مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة - الجزء الثاني (من أول فبراير سنة 1962 إلى آخر سبتمبر سنة 1963) - صـ 987

(91)
جلسة 6 من إبريل سنة 1963

برياسة السيد/ الإمام الإمام الخريبي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة: مصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 2509 لسنة 6 القضائية

( أ ) موظف - ترقية بالاختيار - المادة 38 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة معدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 - نصها على أن الترقيات من الدرجة الثانية إلى الأولى وما يعلوها تتم بالاختيار دون التقيد بالأقدمية مع وجوب إخطار من تتخطاهم الوزارة أو المصلحة ولهم التظلم إلى الوزير خلال شهر من إخطارهم وتكون قراراته في هذا الشأن نهائية غير قابلة للطعن أمام أية جهة - إفصاح المذكرة الإيضاحية عن حكمة هذا النص - هي عدم خضوع هذه الطائفة من الموظفين لنظام التقارير السرية واتصال أفرادها برؤساء الجهات الإدارية مما يمكنهم من الحكم على كفايتهم - استبدال التظلم الإداري بالطعن القضائي حتى لا يحرم أفراد هذه الطائفة من الضمانات الكافية - القول بأن القانون أطلق يد الإدارة في الترقية إلى هذه الدرجات دون معقب عليها ولا تسمع دعوى الطعن على القرارات الصادرة بشأنها - لا يتفق والفهم الصحيح للنص وحكمته - اقتران عدم التعقيب القضائي بوجوب إخطار من تتخطاهم الإدارة في الترقية إلى هذه الدرجات - نتيجة ذلك - سماع الدعوى بالطعن على قرارات الترقية إذا تخلف إخطار من تخطوا.
(ب) موظف - تعيين - نقل بعض موظفي بلدية القاهرة لشغل درجات الوظائف العليا الواردة بميزانية وزارة الشئون البلدية والقروية - هو في حقيقته تعيين في وظائف مدرجة بميزانية الوزارة وإن كان يتم عن طريق اختيار من يشغلونها من بين موظفي المجالس البلدية - خروج هذا التعيين عن نطاق سريان المادة 38 من قانون موظفي الدولة - عدم جواز الطعن على هذا التعيين استناداً إلى أنه ترقية إلى وظائف عليا دون إخطار من تخطوا في التعيين فيها - أساس ذلك - هو استقلال بلدية القاهرة بشخصيتها الاعتبارية وميزانيتها عن ميزانية وزارة الشئون البلدية والقروية - انفراد كل منهما بدرجاتها ووظائفها دون أن يزاحم موظفو إحداهما موظفي الأخرى في أقدمياتهم أو شغل الدرجات الشاغرة بها - الاستناد إلى أن بلدية القاهرة هي التي تؤدي مرتبات هذه الوظائف العليا المدرجة بميزانية الوزارة للقول بتبعيتها للبلدية - غير صحيح - تحميل القانون عبء تكاليف هذه الوظائف للبلدية إنما هو لاتصال أعمالها بالمجلس البلدي لا لتبعيتها إليه وإلا لأدرجها في ميزانيته دون ميزانية وزارة الشئون البلدية والقروية - نتيجة ذلك - عدم جواز الاستناد إلى المادة 38 من قانون موظفي الدولة للطعن على قرارات التعيين في هذه الوظائف ممن لم يقع عليه الاختيار لشغل درجاتهم ولم يخطر بذلك.
1 - إن الفقرة الأخيرة من المادة 38 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بعد تعديلها بالقرار بالقانون رقم 73 لسنة 1957 صارت تجرى بالآتي "أما الترقيات من الدرجة الثانية إلى الأولى، ومن الأولى إلى ما يعلوها من درجات، فكلها بالاختيار دون التقيد بالأقدمية. وعلى الوزارة أو المصلحة المختصة إخطار من تتخطاهم في الترشيح للترقية بالاختيار من هؤلاء الموظفين ولهم التظلم إلى الوزير خلال شهر من إخطارهم، وتكون قرارات الوزير في هذا الشأن نهائية وغير قابلة للطعن أمام أي جهة كانت وذلك استثناء من أحكام المواد 8، 12، 15، 16، 18 من القانون رقم 165 لسنة 1955"، وقد أفصحت المذكرة الإيضاحية عن قصد الشارع من التعديل الذي لحق المادة 38 فجاء بالمذكرة "أن هذه المادة تقضي بأن الترقيات إلى الدرجة الثانية فصاعداً تكون كلها بالاختيار دون التقيد بالأقدمية. ولما كانت هذه الطائفة من الموظفين لا تخضع لنظام التقارير السرية، وإنما يتصل أفرادها بحكم مناصبهم في درجات الوظائف