مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة - الجزء الثاني (من أول فبراير سنة 1962 إلى آخر سبتمبر سنة 1963) - صـ 919

(83)
جلسة 31 من مارس سنة 1963

برئاسة السيد/ عبد العزيز الببلاوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة: الدكتور محمود سعد الدين الشريف وعبد الفتاح نصار وعزت عبد المحسن وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 1154 لسنة 6 القضائية

( أ ) عقود إدارية - إبرام اتفاق بين وزارة التموين وبين أحد الأفراد على الترخيص له بتصدير أرز إلى الخارج في مقابل استيراده لكميات من القمح بقيمة ثمن الأرز - عرض المتعهد في عطائه سعرين اثنين لطن الأرز الأدنى منهما مشروط بالترخيص له في تصدير كمية من الأرز بما يقابل ثمن القمح لبلاد العملة السهلة وبالعملات السهلة، والسعر الأعلى بلا قيد ولا شرط - قبول الوزارة للسعر الأدنى بشروطه دون الأعلى - تكييف هذا العقد، وهل يعتبر عقد بيع متكاملاً أم عقد مبادلة - اعتباره عقد مبادلة أو توريد.
(ب) عقود إدارية - عقد المبادلة في مجال القانون الإداري - اختلافه عن عقد المقايضة في مجال القانون المدني - قيام التكييف في عقود المبادلات الإدارية على أساس القوانين والقرارات واللوائح الصادرة في هذا الشأن - مثال بنظم الاستيراد والتصدير وفرض قيودها على بعض المبادلات - قيام نظام المبادلات الخاصة بالتصدير والاستيراد على أسس يراد بها موازنة الميزان الحسابي النقدي للمدفوعات الخارجية حتى لا يكون هذا الميزان الحسابي مديناً بمبالغ ضخمة، ترهق مركز الجنيه المصري في الخارج أو تضعف من قوته الشرائية.
(ج) عقود إدارية - عقود المبادلات الخاصة بالتصدير والاستيراد - تحديد لجنة التموين العليا سعرين للأرز أحدهما للتصدير مقابل دفع عملة صعبة توازي الثمن المحدد، والآخر سعر مبادلة في حالة الاتفاق على تصدير كميات من الأرز مقابل التعهد باستيراد سلع أخرى كالسكر أو الحديد أو القمح - لا وجه لإفادة المتعهد بالمحاسبة على أساس العملة الصعبة ما دام لا يقدم هو العبء المقابل بتقديم عملة صعبة بل يستورد فقط كميات من القمح مقابل سعر مرتفع مخصوص فلا يجمع الميزتين.
(د) عقود إدارية - المبادلات الخاصة بالتصدير والاستيراد - تحديد سعر المبادلات الخاصة بالأرز - دخوله في السلطة التقديرية للجنة الحبوب واللجنة الوزارية العليا للتموين وفقاً لأحكام القانون رقم 101 لسنة 1939 والقانون رقم 163 لسنة 1950 الخاصين بالتسعير الجبري وتحديد الأرباح.
1 - إن المستفاد من الإعلان الذي نشرته وزارة التموين من مناقصة القمح - أنها أجازت أن يكون دفع الثمن إما نقداً أو بطريق المبادلة بالأرز المصري على أساس السعر الرسمي للأرز تسليم الإسكندرية... إلخ وقد عرض السيد عبده نجيم في عطائه سعرين لتوريد القمح سعر أدنى ومقداره 30 ج و5 شلن للطن المتري وذلك بشرط أن ترخص له الوزارة في تصدير كمية موازنة الأرز بما يقابل ثمن القمح المستورد وذلك لبلاد العملة السهلة وبالعملات السهلة وسعراً أعلى ومقداره 31 ج و2 شلن و6 بنس بدون قيد ولا شرط وقد وافقت الوزارة على السعر الأدنى بشروطه وتم التعاقد على ذلك وقد نعى الطاعنان على الحكم المطعون فيه أنه وصف هذا العقد بأنه عملية مبادلة وقالا تأييداً لنظرهما إن العقد هو عقد بيع كامل وليس عقد مقايضة أو مبادلة إذ الواقع من الأمر ينطوي فقط على ميزة منحت للمدعي الأول مقابل بيعه للقمح بأقل من السعر المستورد به على أن هذه المحكمة لا ترى مقنعاً فيما ذهب إليه الطاعنان في هذا الصدد.
2 - إن الأمر في تكييف المبادلة لا يكون بالرجوع إلى أحكام القانون المدني بل يرجع إلى القوانين والقرارات واللوائح الصادرة في ذلك الشأن إذ أن نظام التصدير والاستيراد كان يقوم في ذلك الوقت على أن تضع الحكومة الشروط الخاصة بتصدير السلع وكان الأرز آنئذ في حساب وزارة التموين من السلع الدولارية أي التي تستخدم في التصدير للحصول على الدولار وهو من العملات الصعبة فإذا ما وجد في العقد شرط تلتزم بمقتضاه الحكومة بالترخيص في تصدير الأرز مقابل الحصول على عملة سهلة اعتبر ذلك قيداً على الأصل الواجب الرعاية في عملية تصدير الأرز وقد تنبهت القوانين والقرارات إلى مثل هذه الصورة فقررت سعراً آخر للأرز أعلى من الأول على وجه يكفي لتغطية الفرق بين سعر الدولار الرسمي وسعره في السوق الحرة وذلك حتى لا تحل بالحكومة أية خسارة من نتيجة تحصيلها ثمن الأرز بالعملة السهلة وهو أصلاً معتبر سلعة من السلع الدولارية، ومن هذا يبدو في وضوح أن التعاقد إنما قام على تنفيذ التزامين متبادلين أحدهما هو استيراد كميات من القمح اللازم لتموين البلاد والآخر هو تمكين المستورد من تصدير كميات من الأرز وذلك بمنحه التراخيص اللازمة والتي كانت في ذلك الوقت مرهونة بقيود وشروط معينة ومن هنا سميت مثل هذه العملية بالمبادلات دون أن يقصد بهذه التسمية معنى المقايضة المعروف في القانون المدني الذي يكون العنصر الغالب فيه هو تبادل نقل ملكية ليس من النقود. والواقع أن حكم المبادلات في فهم نظام الاستيراد والتصدير يبين من استقراء نظم المبادلات التي أعلنت عنها الجهات الإدارية وهي في هذا الصدد إنما تقوم على قيود خاصة بالتصدير أو الاستيراد قصد من ورائها إجراء موازنة في الميزان الحسابي النقدي للمدفوعات الخارجية القصد منه ملافاة أن يكون الميزان الحسابي مديناً بمبالغ ضخمة ترهق مركز الجنيه المصري في الخارج أو تضعف من قوته الشرائية ومن ثم فإن نظام المبادلات يقوم على توجيه يهدف إلى تعادل الميزان التجاري مع الدول.
