أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 30 - صـ 100

جلسة أول يناير سنة 1979

برئاسة السيد المستشار مصطفى الفقي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين حافظ رفقي؛ ومحمود حسن حسين؛ والدكتور سعيد عبد الماجد وعاصم المراغي.

(31)
الطعن رقم 867 لسنة 45 القضائية

أمر أداء. دعوى "رفع الدعوى".
التجاء الدائن إلى طريق استصدار أمر الأداء. شرطه. وجوب ألا يكون الحق الظاهر من عبارات الورقة قابلاً للمنازعة فيه. مثال بشأن المطالبة بثمن إطارات وما مزادها على المدين.
المستفاد من نص المادة 201 مرافعات أن طريق أوامر الأداء هو استثناء من القواعد العامة في رفع الدعاوى ابتداء لا يجوز التوسع فيه، ولا يجوز سلوكه إلا إذا كان حق الدائن ثابتاً بالكتابة وحال الأداء وكان كل ما يطالب به ديناً من النقود معين المقدار أو منقولاً معيناً بنوعه ومقداره. والمقصود بكونه معين المقدار ألا يكون الحق الظاهر من عبارات الورقة قابلاً للمنازعة فيه. وإذ كان الثابت أن الحق موضوع المطالبة هو باقي ثمن إطارات رسا على الطاعن مزادها ونكل عن تنفيذ التزامه باستلامها فإن هذا الحق لا تتوافر فيه الشروط المتقدمة التي يجب معها استصدار أمر بأدائه إذ هو غير مثبت بمقداره في سند كتابي يحمل توقيع الطاعن فضلاً عن أنه مثار نزاع منذ البداية حول استحقاقه ومقداره، ومن ثم فلا تكون المطالبة به إلا بطريق الدعوى العادية.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الشركة المطعون ضدها أقامت الدعوى رقم 18 لسنة 73 تجاري كلي دمنهور بطلب إلزام الطاعن بأن يدفع لها مبلغ 407 ج و500 م تأسيساً على أنه بتاريخ 18/ 4/ 1972 وما عليه مزاد بيع 400 إطار مستعمل لسيارات ملاكي وجرارات بسعر 1 ج و700 م للإطار الواحد بخلاف 10% قيمة الرسوم، وكان قد دفع مبلغ 200 ج تأميناً لدخول المزاد بعد أن وقع على شروطه بما يفيد معاينة البضاعة. وطبقاً للبند الثاني من شروط المزاد كان عليه أن يتسلم الإطارات ويقوم بسداد باقي الثمن خلال العشرة أيام التالية ولكنه طلب تسليمه 50 إطاراً فقط على أن يخصم من ثمنها جزء من التأمين المدفوع. ووافقت الشركة من باب التيسير، وسلمته العدد المطلوب وسدد الثمن بعد أن احتسبت له مبلغ 12 ج و500 م خصماً من التأمين المدفوع. إلا أنه توقف بعد ذلك عن استلام باقي الكمية وسداد ثمنها. وإذ أنذرته الشركة بذلك رفض استلامها بمقولة أن الإطارات استبدلت رغم أنه لم يكن لدى الشركة سوى ما طرحته للبيع لذا أقامت دعواها بطلباتها السالفة، و بتاريخ 15/ 5/ 1974 قضت محكمة أول درجة بإلزام الطاعن بأن يؤدي للشركة المطعون ضدها مبلغ 373 جنيهاً و500 مليماً، فاستأنف هذا الحكم بالاستئناف رقم 32 لسنة 30 ق لدى محكمة استئناف الإسكندرية (مأمورية دمنهور) فقضت بتاريخ 13/ 5/ 1975 برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سبب واحد من ثلاثة أوجه، ينعى الطاعن في وجهه الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون. وفي بيان ذلك يقول أنه تمسك أمام محكمة الموضوع بأن البضاعة التي أرادت الشركة تسليمها له مغايرة لتلك التي جرى عليها المزاد مما يعتبر إخلالاً بالتزام البائع المنصوص عليه في المادة 431 مدني بتسليم المبيع للمشتري بالحالة التي كان عليها وقت البيع، وطلب احتياطياً ندب خبير لمعاينة الإطارات وتحقيق دفاعه الذي سبق أن قدم في شأنه شكوى للنيابة ضد الشركة، ولكن الحكم المطعون فيه أطرح هذا الدفاع الجوهري استناداً إلى أن الطاعن استلم جزءاً من البضاعة مما يقطع بقبوله لها، وهذا من الحكم رد غير سائغ يعيبه بالخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن إجابة الخصم إلى طلب تعيين خبير في الدعوى هو من الرخص المخولة لقاضي الموضوع، فله وحده تقدير لزوم أو عدم لزوم هذا الإجراء، ولا معقب عليه في ذلك متى كان رفضه إجابة طلب تعيين الخبير قائماً على أسباب مبررة، لما كان ذلك وكان الثابت من مدونات الحكم الابتدائي - الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال على أسبابه - أن قائمة شروط المزاد المذيلة بتوقيع الطاعن نصت في البند الرابع على إقراره بأنه عاين الأصناف المطروحة للبيع والمعلن عنها معاينة نافية للجهالة، وكان الحكم المطعون فيه قد أطرح دفاع الطاعن بأن الإطارات التي أرادت الشركة المطعون ضدها تسليمها إليه تغاير تلك التي جرى عليها المزاد والتفتت عن مطالبته ندب خبير في الدعوى لتحقيق هذا الدفاع، وأقام قضاءه في هذا الصدد على قوله: "إن ما أبداه المستأنف (الطاعن) زعم عار عن الدليل وذلك لما يتضح من خطابه المؤرخ 8/ 5/ 1972 الموجه إلى الشركة مقرراً فيه أنه غبن في الصفقة وأنه لذلك يطالب