مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة العشرون (من أول أكتوبر سنة 1974 إلى آخر سبتمبر سنة 1975) - صـ 204

(66)
جلسة 15 من فبراير سنة 1975

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ علي محسن مصطفى رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ الدكتور أحمد ثابت عويضه، محمد صلاح الدين السعيد، عباس فهمي بدر، محمد نور الدين العقاد المستشارين.

القضية رقم 279 لسنة 17 القضائية

أ - عاملون بالقطاع العام - تأديب - محاكم تأديبية - اختصاص.
صدور قرار الجزاء من السلطات الرئاسية في الشركة في ظل قانون يقصر الاختصاص بتوقيع هذا الجزاء على المحاكم التأديبية - بطلان الجزاء - صدور قانون يجيز توقيع الجزاء من السلطة الرئاسية - تصحيح الجزاء - بيان ذلك.
ب - عاملون بالقطاع العام - تأديب - خفض الجزاء، المحكمة الإدارية العليا - انتهاء الخصومة.
صدور قرار الجزاء مطابقاً للقانون - الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا - صدور قرار من رئيس الشركة بخفض الجزاء أثناء نظر الطعن فيه - لا يفيد انتهاء الخصومة ولكن يلزم الشركة - اعتبار المنازعة على أساس سليم من الواقع - إلزام الشركة بالمصروفات - بيان ذلك.
1 - إن عناصر هذه المنازعة تتحصل على ما يبين من أوراق الطعن في أنه بتاريخ 25 من نوفمبر سنة 1970 أقام الطاعن الدعوى رقم 24 لسنة 13 القضائية أمام المحكمة التأديبية بالإسكندرية ضد الشركة العربية للسجاد والمفروشات بدمنهور، طالباً إلغاء القرار التأديبي الصادر ضده من رئيس مجلس إدارة الشركة والذي قضى بخفض فئة بوظيفته ومرتبه من الفئة الثامنة إلى الفئة التاسعة بأول مربوطها، وقال أن هذا الجزاء وقع عليه بسبب ما أسند إليه من أنه تسبب في اشتغال النيران بماكينة الكرد رقم 2 بينما الحقيقة أنه غير مسئول عن الحادث إذ يرجع احتراق الآلة المذكورة إلى وجود ماس كهربائي أدى إلى الحريق بعد انتهاء فترة عمل ورديته، وأنه كان قد أمر الميكانيكي المختص بقطع التيار عن هذه الآلة فور إبلاغه بوجود عطل فيها، وقام الميكانيكي بقطع التيار عن جميع الآلات ومن بينها الآلة المذكورة.
وبجلسة 13 من فبراير سنة 1971 حكمت المحكمة بإلغاء القرار المطعون فيه، وبنت قضاءها على أنه لما كان مرتب المدعي يجاوز خمسة عشر جنيهاً شهرياً فإن السلطة الرئاسية بالشركة لا تملك مجازاته تأديبياً بأكثر من الخصم خمسة عشر يوماً من مرتبه أما ما يزيد عن ذلك فيكون الاختصاص بتوقيعه للمحكمة التأديبية دون غيرها طبقاً للقانون رقم 19 لسنة 1959، وعلى ذلك يكون القرار المطعون فيه قد صدر من غير مختص ويتعين الحكم بإلغائه.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن مرتب المدعي وقت صدور القرار التأديبي المطعون فيه كان يجاوز خمسة عشر جنيهاً في الشهر، فإن إصدار السلطة الرئاسية لهذا القرار كان يشكل عدواناً على اختصاص المحاكم التأديبية التي كان لها دون سواها سلطة توقيع جزاء خفض الفئة والمرتب طبقاً للقانون رقم 19 لسنة 1959 في سريان القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية على موظفي المؤسسات والهيئات العامة والشركات والجمعيات والهيئات الخاصة ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد صدر مشوباً بعيب عدم الاختصاص. إلا أنه كان المدعي قد أصبح من شاغلي وظائف المستوى الثالث طبقاً للمادة 79 من قانون نظام العاملين بالقطاع العام سالف الذكر باعتبار أنه كان يشغل وظيفة من الفئة الثامنة، وإذ خولت المادة 49 من هذا النظام السلطة الرئاسية سلطة توقيع جزاء خفض فئة الوظيفة والمرتب معاً على العاملين شاغلي وظائف المستوى الثالث - شأن المدعي - فلم تعد ثمة جدوى من إلغاء القرار المطعون فيه استناداً إلى أن المحكمة التأديبية كانت هي المختصة وقت صدوره، ليعود الأمر ثانية إلى السلطة الرئاسية التي سبق لها أن أفصحت عن رأيها فيه فتصر على موقفها بإعادة إصداره بسلطتها التي خولت لها بالقانون المشار إليه، وتعود المنازعة بذلك دورة أخرى لا مسوغ لتكرارها، ويعتبر القانون الجديد والحالة هذه وكأنه قد صحح عيب عدم الاختصاص الذي اعتور القرار عند صدوره.