3 - كانت وزارة التموين تستولي على جميع الناتج من محصول الأرز كما هو ظاهر من قرارات لجنة التموين العليا الخاصة بالاستيلاء على محصول الأرز لسنتي 1949، 1950 الصادرة في 23/ 7/ 1949، 30/ 8/ 1950 كما تشرف على تصديره ثم أنها حددت اعتباراً من 20 من فبراير سنة 1950 سعرين أحدهما للتصدير مقابل دفع عملة صعبة توازي الثمن المحدد والآخر هو سعر المبادلة ويكون التعامل به في حالة الاتفاق على تصدير كميات الأرز مقابل التعهد باستيراد سلع أخرى كالسكر أو الحديد أو القمح - ومن ثم فإن العملية محل التعاقد الذي نحن بصدده وقد انحصرت في التزام باستيراد قمح أدى إلى تحويل جنيهات إسترلينية إلى الدولة المصدرة له والتزام الوزارة بالترخيص في تصدير أرز أدى إلى مديونية الدولة المستوردة بثمنه بالعملات السهلة وهي على هذا النحو وطبقاً لما سبق بيانه لا تعدو أن تكون من قبيل عمليات المبادلة فتحكمها الأسعار المحددة للمبادلات وما دام أن الأساس في تحديد الأسعار بالعملة الصعبة المصرية هو رغبة الحكومة في الحصول على عملات صعبة توازي السعر المحدد بالعملة المصرية مما حدا بها إلى تخفيض هذه الأسعار تشجيعاً للتجار على الإقبال على هذا النوع من التعامل فإنه لذلك يكون الدفع بإحدى العملات الصعبة شرطاً أساسياً للمحاسبة على أساس الأسعار المحددة للبيع بالعملة الصعبة. وبهذه المثابة لا يكون هناك وجه لما يطلبه المدعيان من المحاسبة بمقتضى هذه الأسعار لما يؤدي إليه ذلك من إفادتهما بمزايا هذا النوع من التعامل دون تحمل العبء المقابل لهذه المزايا وهو تقديم عملة صعبة، ولم يقصد عقد التوريد المبرم بين المدعي الأول والوزارة عن كميات القمح إلى شيء من هذا الإعفاء لا صراحة ولا ضمناً خصوصاً وقد كان هناك سعر آخر للمبادلة بالعملة السهلة مرتفع منذ البداية وقبل انعقاد عقد توريد القمح وذلك طبقاً لقرار اللجنة في 4 من سبتمبر سنة 1949.
4 - إن تحديد سعر المبادلات بالنسبة للأرز هو مما اقتضته دواعي التصدير والاستيراد وقد فرضت الجهة الإدارية المختصة معالمه وضوابطه بما لها من سلطة تقديرية في هذا الشأن مردها إلى القانون رقم 163 لسنة 1950 الخاص بشئون التسعير الجبري وتحديد الأرباح، والمرسوم بقانون رقم 101 لسنة 1939 بشأن التسعير الجبري حيث منح القانون المذكور اللجان المختصة سلطة تعيين الأسعار وتحديد الأرباح في السلع الواردة بالجداول المرافقة له، وفي هذه اللجان لجنة الحبوب واللجنة الوزارية العليا للتموين، وهي أعلى هيئة ذات اختصاص في تعيين الأسعار، وإذ قامت كل من هاتين اللجنتين بتحديد سعر المبادلة عموماً وهو ذات السعر الذي يعامل به المدعيان المقدر 132 ريالاً وذلك بالنسبة للصفقة جميعها سواء ما تم تصديره منها قبل 12/ 8/ 1950 أو بعد هذا التاريخ وكان قرارها في هذا الشأن يستند إلى ما توجبه أصول الموازنة في الأسعار عند تحقق قيام الفرق الناشئ بين أسعار البيع بالعملة الصعبة وبين أسعار البيع بالعملة السهلة أساسه سعر الصرف السابق الإشارة إليه في السوق الحرة بين الدولار والعملات السهلة المبيع بها الأرز - وما دام القرار قد حدد سعراً عاماً بالنسبة للكافة بأنه يكون مستنداً إلى مبدأ المشروعية ولا سبيل بعد ذلك للطعن عليه طالما لم يثبت أنه متسم بإساءة استعمال السلطة وأن فيه خروجاً على أحكام العقد المبرم بين المدعي الأول ووزارة التموين.


إجراءات الطعن

بتاريخ 2/ 4/ 1960 أودع السيدان عبده نجيب ومصطفى عزت عبد الوهاب عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (هيئة المنازعات الخاصة بالعقود الإدارية والتعويضات) بجلسة 7/ 2/ 1960 في الدعوى رقم 1725 لسنة 9 القضائية المرفوعة منهما ضد وزارة التموين، القاضي "برفض الدعوى وإلزام المدعين بالمصروفات" وطلب الطاعنان للأسباب المبينة بصحيفة الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء على وزارة التموين بأن يكون السعر الواجب تطبيقه: أ - على كميات الأرز التي أعطيت عنها تراخيص قبل 12/ 8/ 1950 هو السعر الخاص بعمليات التصدير المحدد بالقرارين الصادرين في 20/ 2/ 1950 و8/ 5/ 1950.
