مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة العشرون (من أول أكتوبر سنة 1974 إلى آخر سبتمبر سنة 1975) - صـ 297

(85)
جلسة 22 من مارس سنة 1975

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ علي محسن مصطفى رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ محمد صلاح الدين السعيد، عباس فهمي بدر، محمود طلعت الغزالي، محمود نور الدين العقاد المستشارين.

القضية رقم 10 لسنة 19 القضائية

أ - عاملون بالقطاع العام - تأديب - دعوى تأديبية - المحكمة الإدارية العليا - أحكام المحاكم التأديبية التي اعتبرها المشرع نهائية هي تلك التي تتناول موضوع الجزاءات التي وقعتها الجهات الرئاسية أو التي تتضمن توقيع جزاءات - إذا تجاوزت المحكمة ولايتها انتفى عن حكمها وصف أحكام التأديب التي لا يجوز الطعن فيها أمام المحكمة الإدارية العليا - بيان ذلك - مثال.
ب - عاملون بالقطاع العام - تأديب - فصل. دعوى تأديبية - اختصاص.
فصل العامل من الخدمة بقرار من جهة غير مختصة - صدور القانون رقم 61 لسنة 1971 الذي ناط بهذه الجهة إصدار قرارات الفصل - عدم جدوى الحكم بإلغاء القرار ما دامت السلطة الرئاسية متمسكة بتوقيع الجزاء - اعتبار القانون المذكور مصححاً لقرار الجزاء - بيان ذلك - مثال.
جـ - عاملون بالقطاع العام - تأديب - فصل.
فصل العامل من الخدمة - اعتباره جزاء لا يتناسب مع ما ارتكبه من مخالفة لما أحاط به من ظروف وملابسات - بيان ذلك.
د - عاملون بالقطاع العام - فصل - تعويض.
تقدير التعويض في ضوء ظروف العامل ونوع عمله - الأخذ في الحسبان إمكانه مزاولة العمل خلال مدة الفصل - أساس ذلك - مثال.
1 - إن مبنى الدفع بعدم جواز نظر الطعن أن المادة 49 من نظام العاملين بالقطاع العام الصادر بالقانون رقم 61 لسنة 1971 تقضي بأن أحكام المحاكم التأديبية نهائية ولا يجوز الطعن فيها أمام المحكمة الإدارية العليا إلا بالنسبة للأحكام التي تصدر بتوقيع جزاء الفصل من الخدمة على العاملين شاغلي الوظائف من المستوى الثاني وما يعلوه، وإذ كان الأمر كذلك وكان الحكم المطعون فيه قد صدر قبل العمل بأحكام القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة وكان الطاعن من العاملين بالفئة التاسعة وهي من وظائف المستوى الثالث، فإن الطعن بهذه المثابة يكون غير جائز قانوناً. وهذا الدفع مردود ذلك أن المعنى المتبادر من أحكام الفقرات ثانياً وثالثاً ورابعاً من المادة 49 سالفة الذكر أن أحكام المحاكم التأديبية التي اعتبرها المشرع نهائية هي تلك التي تتناول موضوع الجزاءات التي توقعها السلطات الرئاسية وتعقب فيها المحكمة على مدى سلامة هذه الجزاءات في الواقع والقانون بوصفها محكمة طعن، وكذلك الأحكام الصادرة منها بتوقيع الجزاءات بوصفها محكمة تأديب مبتدأ، وبناءً على ذلك فإن النص على نهائية أحكام المحاكم التأديبية وحظر الطعن فيها أمام المحكمة الإدارية العليا عدا تلك التي تصدر بتوقيع جزاء الفصل من الخدمة على العاملين شاغلي الوظائف من المستوى الثاني وما يعلوه - لا ينصب إلا على الأحكام التي عناها المشرع على النحو المشار إليه، أخذاً في الاعتبار أن هذا الحظر استثناء من القاعدة العامة التي قررتها المادة 32 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية والمادة 15 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 55 لسنة 1959 الذي صدر الحكم المطعون فيه في ظله والتي تقابل المادة 23 من قانون مجلس الدولة القائم الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 وهي إباحة الطعن في أحكام المحاكم التأديبية بصفة عامة