مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة - الجزء الثاني (من أول فبراير سنة 1962 إلى آخر سبتمبر سنة 1963) - صـ 1002

(92)
جلسة 6 من إبريل سنة 1963

برياسة السيد/ الإمام الإمام الخريبي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة: مصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 2606 لسنة 6 القضائية

ميزانية - وظيفة - المركز القانوني للمعينين على وظائف الباب الأول من أبواب الميزانية - اختلافه عن المركز القانوني للمعينين منهم على وظائف الباب الثالث - أثر ذلك - بقاء كل من البابين خاصاً بالموظفين المعينين عليه لا يزاحمهم فيها المعينون على الباب الآخر - أساس ذلك.
سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن المركز القانوني للموظفين المعينين على الباب الأول من أبواب الميزانية يختلف عن المركز القانوني للموظفين المعينين على الباب الثالث. فالباب الأول ينتظم الوظائف الداخلة في الهيئة والخارجة عن الهيئة التي يحكمها القانون 210 لسنة 1951 والتي يشترط القانون للتعيين فيها شروطاً معينة. بينما وظائف الباب الثالث مؤقتة بطبيعتها أياً كان الاعتماد المعين عليه الموظف، ولا يشترط للتعيين فيها شروطاً معينة ما دامت هي بطبيعتها مؤقتة ويحكم الموظف في هذه الحالة شروط عقد الاستخدام الذي صدر به قرار من مجلس الوزراء في 31 من ديسمبر سنة 1952. وما دام المركز القانوني للموظفين المعينين على أحد هذين البابين يختلف عن المركز القانوني للموظفين المعينين على الباب الآخر، فإن وظائف كل من البابين تبقى خاصة بالموظفين المعينين عليه لا يزاحمهم فيها الموظفون المعينون على الباب الآخر.


