مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة - الجزء الثاني (من أول فبراير سنة 1962 إلى آخر سبتمبر سنة 1963) - صـ 978

(90)
جلسة 31 من مارس سنة 1963

برياسة السيد/ عبد العزيز الببلاوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة: الدكتور محمود سعد الدين الشريف وعبد الفتاح نصار وعزت عبد المحسن وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 2536 لسنة 6 القضائية

( أ ) وظيفة عامة - تعيين - مسابقة - ترك المرأة وتعيين من يليها في ترتيب النجاح - لا ينطوي في حد ذاته على إساءة استعمال السلطة اعتباراً بأن تفوقها يؤهلها لزاماً للتعيين بحسب القواعد التنظيمية العامة - أساس ذلك أن درجة الكفاية عنصر من عناصر الصلاحية للتعيين إلى جانب الشروط والأوضاع الأخرى: كالحالة الاجتماعية والجنس وظروف البيئة وأحكام العرف وطبيعة الوظيفة ومسئولياتها - لا يغير من ذلك الحكم الدستوري المجرد الذي يقضي بالمساواة في الحقوق العامة.
(ب) دعوى - مصروفات الدعوى - انتهاء الخصومة - وظيفة - تعيين - وظيفة كيمائي بمصلحة المعامل - عدم تلاؤم مشقة أبحاثها وطبيعة المرأة - ترشيح ديوان الموظفين لها للعمل في هذه الوظيفة وتعيين الإدارة لها في وظيفة مماثلة لا تحوطها هذه المشقة - هو تصرف سليم ليس فيه انحراف بالسلطة - الحكم في هذه الدعوى بانتهاء الخصومة وبإلزام الحكومة دون المدعية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة - سليم في شقه الأول، ويتعارض في شقه الثاني مع الأصل الذي يقضي بتحميل الخصم الذي خسر الدعوى بمصروفاتها.
1 - لا وجه للقول بأن مجرد ترك المدعية وتعيين من يليها في ترتيب النجاح في المسابقة ينطوي في ذاته على إساءة استعمال السلطة اعتباراً بأن هذا التفوق يؤهلها لزاماً للتعيين بحسب القواعد التنظيمية العامة، لا وجه لذلك لأن درجة الكفاية هي إحدى النواحي التي تقدرها الإدارة عند التعيين ولكنها لا تستغرق كل ما تتطلبه فيمن يصلح للوظيفة العامة من شروط وأوضاع فإلى جانب هذه الناحية تستلزم الإدارة نواحي أخرى كالحالة الاجتماعية والجنس وظروف البيئة وأحكام العرف.
هذا والحكم الدستوري المجرد الذي يقضي بالمساواة في الحقوق العامة شيء وتقرير المشرع أو سلطة التعيين لصلاحية المرأة للاضطلاع بمهام بعض الوظائف العامة شيء آخر إذ لعوامل البيئة وأحكام التقاليد وطبيعة الوظيفة ومسئولياتها شأن كبير في توصية المشرع أو السلطة الإدارية التي يراها كلاهما محققة للمصلحة العامة ومتفقة مع حسن انتظام المرفق العام، وليس فيما تترخص فيه الجهة الإدارية في هذا الصدد في ضوء هذه الاعتبارات إخلال بمبدأ المساواة المقرر دستورياً ولا غمط لكفاية المرأة أو حقارة شأنها لأن تقدير الاستحسان أو الأفضلية وما إلى ذلك من الوجوه الباعثة على ترخص الإدارة في هذه الملاءمة واتجاهها إلى تقليد بعض الوظائف لأحد الجنسين دون الآخر بحسب ظروف الحال وملابساته هو من الأمور الداخلة في سلطتها التقديرية التي لا معقب لهذه المحكمة عليها ما دام هذا التقدير بريئاً من الانحراف في استعمال السلطة مما لم تقدم المدعية عليه دليلاً.
