مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة العشرون (من أول أكتوبر سنة 1974 إلى آخر سبتمبر سنة 1975) - صـ 396

(113)
جلسة 17 من مايو سنة 1975

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ علي محسن مصطفى رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ محمد صلاح الدين السعيد، عباس فهمي بدر، محمود طلعت الغزالي، جمال الدين إبراهيم وريده المستشارين.

في القضية رقم 585 لسنة 17 القضائية

أ - المحكمة الإدارية العليا - اختصاص.
اقتصار الطعن في الحكم على أحد شقيه - اختصاص المحكمة الإدارية العليا بنظر الشقين ما دام بينهما ارتباط - أساس ذلك - مثال.
ب - دعوى - اختصاص - إحالة.
المادة 110 من قانون المرافعات - التزام المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها ولو كانت غير مختصة ولائياً - التزامها بنظر الدعوى لا يحول دون الطعن في الحكم بعدم الاختصاص - تفويت ميعاد الطعن يترتب -عليه اعتبار الحكم نهائياً - أساس ذلك - مثال.
إنه ولئن اقتصر الطعن في الحكم على الشق الخاص بإحالة الدعوى إلى المحكمة العليا دون الشق الخاص بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، إلا أن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن الطعن من هيئة المفوضين أمام المحكمة الإدارية العليا يفتح الباب أمام تلك المحكمة لتزن الحكم المطعون فيه بميزان القانون وزناً مناطه استظهار ما إذا كانت قد قامت به حالة من الحالات التي تعيبه مما نص عليه في قانون مجلس الدولة فتلغيه ثم تنزل حكم القانون على المنازعة دون التقيد بطلبات الهيئة أو الأسباب التي تبديها نزولاً على سيادة القانون في روابط القانون العام أم أنه تقم به أية حالة من تلك الحالات وكان صائباً في قضائه فتبقى عليه وترفض الطعن ومن ثم فإنه متى كان ذلك وكانت هيئة المفوضين قد قصرت طعنها على الشق الثاني من الحكم دون الشق الأول وكان الشقان مرتبطين أحدهما بالآخر ارتباطاً جوهرياً، فإنه مندوحة من اعتبار الطعن في الشق الثاني مثيراً للطعن في الشق الأول.
إن هذه المحكمة سبق لها أن قضت بأن المادة 110 من قانون المرافعات المدنية والتجارية توجب على المحكمة إذا قضت بعدم اختصاصها أن تأمر بإحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية، وتلتزم المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها - أي بالفصل في موضوعها - ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية وأن المشرع إنما استهدف من إيراد حكم هذا النص حسم المنازعات ووضع حد لها حتى لا تتقاذفها أحكام عدم الاختصاص من محكمة لأخرى فضلاً عما في ذلك من مضيعة لوقت القضاء ومجلبة لتناقض أحكامه، وأنه إزاء صراحة نص المادة 110 من قانون المرافعات وإطلاقه، فقد بات ممتنعاً على المحكمة التي تحال إليها الدعوى بعدم الحكم فيها بعد الاختصاص أن تعاود البحث في اختصاصها أياً كانت طبيعة المنازعة ومدى سلامة الحكم الصادر فيها بعدم الاختصاص أو الأسباب التي بنى عليها وحتى ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالوظيفة، إذ قدر المشرع أن الاعتبارات التي اقتضت الأخذ به في هذا المجال تسمو على ما يتطلبه التنظيم القضائي من عدم تسليط قضاء محكمة على قضاء محكمة أخرى وبمراعاة أن إلزام المحكمة المحال إليها الدعوى بالفصل فيها طبقاً للمادة 110 مرافعات لا يخل بحق المدعي في الطعن في الحكم بعدم الاختصاص وبالإحالة بطريق الطعن المناسب، فإذا فوت المدعي على نفسه الطعن فيه في الميعاد فإن الحكم يحوز حجية الشيء المقضي ولا يعود بالإمكان إثارة عدم اختصاص المحكمة المحال إليها الدعوى من جديد.