مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة - الجزء الثاني (من أول فبراير سنة 1962 إلى آخر سبتمبر سنة 1963) - صـ 1054

(99)
جلسة 20 من إبريل سنة 1963

برئاسة السيد/ الإمام الخريبي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة: مصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 2469 لسنة 6 القضائية

تعليم - التعهد بالتدريس - اشتراطه عدم زواج الطالبة أثناء اشتغالها بالتدريس قبل مضي ثلاث سنوات من تاريخ تخرجها وإلا التزمت بدفع المصروفات المدرسية المقررة عليها - صحيح لا مخالفة فيه للنظام العام أو القانون - عدم اعتبار الزواج مقبولاً يبرر الإعفاء من هذا الالتزام - إسقاط الالتزام لا يكون إلا في حالة القوة القاهرة وهي حالة لا تقوم إلا بعد العقد يستحيل معها تنفيذ الالتزام ولا يد فيها للملتزم - عدم استطاعته الجمع بين العمل وواجبات الحياة الزوجية لا يبرر إسقاط المسئولية، إذ من المجافاة الصريحة للقانون أن يتخذ الإنسان من عمله مبرراً أو عذراً للإخلال بالتزاماته.
إن اشتراط عدم الزواج قبل مضي ثلاث سنوات والقول بأن مثل هذا الشرط مخالف للنظام العام لأن فيه حجراً على الحرية الشخصية التي كفلها الدستور فمردود عليه بأن الزواج هو حق من الحقوق التي يصح أن ترد عليها بعض القيود - فإذا رأت الوزارة أن تضمن العقد الذي أبرمته مع المطعون عليها الأولى قيداً على حريتها في الزواج لمدة معينة لاعتبارات من الصالح العام ارتأتها فليس في ذلك أي خروج على النظام العام أو مخالفة للقانون خصوصاً وأن الالتزام في حالة مخالفة هذا الشرط ينتقل على مبلغ من المال هو قيمة المصروفات المدرسية التي أنفقت على الطالب أثناء الدراسة، وفي التشريع المصري كثير من القيود التي ترد على حق الزواج - وأما ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه بأن الزواج عذر مقبول يبرر عدم قيام المطعون عليها الأولى بعدم تنفيذ تعهدها أو عدم احترام العقد فإن ذلك القول لا يستقيم مع شروط العقد الإداري الذي قامت عليه علاقة الطرفين ولا الطابع الخاص الذي اتسمت به تلك الشروط، فلا يصح مخالفة أحد هذه الشروط ثم اعتبار هذه المخالفة سنداً أو عذراً يعفي من الالتزام وكقاعدة أساسية في الالتزامات سواء كان منشؤها عقداً إدارياً أو عقداً خاصاً فإن الإسقاط لا يكون إلا في حالة القوة القاهرة وهي حالة تقوم بعد العقد يستحيل معها تنفيذ الالتزام وليس للملتزم يد فيها وهو الأمر الذي يتعارض تماماً مع ما ذهبت إليه محكمة القضاء الإداري على النحو المشار إليه، فكون المطعون عليها الأولى - على حد قولها - أنها لا تستطيع الجمع بين العمل وبين واجبات الحياة الزوجية مما تبرر معه إسقاط مسئولياتها إطلاقاً المبنية على العقد، فإن هذه الفعلة ليست من الأسباب القانونية المسقطة للالتزام، لأن الأمر في ذلك لا يخرج عن كونها قد فاضلت بين مصلحتين فرجحت لديها إحداهما على الأخرى، فاختارت الزواج أثناء الحظر المفروض عليها فيه وتركت العمل قبل الأجل المحدد لذلك، وليس من سبيل لإجبارها على العمل وكل ما للإدارة من حقوق قبلها هي استرداد المصروفات التي أنفقتها عليها أثناء الدراسة طبقاً للتعهد الموقعة عليه ومن المجافاة الصريحة للقانون أن يتخذ الإنسان من عمله مبرراً أو عذراً للإخلال بالتزاماته.


