مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة - الجزء الثاني (من أول فبراير سنة 1962 إلى آخر سبتمبر سنة 1963) - صـ 885

(80)
جلسة 23 من مارس سنة 1963

برئاسة السيد/ الإمام الإمام الخريبي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة: مصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 1421 لسنة 7 القضائية

موظف - ترك الخدمة - القانون رقم 120 لسنة 1960 بشأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بنظام موظفي الدولة - إجازته لمن بلغ سن الخامسة والخمسين أو يبلغها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ نفاذه أن يترك الخدمة مع ضم سنتين لمدة خدمته وحسابهما في المعاش ولو تجاوز بضمهما سن الستين ومنحه علاوتين من علاوات درجته على ألا يتجاوز بهما نهاية مربوط الدرجة - قصد المشرع أساساً إلى معالجة مشكلة قدامى الموظفين المنسيين ووضع حد لتضخم الدرجات الشخصية والتخلص منها - عدم قصره الاستفادة من هذا القانون على أصحاب الدرجات الشخصية - إباحته طلب ترك الخدمة لكافة الموظفين ممن تتوافر فيهم شروط الاستفادة من أحكامه - عدم جواز الحد من إطلاق حكم المادة الأولى من هذا القانون بقاعدة تنظيمية أدنى من الأداة التشريعية التي صدر بها - تقييد الإدارة طلب ترك الخدمة بألا تقل المدة الباقية للموظف حتى إحالته إلى المعاش عن سنه - اعتبار هذا القيد حكماً جديداً لا تملكه الإدارة وينطوي على مخالفه لقصد الشارع الذي لم يحدد سناً ما بين الخامسة والخمسين والستين لا تقبل ممن يبلغها الرغبة في اعتزال الخدمة - لا حجة في التذرع باحتمال اختلال سير العمل في الوزارات والمصالح والهيئات الحكومية بسبب خروج كثير من الموظفين بالتطبيق لهذا القانون - إباحة المشرع ترك الخدمة تفترض تقديره مقدماً ما يترتب عليه من نتائج لا تغيب عنه - عدم جواز التفرقة بين فريق وآخر من شاغلي الدرجات الشخصية ما دام القانون لم يقض بهذه التفرقة ولا تقرها نصوصه.
ينص قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 120 لسنة 1960 بشأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بنظام موظفي الدولة في المادة الأولى على أنه "استثناء من أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 يجوز لكل من بلغ سن الخامسة والخمسين من الموظفين أو يبلغها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ نفاذ هذا القانون طلب ترك الخدمة على أن يسوى معاشه على أساس ضم سنتين لمدة خدمته وحسابهما في المعاش حتى ولو تجاوز بهذا الضم سن الستين. على ألا تتجاوز مدة الخدمة المحسوبة في المعاش نتيجة لهذا الضم 37.5 سنة وعلى أن يمنح علاوتين من علاوات درجته ولا يتجاوز بهما نهاية مربوط الدرجة وقد أفصحت المذكرة الإيضاحية لهذا القانون عن الباعث على إصداره وأبرزت الحكمة التي استهدفها المشرع من الأحكام التي ضمنها إياه إذ جاء بها أنه "لم تكن للترقيات في الكادرات السابقة على صدور القانون 210 لسنة 1951 قواعد ثابتة تلتزمها الإدارة عند إجرائها اللهم إلا قضاء الموظف الحد الأدنى اللازم للبقاء في الدرجة، ولم يكن يفيد من هذه الترقيات إلا المقربون والمحظوظون من ذوي الوساطات. ولم يكن لغيرهم من الكادحين والقائمين بالعمل وسيلة للتظلم لإيقاف هذه القرارات المعيبة. وكان من نتيجة ذلك أن رسب غالبية الموظفين في درجة واحدة مدداً تتراوح بين 15 و25 سنة - ولقد استبان للإدارة مدى الغبن الواقع عليهم فأصدرت القانون رقم 88 لسنة 1943 بترقية من أمضى حتى صدوره 15 سنة في درجة واحدة إلى الدرجة التالية بصفة شخصية وذلك اعتباراً من أول يوليه سنة 1943. ولم يكن في ذلك علاج مشكلة هؤلاء الراسبين المنسيين فتوالت التشريعات بين حين وآخر... وكلها تعالج مشكلة الحد الأقصى لبقاء الموظف في درجة ودرجتين وثلاث وترقيتهم للدرجة التالية بصفة شخصية. وكان الالتجاء إلى الترقيات الشخصية من المحاولات لعلاج المشكلة لعلها لا تتفق مع الأصول المقررة التي تقضي بالربط بين الدرجة والوظيفة على أساس من الواقع. مما دعا إلى التفكير في إيجاد طريقة للتخلص من الدرجات الشخصية عن طريق إصدار تشريع يبيح لمن بلغ سن الخامسة والخمسين ويشغل درجة شخصية طلب ترك الخدمة على أن يسوى معاشه على أساس ضم سنتين لمدة خدمته وحسابهما في المعاش حتى ولو تجاوز بهذا الضم سن الستين. على ألا تتجاوز مدة الخدمة المحسوبة في المعاش نتيجة لهذا الضم 37.5 سنة وعلى أن