أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 30 - صـ 247

جلسة 17 من يناير سنة 1979

برئاسة السيد المستشار محمد أسعد محمود نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: محمد الباجوري، ومحمد طه سنجر، وإبراهيم فراج، ومحمد أحمد حمدي.

(57)
الطعنان رقما 11، 32 لسنة 46 القضائية

(1) إيجار "إيجار الأماكن".
حظر تقاضي المؤجر تأميناً يجاوز أجرة شهرين. م 18 ق 52. سريانه على العقود القائمة عند صدوره. مواجهة التأمين لكافة التزامات المستأجر.
(2) حكم "الطعن في الحكم" "الخطأ المادي". نقض.
الخطأ المادي في الحكم. سبيل تصحيحه. عدم صلاحيته سبباً للطعن على الحكم بالنقض.
(3) حكم "الطعن في الحكم". دعوى "المصلحة". إيجار "إيجار الأماكن".
المصلحة في الطعن. نطاقها. الحكم برفض دعوى المؤجر بطلب فروق الأجرة. المستأجرة مصلحة في الطعن عليه طالما أسس قضاءه على براءة ذمتها نتيجة إجراء المقاصة بين الطرفين بعد احتساب أجرة إضافية على المستأجرة.
(4) إيجار "إيجار الأماكن". استئناف "نطاقه".
تأسيس المؤجر بطلب أجرة إضافية على استغلال المستأجرة المكان مفروشاً. تأسيسه ذات الطلب في الاستئناف على منحه إياها ميزة استغلال المكان مستشفى. لا يعدو أن يكون تغييراً في سبب الدعوى دون موضوع الطلب.
(5) إيجار "إيجار الأماكن". حكم "حجية الحكم".
الحكم الصادر بتحديد الأجرة القانونية. لا حجية له في دعوى المؤجر بالمطالبة بأجرة إضافية طالما لم تكن محل نزاع في الدعوى السابقة.
(6، 7) إيجار "إيجار الأماكن".
(6) الأجرة المقدرة وفق القانون 46 لسنة 1962. مواجهتها حالة الانتفاع الأصلي العادي المصرح به للمستأجر في العقد. تخويل المستأجر ميزة إضافية في العقد أو في اتفاق لاحق. جواز إضافة مقابلاً لها في حدود الالتزامات القانونية.
(7) الميزة التي تتيح للمؤجر تقاضي مقابلاً عنها بالإضافة إلى الأجرة القانونية. ماهيتها. تحديد عقد الإيجار وجه الانتفاع بالعين المؤجرة كمستشفى. لا يعد ميزة. علة ذلك.
1 - مؤدى نص المادة 18 من القانون 52 لسنة 1969، أن الشارع - وبعبارة ناهية - حظر على المالك تقاضي تأمين يزيد على ما يعادل أجرة شهرين على أن يشمل هذا الحكم العقود القائمة عند صدور القانون، وإذ جاء التعبير مطلقاً دون تخصيص، فإنه لا يسوغ ابتداع تفرقة بين تأمين عادي يقصد به الوفاء بالأجرة وبين تأمين آخر يستهدف ضمان الوفاء بالتزام إعادة الحال إلى أصله عند نهاية الإيجار، وقد أفصحت على ذلك المذكرة الإيضاحية من أنه "روعي في التأمين حماية المؤجر في الأحوال التي تكون القيمة الإيجارية فيها زهيدة ولا تغطي ما قد يحدث من تلف بالمكان المؤجر مع عدم إرهاق المستأجرين.." بما يقطع أن المشرع بنصه الآمر قد اعتبر أن في مبلغ التأمين بما لا يجاوز الشهرين موازنة كافية بين الالتزامات المتقابلة في عقود الإيجار، ومن ثم يسري حكم هذه المادة على مبلغ التأمين الذي يدفعه المستأجر أياً كانت الالتزامات التي خصص للوفاء بها بمقتضى العقد.
2 - إذ كان ما وقعت فيه محكمة الاستئناف لا يعدو أن يكون خطأ مادياً غير مؤثر على كيان الحكم ولا يفقده ذاتيته في معنى المادة 191 من قانون المرافعات، تتولى المحكمة المشار إليها تصحيحه بقرار تصدره من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم، وكان المقرر أن تصحيح الخطأ المادي يتعين أن يكون بالسبيل المرسوم في المادة المشار إليها فلا يصح بذاته سبباً للطعن بطريق النقض.
