مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة العشرون (من أول أكتوبر سنة 1974 إلى آخر سبتمبر سنة 1975) - صـ 218

(70)
جلسة 22 من فبراير سنة 1975

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ علي محسن مصطفى رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ الدكتور أحمد ثابت عويضه، محمد صلاح الدين السعيد، عباس فهمي بدر، محمود طلعت الغزالي المستشارين.

القضية رقم 1136 لسنة 15 القضائية

أ - عقد إداري - عقد توريد - تعويض - مصادرة التأمين.
جواز الجمع بين التعويض عن إخلال المتعاقد بالتزاماته وبين مصادرة التأمين ما لم يحظر العقد ذلك - أساس ذلك - مثال.
ب - عقد إداري - تعويض - فوائد.
سريان الفوائد على الغرامات المحكوم بها وعلى التعويض المستحق عن الإخلال بالالتزامات التعاقدية - أساس ذلك مثال.
1 - إن التعويض يختلف في طبيعته وغايته عن مصادرة التأمين الذي يعد أحد الجزاءات المالية التي جرى العرف الإداري على اشتراطها في عقود الإدارة والتي مردها إلى ما يتميز به العقد الإداري من طابع خاص يتمثل فيه تغليب المصلحة العامة على ما عداها عن طريق تمتع الإدارة في العقد الإداري بسلطات متعددة منها حقها في مصادرة التأمين، ومن هنا فإنه لا تثريب على الجهة الإدارية أن يجتمع لها في حالة فسخ العقد مصادرة التأمين مع استحقاق التعويض إذ لا يعتبر الجمع بينهما ازدواجاً للتعويض محظوراً، على أن الجمع بينهما رهين بأن لا يحظر العقد صراحة هذا الجمع، وهذا هو الشأن في العقد موضوع النزاع.
الثابت من شروط العقد سالفة الذكر أن حق الجهة الإدارية في مصادرة التأمين ليس حقاً مطلقاً بل يقف عند حدود معينة وهي أن لا يجاوز 10% من قيمة الفسائل التي لم يقم المدعى عليه بتوريدها، ولما كان الثابت أن المدعى عليه لم يقم بقلع ونقل العدد المتفق عليه من الفسائل وقدره مائة ألف فسيلة ولم يسلم منها غير 2496 فسيلة صالح وذلك على الرغم من إعطائه مهلة إضافية للتوريد، وبذلك يكون مجموع الفسائل التي لم يقم بتسليمها 97501 فسيلة، وتبلغ قيمتها 16087 جنيهاً وبذلك لا يحق للوزارة وفقاً للعقد أن تصادر من هذا التأمين سوى عشرة في المائة - من قيمة ما لم يورده - وقدرها 1609 جنيهاً بمراعاة أن ثمن الفسيلة الواحدة وفقاً للعقد 165 مليماً، وتكون مصادرة الوزارة لكامل التأمين البالغ قدره 1650 جنيهاً مخالفة لشروط العقد الأمر الذي يتعين معه استنزال الفرق وقدره واحد وأربعون جنيهاً من المبالغ المطالب بها.
2 - يبين من الرجوع إلى أحكام المادة 226 من القانون المدني، وهي من الأصول العامة للالتزامات التي جرى قضاء هذه المحكمة على تطبيقها على الروابط العقدية الإدارية أنه متى كان محل الالتزام مبلغاً من النقود وكان معلوم المقدار عند الطلب وتأخر المدين في الوفاء به فإنه يكون ملزماً بأن يدفع للدائن على سبيل التعويض عن التأخير فوائد قدرها 4% في المسائل المدنية... وتسري هذه الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية ما لم يحدد الاتفاق، والعرف التجاري تاريخاً آخر لسريانها. وهذا كله ما لم ينص القانون على غيره.