إجراءات الطعن

في 11 من سبتمبر سنة 1960 أودعت إدارة قضايا الحكومة سكرتيرية هذه المحكمة بالنيابة عن السيد وزير الصحة بصفته تقرير طعن في الحكم الصادر بجلسة 13 من يوليه سنة 1960 من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 5 لسنة 14 القضائية المقامة من الدكتور عزمي توفيق ضد وزارة الصحة والقاضي بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الثانية في الكادر الفني العالي مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعى عليه مصاريف الدعوى ومقابل أتعاب المحاماة. وطلب الطاعن للأسباب المبينة في تقرير الطعن "الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض دعوى المدعي مع إلزامه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون عليه في 16 من فبراير سنة 1961. وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 14 من يناير سنة 1962. وأبلغ الطرفان في 26 من ديسمبر سنة 1961 بميعاد هذه الجلسة وتداول الطعن في الجلسات حتى جلسة 31 من مارس سنة 1962. وفيها قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة العليا. وعين لنظره أمامها جلسة 23 من فبراير سنة 1963 وأبلغ الطرفان في 16 من يناير سنة 1963 بميعاد هذه الجلسة. وفيها قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم لجلسة اليوم وفيها صدر الحكم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع إيضاحات ذوي الشأن وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى إجراءاته الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن في أن المدعي أقام الدعوى رقم 5 لسنة 14 القضائية ضد وزارة الصحة بصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 3 من أكتوبر سنة 1959 بطلب الحكم بإلغاء القرار الصادر في 31 من مايو سنة 1959 بترقية السيد الدكتور إسماعيل صبري إلى الدرجة الثانية فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الثانية مع ما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام المدعى عليه بالمصروفات والأتعاب. وقال بياناً للدعوى إنه في أواخر سنة 1958 كان بمصلحة المعامل بوزارة الصحة العمومية ثلاث وظائف شاغرة من الدرجة الثانية وهي: 1- وظيفة وكيل قسم الأبحاث الفنية والتفتيش 2 - وظيفة مدير معهد الكلب 3 - وظيفة أخصائي مدير قسم الفيروسات لقسم المستحضرات الحيوية وكانت أقدمية الأطباء في الدرجة الثالثة في ذلك الوقت كما يلي: 1 - المدعي 2 - الدكتور إسماعيل صبري 3 - الدكتور إلياس عبود وصدر بعد ذلك قرار بترقية الدكتور إلياس عبود إلى الدرجة الثانية بالاختيار فتحتم ترقية المدعي بالأقدمية المطلقة طبقاً للقانون. وتقدم مدير المعامل يرشح للوظيفتين الخاليتين: 1 - المدعي للترقية إلى الدرجة الثانية المخصصة لوظيفة مدير معهد الكلب. 2 - الدكتور إسماعيل صبري للترقية إلى الدرجة الثانية المخصصة لوظيفة مدير قسم الفيروسات. فعارض وكيل وزارة الصحة في هذا الترشيح فأضطر مدير المعامل إلى سحبه. ثم بدأت خطة لحرمان المدعي من حقه الطبيعي في الترقية بالأقدمية فاستبعدت درجة مدير معهد الكلب وعرضت الدرجة الأخرى ورشح للترقية إليها الدكتور إسماعيل صبري. وقررت لجنة شئون الموظفين ترقية الدكتور إسماعيل صبري إلى الدرجة الثانية على زعم أن هذه الدرجة قد وردت ضمن وظائف الباب الثالث على حين أن المدعي يشغل وظيفة في الباب الأول وبادر المدعي إلى التظلم. فلم ترد الجهة الإدارية على هذا التظلم فأقام الدعوى الراهنة ثم استطرد المدعي إلى القول بأن من المسلم به أن الدرجة المرقى إليها يجب أن تشغل بالأقدمية وهو أقدم طبيب في الدرجة الثالثة. والوظائف الواردة بالباب الثالث هي في حقيقتها تعتبر أنها في الباب الأول وقد درجت الوزارة على ترقية أصحاب الأقدمية عليها وضرب أمثلة على ذلك. وقال إنه بمجرد حلول ميعاد الميزانية الجديدة تدرج هذه الوظائف ضمن وظائف الباب الأول. أما القول بأن الوظيفة مميزة فإنه مع التسليم بذلك جدلاً. فإنه يتوافر فيه التأهيل اللازم لها. بل لديه من هذا التأهيل ما هو أكثر لدى المرقى إليها فالمدعي كان وكيلاً لمعهد الكلب لمدة تزيد على 8 سنوات وكان بحكم مركزه يشرف على جميع أعمال المعهد ومنها تلك التي يقوم بها المرقى إليها. وللمدعي مؤلف هام يبحث في خدمات الحيوان للطب. وقد اشترت المصلحة ثلاثين نسخة من هذا المؤلف ووزعتها على المكتبات الحكومية. وله نشاط فني في الإذاعة ويقوم الآن بتأليف كتاباً بالإنجليزية عن عقرات الحيوان فضلاً على أنه يقوم بأعمال قسم الأبحاث الفنية والتفتيش منذ أواخر سنة 1956 وبالتفتيش الإداري على المعامل وإجراء التحقيقات الهامة مع الأطباء وغيرهم ويقوم بعمل التقرير الشهري على أنه مما يقطع بأن المطعون ضده لا يتوافر فيه التأهيل اللازم للوظيفة هو صدور أمر مكتبي بندبه اعتباراً من أول سبتمبر سنة 1959 لأعمال تحضير اللقاح وما يتعلق بها. وردت وزارة الصحة على الدعوى بأن سابقة ترشيح المدعي للترقية بمعرفة المصلحة وعدم موافقة وكيل الوزارة واعتراض سكرتير لجنة شئون الموظفين إن صحت فليس لها أي تأثير في الناحية الموضوعية للدعوى وترقية الدكتور إسماعيل صبري إلى الدرجة الثانية تمت بالباب الثالث بالأقدمية بذلك الباب على حين أن المدعي لا يزال شاغلاً الوظيفة بالباب الأول ولكل من موظفي البابين كشوف أقدمية مستقلة عن الأخرى. مع ملاحظة أن الوظيفة موضع الطعن مميزة ويتعين أن يكون شاغلها حاصلاً على مؤهل تخصص في الفيروس