مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة - الجزء الثاني (من أول فبراير سنة 1962 إلى آخر سبتمبر سنة 1963) - صـ 1112

(105)
جلسة 28 من إبريل سنة 1963

برياسة السيد عبد العزيز الببلاوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة: الدكتور محمود سعد الدين الشريف وعبد الفتاح نصار وعزت عبد المحسن وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 2226 لسنة 6 القضائية

( أ ) الجامع الأزهر - ميزانيته في السنة المالية 1957/ 1958 - تضمن الإدارات الواردة تحت الإدارة العامة وظائف متدرجة تدرجاً هرمياً من شأنه الإفصاح عن استقلال هذه الإدارات - أثر ذلك - عدم جواز مزاحمة أحد موظفي إحداها موظفاً آخر في إدارة أخرى عند خلو إحدى درجاتها أو رفعها - مثال بالنسبة لاستقلال إدارة المراقبين عن غيرها من هذه الإدارات.
(ب) ميزانية - وظائف متميزة - الجامع الأزهر - وظائف مراقبي العلوم والآداب المدرجة في ميزانية السنة المالية 1957/ 1958 - هي وظائف متميزة عن وظائف مراقبي المعاهد والكليات - أساس ذلك وأثره - عدم جواز اندماج الوظائف الأولى في الثانية [(1)].
1 - إذا كان الثابت أن ميزانية الأزهر في السنة المالية 1957/ 1958 أوردت تحت الإدارة العامة جملة إدارات منها مراقبة البحوث الإسلامية ومكتب شيخ الجامع الأزهر وإدارة تفتيش العلوم الدينية والعربية ومراقبة العلوم والآداب وموظفو الإدارة العامة وتضمنت بعض هذه الإدارات وظائف متدرجة تدرجاً هرمياً من شأنه أن يفصح عن رغبة الجهة الإدارية في أن يكون لهذه الإدارات استقلالها وبالتالي فلا يسوغ أن يزاحم في الترقية أحد الموظفين الذي ينتسب إلى إحدى هذه الإدارات آخر في إدارة أخرى إذا تساوى معه في الأقدمية أو سبقه إذا خلت إحدى الدرجات، فإذا ما اتضح في خصوصية هذه الدعوى أن الطاعنين يعملان في المراقبة وهي لها تدرج هرمي في وظائفها (من السادسة إلى الثالثة في ميزانية تلك السنة) فلا يزاحمان غيرهما في أية إدارة أخرى لاسيما وقد حوت هذه الميزانية التأشيرة الآتية: تحت إدارة المراقبين (نقلت الوظائف من الكليات والمعاهد لتكون وحدة واحدة تلحق بالإدارة العامة مما يستفاد منه أن درجات هذه الوظائف كانت تتبع الكليات والمعاهد ثم رؤى ضمها في وحدة مستقلة وإلحاقها بميزانية الإدارة العامة للأزهر حتى لا تستقل كل كلية أو معهد بما خصص لها من درجات لهذه الوظائف).
ويخلص من هذا أن هذه التأشيرة لم تقض بإدماج هذه الوظائف في غيرها من وظائف الإدارات العامة وهي عديدة وكل منها ينتمي إلى كادر خاص وبذا تبقى لهذه الإدارة ذاتيتها وخصائصها وأوضاعها كإدارة مستقلة عن غيرها، ولما كانت أعلى درجة في هذه الوحدة هي الثالثة وكل من الطاعنين في هذه الدرجة فلا يمكن ترقية أحدهما أو كلاهما إلى الدرجة الثانية في أية إدارة أخرى من إدارات الإدارة العامة إنما يمكن ترقيتهما إذا حصل رفع في درجات وظائف تلك الوحدة.
