مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة - الجزء الثاني (من أول فبراير سنة 1962 إلى آخر سبتمبر سنة 1963) - صـ 1101

(103)
جلسة 27 من إبريل سنة 1963

برياسة السيد/ الإمام الإمام الخريبي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة: مصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 834 لسنة 7 القضائية

عقد إداري - تأمين نهائي - نص العقد على مصادرته في حالة إلغاء العقد - تفرقة العقد بين حالتي الإلغاء بسبب التقصير في دفع التأمين النهائي في الميعاد والإلغاء بسبب الإخلال بشروط العقد - نصه على مصادرة ما دفع فقط من التأمين في الحالة الأولى وحق الإدارة في مصادرة ما دفع والمطالبة بما لم يدفع في الحالة الثانية - ثبوت أن الإلغاء كان بسبب العجز عن التوريد يخول للإدارة مصادرة ما دفع والمطالبة بما لم يدفع من التأمين النهائي - تكييف التأمين النهائي في هذه الحالة بأنه شرط جزائي.
إذا كان البند العاشر من شروط العطاء الموقع عليها من المدعى عليه ينص على أن "يدفع من يقبل عطاؤه عند الطلب تأميناً نهائياً قدره 10% من قيمة العقد وذلك في خلال ثلاثة أيام من استلام أمر التوريد كضمان للتوريد بكيفية ترضي المصلحة من جميع الوجوه. وإذا قصر من قبل عطاؤه في دفع التأمين النهائي بالكامل في خلال المدة المذكورة فللمصلحة الحق في أن تلغي قبول عطائه بخطاب موصى عليه ويصادر التأمين المؤقت إن وجد وإلا فترجع عليه بما يوازي قيمته طبقاً للبند السابع كما تصادر ما دفع من التأمين النهائي. وفي حالة الإخلال بالشرط فللمصلحة الحق بدون سابق إخطار أو إجراءات قانونية أو أي إيضاح في إلغاء العقد ومصادرة التأمين النهائي وذلك بخطاب موصى عليه يرسل للمورد في العنوان المبين بظهره. أما إذا لم يكن التأمين النهائي قد أودع فللمصلحة الحق في مطالبة المورد بقيمته. وفي كافة الأحوال التي يحق للمصلحة فيها توقيع غرامة أو مصادرة التأمين (سواء المؤقت أو النهائي) أو المطالبة بأحدهما لا تلزم المصلحة بإثبات حصول ضرر لها".
فإنه يتضح من هذا النص أنه فيما يتعلق بمصادرة التأمين النهائي يعالج حالتين بيد أنه لم يميز بينهما بما إذا كان المورد قد بدأ التنفيذ فعلاً أو لم يبدأه كما ذهب الحكم المطعون فيه - وإنما ميز بينهما بالسبب الذي ألغي العقد من أجله. ففي حالة إلغاء العقد بسبب التقصير في دفع التأمين النهائي بالكامل في خلال المدة المحددة لدفعه. يصادر التأمين النهائي فإذا لم يكن قد أودع فللمصلحة الحق في المطالبة بقيمته. أي أن للمصلحة في هذه الحالة الحق في التأمين النهائي بالكامل، تستولي عليه دون اتخاذ إجراءات قضائية إذا كان تحت يدها وتطالب به ودياً أو قضائياً حتى تحصل عليه إذا لم يكن قد أودع إطلاقاً. ومن باب أولى تطالب بما تبقى منه إذا كان قد أودع جزء منه. والواقع أن التكييف القانوني للتأمين النهائي في هذه الحالة هو أنه شرط جزائي يحدد مقدماً باتفاق الطرفين قيمة التعويض عن الإخلال بشروط التعاقد بيد أنه يختلف عن التعويض الاتفاقي المنصوص عليه في القانون المدني في أن الإدارة توقعه بنفسها دون انتظار لحكم القضاء إذا كان مبلغ التأمين قد دفع مقدماً. كما يختلف عنه في أن الإدارة ليست ملزمة بإثبات أن ضرراً ما قد لحقها من جراء الإخلال بشروط التعاقد. على أن هذا الاختلاف لا يقدح في المجال الإداري - في مشروعية استحقاق الإدارة للتأمين لأن الملحوظ في العقود الإدارية أنها قبل أي اعتبار آخر تتوخى تأمين سير المرافق العامة.
