مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة - الجزء الثاني (من أول فبراير سنة 1962 إلى آخر سبتمبر سنة 1963) - صـ 1081

(101)
جلسة 21 من إبريل سنة 1963

برياسة السيد/ عبد العزيز الببلاوي نائب رئيس المجلس، وعضوية السادة: الدكتور محمود سعد الدين الشريف وعبد الفتاح نصار ومحمد مختار العزبي وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 1669 لسنة 6 القضائية

( أ ) موظف - معاش - المنازعة في المعاش الذي تم قيده - عدم جوازها متى مضت سنة من تاريخ تسليم السركي المبين فيه مقداره إلى صاحب الشأن وفقاً لنص المادة السادسة من القانون رقم 37 لسنة 1929 - أساس ذلك - اعتبار مضي هذه المدة قرينة قانونية قاطعة على صحة ربط المعاش - عمومية النص وشموله حالة الخطأ المادي والمنازعة في أصل الحق في المعاش أو مقداره.
(ب) موظف - معاش - عدم جواز المنازعة في المعاش الذي تم قيده بمضي سنة وفقاً لنص المادة السادسة من القانون رقم 37 لسنة 1929 - يجد حده الطبيعي في استقرار الربط الحاصل في المعاش بعد قيام النزاع بشأنه لأي سبب كان في النطاق الزمني الذي حدده المشرع - رفع دعوى بإلغاء قرار ترقية المحال إلى المعاش خلال هذا الميعاد يقطع سريانه - أساس ذلك - الخصومة في دعوى الإلغاء عينية تلحق القرار المطعون فيه، والحكم الصادر فيها حجة على الكافة - تعديل المعاش بعد صدور حكم الإلغاء المجرد أثر لازم لتنفيذه لقيام ربط المعاش وتحديد مقداره أساساً على عنصري المدة والمرتب - ولا مناص من إعمال النص المتقدم على الوجه السالف الذكر بعد استحداث قضاء الإلغاء منذ عام 1946.
1 - إن المادة السادسة من القانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات الملكية تقضي بأنه لا يجوز للحكومة ولا لصاحب الشأن المنازعة في أي معاش تم قيده متى مضت سنة من تاريخ تسليم السركي المبين فيه مقدار المعاش إلى صاحب الشأن وبناء على ذلك فكل دعوى يراد بها أو بواسطتها تعديل مقدار المعاش الذي تم قيده أو المكافأة التي تم صرفها لا يجوز قبولها بعد مضي الميعاد المذكور أمام أية محكمة كانت لا على الحكومة ولا على مصالحها لأي سبب كان وتحت أية حجة كانت ولا يجوز أيضاً قبول هذه الدعوى من الحكومة أو من مصالحها وورود هذا النص على النحو المشار إليه يجعل من مضي السنة على تسليم رب المعاش للسركي قرينة قانونية قاطعة على صحة ربط المعاش، وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن هذا النص من الإطلاق والشمول بحيث يدخل فيه أي منازعة في المعاش أصلاً ومقداراً وذلك حتى يستقر الوضع بالنسبة للموظف والحكومة على السواء، وأن في قصر النص على حالة الخطأ المادي تخصيصاً بغير مخصص من النص ولا من المحكمة التي استند فيها الشارع في تنظيم المعاشات وترتيبها وثبات أوضاعها فضلاً عن أن المنازعة في أصل الحق في المعاش هي منازعة في مقداره.