العليا أوثق صلات العمل برؤساء الجهات الإدارية التابعين لها، وبذلك يجتمع لهذه الجهات أقرب الحقائق والمعلومات عن كفايتهم وأهليتهم مما يجعل من الملائم أن يكون القول الفصل في ترقياتهم إلى جهات الإدارة المذكورة دون تعقيب عليها من سلطة القضاء، ورئي لذلك وتحقيقاً لاستقرار الأوضاع في الوظائف ذات الدرجات العليا مع عدم حرمان شاغليها من الضمانات الكافية استحداث حكم جديد يوجب على الوزارة أو المصلحة المختصة إخطار من تتخطاهم في الترشيح للترقية بالاختيار من الموظفين المذكورين مع فتح الباب أمامهم للتظلم إلى الوزير خلال شهر من إخطارهم على أن تكون قرارات الوزير في شأنهم بعد ذلك نهائية وغير قابلة للطعن أمام الجهات القضائية". ومؤدى ذلك، على عكس ما ذهب إليه الوجه الأول من طعن الحكومة في الحكم المطعون فيه، أن الشارع إذ ألغى بالقانون رقم 73 لسنة 1957 التعقيب القضائي على قرارات الوزير في الترشيح للترقية من الدرجة الثانية إلى الأولى ومن الأولى إلى ما يعلوها للاعتبارات التي قدرها وأفصح عنها في المذكرة الإيضاحية، قد قرن ذلك في الوقت ذاته باستحداث تنظيم جديد يكفل لذوي الشأن عدم حرمانهم من الضمانات الكافية، بأن أوجب على الوزارة أو المصلحة المختصة إخطار من تتخطاهم في الترشيح للترقية كي يستطيعوا التظلم إلى الوزير خلال شهر من إخطارهم على أن تكون قرارات الوزير في شأنهم بعد ذلك نهائية غير قابلة للتعقيب عليها من القضاء الإداري، وغني عن البيان أن ذلك هو الفهم الحق لما أدخله الشارع من تعديل على حكم المادة 38 من القانون رقم 210 لسنة 1951 في المجال القانوني الصحيح الذي شرعت هذه المادة لإنزال حكمها عليه، وإعمال أثرها فيه. وتأسيساً على ذلك لا يستقيم الوجه الأول من الطعن فيما اتجه إليه من طلب الحكم بعدم جواز سماع الدعوى على مقتضى التعديل التشريعي آنف الذكر.
2 - إن لوزارة الشئون البلدية والقروية كامل السلطة التقديرية ومطلقها في أن تشغل الوظائف المدرجة، في غير لبس ولا إبهام، في ميزانيتها، سواء بموظفين تابعين لها أي للحكومة المركزية أو بموظفين تابعين للمجالس البلدية ممن سهل المشرع نقلهم إليها إذا هي - الوزارة - رأت محلاً للاستفادة بخبرتهم ومرانهم حسبما تراه الوزارة محققاً للصالح العام. وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن مقتضى التقسيم الوارد في الميزانية والذي يقوم على استقلال كل وحدة بوظائفها ودرجاتها وأقدميات موظفيها، أن تنفرد كل وحدة بدرجاتها ووظائفها التي لا يزاحم أفراد الوحدة الأخرى موظفيها في شغل الدرجات الشاغرة بها. وقياساً على ذلك، وتأسيساً على ما لبلدية القاهرة من شخصية معنوية وميزانية مستقلة عن الحكومة فإنه لا يكون للمطعون عليه - المهندس ببلدية القاهرة - أصل حق في التزاحم على التعيين بالوظائف المدرجة بميزانية وزارة الشئون البلدية والقروية دون أن يكون لها أصل وارد في ميزانية بلدية القاهرة. فلا امتزاج ولا إدماج بين درجات الميزانيتين، وغني عن البيان أن الأصول المالية توصي بذلك، ولا يؤثر في ذلك أن المشرع قد ألزم بلدية القاهرة في المادة 46 من القانون رقم 145 لسنة 1949 الخاص بإنشاء مجلس بلدي القاهرة بأن يؤدي مرتبات الوظائف سالفة الذكر وغيرها من الوظائف العليا المدرجة بميزانية وزارة الشئون البلدية، وأن يدرج الاعتمادات اللازمة لذلك في ميزانيته - ميزانية المجلس - طالما أن مجرد تحمل المجلس بعبء المصرف المالي اللازم لهذه الوظائف ليس من شأنه أن يخرجها من عداد الوظائف التابعة للوزارة بوصفها مدرجة في ميزانيتها المستقلة تماماً عن ميزانية بلدية القاهرة. ولم يقصد الشارع من تحميل البلدية ذلك العبء المالي سوى أن أعمال الوظائف المذكورة وثيقة الصلة بالأعمال المتعلقة بالمجلس البلدي. ومن ثم كان عبء تكاليفها. ولو كان المشرع يقصد من ذلك تبعية هذه الوظائف الهامة للبلدية لما دعا الأمر إلى إدراجها في ميزانية الوزارة ولقام بإدراجها في ميزانية المجلس البلدي.