ب - على كميات الأرز التي أعطيت عنها تراخيص منذ 13/ 8/ 1950 هو السعر الموحد الرسمي (120 دولاراً) المقرر بالقرار الصادر في 12/ 8/ 1950 والمنشور عنه في 4/ 9/ 1950 مع إلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن جميع درجات التقاضي. وقد أعلن الطعن إلى الحكومة في 9/ 5/ 1960، وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 30/ 10/ 1960، ثم قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى المحكمة الإدارية العليا وحددت لذلك جلسة 20/ 5/ 1961.
وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من ملاحظات ذوي الشأن على الوجه الموضح تفصيلاً بالمحضر قررت إصدار الحكم بجلسة 24/ 6/ 1961 ثم أعيدت للمرافعة بجلسة 28/ 10/ 1961 لتعذر المداولة ثم إلى 24/ 2/ 1962 لتقوم الحكومة بضم الملف رقم 704/ 1/ 38 الخاص بالسيدين حسين الهندي وإبراهيم جبريل والملف رقم 107/ 1/ 39 الخاص بالسيد/ أحمد يوسف الجندي والملف رقم 704/ 1/ 18 باسمي صادق وهبي وبشارة حجار وكذلك الملف رقم 704/ 1/ 19 جزء ثان وثالث الخاص بالسيدين يحيى الفضلي وحسين الشريف، على أن يكون ذلك مشفوعاً بإيداع القرار الصادر من اللجنة الوزارية العليا للتموين في 19 من مارس سنة 1950 عن مبادلة الحديد بالأرز الخاص بكل من يحيى الفضلي وحسين الهندي وإبراهيم جبريل وكذلك القرارات الصادرة بشأن الاستيلاء على محصول الأرز الناتج في موسم 1949/ 1950. وتأجلت لجلسة 14/ 10/ 1962 لتصحيح شكل الدعوى بعد وضع أموال السيد/ عبده نجيم تحت الحراسة. وبعد أن قدم الحاضران عن المدعيين توكيلاً من السيد/ عبده خليل حسن الحارس الخاص على أموال وممتلكات السيد/ عبده نجيم، استوفيت الأوراق المطلوب ضمها، ثم قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 27/ 1/ 1963 ثم أرجئ النطق به لإتمام المداولة إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن المدعيين أقاما هذه الدعوى طالبين الحكم بأن يكون السعر الواجب تطبيقه على كميات الأرز التي أعطيت عنها تراخيص قبل 12/ 8/ 1950 هو السعر الخاص بعمليات التصدير والمحدد بموجب القرارين الصادرين في 20/ 2/ 1950 و8/ 5/ 1950، وأن يكون بالنسبة لكميات الأرز التي أعطيت عنها تراخيص بعد 12/ 8/ 1950 هو السعر الموحد الرسمي (120 دولاراً) المقرر بالقرار الصادر في 12/ 8/ 1950 والمنشور عنه في 4/ 9/ 1950. وقالا في بيان ذلك إنه في 11 يناير سنة 1950، أعلنت وزارة التموين عن حاجتها إلى استيراد 50 ألف طن متري من القمح خارج الاتفاقية الدولية فتقدم المدعي الأول السيد/ عبده نجيم بعرض تضمن استعداده لتوريد الكمية المشار إليها، وقد قبلت وزارة التموين عطاءه وانصبت موافقة الوزارة على أن يكون السعر للطن المتري تسليم الإسكندرية 5 شلنات و30 جنيهاً إنجليزياً وأن يفتح اعتماد مستندي ثابت غير قابل للإلغاء وقابل للتجزئة والتحويل بكافة الثمن بالجنيهات الإسترلينية، وفي ذات الوقت وافقت الوزارة على الترخيص له بأن يصدر لبلاد العملة السهلة بالعملات السهلة كميات من الأرز من الأنواع المخصصة بالأسعار الرسمية المحددة وقت التصدير بما يقابل ثمن كميات القمح التي يتم استيرادها فعلاً أو جزء منها حسب رغبته، وإذا رغب في شراء وتصدير أقطان مصرية من السوق الحرة بما يقابل ثمن القمح أو جزء منه فيكون ذلك طبقاً للأسعار المعمول بها وقت الشحن. ومن ثم فتحت وزارة التموين الاعتماد بثمن القمح باسم البائع الاسترالي وهو عميل المدعي الأول صاحب العطاء وذلك بموافقته مع تنازله عن عمولته، كما قام علاوة على ذلك بأداء فرق الثمن للعميل الاسترالي ذلك أن الثمن الذي تعاقدت عليه وزارة التموين مع المدعي الأول عن القمح المستورد كان أقل من الثمن الذي تعاقد عليه مع البائع الاسترالي. وبهذه المثابة فإن العميل الاسترالي قبض كامل الثمن المستحق له عن الصفقة سواء ما أوفته إليه وزارة التموين بفتح اعتماد باسمه مباشرة أو ما أداه المدعي الأول إليه من ماله الخاص عن فرق الثمن المتعاقد عليه. وإذ قام العميل الاسترالي بتوريد القمح المتعاقد عليه إلى وزارة التموين في المواعيد المتفق عليها وهي فبراير ومارس وإبريل فقد انتهى الأمر في هذه الصفقة بعد أن تحقق للوزارة وفر بلغ عشرات الألوف من الجنيهات وتحمل المدعي الأول تضحية كبيرة بلغت حوالي الثلاثين ألف جنيه. وهذه الخسارة التي تحملها كانت نظير الميزة التي منحت له وهي الترخيص له بتصدير الأرز لبلاد العملة السهلة وبالعملة السهلة فيعوض تلك الخسائر عن طريق الفرق بين سعر الأرز بالعملة الصعبة وسعره بالعملة السهلة. غير أنه بتاريخ 18/ 2/ 1950 طلب المدعي الأول السماح له بتصدير كمية من الأرز فرفضت الوزارة إصدار الترخيص استناداً إلى أن العملية تسري عليها أسعار المبادلات التي تزيد بمعدل 17% وإزاء اعتراضه باعتبار أن الصفقة التي عقدها مع الوزارة لا تدخل في عداد المبادلات، عرض الأمر على لجنة الحبوب وصدر قرارها بالرفض في 5/ 3/ 1950، وخلال ذلك تنازل المدعي الأول إلى المدعي الثاني بموافقة الوزارة عن حق تصدير كل كمية الأرز المرخص في تصديرها ثم اضطر المدعي الثاني إلى الرضوخ لما فرضته عليه الوزارة من حيث السعر حتى يتمكن من تنفيذ التزاماته قبل عملائه مع حفظ كامل حقه في الرجوع عليها والاحتكام إلى القضاء فيما يتعلق بالسعر الواجب المحاسبة على أساسه. وقد أشار المدعيان إلى أن الوزارة حاسبت في سنة 1952 آخرين هم شركة صادق عبده وهبي والياس بشارة حجار عن صفقة استيراد سكر وتصدير أرز على ذات الأساس الذي يطالبان بتطبيقه عليهما ثم عرضا بعد ذلك لتكييف العقد المبرم بين الوزارة والمدعي الأول باعتباره صفقة نقدية تخضع لسعر العمليات النقدية دون أن يتعدى ذلك إلى اعتبارها عملية مبادلة حتى ينطبق عليها سعر 132 دولاراً الذي حددته لجنة التموين العليا باعتباره السعر الحالي للمبادلات.