2 - إن إعمال نص المادة السادسة من القانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات الملكية إنما يجد حده الطبيعي في استقرار الربط الحاصل في المعاش بعد قيام النزاع بشأنه لأي سبب كان في النطاق الزمني الذي حدده المشرع وهو ما لم يتوافر للمدعي ما دام الثابت من الأوراق، أنه رقي إلى الدرجة الأولى بالقرار الصادر في 29 من إبريل سنة 1953، ثم أحيل للمعاش في 14 من فبراير سنة 1954، وتسلم سركي المعاش في أول مارس سنة 1954. وأن السيد/ محمد محمد حشيش أقام الدعوى رقم 7660 لسنة 7 القضائية بتاريخ 18 من مايو سنة 1954 طعناً على قرار الترقية المذكور طالباً الحكم بإلغائه فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى هذه الدرجة. والمستفاد من ذلك أن هذه المنازعة القضائية التي انطوت على طلب إلغاء القرار الإداري الصادر بترقية المدعي إلى الدرجة الأولى التي أحيل للمعاش عليها وقد بدأت في غضون الثلاثة أشهر التالية لتسلمه سركي المعاش هي مما يقطع سريان ميعاد السقوط المشار إليه بما ترتبه من زعزعة قرار الترقية الذي تمت الإحالة إلى المعاش على أساسه - وإذ كان من المقرر أن الخصومة في دعوى الإلغاء هي خصومة عينية تلحق القرار الإداري المطعون فيه بما لا يدع حاجة لإقامتها ضد المستفيد من القرار، كما أن الحكم الذي يصدر فيها يكون حجة على الكافة بمجرد صيرورته نهائياً فإنه متى كان الأمر كذلك بالنسبة للدعوى المرفوعة من السيد/ محمد محمد حشيش وكان مفاد حكم الإلغاء المجرد الذي صدر فيها أنه بمثابة إعدام للقرار الإداري المطعون فيه ومن ثم تعود الحالة إلى ما كانت عليه قبل صدوره وهو مما يستتبع أن تصبح ترقية السيد/ عبد المسيح دميان إلى الدرجة الأولى ملغاة من وقت حصولها وبالتالي يظل مركزه القانوني محدداً في الدرجة الثانية ما لم تتم ترقيته من جديد إلى الدرجة الأولى بأداة صحيحة لا مطعن عليها وتأسيساً على ذلك فإن تعديل معاش المدعي بعد صدور حكم الإلغاء المجرد بالوضع السابق تفصيله في معرض تحصيل الوقائع إنما هو أثر لازم لتنفيذ هذا الحكم باعتبار أن ربط المعاش وتحديد مقداره يقوم أساساً على عنصرين هما مدة الخدمة والمرتب الذي يتقاضاه الموظف. وغني عن البيان أن التزام كل من صاحب المعاش وجهة الإدارة بمقدار المعاش الذي تم ربطه في حدود ما قضت به المادة السادسة سالفة الذكر لا يصادر حق المحكمة التي تبحث موضوعاً أصلياً في دعوى الإلغاء يترتب على الفصل فيه إعادة ربط المعاش تنفيذاً للحكم الذي تصدره في شأن القرار الإداري المتعلق بالترقية إلى الدرجة التي يتم على مقتضاها استحقاق المعاش وبالتالي ربطه، وفي هذا الضوء لا يسوغ القول بانتهائية قيد المعاش بانقضاء سنة على تسليم السركي الخاص بهما ما دام أن مركز الموظف لم يستقر بصورة نهائية يدور معها استحقاقه المعاش على أساس درجة لا يزال النزاع قائماً في شأنها من الغير. يؤيد ذلك أنه من المقرر أن للجهة الإدارية سلطة سحب القرارات الإدارية طالما أن ميعاد الطعن فيها لا يزال قائماً ويتفرع على ذلك أن الحكومة كانت في خلال نظر دعوى الإلغاء المقامة من السيد/ محمد محمد حشيش تستطيع أن تسحب قرار الترقية المطعون فيه إذا تكشفت لها قبل الحكم في الدعوى الشائبة التي تعلق به مما يترتب عليه وقف سريانه أثر سركي المعاش، فإذا كانت الحكومة قد فضلت الانتظار حتى يقول القضاء كلمته في الدعوى فليس ذلك مما يعزز القرار المطعون فيه ولا ما يعزز ربط المعاش الذي قامت المنازعة في شأنه وفي شأن الأساس الذي قام عليه في خلال سنة من تاريخ تسليم السركي والمسألة تصبح واضحة مستقيمة بإجراء المقارنة مع الصورة العكسية كما لو كان الموظف قد أحيل إلى المعاش على درجة معينة وكانت له منازعة إدارية مع الحكومة قبل الإحالة إلى المعاش ثم قضى بأحقيته للترقية إلى درجة أعلى وكان الحكم قد صدر بعد مضي أكثر من سنة من تاريخ تسليمه سركي المعاش، ومع ذلك لا يفوت المحكمة أن تنوه إلى أن المشرع عندما وضع المادة 6 من القانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات المدنية لم تكن تدور في ذهنه هذه الصورة وذلك لأن قضاء الإلغاء لم يكن قد استحدث بعد، أما وقد استحدث هذا القضاء منذ عام 1964 وكان هناك محال لإعمال القانون رقم 37 لسنة 1929 فلا مناص من إعمال النصوص على النسق السابق بيانه.