إجراءات الطعن

في 21 من أغسطس سنة 1960 أودع السيد محامي الحكومة سكرتيرية المحكمة تقرير طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 2509 لسنة 6 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (هيئة الفصل بغير الطريق التأديبي) بجلسة 22 من يونيه سنة 1960 في الدعوى رقم 121 لسنة 12 القضائية المقامة من: صبحي اسكندر ضد السادة: رئيس الجمهورية ووزير الشئون البلدية والقروية ورئيس الهيئة الإدارية لبلدية القاهرة، ومدير عام بلدية القاهرة والذي قضى "باختصاص المحكمة بنظر الدعوى وفي الموضوع بإلغاء القرارين المطعون فيهما إلغاء مجرداً وألزمت الحكومة مصاريف الدعوى ومقابل الأتعاب". وطلب السيد محامي الحكومة للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم أصلياً بعدم سماع الدعوى واحتياطياً برفضها مع إلزام المطعون عليه بالمصاريف والأتعاب". وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون عليه في 20 من فبراير سنة 1961 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 7 من يناير سنة 1962 ومنها إلى جلسة 18 من فبراير سنة 1962 لتقدم هيئة المفوضين تقريرها بالرأي القانوني، وبجلسة 7 من إبريل سنة 1962 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا للمرافعة بجلسة 2 من فبراير سنة 1963 وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 121 لسنة 12 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري ضد السادة رئيس الجمهورية ووزير الشئون البلدية والقروية ورئيس الهيئة الإدارية لبلدية القاهرة ومدير عام البلدية بعريضة أودعها سكرتيرية تلك المحكمة في 28 من أكتوبر سنة 1957 طالباً الحكم بإلغاء القرارين الجمهوريين الصادرين معاً في 18 من يوليه سنة 1957 برقمي 624، 650) لمخالفتهما للقانون مع إلزامهم المصروفات ومقابل الأتعاب. وقال شرحاً لدعواه إنه يشغل وظيفة مفتش النظافة العامة لبلدية القاهرة من الدرجة الأولى وقام في 19 من يوليه سنة 1957 بإجازته السنوية التي تنتهي في 3/ 9/ 1957 وعند عودته من إجازته فوجئ بصدور قرارين بترقية بعض موظفي البلدية إلى درجة مدير عام رغم أن المدعي يسبقهما في الأقدمية من حيث مدة الخدمة وأقدميته بالدرجة الأولى وغيرها والتي حصل عليها في 3/ 1/ 1955 وذلك فضلاً عما يمتاز به المدعي من كفاءة في العمل وجدارة مشهود بها وينطق بقدرها ملف خدمته دون من شملتهم الترقية. بادر المدعي فتقدم بتظلم إلى الجهة الإدارية في أول سبتمبر سنة 1957 قيد برقم (18941/ 1/ 608) وبدلاً من إحالته إلى الجهة المختصة بفحص التظلمات والبت فيها أحيل إلى النيابة الإدارية، ولما لم يبت فيه بأي إجراء عاد المدعي إلى متابعة التظلم بآخر إلى السيد وزير الشئون البلدية والقروية في 17/ 10/ 1957 برسالة مسجلة برقم 902 وأخرى للسيد المدير العام لبلدية القاهرة برقم 336 في 19/ 10/ 1957 وبتظلم ثالث للسيد رئيس الهيئة الإدارية لبلدية القاهرة برقم 11 في 19/ 10/ 1957 ولكن الإدارة لم تحرك ساكناً رغم كل هذه التظلمات الأمر الذي دعا المدعي إلى طلب إلغاء هذين القرارين الصادرين في 18/ 7/ 1957 بتخطيه في الترقية أمام محكمة القضاء الإداري تأسيساً على مخالفتهما الصريحة للقانون فضلاً عما شابهما من عيب إساءة استعمال السلطة. وتفصيل ذلك: (1) مفهوم بداهة من نص الفقرة الثانية من المادة 38 من القانون رقم 210 لسنة 1951 المعدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 أن المشرع لم ير أن يطلق يد الإدارة في الترقية بالاختيار لموظفي الدرجة الثانية وما يعلوها بل قيد هذا الحق بقيود بأن اشترط عند إجراء الترشيح للترقية بالاختيار ضرورة إخطار من يتخطاهم، وذلك حتى يكون لهم الحق في التظلم إلى الوزير خلال شهر من إخطارهم. ولم تتبع البلدية أو الوزارة ما قضت به هذه المادة وإنما سارعت فاستصدرت قرار جمهورياً رقم 650 بترقية السيد/ مصطفى فهمي شوقي وقراراً آخر برقم 624 بترقية السادة: شفيق غالي نصر وعلي شوقي، ومحمد حسنين سالم إلى درجة مدير عام متخطية بذلك المدعي ودون أن تخطره بعزمها على التخطي عند الترشيح لملء هذين المنصبين، ومن ثم وقع باطلاً هذان القراران لمخالفتهما للقانون ولأن الإدارة فوتت على المدعي الفرصة في التظلم من تخطيه في الترشيح. (2) يبدو جلياً من استعراض نص المادة 38 سالفة الذكر ومن المذكرة الإيضاحية أن الشارع أراد عندما أطلق يد الإدارة في الترقية بالاختيار أن ينأى بها عن مواطن الشبهات والمحاباة صيانة للمصلحة العامة بأن قيد الحق بضرورة إخطار من ترى تخطيهم في الترقية ليتظلموا إلى السيد الوزير في المدة المحددة وهي طويلة يكون المجال متسعاً لفحص الموضوع، وما هذا القيد إلا توكيداً لمبادئ العدالة والمساواة. ولا شك أن ملف خدمة الموظف هو المرآة الصادقة التي يبين منها كفاءته في العمل وقدرته على تحمل المسئوليات وبالأخص في الوظائف الرئيسية في الدولة والقول بغير ذلك يؤدي إلى الفوضى وفتح باب الوساطات والشفاعات والمحاباة. وإذا نبذت الجهة الإدارية ملف الخدمة عند إجرائها الترقية بالاختيار في مثل هذه الحالات يكون هذا العمل مخالفاً للقانون وينطوي على إساءة استعمال السلطة. وبالرجوع إلى ملف خدمة المدعي فإنه ينطبق بكفاءته وامتيازه ولم يحظ أي ممن شملتهم الترقية بمثل ما حظي به المدعي في ملف خدمته، الأمر الذي يجعله أهلاً للترقية إلى درجة مدير عام.