وأجابت الجهة الإدارية على الدعوى بأن الكتاب الذي وجهته إلى المدعي الأول في 6 من فبراير سنة 1950 المتضمن موافقتها على الترخيص له بأن يصدر لبلاد العملة السهلة كميات من الأرز من الأنواع المخصصة للتصدير بالأسعار الرسمية المحددة وقت التصدير بما يقابل ثمن كميات القمح التي يتم استيراده فعلاً أو جزء منها حسب رغبته، هذا الكتاب لا يحمل معنى أن الوزارة رخصت له بتصدير الأرز بأسعار الدولار بل وافقت على أن يكون التصدير لبلاد العملة السهلة بالأسعار الرسمية المحددة وقت التصدير لا وقت التعاقد وأن سبب قبول الوزارة للعرض المقدم من المدعي الأول هو انخفاض سعر القمح وفي مقابل هذا الانخفاض أعطته الوزارة ميزة هي الترخيص له بتصدير الأرز وهو سلعة دولارية إلى بلاد العملة السهلة وفقاً للأسعار الرسمية المحددة وقت تصديره، وأما ما يستند إليه السيد/ عبده نجيم من أنه لم يكن هناك وقت التعاقد غير سعر واحد هو سعر الأرز المحدد بالدولار وأن عملية شراء القمح واستخدام الحصيلة في تصدير أرز لم تكن عملية مبادلة وبذلك لا تسري عليها أسعار المبادلات بل تسري عليها الأسعار المحددة بالدولار قد يستقيم لو أن الوزارة ذكرت في تعاقدها أن تحديد السعر يكون وقت التعاقد لا وقت التصدير أو لو أن السلعة التي تمت المبادلة عليها هي سلعة دولارية دفع ثمنها بالدولار بالسعر الرسمي فيتم تصدير السلعة المقابلة بأسعار الدولار المنخفضة فإذا تم شراؤها بعملة سهلة فإنه يراعى في هذه الحالة تقويم الأسعار على أساس السعر في السوق الحرة بما يعادل الفرق بين السعر الرسمي والسعر في السوق الحرة، وفي هذه الحالة فإن سعر الصرف يتم على أساس تعادل القوة الشرائية للدولار بالنسبة إلى العملات المختلفة في السوق الحرة، وقد كان سعر الجنيه المصري أو الإسترليني في السوق الحرة يعادل 2.25 إلى 2.5 دولاراً بينما السعر الرسمي 2.8 أي أن السعر الرسمي يزيد فعلاً على السعر في السوق الحرة من 10% إلى 15% تبعاً لحالة العرض والطلب. ولذلك فلما أرادت مصر أن تبيع بعض السلع النادرة التي تقصر بيعها بالدولار راعت في حالة البيع بالعملة السهلة التي تقل قيمتها السوقية عن القيمة الفعلية بمقدار 10% إلى 15% زيادة أسعار البيع إلى بلاد العملة السهلة بمقدار هذا الفرق، وهذا ما روعي في تحديد أسعار الأرز فحدد له في مبدأ الأمر سعر على أساس الدفع بالدولار ثم رأت الوزارة بعد ذلك نظراً إلى حاجتها إلى بعض السلع التموينية كالقمح والسكر والحديد وغيرها أن ترخص في استخدام حصيلة ثمن هذه السلع في تصدير الأرز - فحددت له سعرين سعر بالدولار وسعر للبيع بالعملات السهلة مقومة على أساس سعر الصرف في السوق الحرة بين الدولار والعملات السهلة المبيع بها الأرز وقد أطلق على هذه الأسعار أسعار المبادلات لأن الوزارة اشترطت استيراد بعض سلع معينة مقابل استخدام حصيلة الثمن في تصدير الأرز ولم تكن المبادلة عملية مبادلة بالمعنى المعروف أي مبادلة سلعة بسلعة أخرى بل عملية شراء سلعة بسعر وعملية معينة مقابل استخدام حصيلة الثمن في تصدير حاصلات مصرية وفقاً لشروط أعلنت في الجريدة الرسمية. والواضح أن الوزارة قامت بالوفاء بالتزاماتها حين رخصت بتصدير الأرز بالعملة السهلة وقت أن كان التصدير مقصوراً على الدولار وغاية الأمر فإنما استعملت حقها في تحديد السعر العادل الذي يتفق مع الأسعار المحددة وحتى لا يكون في معاملته بالسعر الدولاري أثراً لا مبرر له على حساب الخزانة العامة - وقد عرض موضوع الأرز المرخص في تصديره بالمبادلات على اللجنة الوزارية العليا للتموين بتاريخ 11 من سبتمبر سنة 1950 كما عرض موضوع استيراد الخمسين ألف طن من القمح الاسترالي بواسطة السيد/ عبده نجيم فقررت الموافقة على التصريح بتصدير باقي الكميات المتفق عليها بسعر المبادلة وقتئذ وهو 132 دولاراً للنوع المسموح تدفع بالعملة السهلة للكميات التي لم تصدر بعد ولم يفتح عنها الاعتمادات قبل 12/ 8/ 1950.