وهو أمر غير متوفر في المدعي ومتوفر في المطعون في ترقيته لحصوله على ماجستير في الطب البيطري (مادة البكتريولوجيا) في موضوع مقارنة اللقاحات (الفيروسات) ولذلك فلم يكن من الجائز نقل المدعي لشغل الوظيفة المذكورة دون المطعون في ترقيته فالمدعي طبيب عادي غير متخصص وأعماله بعيدة كل البعد عن الفيروسات وغير فنية واستعداده محدود وليس له أي نشاط علمي. وقد سبق للجنة شئون الموظفين أن قررت بالمحضر المعتمد بتاريخ 27 من فبراير سنة 1956 أن يكون النقل من باب إلى آخر بمراعاة الأقدمية والصلاحية مع مراعاة الصالح العام. وقد كان رائد الوزارة في اختيار المطعون في ترقيته للنقل إلى الباب الثالث وترقيته للدرجة المخصصة للوظيفة المنقول إليها هو الصالح العام والصلاحية لشغل الوظيفة والأقدمية. عقب المدعي على إجابة الوزارة فقال إن المطعون في ترقيته حصل على ماجستير في موضوع مقارنة لقاحات الكلب فقط وليس في موضوع مقارنة اللقاحات وهذا لا يعني أن له دراية بالفيروسات الأخرى ولا يبرر تخطي المدعي خصوصاً وأن كل منهما كان يشغل في الميزانية قبل الترقية وظيفة مماثلة هي وظيفة بكتريولوجي. ونقل المطعون في ترقيته إلى الباب الثالث لم يكن إلا وسيلة لترقيته. فلا معنى للقول بأن الترقية تمت بالباب الثالث بالأقدمية في الباب المذكور. ثم ردد المدعي ما سبق أن ذكره من أن المطعون في ترقيته لا يتوافر فيه التأهيل اللازم للوظيفة التي رقي إليها. ومن أن الوزارة قد درجت على النقل إلى الباب الثالث بمراعاة الأقدمية المطلقة على الرغم من قرار لجنة شئون الموظفين المعتمد بتاريخ 27 من فبراير سنة 1956. وانتهى إلى القول بأن المفروض أن الدرجات المقسمة في الباب الثالث تدمج مع درجات الباب الأول وتشغل بالأقدمية والاختيار طبقاً للقانون رقم 210 لسنة 1951. وبجلسة 13 من يوليه سنة 1960 قضت محكمة القضاء الإداري بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الثانية في الكادر الفني العالي مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعى عليهم مصاريف الدعوى ومقابل أتعاب المحاماة. وأقامت قضاءها على أن الباب الثالث من أبواب الميزانية مخصص أصلاً للأعمال الجديدة لا الوظائف والدرجات وأن تحويل الاعتمادات المدرجة بهذا الباب إلى وظائف ودرجات لا يؤثر في خضوع الوظائف المنشأة لنظام الوظيفة العامة فلا تكون لشاغليها أقدميات خاصة في ذلك الباب تتميز عن أقدميات الموظفين المدرجة وظائفهم بالباب الأول. والدرجة الثانية المنشأة لمدير قسم الفيروس قد أنشئت في الكادر الفني العالي بالديوان العام لوزارة الصحة الذي يتبعه المدعي. والترقية في الحالة المطروحة تمت بالأقدمية المطلقة. والمدعي أقدم من المطعون في ترقيته والميزانية لم تفصح عن ضرورة الحصول على مؤهل معين لشغل هذه الوظيفة فضلاً عن أن المدعي كان يشغل وظيفة بكتريولوجي.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الترقية المطعون فيها تمت إلى وظيفة متميزة بطبيعتها تقتضي بحسب تخصيص الميزانية تأهيلاً خاصاً وصلاحية معينة لا تتوافر في المدعي كما يقوم على أن الترقية تمت إلى وظيفة بالباب الثالث ووظائف الباب الثالث كانت تنتظمها أقدمية قائمة بذاتها في خصوص الترقية.
ومن حيث إنه سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن المركز القانوني للموظفين المعينين على الباب الأول من أبواب الميزانية يختلف عن المركز القانوني للموظفين المعينين على الباب الثالث فالباب الأول ينتظم الوظائف الداخلة في الهيئة والخارجة عن الهيئة التي يحكمها القانون رقم 210 لسنة 1951 والتي يشترط القانون للتعيين فيها شروطاً معينة بينما وظائف الباب الثالث مؤقتة بطبيعتها أياً كان الاعتماد المعين عليه الموظف ولا يشترط للتعيين فيها شروطاً معينة ما دامت هي بطبيعتها مؤقتة ويحكم الموظف في هذه الحالة شروط عقد الاستخدام الذي صدر به قرار من مجلس الوزراء في 31 من ديسمبر سنة 1952. وما دام المركز القانوني للموظفين المعينين على أحد هذين البابين يختلف عن المركز القانوني للموظفين المعينين على الباب الآخر فإن وظائف كل من البابين تبقى خاصة بالموظفين المعينين عليه لا يزاحمهم فيها الموظفون المعينون على الباب الآخر.
ومن حيث إنه لما كان الثابت الذي لا خلاف فيه أن الدرجة الثانية المخصصة لوظيفة أخصائي مدير قسم الفيروس (كل الوقت) والتي رقي إليها المطعون في ترقيته كانت وقت صدور قرار الترقية المطعون فيه واردة في الباب الثالث من ميزانية ديوان عام وزارة الصحة العمومية بمقتضى قرار رئيس الجمهورية رقم 1100 لسنة 1958 الصادر في 13 من سبتمبر سنة 1958. ولما كان المطعون في ترقيته قد نقل من الدرجة الثالثة بالباب الأول إلى الباب الثالث بوظيفة أخصائي (مدير قسم الفيروس) بمقتضى قرار لجنة شئون موظفي وزارة الصحة في جلستها المنعقدة بتاريخ 27 من مايو سنة 1959 الذي اعتمده وزير الصحة في 30 من مايو سنة 1959 ولم يقم دليل على أن هذا النقل شابه عيب إساءة استعمال السلطة هذا على حين أن المدعي كان وقت الترقية المطعون فيها معيناً على الباب الأول. لما كان ذلك فإنه لما تقدم لا يكون للمدعي أصل حق في التزاحم على الدرجة الثانية المشار إليها ومن ثم فإن دعواه لا تقوم على أساس صحيح من القانون. وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بغير هذا النظر فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله - ويتعين لذلك القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.