إجراءات الطعن

في 18/ 8/ 1960 أودع السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة بصفته المشار إليها سكرتيرية هذه المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 19/ 6/ 1960 في القضية رقم 1073 لسنة 11 القضائية والقاضي "برفض الدعوى وإلزام الوزارة المصروفات" وطلب السيد الطاعن للأسباب التي أوردها في عريضة الطعن "قبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلزام المدعى عليهما متضامنين بأن يدفعا للوزارة المدعية مبلغ 80 جنيهاً والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة الرسمية حتى الوفاء ومصروفات درجتي التقاضي ومقابل أتعاب المحاماة عنهما".
وقد أعلن هذا الطعن لذوي الشأن ثم نظر أمام دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا. وبعد أن سمعت هذه المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن الوزارة أقامت الدعوى رقم 1073 لسنة 11 القضائية في 2 من يوليه سنة 1957 ضد المطعون عليهما انتهت فيها إلى طلب الحكم بإلزامهما متضامنين بأن يدفعا مبلغ 80 جنيهاً والفوائد القانونية بواقع 4% من وقت المطالبة الرسمية حتى مع السداد المصاريف. وقالت في الدراسة هذا الطلب أن المطعون عليها الأولى التحقت سنة 1950 بمعهد الفنون الجميلة للمعلمات ووقعت في 25/ 5/ 1953 تعهداً بالاستمرار في الدراسة في هذا المعهد وبأن تقوم بعد إتمام الدراسة فيه بالاشتغال بمهنة التدريس بالمدارس التابعة للوزارة أو المدارس التي تختارها لمدة الخمس السنوات التالية مباشرة لحصولها على دبلوم التدريس كما تعهدت بألا تتزوج أثناء اشتغالها بالتدريس قبل مضي ثلاث سنوات من تاريخ تخرجها من المعهد بشرط استئذان الوزارة عند الشروع في الزواج وأنها في حالة إخلالها بأحد هذه الشروط أو فصلها بسبب تأديبي سواء كان ذلك أثناء مدة الدراسة أو أثناء قيامها بالتدريس تكون ملزمة بدفع المصروفات المدرسية المقررة عليها بمعدل 40 جنيهاً عن كل سنة للقسم الداخلي و20 جنيهاً للقسم الخارجي وذلك عن كل المدة التي تكون قد مكثتها بالمعهد المذكور باعتبار أن مصروفات كل سنة تستحق في أولها وقد كفلها المطعون عليه الثاني في تنفيذ تعهدها كفالة تضامنية... وقد تخرجت هذه الطالبة من المعهد في سنة 1954 والتحقت بخدمة الوزارة مدرسة للتربية الفنية بمدرسة المنصورة الثانوية بنات إلا أنها قدمت استقالتها من الخدمة في 14/ 3/ 1956 لأسباب صحية وعائلية ورفعت الاستقالة للوزارة التي أخطرت منطقة المنصورة التعليمية في 20/ 5/ 1956 بقرار رفع اسمها من الخدمة اعتباراً من 14/ 3/ 1956 بالتطبيق للمادة 112 من القانون رقم 210 لسنة 1951 - وبما أن المطعون عليها الأولى قضت في المعهد مدة أربع سنوات فتكون ملزمة بمبلغ 80 جنيهاً بواقع 20 جنيهاً عن كل سنة دراسية. ثم بينت الوزارة أن ما تضمنه التعهد أساس المطالبة من نصوص استثنائية إنما ذلك من خصائص العقود الإدارية فلا تعتبر بالتالي شروطاً ادعائية بالمعنى المفهوم في نطاق القانون الخاص، كما وأن الأسباب التي تعللت بها المطعون عليها الأولى في استقالتها لا تنهض عذراً مقبولاً يبرر هذه الاستقالة فقد تعهدت بالتدريس لمدة معينة وزواجها لا يعفيها من رد نفقات تعليمها، وعقد زواجها تم في 21/ 7/ 1955 ولم تقدم استقالتها إلا في 14/ 3/ 1956 فلم يكن إذن زواجها بمانع لها من الاستمرار في التدريس خاصة أنها عينت لتدريس التربية الفنية ولا يحول ذلك دون قيامها بواجبات الزوجية، ولا حجاج أيضاً بما قالته عن سوء حالتها الصحية بسبب رطوبة الجو بمدينة المنصورة إذ أنها بادرت بتقديم استقالتها دون أن تطلب إجازة مرضية إن كان ثمة مرض أصابها كما تدعي أو أن يثبت بطريق قطعي أن انقطاعها عن العمل أكثر من المدة القانونية كان بسبب المرض، وأما تذرعها بحاجة والدها إلى رعايتها فلا يقوم ذلك مع افتراض صحته جدلاً عذراً يبرر إعفاءها من نفقات تعليمها.