وبجلسة 7/ 2/ 1960 قضت المحكمة برفض الدعوى وألزمت المدعين بالمصروفات. وأقامت المحكمة قضاءها على أنه بقبول الوزارة لعرض السيد/ عبده نجيم انعقد عقد توريد بمقتضاه تعهد باستيراد قمح استرالي وتوريده إلى الوزارة بسعر - / 5/ 30 جنيهاً إسترلينياً للطن وألزمت الوزارة بأداء هذا الثمن وبالترخيص له في تصدير أرز مساو في قيمته لقيمة ما يتم استيراده من قمح وذلك إلى بلاد العملة السهلة على أساس الأسعار الرسمية المحددة وقت تصدير الأرز وإذا كان الأرز المستولى عليه بقصد التصدير قد صدرت في شأن تحديد أسعاره عدة قرارات متتالية منها ما فرق بين سعر الأرز الذي يصدر بالعملة الصعبة والأرز الذي يصدر بالمبادلة ومنها ما أوجب أن يتم التصدير بالعملة الصعبة ويبين من استقراء كافة القرارات الصادرة في شأن تحديد أسعار الأرز أن سياسة الحكومة في تصدير الأرز كانت تقوم على أساس استخدامه للحصول على حاجتها من العملات الصعبة وأنها لم تكن تخرج عن هذه السياسة إلا للحصول على حاجتها من سلع ضرورية بالترخيص في تصدير الأرز مقابل التزام المصدر باستيراد هذه السلع، وأنها لجأت في سبيل الحصول على أكبر قدر من العملات الصعبة عن طريق تصدير الأرز إلى خفض سعر الأرز الذي يباع لتصديره بالعملات الصعبة عن سعر الأرز الذي يباع لتصديره بالعملات السهلة بطريق المبادلة. كما أنها لما زاد الطلب على الأرز قصرت تصديره على العملات الصعبة. ومن جهة أخرى فإن عمليات تصدير الأرز بالمبادلة وفقاً لأحكام القرارات المشار إليها لا تخرج عن كونها عمليات يرخص فيها للمصدر في تصدير الأرز بسعر يحدد مقابل التزامه باستيراد إحدى السلع المنصوص عليها في تلك القرارات والتي تحددها السلطات المختصة في ترخيص الاستيراد حسب تقديرها لحاجة السوق الداخلي.
وفي هذا الضوء فإن الترخيص للمدعي الأول في تصدير الأرز إنما كان في مقابل التزامه باستيراد القمح وتوريده للوزارة أي أن استيراده للقمح كان شرطاً لحصوله على الترخيص في تصدير الأرز بالعملة السهلة على أساس الأسعار الرسمية المحددة وقت التصدير. وقد كان السعر المحدد للأرز الذي يباع لتصديره وفقاً للإعلانين الصادرين من الوزارة في 19 و26 من أكتوبر سنة 1949 سعراً موحداً بمبلغ 47 جنيهاً و800 مليم ثم خفض إلى 41 جنيهاً و100 مليم وهو ما يعادل 118.39 دولاراً وذلك بالنسبة للكميات التي تصدر بالعملات الصعبة في حين ظل السعر الأول وهو 47 جنيهاً و800 مليم معمولاً به بالنسبة إلى الأرز الذي يصدر بالمبادلة، ثم قررت اللجنة الوزارية العليا للتموين في 8 من إبريل سنة 1950 تخفيض أسعار الأرز الذي يباع للتصدير بالمبادلة بحيث لا تزيد هذه الأسعار على أسعار الأرز الذي يباع للتصدير بالعملة الصعبة إلا بنسبة 10% فأصبح السعر المحدد للطن من الأرز المسموح الذي يصدر بالمبادلة 45 جنيهاً و200 مليم بدلاً من السعر الذي كان معمولاً به وقدره 47 جنيهاً و800 مليم - وبتاريخ 12 من أغسطس سنة 1950 قررت اللجنة الوزارية العليا للتموين إيقاف البيع طبقاً للأسعار الرسمية المحددة، وفي 29 من أغسطس قررت الموافقة على بيع الأرز السابق فتح اعتمادات عنه ما دام أصحابها قد قبلوا الشراء بزيادة دولارين عن السعر الرسمي مع إيقاف البيع بعد ذلك إلا بالدولار. وفي 11 من سبتمبر سنة 1950 قررت اللجنة العليا الموافقة على التصريح بتصدير الكميات المتفق عليها من السيد/ عبده نجيم بسعر المبادلة وهو 132 دولاراً تدفع بالعملة السهلة. والمستفاد من هذه القرارات المتتابعة أن اللجنة العليا حددت حداً أدنى بسعر الطن من الأرز المسموح الذي يصدر بالعملة الصعبة هو 120 دولاراً وأنها بعد أن حظرت تصدير الأرز بغير العملات الصعبة عدلت عن ذلك بالنسبة إلى الكميات التي التزمت الوزارة بالترخيص في تصديرها للسيد/ عبده نجيم فأجازت تصدير ما لم يكن قد تم تصديره منها أو فتح اعتمادات عنه حتى 12 من أغسطس سنة 1950 بالعملات السهلة وحددت سعر التصدير بهذه العملات بما يوازي 132 دولاراً أي حوالي 46 جنيهاً باعتبار أن سعر الصرف هو 2.87 دولاراً للجنيه المصري. كما أن اللجنة لم تقصر المعاملة بالسعر المذكور على المدعيين وحدها إذ أنها وافقت بقرارها الصادر في 19 من أغسطس سنة 1950 على تصدير عشرة آلاف طن من الأرز إلى فرنسا بالسعر المحدد للمبادلات المعلن عنه في الجريدة الرسمية في 8 من مايو سنة 1950، والذي يزيد عشرة في المائة عن أسعار البيع بالعملات الصعبة، كما اتبعت اللجنة هذه القاعدة أيضاً بالنسبة إلى ما يصدر من الأرز من باقي محصول عام 1949/ 1950 بغير العملات الصعبة. وتأسيساً على ذلك فإن محاسبة المدعيين على الأساس المتقدم ليس فيه خروج على أحكام العقد المبرم مع المدعي الأول ما دام أن الوزارة قد نفذت التزامها بالترخيص للمدعيين في تصدير الأرز إلى بلاد العملة