بتسليمه كمية موازية للتأمين المدفوع وقد أرجع سبب الغبن إلى عدم معاينته للبضاعة في حين أن عقد المزايدة يقطع بمعاينته لها وبالتالي يكون القول باستبدال البضاعة يدحضه خطابه المؤرخ 8/ 5/ 1972 سالف الذكر والذي يذكر فيه أنه غبن في الصفقة ولم يرد في ذلك الخطاب ما ينبئ عن أن البضاعة قد استبدلت وعلى ذلك يكون قوله بعد ذلك باستبدال الإطارات قول لا سند له ويدل على رغبته في عدم تنفيذ التزامه الذي نصت عليه شروط المزايدة وبالتالي يكون طلبه ندب خبير في غير محله. "وكان هذا الذي أورده الحكم المطعون فيه سائغاً ويكفي لحمل قضائه ويؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها، فإن النعي عليه بالقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالوجه الثاني من سبب الطعن القصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول أنه دفع أمام محكمة الموضوع بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان استناداً إلى أن المطعون ضدها كان يتحتم عليها أن تعيد المزاد على ذمته قبل رفع دعواها وألا ترجع عليه إلا بفرق الثمن وذلك إعمالاً للبند الثامن من شروط المزاد إلا أن محكمة الموضوع قد رفضت هذا الدفع تأسيساً على أن هذا الشرط وضع لصالح الشركة ولا يستفيد منه الراسي عليه المزاد، وهو خطأ في تفسير شروط المزاد الصريحة والواضحة والتي لا يجوز الانحراف عنها إلى قول مرسل غير مؤيد بالدليل القانوني ولا يصلح سبباً سائغاً مقنعاً لإهدار البند الثامن من شروط المزاد الأمر الذي يعيب حكمها المطعون فيه بالقصور في التسبيب ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن تفسير العقود والشروط - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - تستقل به محكمة الموضوع ما دام قضاؤها يقوم على أسباب سائغة؛ وطالما أنها لم تخرج في تفسيرها للعقد واستظهار نية الطرفين عن المعنى الظاهر لها، ولما كان البين من مدونات الحكم الابتدائي - التي أحال إليها الحكم المطعون فيه - أنه أقام قضاءه برفض الدفع قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان على قوله: "إنه وإن كان قد نص في البند الثاني من العقد على بيع البضاعة على حساب المشتري إذا تخلف عن دفع ثمنها إلا أن هذا الشرط مقرر لمصلحة البائع يملك أعماله ويملك إلزام المشتري بسداد باقي الثمن نظير استلامه البضاعة". وأضاف الحكم المطعون فيه إلى هذه الأسباب قوله: "إن ما ورد بالبند الثاني من شروط المزايدة من أنه على المشتري الراسي عليه المزاد أن يدفع 25% من قيمة اللوط المباع له، ويجب عليه أن يدفع باقي القيمة عند الاستلام الذي يجب ألا يتعدى عشرة أيام من تاريخ المزايدة، مؤداه التزام المشتري بدفع قيمة ما اشتراه فضلاً عما ذهبت إليه محكمة أول درجة من أن ما ورد بالبند الثامن من شروط المزايدة هو لصالح البائع". وكانت هذه الأسباب سائغة ولا خروج فيها عن المعنى الظاهر لشروط المزاد، وتؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها الحكم المطعون فيه، فإن النعي عليه بهذا الوجه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً تنحسر عنه رقابة هذه المحكمة.
وحيث إن حاصل الوجه الثالث من سبب الطعن بطلان الحكم المطعون فيه لابتنائه على إجراءات باطلة. وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن الشركة المطعون ضدها لجأت في المطالبة بدينها إلى طريق الدعوى وكان يتعين عليها استصدار أمر بأداء هذا الدين طالما أنه مقدر ومعين، وهو ما يؤدي إلى بطلان الإجراءات والحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك لأن المستفاد من نص المادة 201 مرافعات أن طريق أوامر الأداء هو استثناء من القواعد العامة في رفع الدعاوى ابتداء لا يجوز التوسع فيه، ولا يجوز سلوكه إلا إذا كان حق الدائن ثابتاً بالكتابة وحال لأداء وكان كل ما يطالب به ديناً من النقود معين المقدار أو منقولاً معيناً بنوعه ومقداره. والمقصود بكونه معين المقدار ألا يكون الحق الظاهر من عبارات الورقة قابلاً للمنازعة فيه. وإذ كان الثابت أن الحق موضوع المطالبة هو باقي ثمن إطارات رسا على الطاعن مزادها ونكل عن تنفيذ التزامه باستلامها فإن هذا الحق لا تتوافر فيه الشروط المتقدمة التي يجب معها استصدار أمر بأدائه إذ هو غير مثبت بمقداره في سند كتابي يحمل توقيع الطاعن فضلاً عن أنه مثار نزاع منذ البداية حول استحقاقه ومقداره، ومن ثم فلا تكون المطالبة به إلا بطريق الدعوى العادية. وإذ سلكت المطعون ضدها هذا الطريق في رفع دعواها، فإنها تكون قد رفعت بالطريق القانوني. ويكون النعي بهذا الوجه هو بدوره في غير محله.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.