يمنح علاوتين من علاوات درجته الحالية ولا يتجاوز بهما ربط هذه الدرجة إلا أنه رؤى عدم قصر هذه الإباحة على أصحاب الدرجات الشخصية، وإنما إتاحة الفرصة لغيرهم من الموظفين الذين يبلغون سن الخامسة والخمسين أو يبلغونها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ سريان هذا التشريع أن يتقدموا بطلب ترك الخدمة بنفس الشروط للمصالح والهيئات الحكومية والوزارات التي يكون لها البت في هذه الطلبات في ضوء المصلحة العامة وفي الحدود التي رسمتها مواد قانون موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 والقوانين المعدلة له، مع الاستثناء من الفقرة الأخيرة من المادة 110 من القانون التي تعتبر الاستقالة المقترنة بأي قيد أو المعلقة على أي شرط كأن لم تكن. وظاهر مما تقدم أن المشرع عندما أصدر القانون رقم 120 لسنة 1960 إنما كان هدفه الأساسي هو معالجة مشكلة قدامى الموظفين الراسبين المنسيين بطريقة تواجه في الوقت ذاته على نحو أنجع القضاء على ما نتج عن محاولات الإنصاف التي اتبعت في الماضي لرفع الغبن عن هؤلاء المتخلفين من تضخم في الدرجات الشخصية التي كان يلجأ إلى توقيتهم عليها علاجاً لمشكلتهم مع ما في ذلك من مجافاة للأصول المقررة التي تقضي بالربط بين الدرجة والوظيفة على أساس من الواقع. وقد كانت كراهية هذه الأوضاع المفتعلة والرغبة في اجتثاث منابتها هما الحافز الذي حدا بالمشرع إلى التفكير في إيجاد وسيلة للتخلص من تلك الدرجات الشخصية بإصدار القانون رقم 120 لسنة 1960 الذي قصد به أصلاً إباحة طلب ترك الخدمة بالشروط والأوضاع المنصوص عليها في المادة الأولى منه لمن بلغ من الموظفين الشاغلين لدرجات شخصية سن الخامسة والخمسين أو يبلغها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ نفاذه، إلا أنه رؤى عدم قصر هذه الإباحة على أصحاب الدرجات الشخصية وحدهم بل التوسع في تيسير الإفادة من مزاياها بإتاحة سبيلها لغير هؤلاء من الموظفين الذين تتوافر فيهم تلك الشروط، على أن يتقدموا بطلب اعتزال الخدمة بذات الشروط للمصالح والهيئات الحكومية والوزارات التي يكون لها البت في هذه الطلبات في ضوء المصلحة العامة وقد أورد الشارع حكم المادة الأولى هذه استثناء من أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة والقوانين المعدلة له، وأخصها ما ورد في المادة 110 منه فيما يتعلق بالاستقالة المقترنة بقيد أو المعلقة على شرط وجعل طلب اعتزال الخدمة في هذه الحالة رخصة مباحة للموظف يستعملها بمشيئته متى تحققت فيها شروطها وإذ كان هدف المشرع أصلاً هو علاج وضع الموظفين الشاغلين لدرجات شخصية للتخلص من درجاتهم الشخصية أو للتخفف منها قدر المستطاع عن طريق إصدار التشريع آنف الذكر، وكانت هذه الحكمة التشريعية إنما تعبر بذاتها عن مصلحة عامة ابتغاها الشارع بعد أن وزن ملاءمتها بالنسبة إلى كل من الموظف والخزانة العامة وقدر أنها تبرر إصدار هذا التشريع، فإن ثمة قرينة قانونية قاطعة لا تحتمل إثبات العكس على تحقق المصلحة العامة في ترك أمثال هؤلاء الموظفين خدمة الحكومة. وتتمثل هذه المصلحة في إلغاء درجاتهم الشخصية التي أعرب المشرع صراحة عن حرصه على التخلص منها سواء بهذا الطريق أو بما نص عليه في المادة الثانية من القانون رقم 120 لسنة 1960 من تنظيم لتسوية الدرجات الشخصية الباقية واستهلاكها ولا يسوغ بقاعدة تنظيمية أدنى من الأداة التشريعية التي صدر بها هذا القانون الحد من إطلاق حكم نص المادة الأولى فيما يتعلق بالمدة الباقية للموظف لبلوغ سن الإحالة إلى المعاش بإضافة قيد إليها لم يورده المشرع ذاته بل لم يرده بدليل افتراضه في المادة المذكورة أن ضم السنتين لمدة خدمة الموظف وحسابهما في معاشه قد يجاوز به سن الستين إذ أن هذا يكون حكماً تشريعياً جديداً لا تملكه الجهة الإدارية وينطوي على مخالفة لقصد الشارع الذي لم يحدد سناً ما بين الخامسة والخمسين والستين لا تقبل ممن يبلغها الرغبة في اعتزال الخدمة كما لا حجة في التذرع باحتمال اختلال سير العمل بالوزارات والمصالح والهيئات الحكومية بسبب خروج عدد كبير من الموظفين بالتطبيق لأحكام القانون المشار إليه، ما دام هذا أمراً أباحه المشرع وقدر مقدماً ما يمكن أن يترتب عليه من نتائج لم تكن لتغيب عنه. ولا وجه في ضوء ما تقدم للتفرقة بسبب السن أو بدعوى مصلحة العمل بين فريق وآخر من شاغلي الدرجات الشخصية ما دام القانون المذكور لم يقض بهذه التفرقة ولا تقرها نصوصه.