السهلة وبالأسعار الرسمية المحددة لتصدير الأرز بالمبادلة ولا محل بعد ذلك للاعتراض بأن في هذه المعاملة إخلال بالمساواة بينهما وبين غيرهما من المصدرين ذوي المراكز المماثلة إذ قبلت الوزارة أن تحاسب بعض المصدرين على أساس أسعار تصدير الأرز بالعملة الصعبة، وذلك بالنظر إلى أن لكل عملية ظروفها وملابساتها فضلاً عن أن تصرفها سواء بالنسبة للمدعيين أو لهؤلاء المصدرين لم يثبت أنه كان مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة بل على العكس من ذلك فإن السعر المشار إليه الخاص بالمدعيين يقل عن السعر الذي كان سارياً وقت التعاقد. كما أنه لا وجه أيضاً لاعتراض المدعيين على تحديد الأسعار سالفة الذكر بأن فيه خروجاً على قواعد التسعير التي حددت للأرز سعراً لا يجاوز 28 جنيهاً و150 مليماً للطن وذلك استناداً إلى القانون رقم 297 لسنة 1956 الذي أجاز تسعير المواد التموينية بأسعار تزيد على سعرها الجبري.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من اعتبار ميزة الترخيص في تصدير الأرز التي منحتها وزارة التموين للمدعي الأول عملية مبادلة ثم إنزال قواعد المبادلة عليها، وهو ما أسس عليه قضاءه في رفضه الدعوى، قد انبنى على خطأ في تكييف العقد المبرم بين المدعي الأول ووزارة التموين ذلك أن العقد المشار إليه هو عقد بيع بكامل شروطه وليس عقد مقايضة ولا يمكن اعتباره مبادلة بالمعنى المفهوم من هذه الكلمة، إذ في المبادلة لا يكون ثمة تدخل من جانب الوزارة بل يقتصر دورها على الترخيص في استيراد سلع معينة مقابل تصدير سلع معينة لجهات معينة، وواقع الأمر أن العقد ينطوي على ميزة منحت للمدعي الأول مقابل بيعه للوزارة القمح بأقل من السعر المستورد به. ومن ثم فإن الربط الذي أجراه الحكم بين تكييفه الخاطئ لعملية تصدير الأرز على أنها مبادلة وبين تطبيق سعر المبادلة عليه في خصوصية النزاع المطروح مما أدى إلى حرمانه من الانتفاع بالأسعار المقررة للعملة الصعبة وعدم الإفادة من فرق السعر بين العملتين الصعبة والسهلة لا سند له من نصوص العقد وفيه إخلال بالمركز التعاقدي. وفضلاً عن ذلك فإن بيان وزارة التموين الصادر في 19/ 10/ 1949 من تحديد أسعار بيع الأرز بقصد التصدير وهي الأسعار التي كانت قائمة وقت التعاقد قد اقتصر على تحديد سعر واحد هو 45 جنيهاً و500 مليم ويدفع بالدولار الأمريكي أو الدولار الكندي أو الفرنك البلجيكي أو الفرانك السويسري أي بالعملة الصعبة ولم يرد به سعر للمبادلات على عكس ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه. ومن جهة أخرى فإن الحكم قد شابه خطأ آخر في فهم الواقع حين نظر إلى الأسعار التي حددت مقيسة بالسعر - يوم التعاقد - مع أن المدعي الأول قد اشترط في عطائه أن يكون التصدير بالعملة السهلة حسب السعر الرسمي السائد وقت التصدير - ذلك أن الأرز كسلعة للتصدير كان سوقها راكداً بسبب مبالغة الوزارة في تحديد سعره بإعلان 19/ 10/ 1949 مما اضطرها إلى خفضه في 11/ 1/ 1950 وقبل التعاقد وجعل الخفض بنسبة أكبر كلما زادت الكمية المصدرة ورغم هذا الخفض بقى تصدير الأرز راكداً. ولهذا فقد بات متوقعاً إجراء خفض جديد ولذلك نص المدعي الأول في عطائه المقدم في 31/ 10/ 1950 على أن يكون تصدير الأرز لبلاد العملة السهلة وبالعملة السهلة وذلك بالأسعار الرسمية المحددة وقت التصدير لأنه كان متوقعاً من جهة وجوب خفض السعر ولأنه من جهة أخرى فإن سعر الأرز لا كما ذهب الحكم - سعر متغير خلال الموسم تبعاً للظروف العالمية السائدة والتي تتحكم فيها مواعيد ظهور المحصول في الدول الأخرى المنتجة له. ثم ذكر الطعن بعد ذلك وجهاً آخر يتعلق بإخلال الوزارة بمبدأ المساواة بين ذوي المراكز المتماثلة حيث إنها سمحت بتصدير بعض صفقات الأرز مقابل الحديد وقبلت أن تحاسب المصدرين على أساس أسعار الأرز بالعملة الصعبة بدلاً من سعر المبادلات وقد فعلت ذلك في صفقات يحيى الفضلي وصادق عبده وهبي وبشارة حجار وحسين الهندي وإبراهيم جبريل مع أن المدعيين أولى بالرعاية لأن المدعي الأول تعاقد مع الوزارة على أسس معينة لا يجوز لها إهدارها بإرادتها المنفردة وكان القصد من منحه ميزة التصدير لبلاد العملة السهلة وبالعملة السهلة هو الإفادة من الفرق بين سعر العملة الصعبة وسعر العملة السهلة لتغطية خسارته المعروفة وقت التعاقد بالنسبة إلى السعر المخفض المشروط.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه أصاب الحق في قضائه للأسباب التي قام عليها والتي تأخذ بها هذه المحكمة وتضيف إليها:
إن المستفاد من الإعلان الذي نشرته وزارة التموين عن مناقصة القمح المشار إليها - أنها أجازت أن يكون دفع الثمن إما نقداً أو بطريق المبادلة بالأرز المصري على أساس السعر الرسمي للأرز تسليم الإسكندرية... إلخ وقد عرض السيد/ عبده نجيم في عطائه سعرين لتوريد القمح سعراً أدنى ومقداره 30 جنيهاً و5 شلنات للطن المتري وذلك بشرط أن ترخص له الوزارة في تصدير كمية موازنة من الأرز بما يقابل ثمن القمح المستورد وذلك لبلاد العملة السهلة وبالعملات السهلة وسعراً أعلى ومقداره 31 جنيهاً و2 شلن و6 بنس بدون قيد ولا شرط. وقد وافقت الوزارة على السعر الأدنى بشروطه وتم التعاقد على ذلك. وقد نعى الطاعنان على الحكم المطعون فيه أنه وصف هذا العقد بأنه عملية مبادلة وقالا تأييداً لنظرهما إن العقد هو عقد بيع كامل وليس عقد مقايضة أو مبادلة إذ الواقع من الأمر ينطوي فقط على ميزة منحت للمدعي الأول - مقابل بيعه القمح بأقل من السعر المستورد به على أن هذه المحكمة لا ترى مقنعاً فيما ذهب إليه الطاعنان في هذا الصدد؛ ذلك أن الأمر في تكييف المبادلة لا يكون بالرجوع إلى أحكام القانون المدني بل يرجع إلى القوانين والقرارات واللوائح الصادرة في ذلك الشأن إذ أن نظام التصدير والاستيراد كان يقوم في ذلك الوقت على أن تضع الحكومة الشروط الخاصة بتصدير السلع وكان الأرز آنئذ في حساب وزارة التموين من السلع الدولارية أي التي تستخدم في التصدير للحصول على الدولار وهو من العملات الصعبة فإذا ما وجد في العقد شرط تلتزم بمقتضاه الحكومة بالترخيص في تصدير الأرز مقابل الحصول على عملة سهلة اعتبر ذلك قيداً على الأصل الواجب الرعاية في عملية تصدير الأرز وقد تنبهت القوانين والقرارات إلى مثل هذه الصورة فقررت سعراً آخر للأرز أعلى من الأول على وجه يكفي لتغطية الفرق بين سعر الدولار الرسمي وسعره في السوق الحرة وذلك حتى لا تحل بالحكومة أية خسارة من نتيجة تحصيلها ثمن الأرز بالعملة السهلة وهو أصلاً معتبر سلعة من السلع الدولارية ومن هذا يبدو في وضوح أن التعاقد إنما قام أساساً على تنفيذ التزامين متبادلين إحداهما هو استيراد كميات من القمح اللازم لتموين البلاد، والآخر هو تمكين المستورد من تصدير كميات من الأرز وذلك بمنحه التراخيص اللازمة التي كانت في ذلك الوقت مرهونة بقيود وشروط معينة ومن هنا سميت مثل هذه العمليات بالمبادلات دون أن يقصد بهذه التسمية معنى المقايضة المعروفة في القانون المدني الذي يكون العنصر الغالب فيه هو تبادل نقل ملكية مال ليس من النقود والواقع أن حكم المبادلات في فهم نظام الاستيراد والتصدير يبين من استقراء نظم المبادلات التي أعلنت عنها الجهات الإدارية وهي في هذا الصدد إنما تقوم على قيود خاصة بالتصدير أو الاستيراد قصد من ورائها إجراء موازنة في الميزان الحسابي النقدي للمدفوعات الخارجية القصد منه ملافاة أن يكون الميزان الحسابي مديناً بمبالغ ضخمة ترهق مركز الجنيه المصري في الخارج أو تضعف من قوته الشرائية ومن ثم فإن نظام المبادلات يقوم على توجيه يهدف إلى تعادل الميزان التجاري مع الدول.
ومن حيث إن وزارة التموين كانت في ذلك الحين تستولي على جميع الناتج من محصول الأرز كما هو ظاهر من قرارات لجنة التموين العليا الخاصة بالاستيلاء على محصول الأرز لسنتي 1949، 1950 الصادرة في 23/ 7/ 1949، 30/ 8/ 1949 وفي 12/ 8/ 1950 كما تشرف على تصديره ثم إنها حددت اعتباراً من 20 من فبراير سنة 1950 سعرين إحداهما للتصدير مقابل دفع عملة صعبة توازي الثمن المحدد والآخر هو سعر المبادلة ويكون التعامل به في حالة الاتفاق على تصدير كميات من الأرز مقابل التعهد باستيراد سلع أخرى كالسكر أو الحديد أو القمح - ومن ثم فإن العملية محل التعاقد الذي نحن بصدده وقد انحصرت في التزام باستيراد قمح أدى إلى تحويل جنيهات إسترلينية إلى الدولة المصدرة له والتزام الوزارة بالترخيص في تصدير أرز أدى إلى مديونية الدولة المستوردة بثمنه بالعملات السهلة وهي على هذا النحو وطبقاً لما سبق بيانه لا تعدو أن تكون من قبيل عمليات المبادلة فتحكمها الأسعار المحددة للمبادلات وما دام أن الأساس في تحديد الأسعار بالعملة الصعبة هو رغبة الحكومة في الحصول على عملات صعبة توازي السعر المحدد بالعملة المصرية مما حدا بها إلى تخفيض هذه الأسعار تشجيعاً للتجار على الإقبال على هذا النوع من التعامل فإنه لذلك يكون الدفع بإحدى العملات الصعبة شرطاً أساسياً للمحاسبة على أساس الأسعار المحددة للبيع بالعملة الصعبة. وبهذه المثابة لا يكون هناك وجه لما يطلبه المدعيان من المحاسبة بمقتضى هذه الأسعار لما يؤدي إليه ذلك من إفادتهما بمزايا هذا النوع من التعامل دون تحمل العبء المقابل لهذه المزايا وهو تقديم عملة صعبة ولم يقصد عقد التوريد المبرم بين المدعي الأول والوزارة عن كميات القمح إلى شيء من هذا الإعفاء لا صراحة ولا ضمناً خصوصاً وقد كان هناك سعر آخر للمبادلة بالعملة السهلة مرتفع منذ البداية وقبل انعقاد عقد توريد القمح وذلك طبقاً لقرار اللجنة في 4 من سبتمبر سنة 1949.