إجراءات الطعن

بتاريخ 8/ 6/ 1960، بعد انتهاء إجازة عيد الأضحى، أودع السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (هيئة التسويات) بجلسة 4/ 4/ 1960 في الدعوى رقم 941 لسنة 13 القضائية المرفوعة من السيد/ عبد المسيح دميان ضد وزارة الخزانة القاضي "باستحقاق المدعي لمعاشه الشهري الذي ربط له وقدره 46 جنيه و611 مليم وعدم الاعتداد بالتعديل الذي أدخل عليه وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة بالمصروفات" وطلبت إدارة قضايا الحكومة للأسباب المبينة بصحيفة الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات وأتعاب المحاماة عن الدرجتين. وقد أعلن الطعن إلى المدعي في 21/ 6/ 1961 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 4/ 2/ 1962 وأخطرت الحكومة والمدعي في 9/ 1/ 1962، بميعاد هذه الجلسة ثم أحيلت الدعوى إلى المحكمة الإدارية العليا وحدد لنظرها جلسة 16 من ديسمبر سنة 1962 وفيها سمعت ملاحظات ذوي الشأن على الوجه الموضح تفصيلاً بالمحضر وقررت إصدار الحكم بجلسة 17 من فبراير سنة 1963، وكلفت الحكومة بإيداع ملف خدمة السيد/ محمد محمد حشيش والمستندات المشار إليها بمحضر الجلسة ثم أرجئ النطق به إلى جلسة اليوم لضم المستندات المطلوبة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من أوراق الطعن في أن المدعي أقام دعواه طالباً الحكم بعدم الاعتداد بتعديل معاشه الشهري من 46 جنيه و611 مليم إلى 37 جنيه و216 مليم وما يترتب على ذلك من آثار ورد الفروق إلى حين تنفيذ الحكم. وقال في بيان ذلك إنه كان موظفاً بوزارة الحربية في الدرجة الثانية بالكادر الإداري وكان السيد/ محمد محمد حشيش موظفاً في الإدارة ذاتها في الدرجة عينها إلا أنه نقل في 19/ 1/ 1953 إلى وزارة التربية والتعليم وفي 29/ 4/ 1953 رقي المدعي إلى الدرجة الأولى ثم أحيل إلى المعاش في 14/ 2/ 1954 وسوى معاشه على أساس مرتبه فيها فبلغ 47 جنيهاً و622 مليماً شهرياً وتسلم سركي المعاش في 21/ 2/ 1954، وفي هذه الأثناء كان السيد/ محمد محمد حشيش قد أقام الدعوى رقم 7660 لسنة 7 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري طالباً إلغاء القرار الصادر من الوزارة بنقله، وأحقيته للدرجة الأولى التي رقي إليها المدعي اعتباراً من 29/ 4/ 1953 وتاريخ قرار الترقية مع ما يترتب على ذلك من آثار، وأثناء سير الدعوى انقطعت صلة السيد/ حشيش بالخدمة لقبول استقالته ومعاملته بقرار مجلس الوزراء الصادر في 4/ 11/ 1953 وربط معاشه في الدرجة الثانية على هذا الأساس، ثم صدر الحكم في 12/ 1/ 1956 قاضياً بإلغاء قرار وزير الحربية والبحرية الصادر في 19/ 1/ 1953 بنقل السيد/ حشيش لعدم سابقة عرض الأمر على لجنة شئون الموظفين وإلغاء القرار الصادر في 29/ 4/ 1953 بترقية المدعي إلى الدرجة الأولى إلغاء مجرداً لأن الوزارة لم تعقد عند الترقية مقارنة بين المدعي والسيد/ حشيش على أساس أن الأخير قد نقل إلى وزارة التربية والتعليم وبعد صدور هذا الحكم كتبت وزارة الخزانة إلى الإدارة العامة للمعاشات بقطع المعاش السابق ربطه للمدعي من تاريخ ترتيبه له في 14/ 2/ 1954 وإجراء تسوية جديدة لمعاشه على أساس أنه أحيل إلى المعاش بالدرجة الثانية فنفذت إدارة المعاشات ذلك ابتداء من إبريل سنة 1959، وأضاف المدعي أن تعديل المعاش على هذه الصورة مخالفة للقانون، ذلك أن