إجراءات الطعن

في 6 من يوليه سنة 1961، أودعت إدارة قضايا الحكومة بصفتها نائبة عن السيد مدير عام هيئة السكك الحديدية سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1421 لسنة 7 القضائية في الحكم الصادر بجلسة 10 من مايو سنة 1961 في الدعوى رقم 1467 لسنة 14 القضائية المقامة من: المهندس/ عبد المنعم محمد قريش ضد كل من (1) السيد وزير المواصلات، (2) السيد مدير عام هيئة السكك الحديدية، من محكمة القضاء الإداري "هيئة الفصل بغير الطريق التأديبي" القاضي "بإلغاء القرار المطعون فيه الصادر من مدير هيئة السكك الحديدية في 21 يونيه سنة 1960 برفض طلب المدعي اعتزال الخدمة طبقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 وبأحقيته لتسوية حالته طبقاً للقانون المشار إليه، وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت المدعى عليها مصاريف الدعوى وخمسمائة قرش مقابل أتعاب محامي المدعي" وطلب السيد الطاعن للأسباب التي استند إليها في عريضة طعنه إحالة هذا الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي فيه "بقبوله شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضده وإلزامه بالمصارف ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين" وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون عليه في 13 من يوليه سنة 1961، وعقبت عليه هيئة مفوضي الدولة بتقرير بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه لما أبدته من أسباب إلى أنها ترى "الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً مع إلزام الحكومة بالمصروفات" كما رد عليه المطعون ضده بمذكرة طلب فيها للأسباب التي أوردها بها "رفض الطعن وإلزام الطاعنة بالمصروفات وأتعاب المحاماة عن الدرجتين". وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 9 من يونيه سنة 1962 التي أبلغ بها الطرفان في 27 من مايو سنة 1962. وقد قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة العليا حيث عين لنطره أمام الدائرة الأولى بها جلسة 16 من فبراير سنة 1963 التي أبلغ بها الطرفان في 15 من يناير سنة 1963، وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم، مع الترخيص في تقديم مذكرات في أسبوعين. وقد أودع المطعون عليه في 23 من فبراير سنة 1963 مذكرة بملاحظاته صمم فيها على طلب "الحكم برفض الطعن وتأييد الحكم المطعون فيه، مع إلزام الهيئة الطاعنة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين".


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 1467 لسنة 14 القضائية ضد كل من: السيد وزير المواصلات، والسيد مدير عام هيئة السكك الحديدية أمام محكمة القضاء الإداري "هيئة الفصل بغير الطريق التأديبي" بصحيفة أودعتها سكرتيرية المحكمة في 18 من سبتمبر 1960 ذكر فيها أنه عين بهيئة السكك الحديدية في 11 من أغسطس سنة 1924، وتدرج في وظائفها إلى أن رقي إلى وظيفة وكيل تفتيش المهمات والتموين بعموم هندسة السكة الحديد والأشغال. وعلى إثر صدور قرار السيد رئيس الجمهورية رقم 120 لسنة 1960 الذي أجاز استثناء من أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 لكل من بلغ سن الخامسة والخمسون من الموظفين طلب ترك الخدمة على أن يسوى معاشه على أساس ضم سنتين لمدة خدمته وحسابهما في المعاش حتى ولو تجاوز بهذا الضم سن الستين، قدم في 12 من يونيه سنة 1960 طلباً بذلك إلى السيد المهندس مفتش عام هندسة السكة والأشغال الذي رفعه بدوره مشفوعاً بتوصية بالقبول إلى الإدارة العامة في 15 من يونيه سنة 1960 ولكنه فوجئ بتبليغه في 26 من يونيه سنة 1960 برفض هذا الطلب دون إبداء الأسباب. وقد تظلم من هذا الرفض في 26 من يوليه سنة 1960 إلى السيد الوزير ورئيس هيئة المفوضين، إلا أن تظلمه رفض على أساس أن طلبه يتعارض مع المصلحة العامة من جهة وأن المدة الباقية لاعتزاله الخدمة أقل من سنة من جهة أخرى، وأخطر بذلك في 31 من أغسطس سنة 1960 والواقع أن التذرع بالمصلحة