2 - إن وظائف مراقبي العلوم والآداب تعتبر وظائف متميزة عن وظائف مراقبي المعاهد والكليات إذ تقتضي تأهيلاً خاصاً هو أن يكون أصحابها من حملة الشهادات الجامعية غير الأزهرية لأنهم يقومون بالإشراف والتدريس لمواد الرياضة والعلوم الاجتماعية والعلوم. أما وظائف المراقبين فلا تقتضي مثل هذا التأهيل ومن ثم لا يمكن أن تندمج وظائف هؤلاء في وظائف الآخرين وبالتالي لا يدخلون معاً في وحدة واحدة كما جاءت أوضاع الميزانية.


إجراءات الطعن

في 31/ 7/ 1960 أودع الأستاذ محمد عيسى المحامي المقبول أمام هذه المحكمة بصفته نائباً عن الشيخين محمد أمين عبد الصمد وحسين محمد خفاجي سكرتيرية هذه المحكمة صحيفة طعن عن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 1046 لسنة 12 القضائية بتاريخ 2/ 6/ 1960 القاضي برفض الدعوى وإلزام الطاعنين بالمصروفات وطلبا اعتماداً على أسباب طعنهما الحكم "بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم لهما بطلباتهما الواردة بصحيفة الدعوى مع إلزام المطعون ضده بصفته بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة"، وفي 17 من أغسطس سنة 1960 أعلن الطعن للمطعون ضده وتعين لنظره جلسة أمام دائرة فحص الطعون أخطر بها ذوو الشأن في الميعاد القانوني فقررت بإحالته إلى هذه المحكمة فسمعت ما رأت ضرورة سماعه من ملاحظات ذوي الشأن ثم أرجأت الحكم في جلسة اليوم مع التصريح لهم بتقديم مذكرات بدفاعهم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
من حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل في أن الطاعنين أقاما دعواهما أولاً أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعاها سكرتيرية تلك المحكمة في 21/ 7/ 1958 طلبا فيها الحكم بإلغاء القرار الصادر في 30 من يناير سنة 1958 فيما تضمنه من تخطيهما في الترقية إلى الدرجة الثانية وترقية السيدين عبده يوسف الصايغ ومحمد مصطفى شوقي لأقدميتهما عنهما في التعيين وفي الترقية إلى الدرجة الثالثة وأحقية الطاعنين بالدرجة الثانية من تاريخ صدور القرار المطعون فيه، وفصلا الدعوى بأنهما يعملان مراقبين بكلية الشريعة وعين أولهما في 1/ 12/ 1924 ورقي إلى الدرجة الثالثة في 27/ 9/ 1950 وعين الثاني في 1/ 1/ 1925 ورقي إلى الثالثة في 27/ 9/ 1950 وأضافا إلى ما تقدم أنه بتاريخ 30 من يناير سنة 1958 أصدر المجلس الأعلى للأزهر قراراً بترقية كل من السيدين عبده يوسف الصايغ مساعد مراقب الآداب ومحمد مصطفى شوقي المفتش بالإدارة العامة بالأزهر إلى الدرجة الثانية بالكادر الفني العالي بالأقدمية المطلقة اعتباراً من ذلك التاريخ مع أنهما أحدث منهما في التعيين وفي أقدمية الدرجة الثالثة السابقة على الدرجة التي رقيا إليها، ولما أن علما بهذا القرار تظلما منه بتاريخ 26/ 3/ 1958 فلم تستجب مشيخة الأزهر لهذا التظلم فأقاما الدعوى ناعيين على هذا القرار مخالفته للقانون إذ رقي الأحدث في التعيين وفي أقدمية الدرجة الثالثة لأن المطعون ضده الأول عين في 6/ 9/ 1934 ورقي إلى الثالثة في 17/ 11/ 1951 وعين المطعون ضده الثاني في 25/ 9/ 1929 ورقي إلى الثالثة في 17/ 11/ 1951 وكان يجب أن يرقيهما القرار بالأقدمية المطلقة لأنهم جميعاً في كادر واحد وتجمعهم وحدة إدارية واحدة ولأنهما الأقدم في هذه الوحدة.