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أن المدعيين أقاما دعواهما أول الأمر أمام محكمة العمال الجزئية بالقاهرة بصحيفة معلنة إلى شركة النصر للسيارات في 13 من يونيه 1967 طالبين الحكم بصفة مستعجلة بوقف قرار إيقافهما عن العمل، وقالا - في بيان دعواهما - أنهما يعملان بالشركة المدعى عليها وفوجئا بإيقافهما عن العمل بدون مبرر، إذ أنه لا يجوز وقف العامل إلا إذا نسب إليه ارتكاب جناية أو جنحة داخل دائرة العمل أو أن يتم الوقف نفاذاً لجزاء موقع عليه طبقاً للائحة الجزاءات وبشرط أن لا تزيد مدته عن خمسة أيام، الأمر الذي لم يتحقق بالنسبة إليهما، وبجلسة 20 من نوفمبر سنة 1968 قضت المحكمة الجزئية بإحالة الدعوى إلى محكمة القاهرة الابتدائية "الدائرة العمالية" إلا أن المحكمة المذكورة قضت جلستها المنعقدة في 22 من مارس 1970 بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وأمرت بإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري المختصة بنظرها، فأصدرت المحكمة الأخيرة حكمها المطعون فيه والقاضي بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالفصل في الدعوى وأمرت بإحالتها بحالتها إلى المحكمة العليا للاختصاص مع إبقاء الفصل في المصروفات.
وأقامت المحكمة قضاءها على أنه لما كان المدعيان من العاملين بشركة النصر لصناعة السيارات وهي إحدى شركات القطاع العام، وبهذه المثابة فإنهما لا يعتبران من الموظفين العموميين وينحسر عنهما اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري، ومن جهة أخرى فإن إحالة الدعوى إلى هذه المحكمة من المحكمة الابتدائية بعد حكمها بعدم الاختصاص لا يلزم محكمة القضاء الإداري - وهي غير مختصة ولائياً بنظرها - بالفصل فيها لأن معنى ذلك أن تسلب المحكمة المختصة من اختصاصها لتفرض على سواها اختصاصاً دخيلاً عليها ويترتب على ذلك أن يتوزع الاختصاص بين المحاكم لا بتشريع كما هو الأصل إنما بحكم قضائي وفي هذا خروج على مبدأ الفصل بين السلطات وهو مبدأ دستوري فضلاً عما يؤدي إليه ذلك من تضارب بين أحكام المحكمة الواحدة حين تقضي حيناً بعدم اختصاصها بالنسبة إلى القضايا التي ترفع إليها مباشرة وحيناً باختصاصها بالنسبة إلى القضايا المماثلة التي تحال إليها، الأمر الذي لا مناص معه من اعتبار أن المقصود من المادة 110 من قانون المرافعات هو إلزام المحكمة المحال إليها الدعوى بنظر الدعوى دون الالتزام بالفصل فيها، ورتبت المحكمة على ذلك أنه يتعين على المحكمة التي أحيلت إليها الدعوى أن تقضي - في حالة عدم اختصاصها الولائي بنظر الدعوى - بعدم اختصاصها وأن تحيل الدعوى إلى المحكمة العليا التي عقد لها الاختصاص بالفصل في التنازع السلبي للاختصاص بموجب القانون رقم 81 لسنة 1969.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم وإن أصاب الحق فيما قضى به من عدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالفصل في الدعوى تأسيساً على أن الالتزام الوارد بالمادة 110 من قانون المرافعات المدنية والتجارية إنما ينصرف إلى التزام المحكمة بنظر الدعوى دون الالتزام بالفصل فيها موضوعاً، إلا أنه خالف القانون فيما انتهى إليه من إحالة الدعوى إلى المحكمة العليا لأن الإحالة بموجب هذا النص لا تجوز إلا إلى محكمة مختصة أصلاً بنظر النزاع موضوعاً، ولا تختص المحكمة العليا بنظر المنازعة موضوعاً، كذلك فإن المشرع حدد القواعد والإجراءات التي يلتزم أصحاب الشأن باتباعها في مسائل تنازع الاختصاص ورفعها إلى المحكمة العليا خارج نطاق قانون المرافعات، ومن ثم فلا تسري أحكام هذا القانون ومنها المادة 110 على هذه المسائل.