المستفاد من ذلك أن مناط استحقاق فوائد التأخير من تاريخ المطالبة القضائية طبقاً للمادة 226 من القانون المدني أن يكون محل الالتزام مبلغاً من النقود معلوم المقدار وقت رفع الدعوى وأن يتأخر المدين في الوفاء به. ولما كانت قيمة فسائل النخيل التالفة التي لم ير الحكم المطعون فيه استحقاق الفوائد القانونية بالنسبة لها إنما تمثل تعويضاً مترتباً على إخلال المطعون ضده بالتزامه التعهدي بالمحافظة على فسائل النخيل عند قلعها ونقلها وحزمها، وقد ترتب على هذا الإخلال تلف كمية الفسائل المشار إليها والتي حدد العقد قيمة الفسيلة الواحدة منها بمبلغ 165 مليماً إلا أن الجهة الإدارية اقتصرت على المطالبة بمبلغ مائة وخمسين مليماً للفسيلة الواحدة على أساس أن هذا هو المبلغ الذي عوضت على أساسه أصحاب هذه الفسائل ومن ثم يتعين الحكم بإلزام المدعى عليه بالفوائد القانونية بالنسبة إلى مبلغ التعويض المستحق عن الفسائل التالفة وقدره 350 مليم و2572 جنيه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
من حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص - على ما يبين من الأوراق - في أنه بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 22 من نوفمبر سنة 1966 أقامت إدارة قضايا الحكومة بالنيابة عن السيد وزير الزراعة بصفته الدعوى رقم 279 لسنة 21 القضائية طالبة الحكم بإلزام السيد/ يحيى عبد العظيم خويلد بأن يدفع له مبلغ 979 مليم و3054 جنيهاً والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية حتى السداد والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. وقالت - في بيان الدعوى - أنه بمناسبة بدء تنفيذ مشروع نخيل السد العالي تعاقدت وزارة الزراعة مع المدعى عليه في 31 من أغسطس سنة 1960 عن طريق الممارسة على عملية تقليع وحزم وتحبيش ونقل فسائل النخيل من مناطق النوبة إلى ميناء الشلال بأسوان وذلك في حدود مبلغ 16500 جنيه، وتم الاتفاق على أن يبدأ المدعى عليه العمل اعتباراً من اليوم التالي لوصول أمر التوريد إليه، وكان أن أخطر المدعى عليه بأمر التوريد في 31 من أغسطس سنة 1960 على أن يورد مائة ألف فسيلة وأن ينتهي من التوريد في 15 من أكتوبر سنة 1960 أما عملية النقل فتستمر حتى 25 من أكتوبر سنة 1960، وأثناء قيام المدعى عليه بتنفيذ العقد تقدم أعضاء الاتحاد القومي آنذاك وعمدة أرندان بشكاوى يطلبون فيها منع المدعى عليه وعماله من إتلاف الفسائل، فشكلت لجنة فنية قدمت تقريراً جاء به أن العمال القائمين بعملية التقليع ليست لديهم خبرة وذلك باستعمال البلط التي تتلف معظم فسائل النخيل التي تقلع، كذلك فإن المدعى عليه لم يقم بتقليع ونقل العدد من الفسائل المنصوص عليه في التعاقد حيث ورد النص في الشروط على أن لا يقل عدد الفسائل التي يتم قلعها ونقلها أسبوعياً عن عشرة آلاف فسيلة في حين أن المدعى عليه لم يقم بقطع أكثر من 850 فسيلة فقط في المدة من 12 من سبتمبر سنة 1960 حتى 15 من سبتمبر سنة 1960 ولم يقم بنقل أية كمية منها إلى المكان المعد للتسلم، وانتهت اللجنة في تقريرها إلى توجيه إنذار إلى المدعى عليه بوجوب مراعاة الدقة في عمله مع تحميله قيمة فسائل النخيل التي تسبب عماله في إتلافها.