فإذا كان يبين بوضوح من مطالعة العقد أن الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية إذ أخطرت المدعى عليه بإلغاء العقد (ص 21 ملف العقد) لم يكن هذا الإلغاء بسبب القصير في دفع التأمين النهائي بالكامل حتى يسوغ الاكتفاء بمصادرة ما دفع فقط من التأمين النهائي وإنما كان هذا الإلغاء بسبب العجز عن التوريد وهو أسوأ صورة للإخلال بشروط التعاقد. ومن ثم يقع فيما يتعلق بمصادرة التأمين النهائي تحت طائلة حكم الإلغاء بسبب الإخلال بشروط التعاقد المنصوص عليها في البند العاشر سالف الذكر. فتستحق الهيئة لما تقدم قيمة التأمين النهائي بأكمله وتكون على حق في مطالبتها المدعى عليه بما لم يدفعه مقدماً من هذا التأمين.


إجراءات الطعن

في 15 من فبراير سنة 1961 أودعت إدارة قضايا الحكومة سكرتيرية هذه المحكمة بالنيابة عن السيد/ مدير هيئة السكك الحديدية تقرير طعن في الحكم الصادر بجلسة 18 من ديسمبر سنة 1960 من محكمة القضاء الإداري (دائرة العقود الإدارية وطلبات التعويض) في الدعوى رقم 722 لسنة 14 القضائية المقامة من الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية ضد السيد/ عبد العزيز حسن محمد بدوي والقاضي برفض الدعوى وإلزام الهيئة المدعية المصروفات، وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن "الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه بكامل أجزائه وإلزام المطعون ضده بأن يدفع للهيئة الطاعنة مبلغ 2 جنيهان و950 مليماً والفوائد القانونية من تاريخ المطالبة الرسمية حتى الوفاء والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون عليه في 21 من فبراير سنة 1961 وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 9 من مارس سنة 1963 وأبلغ الطرفان في 24 من يناير سنة 1963 بميعاد هذه الجلسة وفيها قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة العليا. وحدد لنظره أمامها جلسة 13 من إبريل سنة 1963 وأبلغ الطرفان في 12 من مارس سنة 1963 بميعاد هذه الجلسة. وفيها قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم لجلسة اليوم وفيها صدر الحكم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع إيضاحات ذوي الشأن وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية أقامت الدعوى رقم 722 لسنة 14 القضائية ضد السيد/ عبد العزيز حسن محمد بدوي بصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري بتاريخ 10 من فبراير سنة 1960 وقالت بياناً للدعوى إنها أشهرت عن المناقصة المحلية رقم 1906/ 55 ل بتاريخ 6 من يونيه سنة 1955 لتوريد 4000 كيلو صودا كوستك لغسيل الخشب والمعادن وبتاريخ 16 من أكتوبر سنة 1955 رست المناقصة على المدعى عليه بسعر الكيلو 57 مليماً وبسعر إجمالي قدره 228 جنيهاً، فأبرمت الهيئة معه العقد رقم 161/ 725 وحددت للتوريد مدة أربعين يوماً وقام المدعى عليه بدفع مبلغ 20 جنيهاً من قيمة التأمين النهائي. ولكن المدعى عليه عجز عن توريد الأصناف المتعاقد عليها. فقررت الهيئة إنهاء التعاقد ومصادرة التأمين النهائي تطبيقاً لنص البند