وقد أجاب المطعون عليهما على الدعوى بأن التعهد الذي تطالب الوزارة على أساسه هو تعهد باطل لأنه احتوى على شرط عدم زواج المطعون عليها لمدة ثلاث سنوات ومثل هذا الشرط مخالف للنظام العام لأن الزواج من حقوق الأحوال الشخصية التي كفلها الدستور وهو ينظم روابط الأفراد بالدولة وهذا التنظيم ينظر فيه إلى المصلحة العامة فلا يجوز الاتفاق على ما يتعارض مع هذه المصلحة تحقيقاً لمصالح خاصة، ومن المقرر قانوناً أن كل شخص حر في أن يتزوج لأن حرية الزواج من النظام العام وكل قيد يرد على هذه الحرية يعتبر باطلاً بطلاناً مطلقاً.... ومما يجب ملاحظته أن التوقيع على التعهد حصل في 25/ 5/ 1953 والمطعون عليها الأولى في السنة الثالثة فكانت في حالة إكراه ولم يكن لها سوى الرضوخ وإلا فصلت من المعهد وهذا مما يشوب التعهد ويجعله باطلاً وبالتالي تهدر كل قيمة له وكان الحال كذلك بالنسبة للمطعون عليه الثاني الذي هو أخ للمطعون عليها الأولى ووالدها على قيد الحياة، هو المسئول عن الوفاء بهذا الالتزام، وليس في استطاعة المطعون عليه الثاني أن يمنع أخته من الزواج الذي هو حق لها - فإذا كان الالتزام مستحيلاً استحالة مطلقة ومتعلقاً بالنظام العام فلا يترتب عليه أي أثر قانوني... فضلاً عن ذلك فإن توقيع المطعون عليها الأولى تم في 25/ 5/ 1953 بينما حصل توقيع المطعون عليه الثاني في 15/ 10/ 1953 وعلى ورقة أخرى، ولا يجوز القول في هذه الحالة بأن توقيع المطعون عليه الثاني على الورقة الثانية ينسحب على الورقة الأخرى الموقعة من المطعون عليها الأولى في تاريخين متباعدين الأمر الذي يتعين معه إطراح الدليل المستمد من الورقة الأولى وبذلك تصبح الدعوى خالية من الدليل... وغني عن البيان أن الشروط التي تضمنها الإقرار المذكور هي شروط مطبوعة تتسم بالتعسف وليست فيها حكمة ظاهرة مما يؤدي إلى اعتبار العقد من عقود الإذعان، هذا إلى أن وجود المطعون عليها الأولى بمدينة المنصورة كان له أسوأ الأثر على صحتها وقد نصحها الأطباء بالابتعاد عن الجو الرطب والإقامة في جو جاف وتقدمت إلى الوزارة بالتذاكر والشهادات الطبية المثبتة لتلك الحالة ولكن الوزارة وعدت ولم تف بوعدها مع أن ترتيبها كان يسمح بتعيينها مباشرة في القاهرة... كما وأن والدها في حاجة ماسة لأن تقيم معه بالقاهرة بعد وفاة والدتها ترعاه في شيخوخته وتؤنس وحدته..
