البدل عن المدة آنفة الذكر، وألزمت المدعي بالمصروفات.