العاشر من شروط التعاقد. ولما كان التأمين النهائي الواجب دفعه بنسبة 10% من قيمة العقد وقدره 21 جنيهاً و800 مليم على حين لم يدفع المدعى عليه سوى مبلغ 20 جنيهاً. فإن المستحق عليه هو مبلغ جنيهين و800 مليم يضاف إليه مبلغ 150 مليماً قيمة رسم التمغة المستحق على العقد طبقاً لحكم البند 14 من شروط التعاقد. وانتهت الهيئة إلى طلب الحكم بإلزام المدعى عليه بدفع مبلغ جنيهين و95 مليماً والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ هذه المطالبة الرسمية حتى السداد مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وبجلسة 18 من ديسمبر سنة 1960 قضت محكمة القضاء الإداري برفض الدعوى وإلزام الهيئة المدعية المصروفات. وأقامت حكمها على أنه يستفاد من نص البند العاشر من شروط العطاء أن مصادرة التأمين النهائي لا تكون إلا عند الإخلال بشروط تنفيذ العقد بعد إبرامه واستكمال دفع التأمين النهائي وبدء التنفيذ فعلاً. ولما كان المدعى عليه لم يقم بتنفيذ عقد التوريد فإن حق الهيئة المدعية في هذه الحالة لا يجاوز مصادرة التأمين المؤقت إن وجد وما دفع من التأمين النهائي دون أن يكون لها الحق في طلب استكماله. أما عن رسم الدمغة فإن الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية ليست الجهة المنوط بها تحصيل هذا الرسم قضائياً مما يتعين معه رفض هذا الطلب بحالته.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الهيئة الطاعنة قد اضطرت إلى إلغاء العقد ومصادرة التأمين نظراً لتقاعس المطعون ضده عن تنفيذ ما التزم به. واستندت في ذلك إلى نص الفقرة الثانية من البند العاشر من شروط التعاقد. ولذلك يكون من حقها طبقاً للفقرة المذكورة مطالبة المطعون ضده بما تبقى في ذمته من التأمين النهائي. أما عن رسم الدمغة فإن الجهات الإدارية قد جرت، على تحصيل هذا الرسم وتسويته لحساب مصلحة الضرائب. وتستند في ذلك إلى نص المادة العاشرة من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 224 لسنة 1951.
ومن حيث إن البند العاشر من شروط العطاء الموقع عليها من المدعى عليه ينص على أن: "يدفع من يقبل عطاؤه عند الطلب تأميناً نهائياً قدره 10% من قيمة العقد وذلك في خلال ثلاثة أيام من استلام أمر التوريد كضمان للتوريد بكيفية ترضي المصلحة من جميع الوجوه. وإذا قصر من قبل عطاؤه في دفع التأمين النهائي بالكامل في خلال المدة المذكورة فللمصلحة الحق في أن تلغي قبول عطائه بخطاب موصى عليه وتصادر التأمين المؤقت إن وجد وإلا فترجع عليه بما يوازي قيمته طبقاً للبند السابع كما تصادر ما دفع من التأمين النهائي. وفي حالة الإخلال بالشروط فللمصلحة الحق بدون سابق إخطار أو إجراءات قانونية أو أي إيضاح في إلغاء العقد ومصادرة التأمين النهائي وذلك بخطاب موصى عليه يرسل للمورد في العنوان المبين بظهره. أما إذا لم يكن التأمين النهائي قد أودع فللمصلحة الحق في مطالبة المورد بقيمته. وفي كافة الأحوال التي يحق للمصلحة فيها توقيع غرامة أو مصادرة التأمين (سواء المؤقت أو النهائي) أو المطالبة بأحدهما لا تلزم المصلحة بإثبات حصول ضرر لها".