هذا وعلى الرغم من وجود حكم في المادة السادسة من إعلان حقوق الإنسان الفرنسي يقضي بمساواة المواطنين في تولي الوظائف العامة ونص في ديباجة الدستور الفرنسي الصادر في سنة 1946 يصرح بأن "يكفل القانون للمرأة في جميع الميادين حقوقاً مساوية لحقوق الرجل" على الرغم من هذه النصوص الدستورية المحكمة الواضحة، لم ينازع أحد من فقهاء القانون العام في أن لسلطة التعيين من باب تنظيم المرافق العامة وضع الشروط والأوضاع التي يجري على سنتها التعيين في بعض الوظائف العامة لطبيعة خاصة فيها وأن تقصر من ثم توليها على الرجال بشرط ألا يشوب تصرفها انحراف في استعمال السلطة.
2 - إذا استبان من ملابسات هذا الطعن أن وظيفة الكيمائي بمصلحة المعامل ومراكزها خارج القاهرة متناثرة في الغالب في الريف القصي من صعيد مصر، وأن طبيعة هذه الوظيفة تتطلب كثرة الانتقال إلى مواقع عمليات مياه الشرب لإجراء التحاليل اللازمة أو أخذ العينات لهذا الغرض وأن هذه المواقع تقع في جهات نائية وبعيدة عن طرق المواصلات السهلة مما يضطر القائم على هذه الوظيفة إلى استخدام الدواب في مسالك وعرة أو إلى الإبعاد إلى مسافات بعيدة سيراً على الأقدام أو يلجئه إلى مرافقة سائق الموتوسيكل بمفرده. فإن هذه المشقة البالغة والاستهداف للمخاطر المخوفة والمسالك غير المأمونة إذا فرضا على المرأة لكان فيهما ما يتعارض مع الظروف الملائمة الواجب توفيرها للمرأة حين تسند إليها وظيفة من الوظائف العامة وعلى ذلك فلا تثريب على الجهة الإدارية لو جنبت المرأة مسالك لا تحمد مغبتها وحبست عنها وظائف - ينبغي قصرها على الرجال باعتبارهم أقدر على احتمال أعبائها وأقدر على معاناة مشقتها، فإذا أضيف إلى ما تقدم أن الجهة الإدارية لم تأل جهداً في فتح باب التوظف أمام المدعية بتعيينها بعد ذلك في وظيفة مماثلة لا تحوط بها تلك المشاق فإن ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه - رغم وضوح صحة تصرف الإدارة وسلامته من عيب الانحراف بالسلطة - بعد القضاء بانتهاء الخصومة مع إلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، هو قضاء متعارض مع الأصل الذي يقضي بتحميل الخصم الذي خسر الدعوى بمصروفاتها، وخاسر الدعوى هو من رفعها أو رفعها بغير حق.


إجراءات الطعن

في 25 من أغسطس سنة 1960 أودع السيد النائب بإدارة قضايا الحكومة بصفته سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 2536 لسنة 6 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري هيئة الفصل بغير الطريق التأديبي بجلسة 29 من يونيه سنة 1960 في الدعوى رقم 1137 لسنة 13 القضائية المقامة من الآنسة فوزية ميخائيل حنا ضد وزير الصحة ومدير عام مصلحة المعامل لوزارة الصحة ورئيس ديوان الموظفين والقاضي "باعتبار الخصومة منتهية وألزمت الحكومة مصاريف الدعوى ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب محامي المدعية". وطلب السيد المحامي بإدارة قضايا الحكومة بصفته قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضدها وألزمها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون عليها في 6 من مارس سنة 1961. ولم تودع المطعون عليها مذكرة بملاحظاتها وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون لهذه المحكمة جلسة 7 من يناير سنة 1962.
وفي 26 من ديسمبر سنة 1961 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة وفيها قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لنظره بجلسة 23 من ديسمبر سنة 1962. وبعد أن سمعت هذه المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل في أن المدعية أقامت الدعوى رقم 1137 لسنة 13 القضائية ضد كل من (1) وزارة الصحة (2) مصلحة المعامل لوزارة الصحة (3) ديوان الموظفين، بعريضة أودعتها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 15 يوليه سنة 1959 ذكرت فيها أنها حصلت على (بكالوريوس) علوم جامعة القاهرة كيمياء وحيوان بتقدير جيد جداً مع مرتبة الشرف الثانية في دور مايو سنة 1954 ثم التحقت بوظيفة طالبة أبحاث بالمركز القومي بمنحة قدرها مائتا جنيه سنوياً اعتباراً من أول إبريل سنة 1956 ولما أعلن ديوان الموظفين عن المسابقة رقم 74 لسنة 1957 لشغل وظيفة كيماويين لوزارة الصناعة وغيرها من الوزارات والمصالح تقدمت للامتحان ونجحت في المسابقة وكان ترتيبها الرابعة والعشرين من مائة وأربعين.