3 - الأصل أن المصلحة النظرية البحتة لا تصلح أساساً للطعن بالنقض متى كان الطاعن لا يحقق أي نفع من ورائها، فلا يقبل الطعن على حكم صدر وفق طلبات الطاعن بدعوى تعديل بعض الأسباب التي لم تصادف هوى في نفسه إلا أن شرط القول بعدم توافر المصلحة المؤدية إلى عدم جواز الطعن - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - وجوب أن يكون الحكم محققاً لمقصود الطاعن ومتمشياً مع المركز القانوني الذي يدعيه بما يترتب عليه من آثار بحيث لا يكون من شأنه إنشاء التزامات جديدة أو الإبقاء على التزامات يريد التحلل منها أو حرمانه من حق يدعيه، سواء وردت هذه القيود في منطوق الحكم أو أسبابه طالما كانت هذه الأسباب هي جوهر القضاء ولبه ولا يستقيم الحكم بغيرها، وتعتبر بهذه المثابة مكملة للمنطوق، لما كان ذلك فإنه وإن كان منطوق الحكم المطعون فيه قد جرى في ظاهره لصالح الطاعنة المستأجرة حين قضى برفض دعوى المؤجر إلا أنه في أسبابه الأساسية المكملة للمنطوق قد أضر بها حين قضى عليها بأن تدفع أجرة إضافية مقابل ميزة مدعاة، ولم يكن القضاء بالرفض إلا وليد ما خلص إليه الحكم من أن الطاعنة رغم احتساب الأجرة الإضافية تعتبر دائنة للمؤجر بعد إجراء المقاصة بينهما - وبذلك فإن للطاعنة مصلحة قائمة في الطعن على الحكم.
4 - أجازت الفقرة الثالثة من المادة 235 من قانون المرافعات للخصوم مع بقاء موضوع الطلب الأصلي على حالة تغيير سببه والإضافة إليه وإذ كان المطعون عليه قد طلب من محكمة أول درجة أجرة إضافية تعادل 70% من الأجرة التي حددتها لجنة تقدير القيمة الإيجارية استناداً إلى استغلال الطاعنة الشقق المؤجرة مفروشة، وطلب من محكمة الاستئناف الحكم بذات الأجرة الإضافية استناداً إلى الميزة التي خولها للطاعنة باستغلالها مستشفى، فإن موضوع الطلب الأصلي في الحالين يكون قد بقى على حالة لم يتغير وإن تغيير السبب الذي يستند إليه المطعون عليه في المطالبة بالأجرة الإضافية، وإذ قضى الحكم المطعون فيه برفض الدفع بعدم قبول الاستئناف فإنه يكون قد التزم صحيح القانون.
5 - إذ كان البين من الحكم الصادر في الدعاوى التي أقامها مالك العقار والمستأجرون طعناً على قرار لجنة تقدير الإيجارات أنه اقتصر على تحديد الأجرة القانونية للشقق الأربع المؤجرة للطاعنة، دون أن يتعرض لما إذا كان المؤجر يستحق إضافة عليها لسبب أو لآخر، كما لم يكن هذا الأمر مثار نزاع بين الخصوم، لما كان ذلك وكان مفاد المادة 101 من قانون الإثبات أنه لا تكون للأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي حجية فيما فصلت فيه من الحقوق إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وبذات الحق محلاً وسبباً، فإن القول بصدور الحكم المطعون فيه على خلاف حكم سابق يكون على غير أساس.