العامة مردود بأنه سيعتزل الخدمة في 28 من مارس سنة 1961، فإذا أخذ في الاعتبار أن له أربعة أشهر إجازة اعتيادية في عامي 1960 و1961 وثلاثة أشهر إجازة معاش لكان المتبقي فعلاً من مدة خدمته ثلاثة أشهر لا تفيد منها المصلحة العامة في كثير. على أن الرئيس المباشر وهو القوام على هذه المصلحة والأقدر من غيره على الحكم عليها قد وافق على طلب اعتزاله الخدمة وأوصى بإجابته إليه. والغريب في مسلك الهيئة أن تمسكها بالمصلحة العامة يترتب عليه أن يظفر غير المرغوب فيهم بالغنم بينما يخرج الصالحون بالغرم. ومع هذا فإن تفتيش المهمات الذي يعمل به يوجد به مهندس في مثل درجته وأحدهما زائد عن الحاجة، بل إن تعيين الآخر إنما قصد به إعداده ليسد الفراغ بعد اعتزال المدعي الخدمة. وفضلاً عن هذا فإن القيد الخاص بالمصلحة العامة إنما أريد به غير الموظفين الذين منحوا درجات شخصية كما يؤخذ من المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 120 لسنة 1960 بشأن علاج مشكلة قدامى الموظفين. ولما كان المدعي من أصحاب الدرجات الشخصية إذ أنه رقي إلى الدرجة الثانية الشخصية فإن هذا القيد لا يمتد إليه، إذ أن الهدف من إصدار القانون المشار إليه هو التخلص من أصحاب الدرجات الشخصية مع عدم حرمان غيرهم في حدود المصلحة العامة، ومعنى هذا أن المصلحة العامة تتأثر فقط متى طلب موظف من غير أصحاب الدرجات الشخصية اعتزال الخدمة. أما القول بأن سبب الرفض هو أن المدة الباقية للمدعي أقل من سنة فمردود بأن القانون رقم 120 لسنة 1960 لم يتضمن أي قيد فيما يختص بالمدة، وليس من شأن القاعدة التنظيمية أن تعدل نصوص القانون الصريحة. ومؤدى هذا أن التعلل بشرط المدة لا يرتكز على أية دعامة. ومن ثم فإن المدعي يطلب "إحالة هذه القضية على إحدى دوائر القضاء الإداري ليسمع المعلن إليهما الحكم بإلغاء القرار الصادر بتاريخ 26 يونيه سنة 1960 برفض طلب اعتزال الخدمة مع ما يترتب على ذلك من آثار. مع حفظ كافة الحقوق الأخرى".
وقد ردت الهيئة العامة للسكك الحديدية على هذه الدعوى بمذكرة قالت فيها إن المشرع أفصح في المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 120 لسنة 1960 عن الاعتبارات التي استهدى بها عن إصداره، وترك البت في الطلبات التي تقدم لاعتزال الخدمة من الموظفين للمصالح والهيئات الحكومية والوزارات في ضوء المصلحة العامة، ما دامت موالاة حسن سير المرافق العامة بانتظام والعمل على تحقيق هذه الغاية هما بيد الإدارة، وما دام المشرع قد أوجب لهذه الحكمة في حالة الاستقالة الفردية أن يظل الموظف قائماً بالعمل إلى أن يفصل في طلب الاستقالة وحرم الاستقالة الجماعية. ولا ريب أن الطلبات التي يقدمها الموظفون تطبيقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 هي مجرد رغبات في ترك الخدمة بقصد تسوية المعاش وفقاً للقواعد التي نص عليها هذا القانون، ولا يصح أن يكون ترك الخدمة سيفاً يسلطه الموظف على الإدارة فيلزمها دائماً بالاستجابة إليه، بل يكون من حقها أن تنظر في طلبه في ضوء المصلحة العامة. وقد أورد المشرع أن يترك الأمر لسلطة الإدارة التقديرية تترخص فيه حسبما يمليه الصالح العام بما لا معقب عليها في هذا الصدد ما دام قرارها قد خلا من إساءة استعمال السلطة. ومن ثم فلا احتجاج عليها إذا ما رفضت طلب المدعي بعد إذ رأت أن قبوله يتعارض مع مقتضيات سير المرفق، ولا سيما أنه يشغل منصباً رئيسياً وعلى هذا تكون الدعوى منهارة الأساس جديرة بالرفض. وخلصت الهيئة من هذا إلى طلب "الحكم برفض الدعوى وإلزام رافعها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".
وقد عقب المدعي على دفاع الهيئة العامة للسكك الحديدية بمذكرة ردد فيها ذات الأسانيد التي أبداها في صحيفة دعواه واختتمها بالتصميم على طلباته.
وقد أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه لما أوردته به من أسباب إلى أنها ترى "الحكم بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً وإلزام المدعي بالمصروفات".