وقد وصلها كتاب رسمي من ديوان الموظفين يفيد ترشيحها للعمل في وزارة الصحة. ولما تقدمت بهذا الخطاب للإدارة العامة بالوزارة المذكورة أحالتها هذه الإدارة إلى مصلحة المعامل ثم وصلها من مصلحة المعامل خطاب مؤرخ 9 من أكتوبر سنة 1958 تخبرها فيه بترشيحها لشغل وظيفة كيماوي من الدرجة السادسة بالمصلحة وتطلب إليها الحضور إلى المصلحة ومعها مسوغات التعيين وقد استكملت المدعية هذه المسوغات ونجحت في الكشف الطبي في 18 من أكتوبر سنة 1958 وحين تعلق أملها بالتعيين في الوظيفة المذكورة فوجئت بوقف هذا التعيين بحجة أن المتقدمين لشغل الوظائف ليست لهم خبرة بتحليل المياه، وقد اضطرت المدعية إلى الحصول على شهادة مؤرخة أول نوفمبر سنة 1958 ومتعمدة من المركز القومي للبحوث تثبت خبرتها بتحليل المياه لمدة ثلاث سنوات وتقدمت بهذه الشهادة إلى وكيل وزارة الصحة. وعلى إثر ذلك وافق ديوان الموظفين على ترشيحها وأخطرها بذلك بالخطاب المؤرخ 24 من يناير سنة 1959 وبناء على هذا الخطاب أتمت للمرة الثانية مسوغات ترشيحها وأعيد عليها الكشف الطبي الذي نجحت فيه بتاريخ 7 من فبراير سنة 1959 وأعد فعلاً قرار تعيينها ولكنها فوجئت مرة أخرى بأنه قد عدل عن تعيينها لأنها آنسة وأن المطلوب أن يشغل هذه الوظيفة رجل، وقالت إن امتناع وزارة الصحة عن تعيينها يخالف القانون وينطوي على إساءة استعمال السلطة لجملة اعتبارات منها أن القانون لم يفرق في شغل الوظائف العامة ومنها وظائف الكيماويين بين الذكور والإناث، وأن ديوان الموظفين في إعلانه عن المسابقة رقم 74 لسنة 1957 لم يشترط ترشيح الذكور دون الإناث ولذلك أتيحت فرصة المسابقة للجنسين. وأخيراً فإن وزارة الصحة ومصلحة المعامل كانتا على بينة من أنها آنسة منذ أن وصلها خطاب ديوان الموظفين بترشيح المدعية. وكان يمكن لجهة الاختصاص أن تعترض على ترشيحها إن كان ثمة وجه للاعتراض ثم أضافت أنه ترتب على تصرف وزارة الصحة أن ديوان الموظفين رشح التاليين للمطالبة في ترتيب النجاح لشغل وظائف بالوزارات والمصالح الأخرى اعتماداً على أنها في طريق التعيين بوزارة الصحة. كما أن المركز القومي للبحوث لم يرشحها لإحدى الدرجات بالمركز للسبب ذاته، وكان ترتيبها وأقدميتها يؤهلانها لشغل هذه الدرجة. ثم إن المركز القومي للبحوث لم يهتم بتجديد عقدها بل أخطرها في شهر فبراير سنة 1959 بانتهاء عقدها في 31 من مارس سنة 1959. وبذلك حرمت من منحة سنوية مقدارها 200 جنيه كانت تنتفع بها من جراء وظيفتها بالمركز وختمت مذكرتها بالقول بأن حقها في التعيين في الوظيفة التي رشحت لها بمصلحة المعامل مستمد من المادة 16 من قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 التي تقضي بتعيين الناجحين في الامتحان المقرر لشغل الوظيفة بحسب درجة الأسبقية الواردة في الترتيب النهائي لنتائج الامتحان ومن ثم يكون امتناع وزارة الصحة عن تعيينها مخالفاً للقانون ومنطوياً على إساءة استعمال السلطة، ثم بينت أنها تظلمت من تصرف الوزارة في 19 من إبريل، 13 من مايو سنة 1959 بخطابات موصى عليها ولما انقضى أكثر من ستين يوماً على التظلم دون أن تتلقى رداً اضطرت إلى رفع دعواها.