6 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن النص في المادة الأولى من القانون رقم 46 لسنة 1962 الذي أبرمت عقود الإيجار في ظله على تحديد أجرة الأماكن الخاضعة لأحكامه بنسبة معينة من قيمة الأرض والمباني إنما يستهدف تحديد أجرة عادلة بالنسبة إلى الانتفاع العادي بحيث، إذا خول المؤجر للمستأجر علاوة على هذا الانتفاع ميزة إضافية كان محروماً منها سواء تراضيا على ذلك في عقد الإيجار ذاته أو في اتفاق لاحق، فإن ذلك يعد بمثابة إضافة تحسينات أو خدمات ينتفع بها المستأجر فوق الانتفاع الأصلي العادي الذي تقابله الأجرة المحددة قانوناً يصح أن يبرر إضافة إلى الأجرة في حدود الزيادات المقررة بالنسبة للأماكن الخاضعة لقوانين الإيجارات الاستثنائية. ولما كان قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1962 بشأن تحديد إيجار الأماكن استن قواعد تضمنت معايير عينية بعيداً عن إرادة المتعاقدين لتحديد الأجرة، رأى فيها علاجاً ناجحاً يحقق العدالة في هذا التحديد بوضعه على أسس ثابتة بعيدة عن المبالغة أو التحايل، ولم يتصد هذا القانون لمعالجة الالتزامات المتبادلة بين المؤجر والمستأجر والتي ظلت محكومة بالنصوص والأحكام الواردة في القانون 121 لسنة 1947، مما مفاده أن المناط في تقدير الأجرة حال الانتفاع العادي يتحدد بداهة بنطاق القيود المقررة على أوجه انتفاع المستأجر بالمكان المؤجر، اعتباراً بأنه طالما أوجب المشرع تحديد الأجرة طبقاً لمعدلات معينة من قيمة الأرض والمباني فإنه قدر مراعاة حدود الانتفاع المصرح به للمستأجر بمقتضى قانون إيجار الأماكن المعمول به وأخذاً بأن فيه استثماراً عادلاً ومجزياً ومنطوياً في ذات الوقت على الموازنة بين حقوق طرفي العقد والتزاماتهم في الحالة العادية المتواضع عليها بحكم القانون.
7 - حظرت المادة الثانية من القانون رقم 121 لسنة 1947 - فيما حظرت - على المستأجر تأجير المكان المؤجر من الباطن دون إذن كتابي من المالك، ومنعه من استعمال المكان المؤجر أو السماح باستعماله بطريقة تنافي شروط الإيجار المعقولة وتضر بمصلحة المالك، إلا أنها لم تضع قيداً على حق طرفي العقد في التراضي على الانتفاع بالعين المؤجرة وتحديد وجه الاستعمال على النحو الذي يتفقان عليه في العقد، وإن كانت قد حرمت المستأجر من تغيير نوع الاستعمال المتفق عليه. لما كان ما تقدم وكان المراد بالميزة في هذا المجال أن تكون محل عطاء من المؤجر وبإجراء إيجابي منه يوليه المستأجر متجاوزاً المعايير العينية المشار إليها وخارج نطاق القيود القانونية المتبادلة على الوجه السابق والتي تحكم الانتفاع العادي، بمعنى أنه يلزم لاعتبارها ميزة أن يحل المؤجر المستأجر من أحد هذه القيود المفروضة بمقتضى قانون إيجار الأماكن فيما يسوغ القول باستحقاقه في مقابلها إضافة إلى الأجرة بمقتضى قرار لجنة تقدير القيمة الإيجارية، ويكون بهذه المثابة مجرد اتفاق المتعاقدين على وجه الانتفاع بالعين المؤجرة في غرض معين ليس من قبيل الميزة الإضافية التي يستحق مقابلاً عنها زيادة على الأجرة القانونية، ولما كان الواقع في الدعوى أن الثابت من عقود الإيجار الأولية موضوع التداعي أن الغرض من التأجير استعمال الشقق المؤجرة مستشفى، وقد تضمن كل عقد اتفاق المتعاقدين على قيام المستأجرة بالتعديلات اللازمة لجعل الأعيان المؤجرة صالحة لإعدادها مستشفى أو عيادة على نفقتها الخاصة، شريطة أن تعيد الحالة إلى أصلها وطبقاً لطبيعتها الأولى عند التأجير حال تركها العين، فإن هذا الاتفاق لا يمنح الطاعنة المستأجرة - ميزة تجعل تمتعها بها رهناً بموافقة المالك ولا تلقي على عاتق المؤجر التزاماً بحق تقديمه ومنحه مقابله أجرة إضافية تزاد إلى الأجرة الأصلية، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بزيادة الأجرة مقابل هذا الاستعمال فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أن الطاعن في الطعن رقم 11 لسنة 46 قضائية - المؤجر - استصدر ضد الطاعنة في الطعن رقم 32 لسنة 46 قضائية - المستأجرة - الأمر رقم 316 لسنة 1971 مصر القديمة بتوقيع الحجز التحفظي على ما يوجد بالعين المؤجرة من منقولات وفاء لمبلغ 107 جنيهات و840 مليماً قيمة الأجرة المستحقة عن المدة من 1/ 9/ 1971 وما يستجد، ووقع الحجز بتاريخ 28/ 10/ 1971، فتظلمت المستأجرة منه وقيد تظلمها برقم 865 لسنة 1971 مصر القديمة ثم تقدم المؤجر بطلب استصدار أمر بأداء ضد المستأجرة بمبلغ 215 جنيهاً و680 مليماً قيمة الأجرة لمستحقة حتى آخر أكتوبر سنة 1971 وتثبيت الحجز التحفظي، وقد رفض الأمر وقيدت الدعوى برقم 917 لسنة 1971 مدني مصر القديمة وبعد ضم الدعويين حكمت محكمة مصر القديمة في 14/ 10/ 1972 بعدم اختصاصها نوعياً بنظر الدعوى وأحيلت إلى محكمة جنوب القاهرة الابتدائية وقيدت برقم 4187 لسنة 1972 مدني - وقال المؤجر بياناً لدعواه أنه بأربعة عقود مؤرخة 25/ 4/ 1969 أحيلت إليه بصفته مشترياً للعقار رقم.... استأجرت المستأجرة الشقق أرقام 5، 6، 7، 8 لقاء أجرة شهرية قدرها 25 جنيه للشقة الواحدة، أصبحت بعد تحديد لجنة القيمة الإيجارية 14 جنيه و700 مليماً، وقد نص بالعقد على استعمالها مستشفى يقيم بها المرضى فقد طالبها بالأجرة مضافاً إليها زيادة 70% من الأجرة التي حددتها اللجنة لتصبح مبلغ 24 جنيه و960 مليماً عن كل شقة يضاف إليها مبلغ 1 جنيه و176 مليماً ضرائب عقارية، 294 مليماً رسم نظافة، 500 مليماً مقابل استهلاك المياه فتبلغ 26 جنيه و950 مليماً شهرياً، وإذ امتنعت المستأجرة عن سداد الأجرة المستحقة فقد أقام دعواه. وبتاريخ 24/ 2/ 1973 حكمت المحكمة أولاً بإلغاء أمر الحجز التحفظي رقم 316 لسنة 1971 مصر القديمة والحجز المتوقع بموجبه في 28/ 10/ 1971 ثانياً: برفض الدعوى - استأنف المؤجر هذا الحكم بالاستئناف رقم 2958 لسنة 90 ق القاهرة طالباً إلغاءه والحكم بطلباته، وبتاريخ 18/ 11/ 1975 حكمت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف لما جاء بحكمها من أسباب متصلة بالمنطوق متعلقة بإجراء مقاصة بين الطرفين وليس بما أورده الحكم المستأنف من أسباب. طعن المؤجر على هذا الحكم بطريق النقض وقيد طعنه برقم 11 لسنة 46 قضائية، كما طعنت عليه المستأجرة وقيد طعنها برقم 32 لسنة 46 قضائية، قدمت النيابة مذكرة في كل من الطعنين أبدت فيهما الرأي برفض طعن المؤجر وبنقض الحكم في الطعن الآخر، عرض الطعنان على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأتهما جديرين بالنظر، وبالجلسة المحددة أمرت المحكمة بضم ثانيهما إلى الأول والتزمت النيابة رأيها.
أولاً: عن الطعن رقم 11 لسنة 46 قضائية:
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على خمسة أسباب، ينعى الطاعن بالأسباب الأول والثالث والرابع منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول أن الحكم قدر الميزة الإضافية المحولة للمستأجرة من استعمال الوحدات المؤجرة إليها كمستشفى بمعدل 25% من الأجرة المحددة بموجب قرار لجنة تقدير القيمة الإيجارية، استهداء بحكم المادة الرابعة من القانون رقم 121 لسنة 1947، في حين أن الدفاع الذي تمسك به أمام محكمة الموضوع يقوم على أساس أن الأجرة المتفق عليها في عقود الإيجار هي الملزمة للطرفين لما رؤي فيها من ميزة أولاها المؤجر، غير أن المحكمة التفتت عن هذا الدفاع وامتدت بالأجرة طبقاً لقرار اللجنة، هذا إلى أنه لا محل للاستعانة بمواد القانون رقم 121 لسنة 1947 طالما أن العقار غير خاضع في تحديد أجرته لأحكامه، خاصة وأن الظروف الاقتصادية وتكاليف البناء عند العمل به مغايرة للظروف السائدة حالياً، بالإضافة إلى أن المحكمة بعد أن قررت أن حقها في التدخل لتقدير الميزة لا يصادف محلاً إلا بعد أن يثبت المستأجر أنه قصد بها التحايل على أحكام القانون، تصدت للتقدير من تلقاء نفسها ودون أن يقام الدليل على وجود تحايل ما، وهو ما يعيب الحكم بمخالفة القانون والقصور في التسبيب.