ومن حيث إن مشيخة الأزهر أجابت على الدعوى من ناحية الشكل بعدم القبول بمقولة إن التظلم المقدم منهما في 26/ 3/ 1958 طلبا فيه إلغاء القرار الصادر في أواخر يناير سنة 1958 فيما تضمنه من تخطيهما في الترقية بالأقدمية أو بالاختيار ولم يوضحا تاريخ ورقم القرار ولم يذكرا أسماء الأشخاص المطلوب إلغاء ترقيتهما كما أن القرار المطعون فيه صدر في 8/ 3/ 1958، ومن ناحية الموضوع بأنه لا وجه للمقارنة بين الطاعنين والمطعون في ترقيتهما إذ لا تجمعهما أقدمية واحدة طبقاً لقانون الميزانية الذي جعل للمراقبين بالمعاهد والكليات وحدة مستقلة عن وحدة مراقبة العلوم والآداب وإذ الطاعن الأول والثاني حصلا على شهادة العالمية وشغل كل منهما وظيفة مراقب أما المطعون في ترقيتهما فهما حاصلان على دبلوم المعلمين ويشغل الأول وظيفة مراقب مساعد للآداب ويشغل الثاني وظيفة مفتش للعلوم والرياضة بمراقبة العلوم والآداب كما أن مراقبة العلوم والآداب لا تشغل وظائفهما إلا من حملة مؤهلات خاصة (المعلمين العليا - القسم العلمي والأدبي) في حين أن من يشغل وظيفة المراقبة في المعاهد والكليات يشترط فيه أن يكون حاصلاً على إحدى الشهادات الأزهرية، كما أن المادة 22 من القانون رقم 210 لسنة 1951 في شأن موظفي الدولة تنص على أن من يعين أو يرقى في درجة مخصصة يجب أن يقوم بعملها، وأضافت إلى ما تقدم أن الترقية المطعون فيها تمت طبقاً لأحكام القرار الجمهوري رقم 48 لسنة 1958 الذي رفع بعض وظائف في بعض وحدات الأزهر ولم يرفع وظيفة من وظائف مراقبي المعاهد والكليات وانتهت في دفاعها إلى طلب رفض الدعوى وإلزام رافعها بالمصروفات.
ومن حيث إن محكمة القضاء الإداري أصدرت في 2/ 6/ 1960 حكمها المنوه عنه آنفاً وشيدته على أنه تبين لها من مطالعة ميزانية الأزهر 1957/ 1958 أن وظائف المراقبين بالكليات والمعاهد تتبع الإدارة العامة للأزهر وأن وظائف مراقبة العلوم والآداب تتبع الإدارة العامة للأزهر إلا أن الوظائف الأولى تختلف عن الثانية إذ تتطلب وظائف مراقبي العلوم والآداب تأهيلاً خاصاً وصلاحية معينة وليست الحال كذلك بالنسبة لمراقبي الكليات والمعاهد وإذ رقت مشيخة الأزهر المطعون في ترقيتهما إلى وظائف من الدرجة الثانية التي رفعت في الميزانية في مراقبة العلوم والآداب والتي كانا يشغلانها قبل رفعها في الميزانية فإن ما فعلته يتفق وحكم القانون ويكون قرارها صائباً ولا شائبة فيه وبالتالي تكون الدعوى على غير أساس وخليقة بالرفض.