المادة السادسة من قانون المعاشات رقم 37 لسنة 1929 تنص على أنه لا يجوز للحكومة ولا لصاحب الشأن المنازعة في أي معاش تم قيده متى مضت ستة شهور من تاريخ تسليم السركي المبين به مقدار المعاش إلى صاحب الشأن، ومفاد هذا النص أنه بعد انقضاء هذا الميعاد تصبح التسوية التي تم على أساسها ربط المعاش نهائية لا تقبل تعديلاً لأي سبب ولو كان مخالفة القانون أو الخطأ في فهم الواقع ذلك أن العلة التي ابتغاها الشارع من النص سالف الذكر هي استقرار الحقوق ولا يصبح عذراً للحكومة في مخالفة النص التعلل بأن قرار ترقية المدعي إلى الدرجة الأولى كان عند تسوية معاشه محل طعن بالإلغاء في الدعوى رقم 7660 لسنة 7 القضائية وأن الحكم بإلغائه لم يصدر إلا بعد فوات الميعاد المقرر لصيرورة التسوية نهائية استناداً لسببين أولهما أن النص على حظر المنازعة في المعاش على الحكومة وصاحب الشأن جاء مطلقاً لا يقبل أي استثناء والثاني أن الحكومة لم تحتط لنتيجة الدعوى بالمنازعة في الميعاد وتعليق الفصل فيها على الحكم في الدعوى، وليس لها أن تحمل المدعي نتيجة تقصيرها.
وأجابت الجهة الإدارية على الدعوى بأن المدعي أحيل إلى المعاش اعتباراً من 14/ 2/ 1954 لبلوغه السن القانونية واستحق معاشاً شهرياً قدره 57 جنيهاً و622 مليماً على أساس مرتب الدرجة الأولى التي قد رقي إليها واستلم سركي معاشه في 1/ 3/ 1954 ثم صدر حكم محكمة القضاء الإداري في 12/ 1/ 1956 - الذي قضى بإلغاء قرار وزير الحربية الصادر في 9/ 1/ 1953 بنقل السيد/ محمد حشيش إلى وزارة التربية والتعليم وما يترتب على ذلك من آثار وبإلغاء قرار وزير الحربية الصادر في 29/ 4/ 1953 بترقية المدعي إلى الدرجة الأولى إلغاء مجرداً. وقد عرض أمر تنفيذ هذا الحكم وأثره على معاش المدعي على إدارة الفتوى والتشريع بوزارة الخزانة فأفتت بأن المقصود من عدم جواز المنازعة بعد مضي السنة المنصوص عليها في المادة السادسة من قانون المعاشات رقم 37 لسنة 1929 على تاريخ تسلم سركي المعاش هو استقرار الحقوق، إلا أنه يجوز قبول المنازعة بعد مضي الميعاد المنصوص عليه إذا نشأت واقعة أو صدر قانون لاحق من شأنه تعديل المعاش، ذلك أن استقرار الحقوق إنما يجد حده الطبيعي في القاعدة القانونية أو الحكم القانوني الذي كان قائماً وقت ربط المعاش وفيما عدا ذلك فلا يكون ثمة مقتضى للاحتجاج بمضي الميعاد المنصوص عليه، ومتى كان الأمر كذلك وكان قد صدر حكم محكمة القضاء الإداري في 12/ 1/ 1956 بإلغاء قرار وزير الحربية الصادر في 29/ 4/ 1953 بترقية المدعي إلى الدرجة الأولى إلغاء مجرداً وتطبيقاً لهذا الحكم الذي تعتبر حجيته على الكافة ومنهم وزارتي الحربية والخزانة والمطعون ضده يتعين تنفيذ ما قضى به ويعتبر قرار ترقية المدعي إلى الدرجة الأولى كأن لم يكن من قبل، كما تزول معه جميع الآثار المترتبة عليه ومنها أثر هذه الترقية في المعاش. ولا وجه للتحدي في هذا الخصوص بحكم المادة السادسة سالفة الذكر فالحكم قد صدر بعد إحالة المدعي إلى المعاش ولم يكن في مقدور جهة الإدارة أن تتبين مركزه القانوني الصحيح الذي يربط على أساسه المعاش المستحق له إلا بعد صدور هذا الحكم خاصة وأن عدم قبول الدعوى بعد انقضاء المدة المحددة بالمادة السادسة لا يتحقق مفاده إلا إذا ما شاب تقدير المعاش خطأ مادي أما إذا كانت المنازعة تتصل بعنصر من عناصر تقدير المعاش فإنها تخرج من نطاق النص.