وبجلسة 10 من مايو سنة 1961 قضت محكمة القضاء الإداري "بإلغاء القرار المطعون فيه الصادر من مدير هيئة السكك الحديدية في 21 يونيه سنة 1960 برفض طلب المدعي اعتزال الخدمة طبقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960، وبأحقيته لتسوية حالته طبقاً للقانون المشار إليه، وما يترتب على ذلك من آثار. وألزمت المدعى عليها مصاريف الدعوى وخمسمائة قرش مقابل أتعاب محامي المدعي". وأقامت قضاءها على أن نص المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960 قد ورد مطلقاً من كل قيد إلا من كونه استثناء من حكم القرة الأخيرة من المادة 110 من قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 التي تعتبر الاستقالة المقترنة بقيد أو المعلقة على شرط كأن لم تكن، ومن كون الجهة الإدارية لا تملك الترخص في عدم إجابة طلب الاستقالة متى تقدم الموظف بها وتوافرت فيها الشروط الواردة في القانون، ومن أن النص يسري على كل من بلغ سن الخامسة والخمسين في تاريخ صدور القانون رقم 120 لسنة 1960 الذي لم يورد أي قيد على السن بألا تزيد على 59 سنة أو ألا تقل المدة الباقية للموظف للإحالة إلى المعاش عن سنة. بل إن النص قد أباح تجاوز الستين سنة بإضافة سنتين بشرط ألا تجاوز مدة الخدمة المحسوبة في المعاش نتيجة لهذا الضم 37.5 سنة وألا يتجاوز الموظف بالعلاوتين الممنوحتين له نهاية مربوط درجته. ولا يسوغ الاستناد إلى ما ورد في المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور للخروج على النصوص الصريحة القاطعة الواردة فيه بمقولة إنه أبقى على الحكم الوارد في الفقرة الأخيرة من المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 باعتبار الاستقالة المشروطة كأن لم تكن. إذ لا يصح تحميل النص الذي جاء مطلقاً معنى يزيد على مضمونه بأن يضاف إليه قيد لم ينص عليه. ومن ثم فلا سند للقول بأنه لا يفيد من أحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 من تقل المادة الباقية له ببلوغ سن الإحالة إلى المعاش عن سنة، بل إن النص ذاته قد افترض أن ضم السنتين لمدة خدمة الموظف قد يجاوز به سن الستين فأجاز ذلك. ولما كان قرار السيد مدير عام هيئة السكك الحديدية برفض طلب المدعي اعتزال الخدمة بالتطبيق لأحكام القانون المشار إليه قد أسس على أن المدة الباقية من خدمة المذكور أقل من سنة، وكان هذا القيد لم يرد في القانون صراحة أو ضمناً ولا يمكن الاعتداد به، فإن القرار المطعون فيه يكون قد صدر مخالفاً للقانون ويتعين القضاء بإلغائه.
وبعريضة مودعة سكرتيرية هذه المحكمة في 6 من يوليه سنة 1961 طعن السيد مدير هيئة السكك الحديدية في هذا الحكم طالباً "إحالة هذا الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي فيه بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضده، وإلزامه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين". واستند في أسباب طعنه إلى ذات الحجج التي ضمنها دفاعه في مذكرته التي سبق أن قدمها إلى محكمة القضاء الإداري، وأضاف إليها أن القانون رقم 120 لسنة 1960 قد رخص للجهة الإدارية في قبول أو رفض الطلبات المقدمة إليها لترك الخدمة بعد موازنة وترجيح كفة الصالح العام حتى يمكنها الاحتفاظ بمن تزيد الاحتفاظ بهم من الموظفين ذوي الكفايات الخاصة، لكي لا تحرم من هذه الكفايات، لذلك خولها حق الموافقة على طلب ترك الخدمة أو رفض قبوله لاعتبارات تتعلق بحسن سير الإدارة الحكومية حسبما يمليه الصالح العام بما لا معقب عليها في ذلك دون إبداء أسباب بما لا يجوز معه الخوض في سبب القبول أو الرفض على نحو ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من تعليل رفض طلب المدعي بأن المدة الباقية له على بلوغه سن الإحالة إلى المعاش كانت أقل من سنة، إذ أن هذا لا يغير من الأمر شيء ما دامت الإدارة تستقل بالترخص في القبول أو الرفض. ومن ثم فإن هذا الحكم يكون قد خالف فيما ذهب إليه روح التشريع وحكمته.
وقد عقب المدعي على هذا الطعن بمذكرة ردد فيها دفاعه السابق بذات أسانيده وأضاف إليه ما ورد في الحكم المطعون فيه من أساليب واختتمها بطلب "رفض الطعن وإلزام الطاعنة بالمصروفات وأتعاب المحاماة عن الدرجتين".