ومن حيث إن الطعن أسس على القول بأن الطاعنين في ترقيتهما يجمعهما كادر واحد وإدارة واحدة هي الإدارة العامة للأزهر فكان يجب على القرار المطعون فيه ألا ينحرف عن مسرى الأقدمية في هذه الوحدة وإذ هما الأقدم من اللذين رقاهما فيكون قراراً مخالفاً للقانون واستشهد في هذا المقام بالحكم الصادر في الطعن رقم 436 لسنة 4 القضائية والطعن رقم 897 لسنة 4 القضائية في القول بأن الأزهر يتكون من وحدات إدارية مستقلة وهي الإدارة العامة للأزهر وكل منها وحدة مستقلة بذاتها والمعاهد الدينية وحدة مستقلة كذلك ولا يمكن إعمال تقسيم داخلي لهذه الإدارات مثل ما فعل الحكم المطعون بغير مبرر إذ اعتبر المراقبين بالمعاهد والكليات وحدة مستقلة داخل الإدارة العامة وهذا التقسيم لم يرد به قانون ولم يرد أيضاً في الميزانية، ومن ثم يخضع من يكون في إدارة واحدة لحكم الأقدمية فيها وهو أن الأقدم لا يسبقه الأحدث منه عند الترقية إلى درجة أعلى وهذا حكم عام لا يرد عليه قيد بغير نص قانوني، وعلى أن القرار الجمهوري رقم 48 لسنة 1958 الذي اعتمد عليه القرار المطعون صدر بالموافقة على المذكرة التي رفعتها إليه اللجنة المالية، وبالرجوع إليها يتضح أنه ورد تحت البند ثانياً وتحت عنوان وظائف في خصوصية الكادر الفني العالي ما يأتي "رفع 24 درجة من الثالثة إلى الثانية" ولم يرد أمام هذه الدرجات تخصيص أو تمييز وأن هذه المذكرة سايرت الحكمة التي من أجلها جئ بالتعزيز وهي المساواة ومراعاة الأقدمية المطلقة، وإذ أهدر الحكم هذه المذكرة وراح يلتمس حكمة التوزيع من مذكرة مشيخة الأزهر التي لا يعتد بها ولا رابطة قانونية بينها وبين القرار الواجب التنفيذ فإنه يكون قد أخطأ خطأ قانونياً كما أخطأ إذ قرر أن وظائف مراقبي العلوم والآداب قد رفعت في الميزانية إلى وظائف من الدرجة الثانية مع أن هذه الوظائف لم ترفع في الميزانية ولم ترفع كذلك بالقرار رقم 48 لسنة 1958 آنف الذكر، وأنه لا محل للتحدث عن التأهيل الخاص بوظائف مراقبي العلوم والآداب إذ طلبهما ينصب على الدرجة المالية لا الوظيفة، وآية ذلك أنه رقى أحد الأطباء من الدرجة الرابعة إلى الدرجة الثالثة رغم تغاير مؤهل الطبيب وعمله عن عمل المدرسين ولا مبرر لذلك وهم يجمعهم كادر واحد، وأضاف إلى ما تقدم أن الحكم وقع في تناقض مع الحكم الذي أصدرته نفس الهيئة في الدعوى رقم 1054 لسنة 12 القضائية المقامة من الشيخ محمد علي الألفي إذ قرر الحكم أن درجة المطعون في ترقيتهما رفعت في الميزانية فمنح الشاغل الدرجة التي رفعت ورأت في الدعوى 1054 لسنة 12 القضائية أن المدعي فيها والمطعون في ترقيته يجمعهما وحدة إدارية واحدة ولا يستساغ هذا مع القول برفع الدرجات في الحكم المطعون فيه ومن ثم يكون الحكم الأخير قد وقع في تناقض يستوجب إهداره وإلغاءه وبالتالي إلغاء القرار المطعون فيه وترقيتهما إلى الدرجة الثانية.