وبجلسة 4 من إبريل سنة 1960 قضت المحكمة باستحقاق المدعي لمعاشه الشهري الذي ربط له وقدره 46 جنيهاً و611 مليماً - وعدم الاعتداد بالتعديل الذي أدخل عليه وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة بالمصروفات وأقامت المحكمة قضاءها على أن نص المادة السادسة المعدلة من قانون المعاشات رقم 37 لسنة 1929 يجري على أنه لا يجوز للحكومة ولا لصاحب الشأن المنازعة في أي معاش تم قيده متى مضت سنة من تاريخ تسليم السركي المبين به المعاش إلى صاحب الشأن وعلى ذلك فكل دعوى يراد بها أو بواسطتها تعديل مقدار المعاش الذي تم قيده لا يجوز قبولها بعد مضي الميعاد المذكور أمام أية محكمة كانت لا على الحكومة ولا على مصالحها لأي سبب كان وتحت أي حجة كانت ولا يجوز أيضاً قبول هذه الدعوى من الحكومة أو مصالحها. وأن نص المادة السادسة المشار إليه من الإطلاق والشمول بحيث يدخل فيه أي منازعة في المعاش أصلاً ومقداراً وذلك حتى يستقر الوضع بالنسبة للموظف والحكومة على السواء ويكون قصر النص على حالة الخطأ المادي حسبما تدعي الوزارة يكون تخصيصاً بغير مخصص من النص ولا من الحكمة التي استهدفها الشارع في تنظيم المعاشات وترتيبها وثبات أوضاعها وفضلاً عن ذلك فإن المنازعة في أصل المعاش هي منازعة في مقداره فالحكم واحد في الحالتين.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن السبب الذي من أجله قامت جهة الإدارة بتعديل أساس ربط المعاش المستحق للمدعي هو صدور حكم في القضية رقم 7660 لسنة 7 القضائية بإلغاء ترقية المدعي إلى الدرجة الأولى إلغاء مجرداً، وتنفيذ هذا الحكم يقتضي رجوع المدعي إلى مركزه السابق على قرار الترقية الملغى. وبداهة أن المنازعة في قرار الترقية تتناول كل الآثار المترتبة على القرار فهي تدور معه وجوداً وعدماً ولا شك أن وجود المدعي على درجة معينة واستحقاقه لمرتب هذه الدرجة يؤثر في ربط معاشه ومجال إعمال نص المادة 6 من القانون رقم 37 لسنة 1929 رهن كما هو ظاهر من عبارته ومن الحكمة التي اقتضت إيراده باستقرار المركز القانوني بالنسبة لأولي الشأن بعد مضي سنة من تاريخ تسليم السركي الخاص بالمعاش ومركز المدعي بالنسبة للدرجة الأولى التي رقي إليها قبل إحالته إلى المعاش كان مزعزعاً غير مستقر حيث قامت المنازعة في شأنها برفع الدعوى رقم 7660 لسنة 7 القضائية سالفة الذكر تلك المنازعة التي ابتدأت قبل مضي الميعاد المنصوص عليه في المادة السادسة المشار إليها وصدور الحكم فيها بإلغاء هذه الترقية يؤثر حتماً وبالضرورة في قيمة المعاش لأن أثر الحكم يرجع إلى تاريخ رفع الدعوى إعمالاً لقاعدة رجعية الأحكام، ومن ثم تكون الإدارة في حل من أن تعاود من جديد ربط المعاش غير مقيدة بنص المادة السادسة لأن الإجراءات التي قامت بها أصبحت ملغاة ضمناً بصدور هذا الحكم.