وقد ردت مصلحة المعامل بأنه بعد أن رشحت المدعية للتعيين في وظيفة كيماوي (ضمن اثني عشر وظيفة) من الدرجة السادسة بالمصلحة وهي مخصصة لوزارة الشئون البلدية، وقامت مصلحة المعامل باتخاذ ما يلزم لاستيفاء مسوغات التعيين، ولكن وكيل وزارة الشئون البلدية والقروية كتب في 16 من أكتوبر سنة 1958 بأن الكيماويين المطلوبين لشغل هذه الوظائف سيعملون بالأرياف وأن السيدات وخصوصاً المتزوجات منهن لا يصلحن لهذه الوظائف، وطلب إبلاغ ديوان الموظفين لإعادة النظر في ترشيحاته. إزاء هذا تقدمت المدعية بالتماس تعديل ترشيحها للمعامل بدلاً من وزارة الشئون البلدية والقروية. وقد وافقت مصلحة المعامل مبدئياً على هذا التعديل وقد أخطر ديوان الموظفين المصلحة بكتابه المؤرخ 24 من يناير سنة 1959 باستطلاع الرأي في تعديل ترشيح المدعية لشغل وظيفة كيماوي من الدرجة السادسة بمصلحة المعامل فقامت هذه المصلحة بإرسال مسوغات تعيينها للإدارة العامة لاستصدار قرار التعيين. ولكن حدث أن المصلحة كانت تصادف صعوبات من جراء وجود السيدات ضمن موظفيها إذ رفضن النقل إلى الأقاليم لظروفهن الاجتماعية مما اضطر المصلحة إلى التحرير للوزارة توجه نظرها إلى أن طبيعة العمل بهذه المصلحة تتطلب النقل إلى الأقاليم لإدارة معاملها المنتشرة في أرجاء القطر وأن ظروف السيدات الاجتماعية تحول دون النقل مما يترتب عليه تعطل الأعمال في الوحدات الإقليمية. وقد أخذت الوزارة بهذا الرأي وقررت قصر التعيين في هذه الوظائف على الرجال. وقد تلقت المصلحة من الإدارة العامة الكتاب رقم 921 بتاريخ 12 من إبريل سنة 1959 جاء به أن الوزارة قررت إلغاء ترشيح المدعية وترشيح كيماوي (رجل) بدل كيمائية على اعتبار أن طبيعة العمل لهذه المصلحة يتطلب النقل إلى الأقاليم وأن ظروف السيدات الاجتماعية تحول دون ذلك وخلصت الجهة الإدارية من ذلك إلى أن المصلحة المعنية إنما تصرفت طبقاً لما أملاه عليها صالح العمل ومن ثم تكون المدعية غير محقة في دعواها. وقدمت وزارة الصحة العمومية مذكرة فصلت فيها دفاعها في الدعوى وقد أوضحت أن مصلحة المعامل أخطرتها بأن وزارة الشئون البلدية والقروية طلبت بكتابها رقم 509648 المؤرخ 20 من إبريل سنة 1959 باستيفاء مسوغات تعيين الكيماويين من الرجال وليس من الآنسات لعدم ملاءمة طبيعة عمل الكيماوي في الأقاليم لظروف الآنسات. بناء على ذلك ألغي ترشيح المدعية وكتب لديوان الموظفين لترشيح بديل من الرجال ثم أعادت الوزارة التحرير لوزارة الشئون البلدية والقروية للإفادة عن السبب الذي بنت عليه اقتناعها بعدم صلاحية السيدات والآنسات من الكيمائيات للعمل بالأرياف وقد ردت وزارة الشئون البلدية والقروية بكتابها المؤرخ 29 من نوفمبر سنة 1959 بأن طبيعة العمل المطلوب تعيين كيمائيين من أجله تتطلب كثرة الانتقال إلى ومن مواقع عمليات مياه الشرب الصغرى الموزعة في ريف مصر والتي يقع أغلبها في الوجه القبلي بصحبة سائق