أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 30 - صـ 476

جلسة 5 من فبراير سنة 1979

برئاسة السيد المستشار مصطفى الفقي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: حافظ رفقي، محمود حسن حسين، الدكتور سعيد عبد الماجد وعاصم المراغي.

(92)
الطعن رقم 601 لسنة 45 القضائية

(1، 2) سمسرة. تعويض. مسئولية.
(1) عمولة السمسار. عدم استحقاقه لها إلا عند نجاح وساطته بإبرام الصفقة.
(2) إثبات السمسار أن عدم إتمام الصفقة راجع لخطأ العميل. أثره. حقه في الرجوع عليه بالتعويض لإخلاله بالتزاماته التعاقدية في عقد السمسرة.
(3) مسئولية. محكمة الموضوع. نقض "ما لا يعد قصورا".
تكييف المحكمة الصحيح للمسئولية بأنها تعاقدية. عدم بحثها توافر المسئولية التقصيرية. لا قصور.
1- من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن السمسار لا يستحق عمولته إلا عن نجاح وساطته بإبرام الصفقة فعلاً نتيجة مساعيه.
2- إذا أثبت السمسار أن عدم إتمام الصفقة يرجع إلى خطأ من وسطه رغم توصله إلى شخص قبل إبرام الصفقة بالشروط التي وصفها العميل وفي الأجل الذي حدده لها فإنه يحق للسمسار الرجوع على هذا العميل بالتعويض لإخلاله في تنفيذ التزاماته التعاقدية الناشئة عن عقد السمسرة.
3- من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه يتعين على محكمة الموضوع أن تتقصى من تلقاء نفسها الحكم القانوني الصحيح المنطبق على العلاقة بين طرفي الدعوى وأن تنزله على الواقعة المطروحة عليها دون التكييف أو الوصف الذي أنزله الخصوم على تلك العلاقة. لما كان ذلك فإن النعي على الحكم المطعون فيه بالقصور في التسبيب لإغفال بحث المسئولية التقصيرية يكون في غير محله طالما قد انتهى صحيحاً إلى تكييف مسئولية الشركة المطعون ضدها قبل الطاعن فإنها مسئولية عقدية.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن عن نفسه وبصفته مديراً لشركة....، وممثلاً لشركة.... اليابانية أقام الدعوى رقم 699 لسنة 61 تجاري كلي الإسكندرية على الشركة المطعون ضدها طالباً الحكم بإلزامها بدفع مبلغ 80572 جنيهاً 318 مليماً وفوائده القانونية على أن تؤدي له منه مبلغ 55567 جنيهاً 116 مليم وفوائده وتؤدي الباقي للشركة اليابانية. وقال بياناً لذلك أن الشركة المطعون ضدها اتفقت مع الشركة اليابانية على توريد 30 ألف مغزل مستعينة بمجهوداته حتى - توصل إلى إقناع المسئولين في مصر واليابان بالموافقة على الصفقة، فصدر تصريح وزارة الصناعة بالموافقة عليها، كما صدر ترخيص الاستيراد بنفس القيمة المتفق عليها وهي 1579851 دولار أمريكياً، غير أن الشركة المطعون ضدها تجاهلت هذا الاتفاق وطلبت من الشركة اليابانية تقديم عرض جديد فاعترضت الشركة الأخيرة على ذلك بخطاب أرسلته إليه، وقام هو من جانبه بلفت نظر المطعون ضدها إلى قرب انتهاء الميعاد المحدد للاعتماد الذي فتح لاستيراد تلك الصفقة، واتبع ذلك بإنذار ينبهها فيه إلى ما في مسلكها من مخالفة للارتباط الذي قام بينها وبين الشركة اليابانية فردت عليه بأن اتفاقاً بينهما لم يتم وإن الأمر لم يخرج عن مجرد تفاوض قد ينتهي بالرفض أو القبول دون إلزام أي من الطرفين، فاضطر إلى إقامة الدعوى الحالية بالطلبات سالفة البيان. وإذ تبين الطاعن أنه يفتقر إلى توكيل بالخصومة عن الشركة اليابانية فقد قصر طلباته على ما يخصه دونها. وبتاريخ 25/ 3/ 1968 قضت محكمة الإسكندرية الابتدائية برفض الدعوى تأسيساً على أن الطاعن كان يعمل في جميع مراحل الصفقة بصفته وكيلاً عن الشركة اليابانية وأن له أن يعود عليها إن أراد. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 302 لسنة 24 ق الإسكندرية - وبتاريخ 25/ 12/ 68 قضت محكمة استئناف الإسكندرية بإلغاء الحكم المستأنف وإلزام الشركة المطعون ضدها بأن تدفع له 5000 جنيه والمصروفات - المناسبة. طعنت الشركة المطعون ضدها في هذا الحكم بطريق النقض وقيد طعنها برقم 9 لسنة 39 ق. وبتاريخ 25/ 12/ 1974 نقضت محكمة النقض الحكم وأحالت القضية إلى محكمة استئناف الإسكندرية تأسيساً على أن الصفقة لا تعتبر أنها تمت إلا بعد صدور خطاب تثبيت وإذ قال الحكم المطعون فيه بتمام الصفقة رغم تسليمه بعدم صدور خطاب تثبيت من الشركة المطعون ضدها ورتب على ذلك مسئوليتها عن تعويض الطاعن عما لحقه من ضرر نتيجة نكولها عن الصفقة بعد تمامها فإنه يكون معيباً بما يوجب نقضه، نظرت محكمة استئناف الإسكندرية الدعوى بعد إحالتها إليها وقضت بتاريخ 27/ 3/ 1975 برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن الماثل. وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها قرر الحاضر عن الطاعن أنه يقصر الطعن على نفسه بصفته الشخصية، والتزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سبب واحد حاصله القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت في الأوراق، وفي بيان ذلك يقول الطاعن أنه ركن في دعواه إلى أحكام المسئولية التقصيرية وأن الحكم الاستئنافي الأول اتخذ تلك المسئولية دعامة أساسية لقضائه وأنه بعد نقض ذلك الحكم عاد الطاعن وأكد تمسكه بالمسئولية التقصيرية وانطباق - أحكامها على واقعة الدعوى سواء اعتبر الاتفاق على الصفقة قد تم أو لم يتم، إلا أن الحكم المطعون فيه قد أغفل بحث هذه المسئولية أو الإشارة إليها في أسبابه، واكتفى بإقامة قضائه على أن العلاقة التعاقدية التي كانت قائمة بين الطاعن والشركة المطعون ضدها قد انتهت بصدور خطاب الشركة المؤرخ 5/ 3/ 1959 الذي أشارت فيه إلى ما أبداه مديرها الفني من ملاحظات بوجوب إدخال تعديلات معينة على المغازل والآلات موضوع الصفقة وخلص الحكم من ذلك إلى نفي حدوث عدول من الشركة عن الاتفاق أو وقوع خطأ من جانبها، وهذا الذي انتهى إليه الحكم المطعون فيه مشوب بالفساد في الاستدلال ذلك أن الثابت في الأوراق أنه رغم صدور الخطاب المشار إليه فإن الشركة المطعون ضدها ظلت تتابع موضوع الصفقة حتى حصلت على موافقة وزارة الصناعة في 24/ 3/ 1959 وكلفت الطاعن كما يبين من خطابها المرسل إليه بتاريخ 7/ 6/ 1959 - بالسعي لدى الجهات المختصة لتخصيص جزء من القرض الياباني لإتمام تلك الصفقة ثم سعت بعد ذلك للحصول على ترخيص باستيرادها، وهذا الاستمرار من جانب الشركة المطعون ضدها في متابعة الصفقة بعد صدور خطابها المؤرخ 5/ 3/ 1959 يدل على سوء نيتها فيما صدر عنها بعد ذلك من عدول عن الصفقة ويوجب مساءلتها تقصيرياً، وإذ أغفل الحكم المطعون فيه بحث المسئولية التقصيرية مع قيام موجبها فإنه يكون قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، ومخالفة الثابت في الأوراق بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن السمسار لا يستحق عمولته إلا عن نجاح وساطته بإبرام الصفقة فعلاً نتيجة مساعيه، على أنه إذا أثبت السمسار أن عدم إتمام الصفقة