ومن حيث إنه ظاهر بجلاء أن الشرط الذي تمسك به المدعي الأول في عطائه الخاص بتوريد القمح والذي انصب على التزام الوزارة بالترخيص له بأن يصدر لبلاد العملة السهلة بالعملة السهلة كميات من الأرز من الأنواع المخصصة للتصدير بالأسعار الرسمية المحددة وقت التصدير بما يقابل ثمن كميات القمح التي يتم استيرادها فعلاً أو جزء منها حسب رغبته، هذا الشرط الذي قبلته الوزارة لا شك كان معتبراً في نظر المتعهد من الميزات التي منحت له وقد كان الأمر كذلك في واقع الحال وحسبما أسفر عنه تنفيذ هذا الشرط فعلاً وذلك بالنظر إلى أمور كثيرة منها: أن محصول الأرز كان مستولى عليه فلم يكون التعامل فيه حراً كما كان تصديره مرهوناً بقيود وشروط معينة فتحقق للمدعين مزية الظفر بالموافقة على تصدير تلك الكميات بالرغم من قيام هذه الاعتبارات جميعاً. يضاف إلى ذلك أن تصدير الأرز وهو سلعة دولارية سيتم لبلاد العملة السهلة بالعملة السهلة وفي ذلك كل التيسير الذي ينتهي إليه أمل أي متعهد وخاصة إذا ما كان ذلك في الوقت الذي اتجهت فيه الحكومة رغبة منها في الحصول على عملات صعبة إلى تخفيض أسعار الأرز تشجيعاً للتجار على الإقبال على هذا النوع من التعامل وبالتالي استفاد المدعيان من هذا التخفيض حيث أجريت الموازنة بين هذا السعر وسعر المبادلة على السعر بعد تخفيضه، وإذا ما لوحظ أيضاً أن البيع قد أوقف طبقاً للأسعار الرسمية فيما عدا العروض التي تقدم بالعملة الصعبة مع زيادة أسعارها بما يعادل دولارين عن الأسعار المحددة كما انتهت إلى ذلك اللجنة الوزارية العليا للتموين بقرارها الصادر في 12/ 8/ 1950 ولم يشذ عن هذا القرار سوى صفقة تصدير عشرة آلاف طن من الأرز إلى فرنسا وبالسعر المحدد للمبادلات في 8 من مايو سنة 1950 وهو الذي يزيد 10% عن أسعار البيع بالعملات الصعبة وأيضاً باقي الكمية الخاصة بالمدعيين التي لم يكن قد تم تصديرها قبل نفاذ هذا القرار وقد أجيز هذان الاستثناءان بقراري اللجنة العليا للتموين في 19 من أغسطس و11 من سبتمبر سنة 1950 على التوالي وكان من الطبيعي أن تسري على هذه الكميات الخاصة بالمدعيين أسعار المبادلات أيضاً لوجوب مراعاة النسبة بين هذه الأسعار وبين أسعار العملة الصعبة وحسب المدعيين من هذا كله أن يتمتعا بمركز خاص متميز من حيث التصدير بالعملة السهلة وبالنسبة لاستثنائهما من حظر البيع بغير العملة الصعبة. وفضلاً عما تقدم فإن الوزارة مع علمها بحالة سوق الأرز وظروفه من حيث ركوده وأنه إلى هبوط محقق وافقت المدعي الأول على طلبه في أن يكون تصدير الأرز بالأسعار الرسمية المحددة وقت التصدير لا وقت إبرام العقد وقد أفادت الوزارة أنها راعت في ذلك جانبه حتى يتحقق له ربح من انخفاض الأسعار يعوضه الخسارة التي تكبد بها في استيراد القمح، وفعلاً نقصت الأسعار عند التصدير عنها وقت التعاقد، وأصبحت فروق الأسعار في جانب المدعيين حقيقة واقعة بعد أن كانت مجرد أمل مرهون بنتيجة تصرف الجهة الإدارية، ومن ثم لم يعد هناك مجال للقول بوقوع غبن أو تحيف من جانب الوزارة بمصلحة المدعيين خاصة مما يصورانه في الدعوى.
ومن حيث إن الثابت أن تحديد سعر المبادلات بالنسبة للأرز هو مما اقتضته دواعي التصدير والاستيراد وقد فرضت الجهة الإدارية المختصة معالمه وضوابطه بما لها من سلطة تقديرية في هذا الشأن مردها إلى القانون رقم 163 لسنة 1950 الخاص بشئون التسعير الجبري وتحديد الأرباح والمرسوم بقانون رقم 101 لسنة 1939 بشأن التسعير الجبري حيث منح القانون المذكور اللجان المختصة سلطة تعيين الأسعار وتحديد الأرباح في السلع الواردة بالجداول المرافقة له وفي هذه اللجان لجنة الحبوب واللجنة الوزارية العليا للتموين وهي أعلى هيئة ذات اختصاص في تعيين الأسعار وإذ قامت كل من هاتين اللجنتين بتحديد سعر المبادلة عموماً وهو ذات السعر الذي يعامل به المدعيان المقدر 132 دولاراً وذلك بالنسبة للصفقة جميعها سواء ما تم تصديره منها قبل 12/ 8/ 1950 أو بعد هذا التاريخ وكان قرارها في هذا الشأن يستند إلى ما توجبه أصول الموازنة في الأسعار عند تحقق قيام الفرق الناشئ بين أسعار البيع بالعملة الصعبة وبين أسعار البيع بالعملة السهلة أساسه سعر الصرف السابق الإشارة إليه في السوق الحرة بين الدولار والعملات السهلة المبيع بها الأرز - وما دام هذا القرار قد حدد سعراً عاماً بالنسبة للكافة فإنه يكون مستنداً إلى مبدأ المشروعية ولا سبيل بعد ذلك للطعن عليه طالما لم يثبت أنه متسم بإساءة استعمال السلطة أو أن فيه خروجاً على أحكام العقد المبرم بين المدعي الأول ووزارة التموين.
ومن حيث إنه تأسيساً على ما تقدم يكون الطعن غير قائم على أساس سليم من الواقع أو القانون حقيقاً بالرفض وبإلزام رافعه بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً، وألزمت بالمصروفات.