وقد أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه إلى أنها ترى "الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً مع إلزام الحكومة بالمصروفات". وأسست رأيها على أن القانون رقم 120 لسنة 1960 قد هدف إلى معالجة وضع الدرجات الشخصية بإيجاد طريقة للتخلص منها والتيسير في ذات الوقت للموظفين الذين تنطبق عليهم شروطه في اعتزال الخدمة مع منحهم بعض الميزات رعاية لهم على أن يكون البت في طلبات الخدمة في ضوء المصلحة العامة. وعلى هذا فلا يصح لجهة الإدارة أن تتمسك ببقاء الموظف في الخدمة دون سبب جدي موضوعي بالنسبة إليه أو ضرورة ظاهرة تمليها اعتبارات الصالح العام. وقد بنت الجهة الإدارية تمسكها ببقاء المدعي في الخدمة على سبب عام قوامه عدم تعطيل العمل وسيره سيراً منتظماً، أي على رغبتها في الاحتفاظ به للإفادة من خدماته، مع أنه لم تبق له في الخدمة سوى مدة وجيزة لا يتأتى معها القول بأن بقاءه يمكن أن يعود على المصلحة العامة بفائدة جدية أو يجوز أن تكون مبرراً لإهدار المصلحة التي استهدفها هذا التشريع. وبذلك يكون القرار المطعون فيه غير قائم على أسباب جدية تمليها اعتبارات المصلحة العامة، وتكون الإدارة قد خرجت عن نطاق التقدير المتروك لها. ولا حجة في القول بأن الغاية من عدم قبول استقالة المدعي هي عدم اختلال سير العمل وتعطله، لأن هذه النتيجة وهي احتمال خروج عدد كبير من الموظفين بسبب تطبيق أحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 أمر أباحه المشرع وقدره مقدماً فلا يجوز المحاجة به في مجال قبول أو رفض اعتزال الخدمة في الوقت الذي قبلت فيه الإدارة طلبات غيره من زملائه. وإذ قضى الحكم المطعون فيه بإلغاء القرار الصادر برفض قبول استقالة المدعي وما يترتب على ذلك من آثار، فإنه يكون قد أصاب الحق في قضائه، ويكون الطعن فيه غير قائم على أساس سليم من القانون متعيناً رفضه.
وقد قدم المطعون عليه مذكرة ثانية بدفاعه قال فيها إنه وإن أشير في المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 120 لسنة 1960 إلى أن المصالح والهيئات الحكومية والوزارات تبت في الطلبات التي تقدم إليها في ضوء المصلحة العامة، إلا أن هذا يعني تخويل جهة الإدارة سلطة مطلقة تبيح لها أن تنحرف عن الأهداف المحددة للقانون. ولا ريب في أن تقدير المصلحة العامة في إبقاء موظف أو عدم إبقائه منوط برئيسه المباشر. فإذا كان الثابت أن الرئيس المباشر للمطعون عليه قد وافق على طلب اعتزاله الخدمة وأوصى بإجابته إليه فإن معنى هذا أن المصلحة العامة لن تضار بتركه الخدمة. ولا سيما أنه كان زائداً عن الحاجة، وكان يشغل الدرجة الثانية بصفة شخصية وأن المشرع أراد بالقانون رقم 120 لسنة 1960 أن يتخلص بقدر الإمكان من الدرجات الشخصية التي وضع عليها قدامى الموظفين الذين رسبوا في درجاتهم نتيجة لإغفال شأنهم كما أفصح عن ذلك وأكده في مذكرته الإيضاحية. وقد فرق المشرع في صراحة بين الموظفين الذين يشغلون الدرجات الشخصية، وهؤلاء يعتزلون الخدمة دون اعتراض من جانب الإدارة، والموظفين الذين يشغلون درجات فعلية، وهؤلاء هم الذين تستطيع جهة الإدارة أن تعمل بالنسبة لهم سلطتها التقديرية وليس من حق جهة الإدارة أن تقيد ما أطلقه المشرع فتفرض على اعتزال الخدمة شروطاً لم ترد بالنص. ولم يحدد القانون سناً لا يجوز قبلها إجابة طلب صاحب الرغبة في اعتزال الخدمة. فإذا خالفت جهة الإدارة هذا الاتجاه الواضح من جانب المشرع، بإيراد قيد من حيث السن، فإن قرارها يكون واضح البطلان وخلص المطعون عليه من هذا إلى التصميم على طلب "الحكم برفض الطعن وتأييد الحكم المطعون فيه، مع إلزام الهيئة الطاعنة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين".