وقد أجابت وزارة الشئون البلدية والقروية على هذه الدعوى بمذكرة موقعة من السيد وكيل وزارة الشئون البلدية والقروية رقم 533235 في 10 من ديسمبر سنة 1957 قالت فيها إن بلدية القاهرة لها شخصيتها الاعتبارية الذاتية، فضلاً عن استقلال ميزانيتها تمام الاستقلال عن ميزانية وزارة الشئون البلدية والقروية. والمدعي يشغل وظيفة مفتش من الدرجة الأولى بميزانية بلدية القاهرة فلا علاقة له بهذه الصفة، بموظفي وزارة الشئون البلدية والقروية أو بوظائف مديري العموم الواردة درجاتها بميزانية الوزارة، غير أنه لما كانت بعض الوظائف الرئيسية ببلدية القاهرة مدرجة في ميزانية الوزارة، وهي وظائف مدير عام البلدية، ووكيل المدير العام، ومديري الإدارات الفنية من درجة مدير عام، فإن الوزارة تقوم بشغل هذه الوظائف بمعرفتها عن طريق عرض أسماء من ترشحهم لها على السيد رئيس الجمهورية لإقرار تعيينهم دون أي قيد يرد على حريتها في هذا الترشيح، ودون أي تدخل من البلدية في اختيار من تتوسم الوزارة فيهم الكفاية والأهمية لشغل تلك الوظائف الرئيسية سواء أكانوا من عداد موظفي الوزارة أو من موظفي البلدية أو من الخارج تبعاً لما تراه الوزارة كفيلاً بتحقيق الصالح العام، وضمان حسن سير العمل في هذه المناصب الرئيسية الهامة توصلاً للهدف الذي من أجله أدرجت هذه الوظائف في ميزانية الوزارة. أما الوظائف المدرجة بميزانية بلدية القاهرة فيتم التعيين فيها عن طريق الهيئة الإدارية للمجلس البلدي. هذا وقد وقع اختيار الوزارة على السادة المذكورة أسماؤهم فيما يلي للتعيين في وظائف مديري العموم ببلدية القاهرة الموضحة قرين كل منهم. وصدر بهذه التعيينات قرارا السيد رئيس الجمهورية رقما 624، 650 لسنة 1957 المشار إليهما فيما تقدم وهم: (1) المهندس علي شوقي مفتش المياه ببلدية القاهرة من الدرجة الأولى مديرا للإدارة العامة للمرافق ببلدية القاهرة بدرجة مدير عام. (2) الأستاذ محمد حسين سالم، مراقب عام إدارة النقل وشركات المرافق ببلدية القاهرة، من الدرجة الأولى مديراً عاماً للشركات ببلدية القاهرة بدرجة مدير عام (3) المهندس شفيق غالي نصر، مفتش المشروعات الكبرى بالإدارة العامة للميكانيكا والكهرباء ببلدية القاهرة من الدرجة الأولى مديراً للإدارة العامة للميكانيكا والكهرباء ببلدية القاهرة بدرجة مدير عام. (4) المهندس مصطفى فهمي شوقي، مدير قسم للإدارة العامة للمباني بالوزارة من الدرجة الأولى مديراً عاماً للإدارة العامة للتخطيط والمباني ببلدية القاهرة بدرجة مدير عام (5) المهندس إبراهيم نجيب مراقب مراقبة الشئون البلدية والقروية بالقاهرة من الدرجة الأولى مديراً عاماً للإدارة العامة للبحوث الفنية والتفتيش بالوزارة، بدرجة مدير عام. وجميع هذه الوظائف واردة في ميزانية الوزارة ضمن وظائفها المدرجة بالباب الأول من الميزانية ولا علاقة لبلدية القاهرة بها سوى أن شاغلي الوظائف الأربعة الأولى يؤدون أعمالهم بها، ولذلك تتكفل البلدية بسداد ماهياتهم نظير خدماتهم لها. ومما تقدم يتضح جلياً أن الوزارة لم تتخط المدعي في التعيينات آنفة الذكر لأنه ليس من عداد موظفيها بل إنه من موظفي هيئة مستقلة عن الوزارة وهي البلدية، وأن الوظائف التي شغلت بالقرارين المطعون فيهما هي وظائف حكومية مدرجة في ميزانية الوزارة وبذلك تكون لها مطلق السلطة في شغلها في حدود القانون. وقالت الوزارة إن المدعي سبق أن تقدم بشكوى من إغفاله في التعيينات المشار إليها وقد عرضت على السيد الوزير فأشر بحفظها في 2/ 11/ 1957 وانتهت الوزارة إلى طلب الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات. وقد رأى السيد مفوض الدولة أمام محكمة القضاء الإداري "الحكم بعدم اختصاص المحكمة بالفصل في الدعوى، واحتياطياً بعدم قبولها لانعدام المصلحة، ومن باب الاحتياط الكلي بقبولها شكلاً ورفضها موضوعاً".