وحيث إن النعي مردد، ذلك أنه لما كانت مدونات الحكم المطعون فيه خلواً مما يفيد إبداء الطاعن للدفاع الوارد بسبب النعي على النحو الذي ساقه، وكان لم يقدم رفق طعنه صورة رسمية من الأوراق التي تشير إلى تمسكه به أمام محكمة الموضوع حتى يمكن التحقق من صحة ما ينعاه، فإن النعي في هذا الشق يصبح عارياً عن دليله، لما كان ذلك، وكان الحكم لم يطبق أحكام القانون رقم 121 لسنة 1947 وإنما استأنس بها عند تقويمه الميزة - أياً كان وجه الرأي في سداد اعتبارها على ما سيتلو - وهو تقدير موضوعي خارج عن رقابة محكمة النقض طالما كان سائغاً، وكان الحكم قد قرر في أسبابه أنه إذا تم تقدير الميزة باتفاق المؤجر والمستأجر يتعين إعمال هذا الاتفاق ما لم يثبت أنه قصد به التحايل على أحكام القانون، فعندئذ يقوم القاضي بالتقدير، وكانت عقود الإيجار محل النزاع خلواً مما يفيد اتفاقاً بالمعنى المشار إليه أو أنه روعي عند تحديد الأجرة الغرض من استعمال المكان المؤجر كمستشفى؛ فإن تقدير الحكم المطعون فيه مقابلاً - طبقاً لمنطقه - وإضافته إلى الأجرة القانونية لا يعيبه، ويكون النعي على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول أنه تمسك أمام محكمة الاستئناف بأن التأمين المشار إليه في البند الحادي عشر من عقود الإيجار وقدره مائة جنيه عن كل شقة لم يكن ضماناً لسداد الأجرة، بل استهدف ضمان إعادة المطعون عليها الوحدات المؤجرة إلى حالتها عند انتهاء الإيجار، في حين اعتبره الحكم تأميناً عادياً لسداد الأجرة ونزل به إلى ما يوازي أجرة شهرين، دون أن يرد على دفاعه، وهو ما يعيبه بمخالفة القانون والقصور.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أنه لما كان النص في المادة 18 من القانون 52 لسنة 1969 على أنه "لا يجوز أن يزيد مقدار التأمين الذي يدفعه المستأجر على ما يعادل أجرة شهرين، ويسري هذا الحكم على عقود الإيجار القائمة وقت العمل بهذا القانون...." يدل على أن الشارع - وبعبارة ناهية - حظر على المالك تقاضي تأمين يزيد على ما يعادل أجرة شهرين، على أن يشمل هذا الحكم العقود القائمة عند صدور القانون، وإذ جاء التعبير مطلقاً دون تخصيص، فإنه لا يسوغ ابتداع تفرقة بين تأمين عادي يقصد به الوفاء بالأجرة، وبين تأمين آخر يستهدف ضمان الوفاء بالتزام إعادة الحال إلى أصله عند نهاية الإيجار، وقد أفصحت عن ذلك المذكرة الإيضاحية" من أنه روعي في التأمين حماية المؤجر في الأحوال التي تكون القيمة الإيجارية فيها زهيدة ولا نغطي ما قد يحدث من تلف بالمكان المؤجر مع عدم إرهاق المستأجرين...." بما يقطع بأن المشرع بنصه الآخر قد اعتبر أن في مبلغ التأمين بما لا تجاوز الشهرين موازنة كافية بين الالتزامات المتقابلة في عقود الإيجار، ومن ثم يسري حكم هذه المادة على مبلغ التأمين الذي يدفعه المستأجر أياً كانت الالتزامات التي خصص للوفاء بها بمقتضى العقد. ولما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أعمل هذه القاعدة على واقعة الدعوى بأن أجري مقاصة بين القدر الزائد من التأمين المدفوع عن أجرة شهرية وبين الأجرة المطالب بها، فليس يعيبه عدم إيراده النعي القانوني ولا عليه إن هو التفت عما أثاره الطاعن من دفاع يتعارض مع هذا التطبيق السليم، ويكون النعي على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الخامس على الحكم المطعون فيه مخالفة الثابت بالأوراق، وفي بيان ذلك يقول أن الحكم اعتبر الأجرة التي حددتها لجنة تقدير القيمة الإيجارية لكل شقة من الشقق الأربع مبلغ 14 ج و500 م، في حين أنه لا خلاف في أن الأجرة التي حددتها اللجنة هي مبلغ 14 ج و700 م شهرياً، حسبما ثبت بملف تقدير اللجنة الذي أمرت المحكمة بضمه، وبصورة الحكم الصادر في التظلم المرفوع من الطرفين، وإذا احتسب الحكم الميزة على هذا الأساس فإنه يكون قد خالف الثابت بالأوراق.