ومن حيث إن المدعي يقيم طلبه اعتزال الخدمة وبالتالي دعواه الحالية بطلب إلغاء القرار الصادر من السيد المدير العام لهيئة السكك الحديدية في 21 من يونيه سنة 1960، برفض هذا الطلب على قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 120 لسنة 1960 بشأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بنظام موظفي الدولة ونص القانون في مادته الأولى على أنه "استثناء من أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 يجوز لكل من بلغ سن الخامسة والخمسين من الموظفين أو يبلغها خلال ثلاثة شهور من تاريخ نفاذ هذا القانون طلب ترك الخدمة على أن يسوى معاشه على أساس ضم سنتين لمدة خدمته وحسابهما في المعاش حتى ولو تجاوز بهذا الضم سن الستين. على ألا تتجاوز مدة الخدمة المحسوبة في المعاش نتيجة لهذا الضم 37.5 سنة وعلى أن يمنح علاوتين من علاوات درجته ولا يتجاوز بها نهاية مربوط الدرجة وقد أفصحت المذكرة الإيضاحية لهذا القانون عن الباعث على إصداره وأبرزت الحكمة التي استهدفها المشرع من الأحكام التي ضمنها إياه، إذ جاء به أنه "لم تكن للترقيات في الكادرات السابقة على صدور القانون 210 لسنة 1951 قواعد ثابتة تلتزمها الإدارة عند إجرائها اللهم إلا قضاء الموظف الحد الأدنى اللازم للبقاء في الدرجة، ولم يكن يفيد من هذه الترقيات إلا المقربون والمحظوظون من ذوي الوساطات. ولم يكن لغيرهم من الكادحين والقائمين بالعمل وسيلة للتظلم لإيقاف هذه القرارات المعيبة. وكان من نتيجة ذلك أن رسب غالبية الموظفين في درجة واحدة مدداً تتراوح بين 15 و25 سنة، ولقد استبان للإدارة مدى الغبن الواقع عليهم فأصدرت القانون رقم 88 لسنة 1943 بترقية من أمضى حتى صدوره 15 سنة في درجة واحدة إلى الدرجة التالية بصفة شخصية وذلك اعتباراً من أول يوليه سنة 1943. ولم يكن في ذلك علاج مشكلة هؤلاء الراسبين المنسيين فتوالت التشريعات بين حين وآخر... وكلها تعالج مشكلة الحد الأقصى لبقاء الموظف في درجة ودرجتين وثلاث وترقيتهم للدرجة التالية بصفة شخصية - وكان الالتجاء إلى الترقيات الشخصية من المحاولات لعلاج المشكلة لعلها لا تتفق مع الأصول المقررة التي تقضي بالربط بين الدرجة والوظيفة على أساس من الواقع. مما دعا إلى التفكير في إيجاد طريقه للتخلص من الدرجات الشخصية عن طريق إصدار تشريع يبيح لمن بلغ سن الخامسة والخمسين ويشغل درجة شخصية طلب ترك الخدمة على أن يسوى معاشه على أساس ضم سنتين لمدة خدمته وحسابهما في المعاش حتى ولو تجاوز بهذا الضم سن الستين. على ألا تتجاوز مدة الخدمة المحسوبة في المعاش نتيجة لهذا الضم 37.5 سنة وعلى أن يمنح علاوتين من علاوات درجته الحالية ولا يتجاوز بهما ربط هذه الدرجة إلا أنه رؤى عدم قصر هذه الإباحة على أصحاب الدرجات الشخصية، وإنما إتاحة الفرصة لغيرهم من الموظفين الذين يبلغون سن الخامسة والخمسين أو يبلغونها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ سريان هذا التشريع أن يتقدموا بطلب ترك الخدمة بنفس الشروط للمصالح والهيئات الحكومية والوزارات التي يكون لها البت في هذه الطلبات في ضوء المصلحة العامة وفي الحدود التي رسمتها مواد قانون موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 والقوانين المعدلة له، مع الاستثناء من الفقرة الأخيرة من المادة 110 من القانون التي تعتبر الاستقالة المقترنة بأي قيد أو المعلقة على أي شرط كأن لم تكن. وظاهر مما تقدم أن المشرع عندما أصدر القانون رقم 120 لسنة 1960 إنما كان هدفه الأساسي هو معالجة مشكلة قدامى الموظفين الراسبين المنسيين بطريقة تواجه في الوقت ذاته على نحو أنجع القضاء على ما نتج عن محاولات الإنصاف التي اتبعت في الماضي لرفع الغبن عن هؤلاء المتخلفين من تضخم في الدرجات الشخصية التي كان يلتجأ إلى ترقيتهم عليها علاجاً لمشكلتهم مع ما في ذلك من مجافاة للأصول المقررة التي تقضي بالربط بين الدرجة والوظيفة على أساس من الواقع. وقد كانت كراهية هذه الأوضاع المفتعلة والرغبة في اجتثاث منابتها هما الحافز الذي حدا بالمشرع إلى التفكير في إيجاد وسيلة للتخلص من تلك الدرجات الشخصية بإصدار القانون رقم 120 لسنة 1960 الذي قصد به أصلاً إباحة طلب ترك الخدمة بالشروط والأوضاع المنصوص عليها في المادة الأولى منه