يرجع إلى خطأ من وسطه رغم توصله إلى شخص قبل إبرام الصفقة بالشروط التي وضعها العميل وفي الأجل الذي حدده لها، فإنه يحق للسمسار الرجوع على هذا العميل بالتعويض لإخلاله في تنفيذ التزاماته التعاقدية الناشئة عن عقد السمسرة، ولما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بتأييد الحكم المستأنف فيما انتهى إليه من رفض دعوى الطاعن على قوله: "أنه مما لا خلاف عليه فيما بين الطرفين أن المستأنف (الطاعن) بوصفه سمساراً قدم عروضاً لتوريد المغازل للشركة المستأنف علها (المطعون ضدها) وأن الطرفين اتفقا على أن الصفقة لا تعتبر تامة إلا بعد صدور خطاب تثبيت من المستأنف عليها وخطاب التثبيت يعتبر بمثابة قبول نهائي منها للعرض، وأن الشركة المستأنف عليها حسبما يبين من خطابها المؤرخ 5/ 3/ 1959 ردت على المستأنف بخصوص العرض المقدم منه تضمن ثماني ملحوظات أبداها المدير الفني لديها بالتعديلات التي يراها في المغازل والآلات المقدم عرض توريدها بواسطة المستأنف ولا خلاف فيما بين الطرفين أن الاتفاق لم يتم لرفض الشركة اليابانية هذه التعديلات... ويكون المستأنف لم يوفق إلى الوصول إلى اتفاق المستأنف عليها مع الشركة اليابانية طبقاً للمواصفات التي ارتأتها المستأنف عليها للمغازل التي تريد التعاقد عليها ورفض الشركة اليابانية هذه الموصفات وعدم إتمام الاتفاق فإنه لا يكون هناك ثمة خطأ من جانب المستأنف عليها أو تعنت أو عدول عن الاتفاق. ولا يقدح في ذلك موافقة وزارة الصناعة للمستأنف عليها على الاتفاق على توريد هذه المغازل أو صدور تراخيص استيراد فإن ذلك كله على ما يبين من الأوراق ومن تقرير الخبير كان من قبيل المراحل التمهيدية للوصول إلى الاتفاق النهائي الذي لا يتم إلا بصدور خطاب التثبيت". فإن هذا الذي أورده الحكم المطعون فيه لا يخالف الثابت في الأوراق ولا ينطوي على فساد في الاستدلال ويتفق مع صحيح القانون، ولا وجه للنعي عليه بالتفاته عن بحث مدى توافر أحكام المسئولية التقصيرية في خصوصية هذا النزاع ذلك أنه لما كان - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يتعين على محكمة الموضوع أن تنقضي من تلقاء نفسها الحكم القانوني الصحيح المنطبق على العلاقة بين طرفي الدعوى وأن تنزله على الواقعة المطروحة عليها دون التكييف أو الوصف الذي أنزله الخصوم على تلك العلاقة، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه تقصى الحكم القانوني الصحيح لعلاقة الطاعن بالشركة المطعون ضدها بقوله. "أنه إذا قدم السمسار لعميله متعاقداً مناسباً يقبل الشروط التي عرضها العميل ومع ذلك لم يتم العقد إما لخطأ العميل أو تعنته أو عدوله عن إبرام الصفقة لسبب أو لآخر فإن السمسار لا يستحق الأجر بالعمولة وإنما يستحق تعويضاً أساسه المسئولية التعاقدية لأن السمسار قد قام بأداء التزامه كاملاً ونجح فيما كلف به من قبل عميله ويكون إخلال العميل بالاتفاق وتعنته أو عدوله عن إبرام الصفقة يعتبر إخلالاً بالتزام تعاقدي وهو تنفيذ العقد طبقاً لما اشتمل عليه وبطريق تتفق مع حسن النية عملاً بنص المادة 148 من القانون..." لما كان ذلك فإن النعي على الحكم المطعون فيه بالقصور في التسبيب لإغفال بحث المسئولية التقصيرية يكون في غير محله طالما قد انتهى صحيحاً إلى تكييف مسئولية الشركة المطعون ضدها قبل الطاعن بأنها مسئولية عقدية.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.