وبجلسة 22 من يونيه سنة 1960 حكمت محكمة القضاء الإداري (هيئة الفصل بغير الطريق التأديبي) في هذه الدعوى "باختصاصها وفي الموضوع بإلغاء القرارين المطعون فيهما إلغاء مجرداً وألزمت الحكومة مصاريف الدعوى ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة" وأقامت المحكمة قضاءها - أ - عن الاختصاص فقالت "إن هيئة المفوضين أقامت دفعها بعدم الاختصاص على نص المادة 38 من القانون رقم 210 لسنة 1951 معدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 وعلى أن هذا النص قد أزال ولاية القضاء الإداري عن رقابة القرارات التي تصدر بالترقية إلى الدرجة الأولى وما يعلوها من الدرجات سواء أكانت هذه القرارات غير صحيحة أو غير مشروعة أو كان العيب الذي يشوبها من ناحية الشكل أو من ناحية الاختصاص أو مخالفة القانون أو كان القرار منطوياً على إساءة استعمال السلطة. وأنه لا رقيب على الإدارة إن هي لم تتبع الإجراءات المرسومة في المادة 38 من إخطار الموظف بتخطيه في الترشيح حتى يتظلم إلى الوزير خلال شهر من إخطاره. وعقبت المحكمة على هذا الدفع بأن الإجراء المنصوص عليه في المادة 38 بعد تعديلها من إخطار الموظف في الترشيح هو إجراء جوهري رسمه الشارع على سبيل الحتم والإلزام لأنه بديل الطعن القضائي فلا يجوز إهداره كما أهدر الطعن القضائي إذ أن النص قد أقامه بدلاً منه ومن ثم فهو أمر حتمي وواجب على الإدارة وهو شرط لازم ليتمتع القرار بالحصانة التي تحميه من الطعون القضائية وتنأى به عن رقابة الإلغاء ومن ثم فإن مخالفة الإجراءات التي رسمتها المادة 38 المعدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 لا تعتبر مخالفة شكلية عادية تأخذ حكم العيوب الأخرى التي يمكن أن تشوب القرار ولكنها تهدر حصانة القرار وتعيده إلى حظيرة الإلغاء حتى لا يفقد الموظف الضمانين معاً: القضائي والإداري وترتيباً على ذلك تختص المحكمة بالتحقق مما إذا كانت تلك الإجراءات قد اتبعت أم لم تتبع، ومن ثم يتعين رفض الدفع بعدم الاختصاص". وأقامت المحكمة قضاءها (ب) عن شرط المصلحة فقالت "إن هيئة المفوضين أقامت دفعها بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة على أنه لا إلزام على الوزارة في أن تشغل الدرجات الواردة بميزانيتها من موظفي مجلس بلدي القاهرة، وذلك تأسيساً على ما تبين للمفوض بعد استقراء ميزانيتي كل من بلدية القاهرة ووزارة الشئون البلدية عن عام 1957/ 1958 من أن وظائف المطعون في ترقيتهم مدرجة في ميزانية وزارة الشئون البلدية". وعقبت المحكمة على ذلك بأنها لا تأخذ بهذا الرأي، ولا تقبل الدفع لأن للمدعي مصلحة ظاهرة في إلغاء القرارين المطعون فيهما. إذ ينفتح أمامه مجال الترشيح من جديد بإلغائهما لأنه يدخل ضمن الموظفين المرشحين لدرجة مدير عام بحكم شغله للدرجة الأولى وليس في درجة الوظيفة المرقى إليها بميزانية وزارة الشئون البلدية والقروية ما يغير من طبيعة الوظيفة وكونها تابعة لبلدية القاهرة ما دامت البلدية هي التي تقوم بدفع تكاليف هذه الوظائف، ويؤكد هذا النظر أن المرشحين للوظائف سالفة الذكر هم من موظفي البلدية ذاتها. وخلصت محكمة القضاء الإداري مما تقدم إلى أن الإدارة قد خالفت إجراء جوهرياً جعله القانون ضماناً للموظف إذ أوجب على جهة الإدارة إخطار من تتخطاه في الترشيح للترقية كي يستطيع التظلم إلى الوزير، ومن ثم يكون القراران المطعون فيهما قد صدرا بالمخالفة للقانون مما يتعين معه إلغاؤهما إلغاء مجرداً كي تستعيد الإدارة مباشرة سلطتها وفقاً لأحكام القانون.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن مؤدى تعديل الفقرة الأخيرة من المادة 38 من قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 بالقانون رقم 73 لسنة 1957 أن المشرع أطلق يد الإدارة في الترقية للوظائف العليا على أساس الاختيار وحده دون تقيد بالأقدمية وجعل القرارات الصادرة بهذه الترقيات بمنأى عن الطعن فيها أو التعقيب عليها بأي وجه من الوجوه، ومن ثم فإن الدعوى على مقتضى هذا النص تكون غير جائزة السماع.... وأنه من جهة أخرى لما كان الأصل في النقل من إدارات الحكومة المركزية ومصالحها إلى المجالس البلدية أنه يعتبر بمثابة التعيين. ولما كان المطعون عليهم قد عينوا في وظائف مدرجة بميزانية وزارة الشئون البلدية والقروية فإن تعيينهم هذا لا يعتبر ترقية تسري في شأنها قيود وأوضاع المادة 38 من قانون التوظف، ومن ثم فلا إلزام على الوزارة بأن تخطر موظفي مجلس بلدي القاهرة ومنهم المدعي بهذه التعيينات التي أجرتها في الوظائف المدرجة في ميزانيتها هي دون ميزانية المجلس البلدي المذكور، ومن ثم فلا يحق للمطعون عليه أن ينعى على قراري التعيين المطعون فيهما ما دامت مصلحته في ذلك منتفية.