موتوسيكل أو سيارة لإجراء التحليل الدوري لعينات المياه وحنفياتها الموزعة في القرى أو أخذ عينات منها لتحليلها في المعامل المركزية التي تقع في محطات مياه الشرب بين الميكانيكيين والعمال وهي عملية شاقة بالنسبة للسيدات والآنسات ولما كانت العمليات منتشرة في ربوع الوادي ويقع عدد كبير منها بعيداً عن طرق المواصلات السهلة فإن هذا الأمر سيحمل السيدة أو الآنسة على استعمال الركايب أو السير على الأقدام مسافة قد تكون بعيدة وسط طرق نائية بين المزارع بمفردها وهذا يتعارض مع التقاليد المصرية خصوصاً في الوجه القبلي بأقاصي الصعيد، وهو أمر غير معقول. وانتهت الوزارة إلى طلب رفض الدعوى. وبجلسات تحضير الدعوى أمام السيد مفوض الدولة قرر محامي المدعية أنه تم تعيينها بمصلحة التمغة والموازين اعتباراً من 14 من نوفمبر سنة 1959. وطلب بناء على ذلك الحكم باعتبار الخصومة منتهية وإلزام الحكومة بالمصروفات. وبجلسة 29 من يونيه سنة 1960، حكمت محكمة القضاء الإداري "باعتبار الخصومة منتهية وألزمت الحكومة مصاريف الدعوى ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب محامي المدعية" وأقامت قضاءها على أن "المدعية عينت بمصلحة الدمغة والموازين في 14 من نوفمبر سنة 1959 وأنها لما رأت أن طلبها في هذه الدعوى ضد وزارة الصحة العمومية (وهو الحكم بإلغاء القرار السلبي بامتناع تلك الوزارة عن تعيين المدعية) أصبح غير ذي موضوع قررت تنازلها عن طلباتها عدا المصاريف وطلبت الحكم باعتبار الخصومة منتهية مع إلزام وزارة الصحة بمصروفات الدعوى وأن المحكمة ترى إجابة المدعية إلى طلباتها برمتها".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن التعيين في الوظائف أمر تترخص فيه الإدارة، ولها أن تقدر ملاءمة المرشح لشغل الوظيفة، إما أن تقوم به أسباب الصلاحية للتعيين في الوظيفة العامة فلا يكفي وحده لاعتباره معيناً تلقائياً في هذه الوظيفة ما دام هذا الحق لا ينشأ إلا عن القرار الإداري الصادر بالتعيين وإذا كان التعيين يخضع - كأصل عام - لاعتبارات لابد من مراعاتها فلا يوجد نص يرتب للمرشح حقاً ذاتياً مباشراً في الوظيفة، وإذ كانت الإدارة قد أسست قرارها بعدم ملاءمة تعيين الآنسات في وظيفة كيماوي بمصلحة المعامل على اعتبارات تتعلق بالصالح العام، فلا يكون الحكم المطعون فيه محقاً إذا ألزم الحكومة بالمصروفات.
ومن حيث إنه لا وجه للقول بأن مجرد ترك المدعية وتعيين من يليها في ترتيب النجاح في المسابقة ينطوي في ذاته على إساءة استعمال السلطة اعتباراً بأن هذا التفوق يؤهلها لزاماً للتعيين بحسب القواعد التنظيمية العامة، لا وجه لذلك، لأن درجة الكفاية هي إحدى النواحي التي تقدرها الإدارة عند التعيين ولكنها لا تستغرق كل ما تتطلبه فيمن يصلح للوظيفة العامة من شروط وأوضاع؛ فإلى جانب هذه الناحية تستلزم الإدارة نواحي أخرى كالحالة الاجتماعية والجنس وظروف البيئة وأحكام العرف.