أمام المحكمة الإدارية العليا دون ثمة تخصيص، وأنه الأصل أن يفسر النص الاستثنائي تفسيراً ضيقاً دون توسع. ولما كان الأمر كذلك وكان المشرع قد حدد طريق اتصال الدعوى التأديبية بالمحكمة التأديبية وناط بالنيابة الإدارية الاختصاص بإقامة الدعوى التأديبية أمامها، ولم يخول المحكمة التأديبية من تلقاء نفسها وهي بصدد الفصل في طعن مقام أمامها من أحد العاملين في جزاء موقع عليه من السلطات الرئاسية أن تحرك الدعوى التأديبية أمامها ضده وتفصل فيها، ولم يخول القانون رقم 61 لسنة 1971 سالف الذكر - المحكمة التأديبية الاختصاص بتأديب العاملين - المستوى الثالث - شأن المدعي - وإنما ناط هذا الاختصاص بالسلطات الرئاسية على ما انطوت عليه المادة 49 من القانون المذكور، فإن المحكمة إذا ما تجاوزت حدود ولايتها في هذا الشأن وخرجت عليها انتفى عن حكمها وصف أحكام التأديب التي قضى المشرع في المادة 49 من نظام العاملين بالقطاع العام سالفة الذكر بعدم جواز الطعن فيها أمام المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إن المحكمة التأديبية وهي بصدد نظر الطعن المثار من المدعي في الجزاء الذي وقعته عليه السلطة الرئاسية بفصله من الخدمة قد جنحت - في ظل العمل بالقانون رقم 61 لسنة 1971 المشار إليه - إلى تأديبه وقضت بمجازاته بالفصل من الخدمة مع عدم استحقاقه لأي مرتب طيلة فترة إبعاده عن العمل وذلك بعد أن اعتبرت قرار فصل المدعي الصادر من الجمعية كأن لم يكن، وإذ لم يتصل أمر تأديب المدعي بالمحكمة بالطريق القانوني وكان القانون المذكور لم يخول المحكمة التأديبية الاختصاص في تأديب العاملين من المستوى الثالث - شأن المدعي - على ما سلف بيانه فإن حكمها بتأديب المدعي والأمر كذلك يكون قد انتفى عنه وصف الأحكام التأديبية التي حصنتها المادة 49 المشار إليها من الطعن فيها أمام المحكمة الإدارية العليا، ويكون الدفع المثار والأمر كذلك حقيق بالرفض، ويكون الطعن وقد استوفى كافة أوضاعه الشكلية الأخرى مقبولاً شكلاً.
2 - إن مرتب المدعي على ما يبين من الأوراق كان يجاوز خمسة عشر جنيهاً، وبهذه المثابة فإن قرار الجهة الرئاسية بفصله من الخدمة، كان - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - يشكل عدواناً على اختصاص المحكمة التأديبية التي كان لها دون سواها سلطة فصله من الخدمة بالتطبيق لحكم القانون رقم 19 لسنة 1959 بسريان القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية على موظفي المؤسسات والهيئات العامة والشركات والجمعيات والهيئات الخاصة، ويكون القرار المطعون فيه والحالة هذه قد صدر مشوباً بعيب عدم الاختصاص.
ومن حيث إن المدعي أصبح بالتطبيق لحكم القانون رقم 61 لسنة 1971 المشار إليه من العاملين بالمستوى الثالث باعتبار أنه كان يشغل الفئة التاسعة قبل تاريخ العمل بهذا القانون وإذ خول هذا القانون السلطات الرئاسية سلطة توقيع جزاء الفصل على العاملين شاغلي الوظائف من هذا المستوى، فلم يعد ثمة جدوى من إلغاء القرار المطعون فيه استناداً إلى أن المحكمة التأديبية كانت هي المختصة وقت إصداره، ليعود الأمر ثانية إلى ذات السلطة الرئاسية التي سبق لها أن أفصحت عن رأيها فيه فتصر على موقفها على ما ظهر من مذكراتها المقدمة في الدعوى والطعن، وتصحح قرارها بإعادة إصداره بسلطتها التي خولت لها في هذا القانون، وتعود بذلك المنازعة في دورة أخرى لا مسوغ لتكرارها. ويعتبر القانون الجديد والحالة هذه وكأنه قد صحح القرار المطعون فيه بإزالة عيب عدم الاختصاص الذي كان يعتوره، ويتعين من ثم تناول القرار ومراقبته بالنسبة لأركانه الأخرى.