ومن حيث إنه عن الوجه الأول للطعن، والذي يقوم على أن الدعوى تكون غير جائزة السماع تأسيساً على مؤدى تعديل المادة 38 من قانون نظام موظفي الدولة فإن هذا الوجه لا يستقيم والفهم الصحيح لأحكام القانون فضلاً عن أنه يخالف ما سبق أن قضت به هذه المحكمة العليا في هذا الشأن. وبيان ذلك أن الفقرة الأخيرة من المادة 38 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بعد تعديلها بالقرار بالقانون رقم 73 لسنة 1957 صارت تجرى بالآتي: "أما الترقيات من الدرجة الثانية إلى الأولى، ومن الأولى إلى ما يعلوها من درجات فكلها بالاختيار دون التقيد بالأقدمية وعلى الوزارة أو المصلحة المختصة إخطار من تتخطاهم في الترشيح للترقية بالاختيار من هؤلاء الموظفين ولهم التظلم إلى الوزير خلال شهر من إخطارهم، وتكون قرارات الوزير في هذا الشأن نهائية وغير قابلة للطعن أمام أي جهة كانت وذلك استثناء من أحكام المواد 8، 12، 15، 16، 18 من القانون رقم 165 لسنة 1955". وقد أفصحت المذكرة الإيضاحية عن قصد الشارع من التعديل الذي لحق المادة 38 فجاء بالمذكرة "أن هذه المادة تقضي بأن الترقيات إلى الدرجة الثانية فصاعداً تكون كلها بالاختيار دون التقيد بالأقدمية. ولما كانت هذه الطائفة من الموظفين لا تخضع لنظام التقارير السرية، وإنما يتصل أفرادها بحكم مناصبهم في درجات الوظائف العليا أوثق صلات العمل برؤساء الجهات الإدارية التابعين لها، وبذلك يجتمع لهذه الجهات أقرب الحقائق والمعلومات عن كفايتهم وأهليتهم مما يجعل من الملائم أن يكون القول الفصل في ترقياتهم إلى جهات الإدارة المذكورة دون تعقيب عليها من سلطة القضاء ورؤى لذلك وتحقيقاً لاستقرار الأوضاع في الوظائف ذات الدرجات العليا مع عدم حرمان شاغليها من الضمانات الكافية استحداث حكم جديد يوجب على الوزارة أو المصلحة المختصة إخطار من تتخطاهم في الترشيح للترقية بالاختيار من الموظفين المذكورين مع فتح الباب أمامهم للتظلم إلى الوزير خلال شهر من إخطارهم على أن تكون قرارات الوزير في شأنهم بعد ذلك نهائية وغير قابلة للطعن أمام الجهات القضائية" ومؤدى ذلك، على عكس ما ذهب إليه الوجه الأول من طعن الحكومة في الحكم المطعون فيه، أن الشارع إذ ألغى بالقانون رقم 73 لسنة 1957 التعقيب القضائي على قرارات الوزير في الترشيح للترقية من الدرجة الثانية إلى الأولى ومن الأولى إلى ما يعلوها للاعتبارات التي قدرها وأفصح عنها في المذكرة الإيضاحية، قد قرن ذلك في الوقت ذاته باستحداث تنظيم جديد يكفل لذوي الشأن عدم حرمانهم من الضمانات الكافية، بأن أوجب على الوزارة أو المصلحة المختصة إخطار من تتخطاهم في الترشيح للترقية كي يستطيعوا التظلم إلى الوزير خلال شهر من إخطارهم على أن تكون قرارات الوزير في شأنهم بعد ذلك نهائية غير قابلة للتعقيب عليها من القضاء الإداري، وغني عن البيان أن ذلك هو الفهم الحق لما أدخله الشارع من تعديل على حكم المادة 38 من القانون رقم 210 لسنة 1951 في المجال القانوني الصحيح الذي شرعت هذه المادة لإنزال حكمها عليه، وإعمال أثرها فيه. وتأسيساً على ذلك لا يستقم الوجه الأول من الطعن فيما اتجه إليه من طلب الحكم بعدم جواز سماع الدعوى على مقتضى التعديل التشريعي آنف الذكر.