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قدمت تقريراً برأيها في هذه المنازعة ألمعت فيه إلى ما جاء في مذكرة مشيخة الأزهر المحررة بتاريخ 9/ 8/ 1957 بشأن توزيع مبلغ أربعين ألف جنيه في ميزانية 1957/ 1958 لإنشاء وظائف لمدرسين بالمعاهد للفصول الجديدة ورفع وظائف في بعض أقسام الأزهر والمعاهد على أن يكون الصرف بموافقة اللجنة المالية وصدور قرار من السيد رئيس الجمهورية وما ذهبت إليه هذه المذكرة من تخصيص أكثر من نصف المبلغ لإنشاء وظائف المدرسين وتخصيص الباقي لتحسين درجات الأساتذة والمفتشين وشيوخ المعاهد والمدرسين والوعاظ والموظفين الذين رسبوا مدة طويلة في درجاتهم الحالية بلغت ما يقرب من عشر سنين وما اقترحته من رفع 24 درجة من الثالثة إلى الثانية لأساتذة ومدرسين بالكليات وللمفتشين بمراقبة العلوم والآداب والمفتشين بإدارة تفتيش العلوم الدينية والعربية ولشيخ معهد ثانوي ممن ترجع أقدميتهم في درجاتهم الحالية إلى 27/ 9/ 1950 و17/ 11/ 1951 وعدد من مفتشي العلوم ومراقب مساعد للآداب ومفتش علوم دينية وعربية وشيخ معهد ثانوي كما أشارت إلى مذكرة وزارة المالية وموافقة ديوان الموظفين على هذا التوزيع وإلى أنه لا يوجد خلاف في الوقائع بين الطاعنين والمطعون في ترقيتهما، وإذ تمت الترقية إلى الدرجات التي رفعت في الميزانية من الثالثة إلى الثانية في مراقبة العلوم والآداب ولما كان المطعون في ترقيتهما يشغل كل منهما الوظيفة التي رفعت درجتها فيكون القرار الصادر بترقيتهما دون الطاعنين قراراً صائباً لا مطعن عليه ويتفق وأوضاع الميزانية وحكم القانون وانتهى التقرير إلى طلب رفض الطعن موضوعاً.
ومن حيث إنه يبين من مساق وقائع هذه المنازعة أن الخلاف فيها يثور حول ما إذا كان الطاعنان والمطعون في ترقيتهما يعتبران في وحدة إدارية واحدة فيفيد الأولان من الوظائف التي رفعت درجاتها في ميزانية سنة 1957/ 1958 أم أنهما لا يفيدان من هذا الرفع وأن الذي يفيد منه هم الأشخاص الذين كانوا يشغلون الوظائف التي رفعت درجاتها والذين ينتمون إلى الإدارات التي حصل فيها الرفع دون غيرها من الإدارات التي لم يحصل فيها رفع درجاتها.
ومن حيث إنه لتجلية هذا الخلاف تستعرض المحكمة الأعمال التحضيرية التي سبقت صدور القرار الجمهوري رقم 48 لسنة 1958 وهي مذكرة الأزهر المؤرخة 9/ 8/ 1957 ومذكرة اللجنة المالية وذلك لتتبين المحكمة ما إذا كان ثمة خلاف بينهما وموطن هذا الخلاف.
ومن حيث إن القرار الجمهوري سبقته مذكرة مشيخة الأزهر وقد وضعت بعد أن أدرج في ميزانيته للسنة المالية 57/ 1958 اعتماد مالي مقداره 40000 أربعون ألف جنيه لإنشاء وظائف المدرسين بالمعاهد للفصول الجديدة ورفع وظائف بعض أقسام الأزهر والمعاهد على أن يكون الصرف منه بموافقة اللجنة المالية وصدور قرار من السيد رئيس الجمهورية وهو القرار المعني بالذكر وأهم ما تضمنته في هذا الصدد طبقاً لما جاء في تقرير هيئة مفوضي الدولة والكتب المتبادلة بينها وبين إدارة الأزهر - تخصيص ما يربو على نصف هذا المبلغ لإنشاء وظائف المدرسين بالمعاهد الدينية للفصول الجديدة - والباقي لتحسين بعض درجات الأساتذة والمفتشين وشيوخ المعاهد والمدرسين والوعاظ والموظفين الذين رسبوا في درجاتهم مدة طويلة بلغت في بعض الأحيان ما يقرب من عشر سنوات ورفع أربعة وعشرين درجة من الثالثة إلى الثانية لأساتذة ومدرسين بالكليات ولمفتشين بمراقبة العلوم والآداب ولمفتشين بإدارة تفتيش العلوم الدينية والعربية و7 سبعة لمفتشي علوم وواحدة لمراقب مساعد للآداب وواحدة لمفتش علوم دينية وعربية.