ومن حيث إن الواضح من النص سالف البيان أنه فيما يتعلق بمصادرة التأمين النهائي يعالج حالتين، بيد أنه لم يميز بينهما بما إذا كان المورد قد بدأ التنفيذ فعلاً أو لم يبدأه - كما ذهب الحكم المطعون فيه - وإنما ميز بينهما بالسبب الذي ألغي العقد من أجله. ففي حالة إلغاء العقد بسبب التقصير في دفع التأمين النهائي بالكامل في خلال المدة المحددة لدفعه. يصادر ما دفع فقط من التأمين النهائي. وفي حالة إلغاء العقد بسبب الإخلال بشروط التعاقد يصادر التأمين النهائي فإذا لم يكن قد أودع فللمصلحة الحق في المطالبة بقيمته. أي أن للمصلحة في هذه الحالة الحق في التأمين النهائي بالكامل، تستولي عليه دون اتخاذ إجراءات قضائية إذا كان تحت يدها، وتطالب به ودياً أو قضائياً حتى تحصل عليه، إذا لم يكن قد أودع إطلاقاً. ومن باب أولى تطالب بما تبقى منه إذا كان قد أودع جزء منه. والواقع أن التكييف القانوني للتأمين النهائي في هذه الحالة هو أنه شرط جزائي يحدد مقدماً باتفاق الطرفين قيمة التعويض عن الإخلال بشروط التعاقد بيد أنه يختلف عن التعويض الاتفاقي المنصوص عنه في القانون المدني. في أن الإدارة توقعه بنفسها دون انتظار لحكم القضاء إذا كان مبلغ التأمين قد دفع مقدماً. كما يختلف عنه في أن الإدارة ليست ملزمة بإثبات أن ضرراً ما قد لحقها من جراء الإخلال بشروط التعاقد. على أن هذا الاختلاف لا يقدح - في المجال الإداري - في مشروعية استحقاق الإدارة للتأمين لأن الملحوظ في العقود الإدارية أنها قبل أي اعتبار آخر تتوخى تأمين سير المرافق العامة.
ومن حيث إنه يتعين بوضوح من مطالعة العقد أن الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية إذ أخطرت المدعى عليه بإلغاء العقد (ص 21 ملف العقد) لم يكن هذا الإلغاء بسبب التقصير في دفع التأمين النهائي بالكامل حتى يسوغ الاكتفاء بمصادرة ما دفع فقط من التأمين النهائي وإنما كان هذا الإلغاء بسب العجز عن التوريد وهو أسوأ صورة للإخلال بشروط التعاقد. ومن ثم يقع فيما يتعلق بمصادرة التأمين النهائي تحت طائلة حكم الإلغاء بسبب الإخلال بشروط التعاقد المنصوص عليه في البند العاشر سالف الذكر. فتستحق الهيئة لما تقدم التأمين النهائي بأكمله وتكون على حق في مطالبتها المدعى عليه بما لم يدفعه مقدماً من هذا التأمين.
ومن حيث إنه عن رسم الدمغة المستحق على العقد طبقاً للبند 14 من شروط العطاء - فإن صفة الهيئة المدعية في المطالبة به ثابتة من نص الفقرة الأخيرة من المادة العاشرة من القرار رقم 45 لسنة 1952 باللائحة التنفيذية للقانون رقم 224 لسنة 1951 بتقرير رسم دمغة وهي الفقرة التي أضيفت بقرار وزير المالية والاقتصاد الصادر في 9 من سبتمبر سنة 1953 رقم 125 لسنة 1953 ونصها الآتي: "يجوز أن تحصل المصالح الحكومية والهيئات المشبهة بها كالمجالس البلدية والقروية هذا الرسم نقداً وتؤديه إلى مصلحة الضرائب بطريق الإضافة إلى الحساب الجاري".
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدعوى قد خالفت القانون، ويتعين لذلك القضاء بإلغائه والقضاء بإلزام المدعى عليه بأن يدفع للهيئة المدعية مبلغ 2 ج و950 مليماً والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 10 من فبراير سنة 1960 حتى تمام الوفاء والمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه، بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام المدعى عليه بأن يدفع للهيئة المدعية مبلغ 2 جنيه و950 مليماً (مائتي قرش وتسعمائة وخمسين مليماً والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 10 من فبراير سنة 1960 حتى تمام الوفاء والمصروفات.