ومن حيث إنه عن الوجه الثاني للطعن، والذي يقوم على أن الأصل في النقل من إدارات الحكومة المركزية ومصالحها إلى المجالس البلدية أو بالعكس، يعتبر على النحو الذي سبق لهذه المحكمة العليا أن قضت به، بمثابة التعيين وأن المطعون عليهم قد عينوا في وظائف مدرجة بميزانية وزارة الشئون البلدية والقروية، فإن تعيينهم هذا لا يدخل في مجال تطبيق المادة 38 وما لحق بها من تعديل، ومن ثم فلا إلزام على الوزارة بأن تخطر موظفي مجلس بلدي القاهرة ومنهم المطعون عليه بهذه التعيينات التي أجرتها في الوظائف المدرجة في ميزانيتها هي دون أن تكون مدرجة بميزانية المجلس البلدي، وترتيباً على ذلك لا يكون للمطعون عليه أصل حق في النعي على القرارين محل الطعن. فإنه يبين لهذه المحكمة من الاطلاع على القرارين الجمهوريين رقم 624، 650 الصادرين معاً في 18 من يوليه سنة 1957 أنه بمقتضى أولهما عين كل من: المهندس محمود عبد الهادي سابق مدير النقل وشركات المرافق ببلدية القاهرة بدرجة مدير عام، سكرتيراً عام لبلدية القاهرة بنفس درجته والسيد/ توفيق محمد الشاعر مدير الإدارة المالية ببلدية القاهرة بدرجة مدير عام مديراً عاماً للشئون المالية والشركات بنفس درجته. كما عين ثلاثة من موظفي الدرجة الأولى التابعين لبلدية القاهرة أيضاً بوظائف الإدارة العامة ببلدية القاهرة بدرجات مدير عام وهم: (1) المهندس علي شوقي مفتش المياه ببلدية القاهرة من الدرجة الأولى مديراً عاماً للإدارة العامة للمرافق ببلدية القاهرة بدرجة مدير عام: (2) السيد/ محمد حسين سالم مراقب عام إدارة النقل وشركات المرافق ببلدية القاهرة من الدرجة الأولى مديراً عاماً للشركات ببلدية القاهرة بدرجة مدير عام (3) المهندس شفيق غالي نصر مفتش المشروعات الكبرى بالإدارة العامة للميكانيكا والكهرباء ببلدية القاهرة من الدرجة الأولى مديراً عاماً للإدارة العامة للميكانيكا والكهرباء ببلدية القاهرة بدرجة مدير عام، تلك هي التعيينات التي تضمنها القرار الأول. أما القرار الجمهوري الثاني رقم 650 في 18/ 7/ 1957 فقد تضمن تعيين كل من (1) المهندس مصطفى فهمي شوقي مدير قسم بالإدارة العامة للمباني من الدرجة الأولى، مديراً عاماً للإدارة العامة للتخطيط والمباني ببلدية القاهرة بدرجة مدير عام. (2) المهندس إبراهيم نجيب مراقب مراقبة وزارة الشئون البلدية والقروية بالقاهرة من الدرجة الأولى، مديراً عاماً للإدارة العامة للبحوث الفنية والتفتيش بوزارة الشئون البلدية والقروية بدرجة مدير عام. وجاء في الكشف الخاص ببيان أقدمية المطعون عليه بالنسبة إلى من يطعن في اختيارهم: (1) المهندس علي شوقي بكالوريوس هندسة عمارة مولود سنة 1911 رقي إلى الدرجة الأولى في 14/ 11/ 1955 (2) السيد/ محمد حسين سالم بكالوريوس تجارة سنة 1940 ودبلوم معهد الدراسات المالية والاقتصادية سنة 1954 مولود سنة 1918، رقي إلى الدرجة الأولى في 13/ 6/ 1956. (3) المهندس مصطفى فهمي شوقي بكالوريوس هندسة عمارة وماجستير في العمارة سنة 1938 مولود سنة 1915 ورقي إلى الدرجة الأولى في 20/ 6/ 1957 (4) المهندس شفيق غالي نصر، دبلوم هندسة ميكانيكا سنة 1926 مولود سنة 1902 رقي إلى الدرجة الأولى في 15/ 7/ 1957. (5) المهندس صبحي حبيب اسكندر - المدعي - دبلوم هندسة ري مدني سنة 1923 مولود في 14/ 2/ 1900 - وقد أحيل إلى المعاش لبلوغه السن القانونية في 13/ 2/ 1960 - وكان قد رقي إلى الدرجة الأولى في 3/ 1/ 1955. وبذلك ينتهي كشف بيان المقارنة والأقدمية بينهم.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على ميزانية الدولة عن السنة المالية 1957/ 1958 وهي السنة التي صدر فيها القراران الجمهوريان المطعون فيهما، أن الوظائف التي جرى التعيين فيها بمقتضى القرارين المذكورين قد أدرجت في ميزانية وزارة الشئون البلدية والقروية (ص 439) فرع (1) الديوان العام، تحت عنوان "وظائف المجالس البلدية - الوظائف العليا -" وجاء في هامش هذه الصفحة إشارة إلى وظائف المجالس البلدية عبارة "تحصل المرتبات من المجلس البلدي المختص". أما هذه الوظائف ودرجاتها حسبما ورد ذكرها بميزانية الوزارة فهي: مدير عام مجلس بلدي القاهرة... ووكيل مجلس بلدي القاهرة، الأول بمربوط 3000 جنيه سنوياً والثاني بمربوط 2800 جنيه سنوياً. وفي درجات مدير عام بمربوط 1250 جنيهاً سنوياً الوظائف الآتية: مدير النقل وشركات المرافق ببلدية القاهرة (استبدلت بوظيفة سكرتير عام وعين فيها محمود عبد الهادي سابق). ووظيفة مدير الإدارة العامة للميكانيكا والكهرباء ببلدية القاهرة (عين فيها المهندس شفيق غالي نصر). ووظيفة مدير الإدارة العامة للمرافق ببلدية القاهرة (عين فيها المهندس علي شوقي). ووظيفة مدير الإدارة العامة للتخطيط والمباني ببلدية القاهرة (عين فيها المهندس مصطفى فهمي شوقي). ووظيفة مدير عام الشركات ببلدية القاهرة (عين فيها