وقد عرضت هذه المذكرة على ديوان الموظفين فوافق عليها فيما عدا بدل التمثيل الذي اقترح لشيخ الأزهر فقد ورد بها أنه 1000 جنيه (ألف جنيه) فرأى الديوان خفضه إلى خمسمائة ثم عرض على اللجنة المالية فحررت مذكرتها وأشارت إلى هذا التوزيع، كما جاء في مذكرة مشيخة الأزهر وأوردته كما اقترحته المذكرة من حيث عدد الدرجات ولكنها أشارت إلى بعض الوظائف وسكتت عن ذكر بعضها ثم صدر قرار رئيس الجمهورية بالموافقة على هذه المذكرة وجاءت عبارة الموافقة مشيرة إليها دون غيرها فهل أصبحت تلك الموافقة منصبة على مذكرة اللجنة المالية أم أن التخفيض الذي اقترحه الأزهر لا يتعارض معها ومن ثم يكون قائماً.
ومن حيث إن اللجنة المالية لم تخالف مذكرة الأزهر صراحة إلا في بدل تمثيل شيخ الأزهر وعندما أرادت المغايرة نصت على ذلك صراحة ولو شاءت مغايرتها في غير هذه الخصوصية لنصت على ذلك ولكنها لم تفعل بل ووافقت على هذا التوزيع وعلى بياناته العددية التي حررت بمعرفة الأزهر وهو أقدر من غيره في إيرادها على هذا النحو الذي يساير الحاجة التي استشعرها في ميزانية هذا العام عندما أنشأ وظائف جديدة إذ اكتفت بإيراد البيانات العددية للدرجات المالية التي رفعت في بعض الوظائف وهذا لا يفيد المغايرة ما دام أنها لم تنص على ذلك صراحة بل تفيد ترك الأمر للمذكرة السابقة عليها مباشرة المحررة بمعرفة الأزهر، ومن ثم يتعين الرجوع إلى مذكرة الأزهر والميزانية التي أعدها في هذا المقام لمعرفة الوظائف والإدارات التي حصل فيها الرفع ما دامت مذكرة اللجنة المالية كما سلف القول لم تغاير من أوضاع الميزانية ولم تغاير مذكرة الأزهر إلا في الخصوصية السابق ذكرها دون غيرها.
ومن حيث إن الميزانية أوردت تحت الإدارة العامة جملة إدارات منها مراقبة البعوث الإسلامية ومكتب شيخ الجامع الأزهر وإدارة تفتيش العلوم الدينية والعربية ومراقبة العلوم والآداب وموظفو الإدارة العامة وتضمنت بعض هذه الإدارات وظائف متدرجة تدرجاً هرمياً من شأنه أن يفصح عن رغبة الجهة الإدارية في أن يكون لهذه الإدارات استقلالها وبالتالي فلا يسوغ أن يزاحم في الترقية أحد الموظفين الذي ينتسب إلى إحدى هذه الإدارات آخر في إدارة أخرى إذا تساوى معه في الأقدمية أو سبقه إذا خلت إحدى الدرجات، فإذا ما اتضح في خصوصية هذه الدعوى أن الطاعنين يعملان في المراقبة وهي لها تدرج هرمي في وظائفها (من السادسة إلى الثالثة في ميزانية تلك السنة) فلا يزاحمان غيرهما في أية إدارة أخرى لاسيما وقد حوت هذه الميزانية التأشيرة الآتية: تحت إدارة المراقبين (نقلت الوظائف من الكليات والمعاهد لتكون وحدة واحدة تلحق بالإدارة العامة مما يستفاد منه أن درجات هذه الوظائف كانت تتبع الكليات والمعاهد ثم رؤى ضمها في وحدة مستقلة وإلحاقها بميزانية الإدارة العامة للأزهر حتى لا تستقل كل كلية أو معهد بما خصص لها من درجات لهذه الوظائف).