وحيث إنه وإن كان البين من الصورة الرسمية للحكم الصادر في الدعاوى أرقام....، ....، .... لسنة 1970 مدني القاهرة الابتدائية بتاريخ 20/ 3/ 1971 في تظلم المالك السابق والمستأجرين من قرار لجنة تقدير الإيجارات الصادر في 20/ 4/ 1970 أن القرار المشار إليه حدد أجرة كل من الشقق أرقام 5، 6، 7، 8 في العقار محل النزاع بمبلغ 14 ج و 700 م شهرياً، ولئن كان الثابت من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه اعتبر الأجرة التي قررتها اللجنة مبلغ 14 ج و500 م شهرياً لكل شقة خلافاً للواقع، إلا أنه لما كان ما وقعت فيه محكمة الاستئناف لا يعدو أن يكون خطأ مادياً غير مؤثر على كيان الحكم ولا يفقده ذاتيته في معنى المادة 191 من قانون المرافعات، تتولى المحكمة المشار إليها تصحيحه بقرار تصدره من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم، وكان المقرر أن تصحيح الخطأ المادي يتعين أن يكون بالسبيل المرسوم في المادة المشار إليها، فلا يصح بذاته سبباً للطعن بطريق النقض، فإن النعي بهذا السبب يكون غير جائز.
ولما تقدم يتعين رفض هذا الطعن.
ثانياً - عن الطعن رقم 32 لسنة 46 قضائية:
وحيث إنه وإن كان الأصل أن المصلحة النظرية البحتة لا تصلح أساساً للطعن بالنقض متى كان الطاعن لا يحقق أي نفع من ورائها، فلا يقبل الطعن على حكم صدر وفق طلبات الطاعن بدعوى تعديل بعض الأسباب التي لم تصادف هوى في نفسه، إلا أن شرط القول بعدم توافر المصلحة المؤدية إلى عدم جواز الطعن. وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة وجوب أن يكون الحكم محققاً لمقصود الطاعن ومتمشياً مع المركز القانوني الذي يدعيه بما يترتب عليه من آثار، بحيث لا يكون من شأنه إنشاء التزامات جديدة أو الإبقاء على التزامات يريد التحلل منها، أو حرمانه من حق يدعيه، سواء وردت هذه القيود في منطوق الحكم أو أسبابه طالما كانت هذه الأسباب هي جوهر القضاء ولبه ولا يستقم الحكم بغيرها، وتعتبر بهذه المثابة مكملة للمنطوق، لما كان ذلك فأنه وإن كان منطوق الحكم المطعون فيه قد جرى في ظاهره لصالح الطاعنة المستأجرة حيث قضى برفض دعوى المؤجر، إلا أنه في أسبابه الأساسية المكملة للمنطوق قد أضر بها حين قضى عليها بأن تدفع أجرة إضافية مقابل ميزة مدعاه، ولم يكن القضاء بالرفض إلا وليد ما خلص إليه الحكم من أن الطاعنة رغم احتساب الأجرة الإضافية تعتبر دائنة للمؤجر بعد إجراء المقاصة بينهما - وبذلك فإن للطاعنة مصلحة قائمة في الطعن على الحكم.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن بني على خمسة أسباب، تنعى الطاعنة بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون وفي بيان ذلك تقول أنها دفعت بعدم قبول الاستئناف تأسيساً على أن المطعون عليه أقام الدعوى الابتدائية بطلب الحكم بزيادة أجرة شقق النزاع التي تستأجرها بنسبة 70% من الأجرة التي حددتها لجنة تقدير القيمة الإيجارية نظير استغلالها مفروشة، بينما طلب أمام محكمة الاستئناف الحكم له بهذه الزيادة مقابل ميزة استغلالها مستشفى، بما يعد طلباً جديداً لا يجوز طرحه لأول مرة في الاستئناف عملاً بالمادة 235 من قانون المرافعات، وإذ رفض الحكم المطعون فيه هذا الدفع فإنه يكون قد خالف القانون.