السيد/ محمد حسين سالم الحاصل على بكالوريوس التجارة ودبلوم الدراسات المالية والاقتصادية). تلك هي الوظائف العليا التي جاءت في صلب ميزانية الدولة لوزارة الشئون البلدية والقروية فرع (1) الديوان العام تحت عنوان "وظائف المجالس البلدية - الوظائف العليا" هذا في حين أنه بالرجوع إلى ميزانية بلدية القاهرة عن ذات السنة المالية 1957/ 1958 يتضح من استقراء صفحاتها المنشورة (صفحة 16 بلدية القاهرة فصل (1) الإدارة العامة ( أ ) الدرجات الدائمة - الوظائف العليا). نجد فيها وظيفة المدير العام بدرجة وكيل وزارة بمربوط (1500) سنوياً. ثم وظيفة وكيل المدير العام في درجة وكيل وزارة مساعد بمربوط (1400) جنيه أما الوظائف التي في درجة مدير عام بميزانية البلدية فهي وظائف: مدير عام الإدارات العامة للتنظيم، ومدير عام الشئون المالية والشركات، ومدير عام الإدارة العامة لصحة القاهرة، وسكرتير عام، ومدير عام الإيرادات، ومدير عام المصروفات ثم نجد وظيفة مدير عام الشركات ثم مديرو عموم إدارات التنظيم ثم وظيفة وكيل المدير العام للإدارة العامة لصحة القاهرة. وبذلك تنتهي الوظائف العليا بميزانية بلدية القاهرة. ومن هذا يتضح جلياً أن ميزانية بلدية القاهرة لم تتضمن من الوظائف التي شغلت بالتعيين فيها بمقتضى القرارين الجمهوريين المطعون فيهما، سوى وظيفة واحدة هي (مدير عام الشركات) إذ تكرر ذكرها في كل من ميزانية وزارة الشئون البلدية والقروية، وميزانية بلدية القاهرة ولا يمكن أن يستفاد من هذا التكرار تبعية هذه الوظيفة لبلدية القاهرة دون وزارة الشئون البلدية ما دام أن هذه الوظيفة بالذات نصت عليها ميزانية الدولة في وزارة الشئون البلدية، وميزانية الدولة تصدر كما لا يخفى (بقانون) بينما تصدر ميزانية البلدية (بقرار) من الهيئة الإدارية لمجلس بلدي مدينة القاهرة على ما هو واضح من صدر ميزانية بلدية القاهرة (قرار بإصدار ميزانية بلدية القاهرة للسنة المالية 1957/ 1958 مؤرخ أول يوليه سنة 1957 موقع من رئيس الهيئة الإدارية (لواء عبد الفتاح البنداري) صفحة (هـ) من الميزانية المنشورة، ومرفق نسخة منها بملف هذا الطعن.
ومن حيث إنه تأسيساً على المقارنة بين ميزانية الدولة لوزارة الشئون البلدية والقروية والصادرة بقانون من جهة، وبين ميزانية بلدية القاهرة من جهة أخرى، يكون لوزارة الشئون البلدية والقروية كامل السلطة التقديرية ومطلقها في أن تشغل هذه الوظائف المدرجة، في غير لبس ولا إبهام، في ميزانيتها، سواء بموظفين تابعين لها أي للحكومة المركزية أو بموظفين تابعين للمجالس البلدية ممن سهل المشرع نقلهم إليها إذا هي - الوزارة - رأت محلاً للاستفادة بخبرتهم ومرانهم حسبما تراه الوزارة محققاً للصالح العام. وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن مقتضى التقسيم الوارد في الميزانية والذي يقوم على استقلال كل وحدة بوظائفها ودرجاتها وأقدميات موظفيها، أن تنفرد كل وحدة بدرجاتها ووظائفها التي لا يزاحم أفراد الوحدة الأخرى موظفيها في شغل الدرجات الشاغرة بها. وقياساً على ذلك، وتأسيساً على ما لبلدية القاهرة من شخصية معنوية وميزانية مستقلة عن الحكومة فإنه لا يكون للمطعون عليه - صبحي حبيب اسكندر المهندس ببلدية القاهرة - أصل حق في التزاحم على التعيين بالوظائف المدرجة بميزانية وزارة الشئون البلدية والقروية دون أن يكون لها أصل وارد في ميزانية بلدية القاهرة. فلا امتزاج ولا إدماج بين درجات الميزانيتين، وغني عن البيان أن الأصول المالية توصي بذلك ولا يؤثر في ذلك أن المشرع قد ألزم بلدية القاهرة في المادة 46 من القانون رقم 145 لسنة 1949 الخاص بإنشاء مجلس بلدي القاهرة بأن يؤدى مرتبات الوظائف سالفة الذكر وغيرها من الوظائف العليا المدرجة بميزانية وزارة الشئون البلدية، وأن يدرج الاعتمادات اللازمة لذلك في ميزانيته - ميزانية المجلس - طالما أن مجرد تحمل المجلس بعبء المصرف المالي اللازم لهذه الوظائف ليس من شأنه أن يخرجها من عداد الوظائف التابعة للوزارة بوصفها مدرجة في ميزانيتها المستقلة تماماً عن ميزانية بلدية القاهرة. ولم يقصد الشارع من تحميل البلدية ذلك العبء المالي سوى أن أعمال الوظائف المذكورة وثيقة الصلة بالأعمال المتعلقة بالمجلس البلدي. ومن ثم كان عبء تكاليفها. ولو كان المشرع يقصد من ذلك تبعية هذه الوظائف الهامة للبلدية لما دعا الأمر إلى إدراجها في ميزانية الوزارة ولقام بإدراجها في ميزانية المجلس البلدي.
ومن حيث إن القرارين المطعون فيهما بالإلغاء، إذ صدرا بالتطبيق للمبدأ السليم المتقدم، يكونان قد صدرا صحيحين مطابقين للقانون، وتكون الدعوى التي يستهدف بها المطعون عليه إلغاء هذين القرارين غير قائمة على سند من القانون سليم. ويكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله، ويتعين القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.