3 - إن الجمعية المدعى عليها نسبت إلى المدعي أنه أهمل إهمالاً جسيماً أدى إلى تسرب كميات كبيرة من مادة المازوت إلى صهريج السولار نتيجة فتح البلف "الحاكم بين صهريج السولار والمازوت مما أدى إلى تحمل الجمعية خسارة بلغت 681 مليم و1734 جنيه. وقد ثبت من الأوراق أن المدعي كان هو المسئول في يوم 16 من مايو سنة 1970 عن تشغيل ماكينات ضخ المواد البترولية وكان قد تسلم جميع البلوف" الحاكمة بين صهريجي المازوت والسولار سليمة ومغلقة، وأثر اكتشاف تسرب المازوت إلى صهريج السولار وتلوث السولار، تبين وجود آثار غلق حديثة بالبلف الحاكم بين الصهريجين المذكورين أدى إلى تسرب المازوت إلى صهريج السولار، واستبعد بذلك احتمال تركيب خرطوم إحدى سيارات المازوت على وصلة صهريج السولار وسحب المازوت منها إلى صهريج السولار، وإذا كان مؤدى ذلك ثبوت الواقعة ضد المدعي باعتبار أنه هو المسئول عن سحب وتفريغ المواد البترولية، وقد وقع الحادث نتيجة إهماله في عمله، إلا أن المحكمة ترى أن جزاء الفصل من الخدمة الذي وقعته الجمعية على المدعي بعيد عن التلاؤم مع الذنب الذي ارتكبه المدعي ويشوبه الغلو على نحو يخرجه من نطاق المشروعية إلى نطاق عدم المشروعية، ذلك أن الظروف والملابسات سواء المتعلقة به أم بالحادث لا تستدعي أخذه بهذه الشدة المتناهية ومجازاته بأقصى الجزاءات التأديبية حيث لم يقم دليل على أن المدعي تعمد ارتكاب الذنب الذي نسب إليه وإنما وقع فيه نتيجة عدم خبرته ودرايته بهذا العمل، الأمر الذي يتجلى في أنه كان يعمل طوال خدمته براداً وليس عامل تشغيل ماكينات على ما يبين من ملف خدمته وهو ما لم يدحضه دفاع الجمعية المدعى عليها، ومما لا شك فيه أن أعمال تشغيل ماكينات الضخ تخرج عن مهام تخصص المدعي، وبهذه المثابة فإن الجمعية إذ استندت إليه هذا العمل على خطورته دون أن تؤهله لهذا العمل وتتأكد من صلاحيته له، تكون قد شاركت بخطئها في وقوع الحادث، بما لا يسوغ معه عدلاً أن يتحمل هذا العامل وحده مسئولية ما وقع فيه. ويتعين لذلك إلغاء القرار المطعون فيه ليعود الأمر إلى الجمعية المدعى عليها لتوقع على المدعي الجزاء العادل الذي يتناسب مع ما بدر منه بوصفها مصدرة قرار الجزاء وصاحبة الاختصاص في مجازاته وفقاً لحكم المادة 49 من القانون رقم 61 لسنة 1971 آنف الذكر.
4 - إنه عن طلب الحكم بإلزام الجمعية المدعى عليها بأن تؤدي للمدعى أجره من تاريخ الفصل من الخدمة، فإنه ولئن كان من مقتضى إلغاء قرار الفصل أن تصبح الرابطة الوظيفية وكأنها لا تزال قائمة، بكافة آثارها، إلا أن ذلك ليس من شأنه أن يعود للعامل حقه في المرتب طوال مدة الفصل تلقائياً، ذلك أن الأصل في المرتب أنه مقابل العمل. ولما كان قد حيل بين العامل وبين أدائه العمل المنوط به بالفصل غير المشروع، فإن العامل ينشأ له مجرد الحق في التعويض عن فصله غير المشروع إذا ما توافرت عناصره ومقوماته.
ومن حيث إن الجمعية المدعى عليها قد أخطأت بإصدار قرار فصل المدعي دون مسوغ من القانون على ما سلف بيانه، وقد ترتب على ذلك ولا ريب الإضرار بالمدعي المتمثل في حرمانه من مرتبه، فمن ثم تتوافر أركان المسئولية الموجبة للتعويض. وتقدر المحكمة التعويض المستحق للمدعي عن فصله غير المشروع بمبلغ مائتي جنيه بمراعاة أن حرفته كبراد كانت تتيح له فرصة العيش الشريف المجزي خلال فترة فصله وأن الجمعية المدعى عليها لم تفد من خدماته طوال مدة الفصل.