وبجلسة 19/ 6/ 1960 قضت محكمة القضاء الإداري "برفض الدعوى وإلزام الوزارة المصروفات". وأقامت قضاءها على أن التعهد الصادر من المدعى عليها الأولى يعتبر من قبيل العقود الإدارية إذ التزمت طبقاً لشروطه بالاستمرار في الدراسة إلى أن تتمها وبالتدريس لمدة خمس سنوات تالية مباشرة لإتمام دراستها.... وتلك شروط استثنائية غير مألوفة في العقود الخاصة ويكون العقد الذي تضمنها قد اتسم بالطابع المميز للعقود الإدارية لاتصاله بمرفق عام وأخذه بأسلوب القانون العام... وقد تزوجت المدعى عليها الأولى قبل مضي ثلاث سنوات من تاريخ تخرجها كما انقطعت عن عملها بعد أن قدمت استقالتها قبل مضي خمس سنوات على اشتغالها بالتدريس، والمستفاد من الأوراق أن سبب استقالتها والدافع الرئيسي لها هو زواجها في 21/ 7/ 1955 وتقدمت باستقالتها في 14/ 3/ 1956 قبل زفافها في 5/ 4/ 1956... وإن كان التعهد قد تضمن شرطاً يقيد من حرية المدعى عليها الأولى في الزواج خلال الثلاث السنوات التالية لتخرجها إلا أنها قد جرت على عدم إعمال هذا الشرط تغليباً للاعتبارات الاجتماعية، ويدل على ذلك القرار الصادر في أول يونيه سنة 1958 الذي قضى بإلغاء القرارين الصادرين في 14/ 2/ 1944 و15/ 1/ 1955 بالتزام مفتشات ومدرسات التربية البدنية عدم الزواج لمدة ثلاث سنوات من تاريخ التحاقهن بالخدمة، كما نص على إبطال العمل بالتعهدات المأخوذة على مفتشات ومدرسات التربية البدنية القائمات بالعمل وعلى طالبات معهدي التربية الرياضية للمعلمات بالقاهرة والإسكندرية بالتزامهن بعدم الزواج لمدة ثلاث سنوات من تاريخ التحاقهن بخدمة وزارة التربية والتعليم - وإذا كان القرار المشار إليه قد صدر في شأن مفتشات ومدرسات التربية البدنية فإن مرد اقتصاره على هذه الفئة من المدرسات والمفتشات هو جريان العمل على استصدار تعهدات منهن بالتزامهن بعدم الزواج لمدة ثلاث سنوات تنفيذاً للقرارين المذكورين لتعارض أعمال وظائفهن وما تقتضيه من الجهود البدنية مع أعباء الزواج وتبعاته... ومن باب أولى فإن الاعتبارات التي اقتضت إلغاء هذين القرارين تنطبق على المشتغلات بالتدريس من غير مدرسات التربية البدنية فلا يكون هناك وجه لتقييد حريتهن في الزواج استناداً إلى التعهدات الصادرة منهن... ثم استطردت المحكمة إلى القول بأن الزواج عذر مقبول يبرر عدم قيام المدرسة بتنفيذ تعهدها بالاستمرار في التدريس لما يرتبه الزواج من تبعات نحو الأسرة قد تحول بين المدرسة وبين القيام بأعباء وظيفتها.