وبتاريخ 22 من سبتمبر سنة 1960 أخطر المدعى عليه بالإرشادات الفنية التي يلزم اتباعها لنجاح العملية والتي لم تكن إلا تطبيقاً للقواعد العامة التي كان يتعين على المدعى عليه مراعاتها من تلقاء نفسه، إلا أن الفسائل التي أرسلت إلى كوم أمبو فيما بعد تلف معظمها بسبب عدم اتباع المدعى عليه للإرشادات السالفة الذكر. وإزاء إهمال المدعى عليه في تنفيذ التزاماته فضلاً عن التأخر في تسليم العملية فقد قررت الوزارة بتاريخ 18 من ديسمبر سنة 1960 سحب العملية منه ومصادرة التأمين تطبيقاً لأحكام المادتين 9 من العقد و105 من لائحة المناقصات والمزايدات، وقد استندت الوزارة في اتخاذ هذا الإجراء على ما تبين لها من معاينة اللجنة المختصة ومن الرجوع إلى محاضر التسليم من أن تلف الفسائل إنما يرجع إلى سوء عملية التحبيش إذ كانت الفسائل تعبأ في الأجولة دون تحبيش أو حزم ودون وقاية من الجفاف مما جعلها تجف جفافاً كلياً، وذلك لصغر الحجارة وعجزها عن إمداد الأوراق بالعصارة التي تحفظ لها حيويتها، بالإضافة إلى سوء عملية النقل والتحميل مما نجم عنه تهشم قمم الفسائل، فضلاً عن سوء عملية التقليع مما سبب خروج القلوب من بعض الفسائل، هذا إلى سوء عملية الرش بصب الماء من أعلى وهو ما ترتب عليه تسرب المياه إلى القلب فيتعفن وإلى عدم العناية برش بعض الفسائل فجفت جفافاً كلياً وإلى إلقاء بعض الفسائل على الأرض دون عناية مما جعل الحجارة تصاب بالرضوض، وتستحق الوزارة نتيجة سحب العملية من المدعي مبلغ 979 مليم و3054 جنيهاً تتمثل فيما يلي: 350 مليم و2572 جنيه قيمة الفسائل التي تسبب المدعى عليه في تلفها وعددها 17149 فسيلة دفعت قيمتها للأهالي بواقع 15 قرشاً عن الفسيلة و629 مليم و482 جنيه غرامات تأخير بواقع 3% لتقصير المدعى عليه في توريد 97501 فسيلة.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه وإن سلم بما فرط من المدعى عليه من إهمال وتراخ في تنفيذ التزاماته المنصوص عليها في شروط التعاقد وأقامت قضاءها في هذا الشأن على ما استظهرته من عيون الأوراق إلا أنها عمدت إلى خصم قيمة التأمين المصادر من مبلغ التعويض المطالب به، كما أنها قصرت الفوائد القانونية المطلوب الحكم بها على مبلغ الغرامة دون التعويض.
ومن حيث إن الطعن ينعى على الحكم المذكور مخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله إذ استبعد قيمة التأمين من قيمة التعويض ذلك أن المادة التاسعة من العقد صريحة في حق الجهة الإدارية في حالة إلغاء العقد بمصادرة التأمين دون إخلال بحقها في المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي تكبدتها كذلك فقد تمسك الطعن بحق الوزارة في المطالبة بالفوائد القانونية عن كامل المبلغ المطالب به.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه وإن أصاب الحق فيما استخلصه من واقعات الدعوى من ثبوت إخلال المدعى عليه بالتزاماته مما كان يسوغ للجهة الإدارية ما فعلته من إلغاء العقد ومصادرة التأمين وأقام قضاءه على أسباب تراها هذه المحكمة قاطعة في التدليل على تراخي المدعى عليه في النهوض بالتزاماته، إلا أنه يعيب الحكم المطعون فيه مخالفة القانون في أمرين الأول حظره الجمع بين التعويض ومصادرة التأمين والثاني قصره بسريان الفوائد القانونية على الغرامات المحكوم بها دون التعويض المستحق عن إخلاله بالتزاماته التعاقدية.
ومن حيث إن البند التاسع من العقد المبرم بين الوزارة وبين المدعى عليه ينص على أنه يحق للوزارة في حالة التأخر في التوريد إلغاء التعاقد فيما يختص بالأصناف التي لم يقم بتوريدها ومصادرة التأمين بما يوازي 10% من قيمتها دون حاجة إلى الالتجاء إلى القضاء مع إخطار المتعهد بكتاب موسى عليه، وذلك دون الإخلال بحق الوزارة في التعويض عن الأضرار التي تكبدتها نتيجة عجز المتعهد في تنفيذ العقد.
ومن حيث إن من المسلم به أن التعويض يختلف في طبيعته وغايته عن مصادرة التأمين الذي يعد أحد الجزاءات المالية التي جرى العرف الإداري على اشتراطها في عقود الإدارة والتي مردها إلى ما يتميز به العقد الإداري من طابع خاص يتمثل فيه تغليب المصلحة العامة على ما عداها عن طريق تمتع الإدارة في العقد الإداري بسلطات متعددة منها حقها في مصادرة التأمين، ومن هنا فإنه لا تثريب على الجهة الإدارية أن يجتمع لها في حالة فسخ العقد مصادرة التأمين مع استحقاق التعويض إذ لا يعتبر الجمع بينهما ازدواجاً للتعويض محظوراً، على أن الجمع بينهما رهين بأن لا يحظر العقد صراحة هذا الجمع، وهذا هو الشأن في العقد موضوع النزاع.