ويخلص من هذا أن هذه التأشيرة لم تقض بإدماج هذه الوظائف في غيرها من وظائف الإدارات العامة وهي عديدة وكل منها ينتمي إلى كادر خاص وبذا تبقى لهذه الإدارة ذاتيتها وخصائصها وأوضاعها كإدارة مستقلة عن غيرها، ولما كانت أعلى درجة في هذه الوحدة هي الثالثة وكل من الطاعنين في هذه الدرجة فلا يمكن ترقية أحدهما أو كلاهما إلى الدرجة الثانية في أية إدارة أخرى من الإدارات العامة إنما يمكن ترقيتهما إذا حصل رفع في درجات وظائف تلك الوحدة.
ومن حيث إن القرار المطعون فيه صدر في ظل القانون رقم 73 لسنة 1957 الذي عدل المادة 22 من القانون رقم 210 لسنة 1951 في شأن موظفي الدولة وهو الذي ينطبق أيضاً على موظفي الأزهر وقد ورد تعديل هذا النص على النحو الآتي "كل من يعين أو يرقى إلى درجة مخصصة لوظيفة يجب أن يقوم بعملها فعلاً" وإذ تبين من كتاب سكرتير عام الأزهر المؤرخ 11/ 9/ 1958 والموجه إلى السيد رئيس هيئة المفوضين أن اللذين رقاهما القرار يقومان بأعباء الوظائف التي رفعت أما الطاعنان فإنهما لا يقومان بأعباء هذه الوظائف وأن وظائفهما لم ترفع درجاتها ومن ثم يكون إعمال حكم هذه المادة حائلاً لا يمكن معه ترقية الطاعنين إلى الدرجات المالية التي رفعت لوظائف معينة بالذات.
ومن حيث إنه يضاف إلى ما تقدم أن وظائف مراقبي العلوم والآداب تعتبر وظائف متميزة عن وظائف الطاعنين إذ تقتضي تأهيلاً خاصاً هو أن يكون أصحابها من حملة الشهادات الجامعية غير الأزهرية لأنهم يقومون بالإشراف والتدريس لمواد الرياضة والعلوم الاجتماعية والعلوم (يراجع كتاب السيد وكيل الأزهر آنف الذكر وكتاب سكرتير عام الأزهر المؤرخ 27/ 11/ 1958 إلى رئيس هيئة المفوضين) أما وظائف المراقبين فلا تقتضي مثل هذا التأهيل، ومن ثم لا يمكن أن تندمج وظائف هؤلاء في وظائف الآخرين وبالتالي لا يدخلون معاً في وحدة واحدة كما أفاد الأزهر في كتبه السالف ذكرها وكما جاءت أوضاع الميزانية.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم ومن أسباب الحكم المطعون فيه أن القرار المؤرخ 30/ 1/ 1958 فيما تضمنه من ترقية السيدين عبده يوسف صايغ المراقب المساعد بتفتيش الآداب ومحمد مصطفى شوقي مفتش العلوم الرياضية إلى الدرجات التي رفعت في وحدتهما بالقرار الجمهوري رقم 48 لسنة 1958 قرار سليم لا شائبة فيه بل ويتفق مع حكم القانون وأوضاع الميزانية ومن ثم يكون الطعن عليه بغير سند من القانون، ومن ثم يتعين رفضه وتأييد الحكم المطعون فيه لأنه أصاب الحق في قضائه.
ومن حيث إن الطاعنين أصابهما الخسر في الطعن فيتحملان مصروفاته وذلك إعمالاً لنص المادة 357 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً، وألزمت الطاعنين بالمصروفات.


[(1)] بمثل هذين المبدأين قضت المحكمة في نفس الجلسة في القضية رقم 2230 لسنة 6 القضائية.