ومن حيث إن المادة السادسة من القانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات الملكية تقضي بأنه لا يجوز للحكومة ولا لصاحب الشأن المنازعة في أي معاش تم قيده متى مضت سنة من تاريخ تسليم السركي المبين فيه مقدار المعاش إلى صاحب الشأن، وبناء على ذلك فكل دعوى يراد بها أو بواسطتها تعديل مقدار المعاش الذي تم قيده أو المكافأة التي تم صرفها لا يجوز قبولها بعد مضي الميعاد المذكور أمام أية محكمة كانت لا على الحكومة ولا على مصالحها لأي سبب كان، وتحت أية حجة كانت، ولا يجوز أيضاً قبول هذه الدعوى من الحكومة أو من مصالحها، وورود هذا النص على النحو المشار إليه يجعل من مضي السنة على تسليم رب المعاش للسركي قرينة قانونية قاطعة على صحة ربط المعاش، وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت أن هذا النص من الإطلاق والشمول بحيث يدخل فيه أي منازعة في المعاش أصلاً ومقداراً، وذلك حتى يستقر الوضع بالنسبة للموظف والحكومة على السواء وأن في قصر النص على حالة الخطأ المادي تخصيصاً بغير مخصص من النص ولا من الحكمة التي استهدفها الشارع في تنظيم المعاشات وترتيبها وثبات أوضاعها، فضلاً عن أن المنازعة في أصل الحق في المعاش هي منازعة في مقداره.
ومن حيث إن إعمال نص المادة السادسة من القانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات الملكية إنما يجد حده الطبيعي في استقرار الربط الحاصل في المعاش بعدم قيام النزاع بشأنه لأي سبب كان في النطاق الزمني الذي حدده المشرع، وهو ما لم يتوافر للمدعي ما دام الثابت من الأوراق أنه رقي إلى الدرجة الأولى بالقرار الصادر في 29 من إبريل سنة 1953 ثم أحيل للمعاش في 14 من فبراير سنة 1954 وتسلم سركي المعاش في أول مارس سنة 1954 وأن السيد/ محمد محمد حشيش أقام الدعوى رقم 7660 لسنة 7 القضائية بتاريخ 18 من مايو سنة 1954 طعناً على قرار الترقية المذكور طالباً الحكم بإلغائه فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى هذه الدرجة. والمستفاد من ذلك أن هذه المنازعة القضائية التي انطوت على طلب إلغاء القرار الإداري الصادر بترقية المدعي إلى الدرجة الأولى التي أحيل للمعاش عليها وقد بدأت في غضون الثلاثة أشهر التالية لتسلمه سركي المعاش هي مما يقطع سريان ميعاد السقوط المشار إليه بما ترتبه من زعزعة قرار الترقية الذي تمت الإحالة إلى المعاش على أساسه - وإذ كان من المقرر أن الخصومة في دعوى الإلغاء هي خصومة عينية تلحق القرار الإداري المطعون فيه بما لا يدع حاجة لإقامتها ضد المستفيد من القرار، كما أن الحكم الذي يصدر فيها يكون حجة على الكافة بمجرد صيرورته نهائياً فإنه متى كان الأمر كذلك بالنسبة للدعوى المرفوعة من السيد/ محمد محمد حشيش، وكان مفاد حكم الإلغاء المجرد الذي صدر فيها أنه بمثابة إعدام للقرار الإداري المطعون فيه، ومن ثم تعود الحالة إلى ما كانت عليه قبل صدوره وهو مما يستتبع أن تصبح ترقية السيد/ عبد المسيح دميان إلى الدرجة الأولى ملغاة من وقت حصولها وبالتالي يظل مركزه القانوني محدداً في الدرجة الثانية ما لم تتم ترقيته من جديد إلى الدرجة الأولى بأداة صحيحة لا مطعن عليها. وتأسيساً على ذلك فإن تعديل معاش المدعي بعد صدور حكم الإلغاء المجرد بالوضع السابق تفصيله في معرض تحصيل الوقائع إنما هو أثر لازم لتنفيذ هذا الحكم باعتبار أن ربط المعاش وتحديد مقداره يقوم أساساً على عنصرين هما مدة الخدمة والمرتب الذي يتقاضاه الموظف. وغني عن البيان أن التزام كل من صاحب المعاش وجهة الإدارة بمقدار المعاش الذي تم ربطه في حدود ما قضت به المادة