ومن حيث إنه ولئن اقتصر الطعن في الحكم على الشق الخاص بإحالة الدعوى إلى المحكمة العليا دون الشق الخاص بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، إلا أن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن الطعن من هيئة المفوضين أمام المحكمة الإدارية العليا يفتح الباب أمام تلك المحكمة لتزن الحكم المطعون فيه بميزان القانون وزناً مناطه استظهار ما إذا كانت قد قامت به حالة من الحالات التي تعيبه مما نص عليه في قانون مجلس الدولة فتلغيه ثم تنزل حكم القانون على المنازعة دون التقيد بطلبات الهيئة أو الأسباب التي تبديها نزولاً على سيادة القانون في روابط القانون العام أم أنه لم تقم به أية حالة من تلك الحالات وكان صائباً في قضائه فتبقى عليه وترفض الطعن ومن ثم فإنه متى كان ذلك وكانت هيئة المفوضين قد قصرت طعنها على الشق الثاني من الحكم دون الشق الأول وكان الشقان مرتبطين أحدهما بالآخر ارتباطاً جوهرياً، فإنه مندوحة من اعتبار الطعن في الشق الثاني مثيراً للطعن في الشق الأول.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق لها أن قضت بأن المادة 110 من قانون المرافعات المدنية والتجارية توجب على المحكمة إذا قضت بعدم اختصاصها أن تأمر بإحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية، وتلتزم المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها أي بالفصل في موضوعها - ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية وأن المشرع إنما استهدف من إيراد حكم هذا النص حسم المنازعات ووضع حد لها حتى لا تتقاذفها أحكام عدم الاختصاص من محكمة لأخرى فضلاً عما في ذلك من مضيعة لوقت القضاء ومجلبة لتناقض أحكامه، وأنه إزاء صراحة نص المادة 110 من قانون المرافعات وإطلاقه، فقد بات ممتنعاً على المحكمة التي تحال إليها الدعوى بعدم الحكم فيها بعد الاختصاص أن تعاود البحث في اختصاصها أياً كانت طبيعة المنازعة ومدى سلامة الحكم الصادر فيها بعدم الاختصاص أو الأسباب التي بني عليها وحتى ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالوظيفة إذ قدر المشرع أن الاعتبارات التي اقتضت الأخذ به في هذا المجال تسمو على ما يتطلبه التنظيم القضائي من عدم تسليط قضاء محكمة على قضاء محكمة أخرى وبمراعاة أن إلزام المحكمة المحال إليها الدعوى بالفصل فيها طبقاً للمادة 110 مرافعات لا يخل بحق المدعي في الطعن في الحكم بعدم الاختصاص وبالإحالة بطريق الطعن المناسب، فإذا فوت المدعي على نفسه الطعن فيه في الميعاد فإن الحكم يحوز حجية الشيء المقضي ولا يعود بالإمكان إثارة عدم اختصاص المحكمة المحال إليها الدعوى من جديد.
ومن حيث إنه لما تقدم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد جانب الصواب فيما قضى به من عدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالفصل في الدعوى وتصبح إحالة الدعوى إلى المحكمة العليا بغض النظر عن مدى سلامة هذه الإحالة قانوناً غير ذات موضوع.
ومن حيث إنه وقد صدر أثناء نظر هذا الطعن قانون مجلس الدولة بالقانون رقم 47 لسنة 1972 وقضى بأن المحاكم التأديبية فرع من القسم القضائي بالمجلس وأسند إليها الاختصاص بنظر الطعون في الجزاءات التأديبية التي تقع على العاملين بالقطاع العام والبت في أمر وقفهم عن العمل احتياطياً لهذا فإن من المتعين الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه وباختصاص المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة الصناعة بنظر الدعوى وبإحالتها إليها للفصل فيها مع إبقاء الفصل في المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وباختصاص المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة الصناعة بنظر الدعوى وإحالتها إليها للفصل فيها وأبقت الفصل في مصروفات الدعوى لمحكمة الموضوع.