ومن حيث إن الحكم الدستوري المجرد الذي يقضي بالمساواة في الحقوق العامة شيء، وتقرير المشرع أو سلطة التعيين لصلاحية المرأة للاضطلاع بمهام بعض الوظائف العامة شيء آخر؛ إذ لعوامل البيئة وأحكام التقاليد وطبيعة الوظيفة ومسئولياتها شأن كبير في توجيه المشرع أو السلطة الإدارية التي يراها كلاهما محققة للمصلحة العامة ومتفقة مع حسن انتظام المرفق العام، وليس فيما تترخص فيه الجهة الإدارية في هذا الصدد في ضوء هذه الاعتبارات إخلال بمبدأ المساواة المقرر دستورياً ولا غمط لكفاية المرأة أو حقارة شأنها، لأن تقدير الاستحسان أو الأفضلية وما إلى ذلك من الوجوه الباعثة على ترخص الإدارة في هذه الملاءمة واتجاهها إلى تقليد بعض الوظائف لأحد الجنسين دون الآخر بحسب ظروف الحال وملابساته هو من الأمور الداخلة في سلطتها التقديرية التي لا معقب لهذه المحكمة عليها ما دام هذا التقدير بريئاً من الانحراف في استعمال السلطة مما لم تقدم المدعية عليه دليلاً.
ومن حيث إنه على الرغم من وجود حكم في المادة السادسة من إعلان حقوق الإنسان الفرنسي يقضي بمساواة المواطنين في تولي الوظائف العامة ونص في ديباجة الدستور الفرنسي الصادر في سنة 1946 يصرح بأن "يكفل القانون للمرأة في جميع الميادين حقوقاً مساوية لحقوق الرجل" على الرغم من هذه النصوص الدستورية المحكمة الواضحة، ولم ينازع أحد من فقهاء القانون العام في أن لسلطة التعيين من باب تنظيم المرافق العامة الشروط والأوضاع التي يجري على سنتها التعيين في بعض الوظائف العامة لطبيعة خاصة فيها وأن تقصر من ثم توليها على الرجال بشرط ألا يشوب تصرفها انحراف في استعمال السلطة.
ومن حيث إنه إذا استبان من ملابسات هذا الطعن أن وظيفة الكيميائي بمصلحة المعامل ومراكزها خارج القاهرة متناثرة في الغالب في الريف القصي من صعيد مصر، وأن طبيعة هذه الوظيفة تتطلب كثرة الانتقال إلى مواقع عمليات مياه الشرب لإجراء التحاليل اللازمة أو أخذ العينات لهذا الغرض وأن هذه المواقع تقع في جهات نائية وبعيدة عن طرق المواصلات السهلة مما يضطر القائم على هذه الوظيفة إلى استخدام الدواب في مسالك وعرة أو إلى الإبعاد إلى مسافات بعيدة سيراً على الأقدام أو يلجئه إلى مرافقة سائق الموتوسيكل بمفرده، فإن هذه المشقة البالغة والاستهداف للمخاطر المخوفة والمسالك غير المأمونة إذا فرضا على المرأة لكان فيهما ما يتعارض مع الظروف الملائمة الواجب توفيرها للمرأة حين تسند إليها وظيفة من الوظائف العامة وعلى ذلك فلا تثريب على الجهة الإدارية لو جنبت المرأة مسالك لا تحمد مغبتها وحبست عنها وظائف ينبغي قصرها على الرجال باعتبارهم أقدر على احتمال أعبائها وأقدر على معاناة مشقتها، فإذا أضيف إلى ما تقدم أن الجهة الإدارية لم تأل جهداً في فتح باب التوظف أمام المدعية بتعيينها بعد ذلك في وظيفة مماثلة لا تحوط بها تلك المشاق فإن ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه - رغم وضوح صحة تصرف الإدارة وسلامته من عيب الانحراف بالسلطة - بعد القضاء بانتهاء الخصومة مع إلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة هو قضاء متعارض مع الأصل الذي يقضي بتحميل الخصم الذي خسر الدعوى بمصروفاتها، وخاسر الدعوى هو من رفعها أو رفعها بغير حق.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه، قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه ويتعين من ثم إلغاء هذا الحكم فيما قضى به من إلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وإلزام المدعية بالمصروفات وتأييده في شقه الخاص بانتهاء الخصومة.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه، بتعديل الحكم المطعون فيه بإلزام المدعية بالمصروفات وبتأييده فيما عدا ذلك.