السادسة سالفة الذكر لا يصادر حق المحكمة التي تبحث موضوعاً أصلياً في دعوى الإلغاء يترتب على الفصل فيه إعادة ربط المعاش تنفيذاً للحكم الذي تصدره في شأن القرار الإداري المتعلق بالترقية إلى الدرجة التي يتم على مقتضاها استحقاق المعاش وبالتالي ربطه. وفي هذا الضوء لا يسوغ القول بانتهائية قيد المعاش بانقضاء سنة على تسليم السركي الخاص به ما دام أن مركز الموظف لم يستقر بصورة نهائية يدور معها استحقاقه المعاش على أساس درجة لا يزال النزاع قائماً على شأنها من الغير، يؤيد ذلك أنه من المقرر أن للجهة الإدارية سلطة سحب القرارات الإدارية طالما أن ميعاد الطعن فيها لا يزال قائماً ويتفرع على ذلك أن الحكومة كانت في خلال نظر دعوى الإلغاء المقامة من السيد/ محمد محمد حشيش تستطيع أن تسحب قرار الترقية المطعون فيه إذا تكشفت لها قبل الحكم في الدعوى الشائبة التي تعلق به مما يترتب عليه وقف سريان أثر سركي المعاش، فإذا كانت الحكومة قد فضلت الانتظار حتى يقول القضاء كلمته في الدعوى فليس ذلك مما يعزز القرار المطعون فيه ولا ما يعزز ربط المعاش الذي قامت المنازعة في شأنه وفي شأن الأساس الذي قام عليه في خلال سنة من تاريخ تسليم السركي والمسألة تصبح واضحة مستقيمة بإجراء المقارنة مع الصورة العكسية كما لو كان الموظف قد أحيل إلى المعاش على درجة معينة وكانت له منازعة إدارية مع الحكومة قبل الإحالة إلى المعاش ثم قضى بأحقيته للترقية إلى درجة أعلى وكان الحكم قد صدر بعد مضي أكثر من سنة من تاريخ تسليمه سركي المعاش ومع ذلك لا يفوت المحكمة أن تنوه إلى أن المشرع عندما وضع المادة 6 من القانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات المدنية لم تكن تدور في ذهنه هذه الصورة وذلك لأن قضاء الإلغاء لم يكن قد استحدث بعد...... أما وقد استحدث هذا القضاء منذ عام 1964 وكان هناك مجال لإعمال القانون رقم 37 لسنة 1929، فلا مناص من إعمال النصوص على النسق السابق بيانه.
ومن حيث إنه ترتيباً على ما تقدم لا يكون هناك ثمة وجه في خصوص هذه الدعوى لما يثيره المدعي عن موضوع تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى رقم 7660 لسنة 7 القضائية بالنسبة لما أشار إليه الحكم في أسبابه من أن تجري الوزارة الاختيار في الترقية إلى الدرجة الأولى محل القرار المطعون فيه وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة، طالما أن الوزارة تترخص في إجراء هذا الاختيار من جديد وفق مقتضياته وملابساته وعلى سند من ضوابطه، والظاهر من أوراق الدعوى أنه قد استغلق على الجهة الإدارية إجراؤه سواء بالنسبة للسيد/ محمد محمد حشيش الذي أحيل للمعاش بالاستقالة فانقطعت علاقته الوظيفية قبل صدور الحكم بإرادته على درجة معينة مع ضم سنتين إلى مدة خدمته أو بالنسبة للسيد/ عبد المسيح دميان الذي أحيل للمعاش أيضاً في تاريخ سابق على رفع تلك الدعوى، وهذا الذي انتهى إليه أمر كل من السيد/ حشيش المدعي في دعوى الإلغاء الخاصة بقرار الترقية والسيد/ عبد المسيح المدعي في الدعوى الحالية لا يغير شيئاً من الحقيقة الواقعة في أن مركزهما القانوني في صدد الإحالة إلى المعاش قد تحدد بصفة نهائية في الدرجة الثانية.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه ذهب غير المذهب المتقدم على غير أساس سليم من الواقع أو القانون فإنه يكون قد أخطأ في تأويل القانون وفي تطبيقه ويتعين لذلك إلغاؤه ورفض الدعوى مع إلزام رافعها بالمصروفات..

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع، بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.