ومن ثم يتعين تناوله ومراقبته بالنسبة لباقي أركانه الأخرى.
2 - ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على التحقيق الذي أجرته إدارة الشئون القانونية بالشركة الطاعنة في 10 من أكتوبر سنة 1970 أنه عند فتح قسم الغزل في الساعة السابعة من صباح هذا اليوم وجد الخفير المختص أن ماكينة الكرد رقم 2 بها آثار حريق وينبعث منها الدخان، وقد اتضح من المعاينة الفنية أن سبب احتراق الماكينة هو أنها كانت قد تعطلت عن العمل قبيل انتهاء مدة الوردية التي يرأسها المدعي في مساء اليوم السابق، فأوقفت ميكانيكياً إلا أن التيار الكهربائي ظل متصلاً بها ولم يقطع عنها، فترتب على ذلك دوران الموتور دون أن تدور الماكينة نفسها ومن ثم ارتفعت درجة حرارته وأدت إلى اشتعال النار في سيور الماكينة وغطائها الخشبي. وبسؤال المدعي قرر أنه قام بنفسه في نهاية الوردية بقطع التيار عن ماكينات الغزل ثم استفسر من زيات القسم جابر جوهر عما إذا كان قد قطع التيار عن ماكينات الكرد فأجاب بالإيجاب وقد اكتفى المدعي بهذه الإجابة ولم يقم بنفسه بالتحقيق من قطع التيار عن ماكينات الكرد، كما قرر أن المسئول أصلاً عن قطع التيار هو فايز مرقص كهربائي الوردية، غير أنه لم يجده عند نهاية مواعيد العمل فكلف زيات القسم جابر جوهر بقطع التيار عن ماكينات الكرد، وأضاف أن عملية قطع التيار يقوم بها عادة أي عامل يكون قريباً من سكين قطع التيار، هذا وقد شهد كل من مدير المصانع ورئيس أقسام الغزل بأن من مقتضى نظام العمل بالورديات أن يقوم كهربائي الوردية المختص بقطع التيار من الجهاز الخاص بذلك (السكينة) وبأن يتحقق رئيس الوردية من قيام الكهربائي بذلك فعلاً قبل انصراف الوردية، وأن الغاية من ذلك هي المحافظة على سلامة المصنع ودرء المخاطر التي قد تنجم عن سريان التيار الكهربائي في الآلات في غير فترات العمل، ولا سيما وأن العمل في أقسام الغزل ينتهي في المساء بعد انتهاء وردية المدعي ولا يبدأ إلا في صباح اليوم التالي. وقد خلصت الشركة من ذلك إلى مساءلة المدعي عن الإهمال في أداء واجبات وظيفته مما ترتب عليه إتلاف بعض أموالها ومن ثم وقعت عليه الجزاء المطعون فيه.
ومن حيث إنه وإن كان القرار المذكور قد صدر مطابقاً للقانون وقائماً على سببه المبرر له إلا أن رئيس مجلس إدارة الشركة أصدر بعد تقديم هذا الطعن قرارين في 26 من إبريل و7 من يونيه سنة 1972 ألغى بهما قرار الجزاء بأثر مباشر بحيث يسري الإلغاء من أول مايو سنة 1972 بالنسبة لخفض المرتب ومن أول يونيه سنة 1972 بالنسبة لخفض فئة الوظيفة، وعلى ذلك فإن إلغاء الجزاء بشقيه على هذا النحو وبدون أثر رجعي وإن كان لا يفيد ارتضاء الشركة الحكم المطعون فيه كما لا يترتب عليه انتهاء الخصومة، إلا أنه مع ذلك ملزم للشركة في حدود ما تضمنه القراران سالفي الذكر وذلك عملاً بحكم المادة 51 من نظام العاملين بالقطاع العام الصادر بالقانون رقم 61 لسنة 1971 التي تقضي بأن لرئيس مجلس الإدارة أن يلغي القرار الصادر بتوقيع الجزاء ويعدله بالتشديد أو التخفيض حسب الأحوال، وعلى ذلك يبقى القراران المذكوران قائمين على الرغم من الحكم برفض الدعوى.
ومن حيث إن الشركة استجابت لبعض طلبات المدعي بإلغائها قرار الجزاء على الوجه سالف البيان فإن المنازعة تكون قائمة على أساس سليم من الواقع، ومن ثم يتعين إلزام الشركة الطاعنة المصروفات.