ومن حيث إن أسباب الطعن تقوم على أن ما ذهبت إليه محكمة القضاء الإداري من أن الوزارة قد جرت على عدم إعمال شرط عدم الزواج لفترة محدودة تغليباً للاعتبارات الاجتماعية واستدلت عليه بالقرار الصادر في 1/ 6/ 1958 بإلغاء القرارين المؤرخين 14/ 2/ 1944 و15/ 1/ 1955 وإبطال العمل بالتعهدات المأخوذة على مفتشات ومدرسات التربية البدنية، ما ذهبت إليه المحكمة مخالف للقانون ذلك أنه ما دامت المطعون عليها الأولى ليست من الأشخاص الذين ينصرف إليهم حكم هذا القرار لأنها مدرسة فنون جميلة، فإنه لا محل للقياس الذي ذهب إليه الحكم المطعون فيه حيث تستقل في المجال التعاقدي كل رابطة عن الأخرى وإذا كانت المحكمة في مجال العمل الإداري ليس لها أن تحل محل جهة الإدارة في تقدير اعتبارات معينة فإن هذا لا يجوز لها في مجال العقد الإداري وليس لها إلا أن تطبق أحكام هذا العقد ما دامت لا تخالف النظام العام أو الآداب "قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن انتهت فيه إلى مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون وإن كان المفوض قد ارتأى مساءلتها فقط عن مصروفات السنة الدراسية التالية لتاريخ التوقيع على التعهد ذلك أنهما طولبا بالتوقيع بعد مضي ثلاث سنوات دراسية وقد ضاع عليهما بذلك فرصة المفاضلة بين أمرين عند بدء الالتحاق بالمعهد وهما الالتحاق بالمعهد مع تحميلهما بمصاريف الدراسة عن السنوات الأربعة أو عدم الالتحاق به إذا ما تبين لهما ثقل هذا الالتزام على عاتقهما".
ومن حيث إنه يبين من مطالعة الأوراق أن المطعون عليها الأولى التحقت بالمعهد العالي للفنون الجميلة في سنة 1950 وحصلت على إجازة التدريس من هذا المعهد في سنة 1954 وعينت بوظيفة مدرسة بمدرسة شجرة الدر الإعدادية بالمنصورة اعتباراً من 2/ 10/ 1954 - وبتاريخ 14/ 3/ 1956 قدمت استقالتها من العمل وانقطعت عن مباشرته من هذا التاريخ. وقد وافقت الإدارة العامة لتعليم البنات في أول مايو سنة 1956 على قبول هذه الاستقالة ورفع اسمها من عداد الموظفين بالتطبيق للمادة 112 من قانون نظام موظفي الدولة مع مطالبتها رضاء أو قضاء بالوفاء بالتزاماتها قبل الوزارة - ومن الملاحظ أن المطعون عليها الأولى قبل استقالتها كانت تكثر من طلب الإجازات المرضية مما دعا ناظرة مدرسة المنصورة الثانوية والفنية للبنات التي كانت تعمل بها وقتذاك أن تكتب في 2/ 1/ 1956 إلى مدير الصحة المدرسية بمنطقة القاهرة الجنوبية ترجوه النظر بعين الرفق إلى الطالبات اللاتي لم يستفدن من هذه المدرسة شيئاً في مادة الرسم لكثرة الإجازات المرضية التي منحت لها - وقد بنت استقالتها على أسباب صحية وعائلية قهرية لا تستطيع معها أن تؤدي رسالتها كاملة أو أن تقوم بالتدريس على صورة ترضي الله وضميرها.