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أن الفقرة الثالثة من المادة 235 من قانون المرافعات قد أجازت للخصوم مع بقاء موضوع الطلب الأصلي على حالة تغيير سببه والإضافة إليه، ولما كان المطعون عليه قد طلب من محكمة أول درجة أجرة إضافية تعادل 70% من الأجرة التي حددتها لجنة تقدير القيمة الإيجارية استناداً إلى استغلال الطاعنة الشقق المؤجرة مفروشة، وطلب من محكمة الاستئناف الحكم بذات الأجرة الإضافية استناداً إلى الميزة التي خولها للطاعنة باستغلالها مستشفى، فإن موضوع الطلب الأصلي في الحالين يكون قد بقى على حاله لم يتغير وإن تغير السبب الذي يستند إليه المطعون عليه في المطالبة بالأجرة الإضافية، وإذ قضى الحكم المطعون فيه برفض الدفع بعدم قبول الاستئناف فإنه يكون قد التزم صحيح القانون ويكون النعي على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه مخالفته حكماً سابقاً حائزاً قوة الشيء المقضي، وفي بيان ذلك يقول الطاعن أن لجنة تقدير الإيجارات أصدرت قرارها في 20/ 4/ 1970 بتحديد أجرة جميع الوحدات السكنية ومن بينها الشقق الأربع محل النزاع وتأيد هذا القرار بالحكم الصادر في الدعاوى أرقام....، .... ،.... لسنة 1970 القاهرة الابتدائية في الطعون التي أقامها المالك السابق ونفر من المستأجرين وإذ أصبح هذا الحكم نهائياً بعدم استئنافه فإن الحكم المطعون فيه بإضافته إلى الأجرة القانونية التي حددها ذلك القرار مقابلاً لما اعتبره ميزة منحها المؤجر للمستأجرة يكون قد ناقض حكماً سابقاً وخالف القانون.
وحيث إن النعي غير سديد، ذلك أنه لما كان البين من الحكم الصادر بتاريخ 20/ 3/ 1971 في الدعاوى التي أقامها مالك العقار والمستأجرون طعناً على قرار لجنة تقدير الإيجارات أنه اقتصر على تحديد الأجرة القانونية للشقق الأربع المؤجرة للطاعنة، دون أن يتعرض لما إذا كان المؤجر يستحق إضافة عليها لسبب أو لآخر، كما لم يكن هذا الأمر مثار نزاع بين الخصوم، لما كان ذلك وكان مفاد المادة 101 من قانون الإثبات أنه لا تكون للأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي حجية فيما فصلت فيه من الحقوق إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وبذات الحق محلاً وسبباً، فإن القول بصدور الحكم المطعون فيه على خلاف حكم سابق يكون على غير أساس.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة بباقي الأسباب على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك تقول أن الحكم قضى في أسبابه المكملة لمنطوقه بأن المطعون عليه يستحق أجرة إضافية بنسب 25% من الأجرة التي حددتها لجنة تقدير الأجرة، على سند من أنه خولها ميزة استغلال شقق النزاع مستشفى في حين أن القانون رقم 46 لسنة 1962 وضع قواعد لتحديد الأجرة حسب عناصر معينة بغض النظر عن استعمال العين المؤجرة وعما يتاح للمستأجر من مزايا، فلا يجوز للمالك أن يزيد الأجرة لأي سبب من الأسباب، هذا إلى أن المتفق عليه منذ فجر التعاقد على أن الغرض هو استعمالها مستشفى وأن تقوم الطاعنة بإعدادها لهذا الغرض على نفقتها الخاصة، فلا يعتبر هذا الاستعمال ميزة جديدة ولا يستحق المؤجر مقابلاً عنها، وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن النعي في محله، ذلك أنه لما كان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن النص في المادة الأولى من القانون رقم 46 لسنة 1962 الذي أبرمت عقود الإيجار في ظله - على تحديد أجرة الأماكن الخاضعة لأحكامه بنسبة معينة من قيمة الأرض والمباني إنما يستهدف تحديد أجرة عادلة بالنسبة إلى الانتفاع العادي، بحيث إذا خول المؤجر المستأجر علاوة على هذا الانتفاع ميزة إضافية كان محروماً منها، سواء تراضيا على ذلك في عقد الإيجار ذاته أو في اتفاق لاحق، فإن ذلك يعد بمثابة إضافة تحسينات أو خدمات ينتفع بها المستأجر فوق