لمن بلغ من الموظفين الشاغلين لدرجات شخصية سن الخامسة والخمسين أو يبلغا خلال ثلاثة أشهر من تاريخ نفاذه إلا أنه رؤى عدم قصر هذه الإباحة على أصحاب الدرجات الشخصية وحدهم بل التوسع في تيسير الإفادة من مزاياها بإتاحة سبيلها لغير هؤلاء من الموظفين الذين تتوافر فيهم تلك الشروط، على أن يتقدموا بطلب اعتزال الخدمة بذات الشروط للمصالح والهيئات الحكومية والوزارات التي يكون لها البت في هذه الطلبات في ضوء المصلحة العامة وقد أورد الشارع حكم المادة الأولى هذه استثناء من أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة والقوانين المعدلة له، وأخصها ما ورد في المادة 110 منه فيما يتعلق بالاستقالة المقترنة بقيد أو المعلقة على شرط وجعل طلب اعتزال الخدمة في هذه الحالة رخصة مباحة للموظف يستعملها بمشيئته متى تحققت فيها شروطها وإذا كان هدف المشرع أصلاً هو علاج وضع الموظفين الشاغلين لدرجات شخصية للتخلص من درجاتهم الشخصية أو للتخفف منها قدر المستطاع عن طريق إصدار التشريع آنف الذكر، وكانت هذه الحكمة التشريعية إنما تعبر بذاتها عن مصلحة عامة ابتغاها الشارع بعد أن وزن ملاءمتها بالنسبة إلى كل من الموظف والخزانة العامة وقدر أنها تبرر إصدار هذا التشريع، فإن ثمة قرينة قانونية قاطعة لا تحتمل إثبات العكس على تحقق المصلحة العامة في ترك أمثال هؤلاء الموظفين خدمة الحكومة. وتتمثل هذه المصلحة في إلغاء درجاتهم الشخصية التي أعرب المشرع صراحة عن حرصه على التخلص منها سواء بهذا الطريق أو بما نص عليه في المادة الثانية من القانون رقم 120 لسنة 1960 من تنظيم لتسوية الدرجات الشخصية الباقية واستهلاكها، ولا يسوغ بقاعدة تنظيمية أدنى من الأداة التشريعية التي صدر بها هذا القانون الحد من إطلاق حكم نص المادة الأولى منه فيما يتعلق بالمدة الباقية للموظف لبلوغ سن الإحالة إلى المعاش بإضافة قيد إليها لم يورده المشرع ذاته بل لم يرده بدليل افتراضه في المادة المذكورة أن ضم السنتين لمدة خدمة الموظف وحسابهما في معاشه قد يجاوز به سن الستين إذ أن هذا يكون حكماً تشريعياً جديداً لا تملكه الجهة الإدارية وينطوي على مخالفة لقصد الشارع الذي لم يحدد سناً ما بين الخامسة والخمسين والستين لا تقبل ممن يبلغها الرغبة في اعتزال الخدمة كما لا حجة في التذرع باحتمال اختلال سير العمل بالوزارات والمصالح والهيئات الحكومية بسبب خروج عدد كبير من الموظفين بالتطبيق لأحكام القانون المشار إليه، ما دام هذا الأمر أباحه المشرع وقدر مقدماً ما يمكن أن يترتب عليه من نتائج لم تكن لتغيب عنه. ولا وجه في ضوء ما تقدم للتفرقة بسبب السن أو بدعوى مصلحة العمل بين فريق وآخر من شاغلي الدرجات الشخصية ما دام القانون المذكور لم يقض بهذه التفرقة ولا تقرها نصوصه. وإذ كان الثابت من الأوراق أن المدعي من مواليد 28 من مارس سنة 1901 وأنه التحق بخدمة الحكومة اعتباراً من 11 من أغسطس سنة 1924، وهو معامل بأحكام قانون المعاشات رقم 37 لسنة 1929، ويشغل المرتبة الثانية الشخصية بالكادر الفني العالي صرفاً على الثالثة اعتباراً من 26 من مارس سنة 1960، وأنه تقدم إلى السيد المفتش العام لهندسة السكة والأشغال في 14 من يونيه سنة 1960 بطلب لترك الخدمة بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960، ووافق رئيسه المباشر على طلبه هذا ورفعه بدوره للإدارة العامة مشفوعاً بالتوصية بقبوله، بيد أن السيد المدير العام لهيئة السكك الحديدية أشر في 21 من يونيه سنة 1960 بأن الطلب مرفوض على أساس أن المدة الباقية أقل من سنة، وكانت الشروط المنصوص عليها في المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960 متوافرة في هذا الطلب، وسبب رفضه لا يقوم على سند من القانون لتضمنه فرض قيد متعلق بالسن أو بالمدة الباقية من الخدمة لم يرد في القانون ولا يستخلص من نصوصه صراحة ولا ضمناً، فإن حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه قانوناً صادف الصواب فيما قضى به من الاستجابة إلى طلب المدعي لكونه على حق فيه قانوناً، ويكون طعن هيئة السكك الحديدية في هذا الحكم على غير أساس سليم من القانون حقيقاً بالرفض مع إلزام الهيئة بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت هيئة السكك الحديدية بالمصروفات.