ومن حيث إن الالتزام الذي في ذمة المطعون عليهما للوزارة والسابق الإشارة إليه مبناه تعهد وقعت عليه المطعون عليها الأولى في 25/ 5/ 1953 تضمن أن تستمر في الدراسة بمعهد الفنون الجميلة "وأن تقوم بعد إتمام الدراسة فيه بالاشتغال بمهنة التدريس بالمدارس التابعة للوزارة أو المدارس التي تختارها لمدة الخمس السنوات التالية مباشرة لحصولها على دبلوم التدريس، وألا تتزوج أثناء اشتغالها بالتدريس قبل مضي ثلاث سنوات من تاريخ تخرجها في المعهد المذكور وبشرط استئذان الوزارة عند الشروع في الزواج وأنه في حالة إخلالها بأحد هذه الشروط أو فصلها لسبب تأديبي سواء أكان ذلك أثناء مدة الدراسة أم كان أثناء قيامها بالتدريس طبقاً لهذا التعهد تكون ملزمة بدفع المصروفات المدرسية المقررة على الطالبة بمعدل 40 جنيهاً عن كل سنة للقسم الداخلي و20 جنيهاً للقسم الخارجي وذلك عن كل المدة التي تكون قد مكثتها به باعتبار أن مصروفات كل سنة تستحق في أولها" "وجاء في البند الثاني من هذا التعهد تعهد صادر من المطعون عليه الثاني في 15/ 10/ 1953 بوصفه ولي أمر الطالبة (المطعون عليها الأولى) بدفع المصروفات المقررة عليها بطريق التضامن معها وذلك في جميع الأحوال الواردة في هذا التعهد". وفي 17/ 4/ 1957 عرض الأمر على السيد وكيل الوزارة المساعد فوافق على ما ارتأته إدارة السكرتارية من مطالبة المطعون عليها الأولى بنفقات تعليمها بالمعهد عن سنة واحدة أي مبلغ 20 جنيهاً. وعقب ذلك أقامت الوزارة الدعوى رقم 1073 لسنة 11 القضائية في 2 من يوليه سنة 1957 وقصرت الطلب فيها على مبلغ 20 جنيهاً والفوائد ثم تعدل هذا الطلب أثناء سير الدعوى بعريضة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 30/ 1/ 1958 إلى مبلغ 80 جنيهاً والفوائد من تاريخ المطالبة القضائية حتى السداد بواقع 4% سنوياً.
ومن حيث إن الثابت من محاضر المناقشة أمام هيئة المفوضين أن المطعون عليه الثاني حضر وقدم وثيقة زواج أخته المطعون عليها الأولى وتحمل رقم 353329 وهي محررة بمعرفة مأذون الجماميز وذلك عن زواج السيد/ حامد عثمان الباجوري مدير أعمال الري بالمنصورة على الآنسة عواطف وأن الزواج عقد في 21/ 7/ 1955 كما ثبت من المستندات المقدمة من المطعون عليها أن الزفاف قد تم في 5/ 5/ 1956 وأن الزوج اشترط على والد المطعون عليها الأولى أن تترك ابنته مهنة التدريس وجعل هذا الشرط أساساً جوهرياً لإتمام الزواج الذي يجب أن تسبقه استقالتها من الوظيفة.
ومن حيث إنه يؤخذ مما تقدم أن المطعون عليها الأولى هي التي استقالت من وظيفتها فلم تفصل لأنها تزوجت قبل مضي ثلاث سنوات من تاريخ تخرجها في المعهد وبذلك فلا محل للاستشهاد أو القياس بحالة المدرسات اللاتي سمح لهن بالزواج قبل مضي ثلاث سنوات من تاريخ التحاقهن بخدمة وزارة التربية والتعليم كما كان مقرراً من قبل.
ومن حيث إنه عن اشتراط عدم الزواج قبل مضي ثلاث سنوات والقول بأن مثل هذا الشرط مخالف للنظام العام لأن فيه حجراً على الحرية الشخصية التي كفلها الدستور فمردود عليه بأن الزواج هو حق من الحقوق التي يصح أن ترد عليها بعض القيود - فإذا رأت الوزارة أن تضمن العقد الذي أبرمته مع المطعون عليها الأولى قيداً على حريتها في الزواج لمدة معينة لاعتبارات من الصالح العام ارتأتها فليس في ذلك أي خروج على النظام العام أو مخالفة للقانون خصوصاً وأن الالتزام في حالة مخالفة هذا الشرط ينتقل على مبلغ من المال هو قيمة المصروفات المدرسية التي أنفقت على الطالب أثناء الدراسة، وفي التشريع المصري كثير من القيود التي ترد على حق الزواج - وأما ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه بأن الزواج عذر مقبول يبرر عدم قيام المطعون عليها الأولى بعدم تنفيذ تعهدها أو عدم احترام العقد فإن ذلك القول لا يستقيم مع شروط العقد الإداري الذي قامت عليه علاقة الطرفين ولا الطابع الخاص الذي اتسمت به تلك الشروط، فلا يصح مخالفة أحد هذه الشروط ثم اعتبار هذه المخالفة سنداً أو عذراً يعفي من الالتزام وكقاعدة أساسية في الالتزامات سواء كان منشأها عقد إداري أو عقد خاص فإن الإسقاط لا يكون إلا في حالة القوة القاهرة وهي حالة تقوم بعد العقد يستحيل معها تنفيذ الالتزام، وليس للملتزم يد فيها وهو الأمر الذي يتعارض تماماً مع ما ذهبت إليه محكمة القضاء الإداري على النحو المشار إليه فكون المطعون عليها الأولى - على حد قولها - أنها لا تستطيع الجمع بين العمل وبين واجبات الحياة الزوجية مما تبرر معه إسقاط مسئوليتها إطلاقاً المبنية على العقد، فإن هذه الفعلة ليست من الأسباب القانونية المسقطة للالتزام، لأن الأمر في ذلك لا يخرج عن كونها قد فاضلت بين مصلحتين فرجحت لديها إحداهما على الأخرى، فاختارت الزواج أثناء الحظر المفروض عليها فيه وتركت العمل قبل الأجل المحدد لذلك، وليس من سبيل لإجبارها على العمل وكل ما للإدارة من حقوق قبلها هي استرداد المصروفات التي أنفقتها عليها أثناء الدراسة طبقاً للتعهد الموقعة عليه، ومن المجافاة الصريحة للقانون أن يتخذ الإنسان من عمله مبرراًً أو عذراً للإخلال بالتزاماته.
ومن حيث إنه يتضح من كل ما ذكر أن المطعون عليها الأولى وقعت التعهد السابق الإشارة إليه كما وقع المطعون عليه الثاني إقراراً بتعهده بطريق التضامن معها في دفع المصروفات المقررة عليها وذلك في جميع الأحوال الواردة في تعهدها - ومقتضى هذا التعهد أن ثمة التزاماً أصلياً من جانب المطعون عليها الأولى هو التزام بعمل محله خدمة الوزارة مدة خمس سنوات... وأنه في حالة إخلالها بهذا الالتزام أو بأحد الالتزامات الأخرى التي تضمنها تعهدها - وبمراعاة أن التنفيذ العيني قهراً غير ممكن - يترتب في ذمتها بضمانة ضامنها وكأثر احتياطي لعدم الوفاء بالتزام آخر محله رد جميع ما أنفقته عليها الحكومة في مدة دراستها بالمعهد المذكور، أي أداء مبلغ من النقود معلوم المقدار ينحصر في قيمة المصروفات المدرسية، وكان الثابت أن المطعون عليها الأولى وضامنها المطعون عليه الثاني قد تأخرا عن الوفاء بقيمة هذه المصروفات التي بلغت 80 جنيهاً على الرغم من مطالبة الحكومة لهما، فإنه يستحق على هذا المبلغ فوائد تأخيرية لصالح الحكومة بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية. ولا وجه لما أثاره المطعون عليه الثاني من اعتراضات خاصة بظروف تحرير التعهد والضمان - لا وجه لذلك لعدم قيام هذه الاعتراضات على سند من القانون، أو الواقع، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدعوى قد أخطأ الصواب فيتعين إلغاؤه والقضاء بإلزام المطعون عليهما بالتضامن بأن يدفعا للوزارة الطاعنة مبلغ ثمانين جنيهاً وفوائد هذا المبلغ بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في تاريخ 2 من يوليه سنة 1957 بالنسبة لعشرين جنيهاً ومن تاريخ 30 من يناير سنة 1958 بالنسبة لمبلغ ستين جنيهاً حتى السداد والمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام المطعون عليهما بالتضامن بأن يدفعا للوزارة الطاعنة مبلغ ثمانين جنيهاً مصرياً والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 2 من يوليه سنة 1957 بالنسبة لمبلغ عشرين جنيهاً ومن تاريخ 30 من يناير سنة 1958 بالنسبة لباقي المبلغ حتى السداد والمصروفات.