الانتفاع الأصلي العادي الذي تقابله الأجرة المحددة قانوناً، يصح أن يبرر إضافة إلى الأجرة في حدود الزيادات المقررة بالنسبة للأماكن الخاصة لقوانين الإيجارات الاستثنائية. ولما كان قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1962 بشأن تحديد الإيجار الأماكن استن قواعد تضمنت معايير عينية بعيداً عن إرادة المتعاقدين لتحديد الأجرة، رأى فيها علاجاً ناجعاً يحقق العدالة في هذا التحديد بوضعه على أسس ثابتة بعيدة عن المبالغة أو التحايل، ولم يتصد هذا القانون لمعالجة الالتزامات المتبادلة بين المؤجر والمستأجر، والتي ظلت محكومة بالنصوص والأحكام الواردة في القانون رقم 121 لسنة 1947، مما مفاده أن المناط في تقدير الأجرة حال الانتفاع العادي يتحدد بداهة بنطاق القيود المقررة على أوجه انتفاع المستأجر بالمكان المؤجر، اعتباراً بأنه طالما أوجب المشرع تحديد الأجرة طبقاً لمعدلات معينة من قيمة الأرض والمباني، فإنه قدر مراعاة حدود الانتفاع المصرح به للمستأجر بمقتضى قانون إيجار الأماكن المعمول به، وأخذاً بأن فيه استثماراً عادلاً ومجزياً، ومنطوياً في ذات الوقت على الموازنة بين حقوق طرفي العقد والتزاماتهم في الحالة العادية المتواضع عليها بحكم القانون. لما كان ذلك فإنه وإن حظرت المادة الثانية من القانون رقم 121 لسنة 1947 - فيما حظرت - على المستأجر تأجير المكان المؤجر من الباطن دون إذن كتابي من المالك، ومنعته من استعمال المكان المؤجر أو السماح باستعماله بطريقة تنافي شروط الإيجار المعقولة وتضر بمصلحة المالك إلا أنها لم تضع قيداً على حق طرفي العقد في التراضي على الانتفاع بالعين المؤجرة وتحديد أوجه الاستعمال على النحو الذي يتفقان عليه في العقد، وإن كانت قد حرمت المستأجر من تغيير نوع الاستعمال المتفق عليه - لما كان ما تقدم وكان المراد بالميزة في هذا المجال - وعلى ما سلف بيانه - أن تكون محل عطاء من المؤجر وبإجراء إيجابي منه يوليه المستأجر، متجاوزاً المعايير العينية المشار إليها، وخارج نطاق القيود القانونية المتبادلة على الوجه السابق والتي تحكم الانتفاع العادي، بمعنى أنه يلزم لاعتبارها ميزة أن يحل المؤجر المستأجر من أحد هذه القيود المفروضة بمقتضى قانون إيجار الأماكن، فيما يسوغ القول باستحقاقه في مقابلها إضافة إلى الأجرة بمقتضى قرار لجنة تقدير القيمة الإيجارية، ويكون بهذه المثابة مجرد اتفاق المتعاقدين على وجه الانتفاع بالعين المؤجرة في غرض معين ليس من قبيل الميزة الإضافية التي يستحق مقابلاً عنها زيادة على الأجرة القانونية - لما كان ما سلف وكان الواقع في الدعوى أن الثابت من عقود الإيجار الأربعة موضوع التداعي أن الغرض من التأجير استعمال الشقق المؤجرة مستشفى، وقد تضمن كل عقد اتفاق المتعاقدين على قيام المستأجرة بالتعديلات اللازمة لجعل الأعيان المؤجرة صالحة لإعدادها مستشفى أو عيادة على نفقتها الخاصة، شريطة أن تعيد الحالة إلى أصلها وطبقاً لطبيعتها الأولى عند التأجير حال تركها العين، فإن هذا الاتفاق لا يمنح الطاعنة - المستأجرة - ميزة يجعل تمتعها بها رهناً بموافقة المالك، ولا تلقي على عاتق المؤجر التزاماً يحق تقويمه ومنحه مقابلة أجرة إضافية تزاد إلى الأجرة الأصلية، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بزيادة الأجرة مقابل هذا الاستعمال، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يستوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، ولما تقدم فإنه يتعين تأييد الحكم الابتدائي فيما قضى به من رفض الدعوى.