ومن حيث إن الثابت من شروط العقد سالفة الذكر أن حق الجهة الإدارية في مصادرة التأمين ليس حقاً مطلقاً بل يقف عند حدود معينة وهي أن لا يجاوز 10% من قيمة الفسائل التي لم يقم المدعى عليه بتوريدها، ولما كان الثابت أن المدعى عليه لم يقم بقلع ونقل العدد المتفق عليه من الفسائل وقدره مائة ألف فسيلة ولم يسلم منها غير 2496 فسيلة صالح وذلك على الرغم من إعطائه مهلة إضافية للتوريد، وبذلك يكون مجموع الفسائل التي لم يقم بتسليمها 97501 فسيلة، وتبلغ قيمتها 16087 جنيهاً وبذلك لا يحق للوزارة وفقاً للعقد أن تصادر من هذا التأمين سوى عشرة في المائة - من قيمة ما لم يورده - وقدرها 1609 جنيهاً بمراعاة أن ثمن الفسيلة الواحدة وفقاً للعقد 165 مليماً، وتكون مصادرة الوزارة لكامل التأمين البالغ قدرها 1650 جنيهاً مخالفة لشروط العقد الأمر الذي يتعين معه استنزال الفرق وقدره واحد وأربعون جنيهاً من المبالغ المطالب بها.
ومن حيث إنه عن الوجه الثاني للطعن المتعلق باستحقاق فوائد التأخير عن التعويض فإنه يبين من الرجوع إلى أحكام المادة 226 من القانون المدني. وهي من الأصول العامة للالتزامات التي جرى قضاء هذه المحكمة على تطبيقها على الروابط العقدية الإدارية أنه متى كان محل الالتزام مبلغاً من النقود وكان معلوم المقدار عند الطلب وتأخر المدين في الوفاء به فإنه يكون ملزماً بأن يدفع للدائن على سبيل التعويض عن التأخير فوائد قدرها 4% في المسائل المدنية... وتسري هذه الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية ما لم يحدد الاتفاق، والعرف التجاري تاريخاً آخر لسريانها. وهذا كله ما لم ينص القانون على غيره.
ومن حيث إن المستفاد من ذلك أن مناط استحقاق فوائد التأخير من تاريخ المطالبة القضائية طبقاً للمادة 226 من القانون المدني أن يكون محل الالتزام مبلغاً من النقود معلوم المقدار وقت رفع الدعوى وأن يتأخر المدين في الوفاء به. ولما كانت قيمة فسائل النخيل التالفة التي لم ير الحكم المطعون فيه استحقاق الفوائد القانونية بالنسبة لها إنما تمثل تعويضاً مترتباً على إخلال المطعون ضده بالتزامه التعهدي بالمحافظة على فسائل النخيل عند قلعها ونقلها وحزمها، وقد ترتب على هذا الإخلال تلف كمية الفسائل المشار إليها والتي حدد العقد قيمة الفسيلة الواحدة منها بمبلغ 165 مليماً إلا أن الجهة الإدارية اقتصرت على المطالبة بمبلغ مائة وخمسين مليماً للفسيلة الواحدة على أساس أن هذا هو المبلغ الذي عوضت على أساسه أصحاب هذه الفسائل ومن ثم يتعين الحكم بإلزام المدعى عليه بالفوائد القانونية بالنسبة إلى مبلغ التعويض المستحق عن الفسائل التالفة وقدره 350 مليم و2572 جنيه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه إذ قضى بغير ذلك يكون قد خالف القانون ويتعين تعديله بإلزام المدعى عليه بأن يدفع للوزارة المدعية مبلغ 979 مليم و3013 جنيه (ثلاثة آلاف وثلاثة عشر جنيهاً وتسعمائة وتسعة وسبعين مليماً) والفوائد القانونية عن هذا المبلغ بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 22 من نوفمبر سنة 1966 حتى تمام السداد والمصروفات ورفض ما عدا ذلك من الطلبات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بتعديل الحكم المطعون فيه وبإلزام المدعى عليه بأن يدفع للوزارة المدعية مبلغ 979 مليم و3013 جنيه (ثلاثة آلاف وثلاثة عشر جنيهاً وتسعمائة وتسعة وسبعون مليماً) والفوائد القانونية عن هذا المبلغ بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 23 من نوفمبر سنة 1966 حتى تمام السداد والمصروفات ورفض ما عدا ذلك من الطلبات.