أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 30 - صـ 539

جلسة 15 من فبراير سنة 1979

برياسة السيد المستشار عبد العال السيد نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمدي الخولي، الدكتور عبد الرحمن عياد، إبراهيم فودة وعبد الحميد المنفلوطي.

(103)
الطعن رقم 1097 لسنة 47 القضائية

(1) تقادم. "وقف التقادم".
تحقق المانع الذي يوقف سريان التقادم. أثره. عدم بداية التقادم إلا بزوال المانع.
(2) تعويض. تقادم. حكم. دعوى. إثبات.
تقدير قيام المانع الذي يوقف سريان التقادم. من سلطة محكمة الموضوع. دعوى التعويض عن جريمة القبض على شخص. حبسه. القضاء بوقف تقادمها من تاريخ الإفراج عنه حتى ثورة التصحيح في 15/ 5/ 1971. لا خطأ. ليس في ذلك قضاء بعلم القاضي الشخصي.
(3 - 6) دستور. قانون. تعويض. تقادم. دعوى.
(3) منع الاعتداء على الحرية الشخصية. المادتان 41 و57 من الدستور. القبض أو الحبس دون سند قانوني. جريمة معاقب عليها. م 280 عقوبات.
(4) جريمة الاعتداء على الحرية الشخصية. عدم سقوط الدعوى الجنائية والمدنية الناشئة عنها بالتقادم. م 57 من الدستور. صلاحية النص بذاته. للأعمال دون حاجة لصدور تشريع به.
(5) القوانين واللوائح الصادرة قبل الدستور. بقاؤها صحيحة ونافذة. م 191 من الدستور عدم انصراف هذا النص إلى التشريع الذي اعتبر ملغياً أو معدلاً بقوة نفاذ الدستور ذاته.
(6) دعوى التعويض عن جريمة القبض على شخص وحبسه. القضاء بوقف تقادمها حتى تاريخ ثورة التصحيح في 15/ 5/ 1971. عدم اكتمال مدة التقادم حتى تاريخ نفاذ الدستور في 11/ 9/ 1971. أثره. عدم سقوط الدعوى بالتقادم.
1 - تنص المادة 382 من القانون المدني على أنه "لا يسري التقادم كلما وجد مانع يتعذر معه على الدائن أن يطالب بحقه ولو كان المانع أدبياً" وإذ كان مثل هذا المانع إذا تحقق من شأنه أن يوقف سريان التقادم، فلا يبدأ التقادم إلا بزوال ذلك المانع، وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص قيام مانع يستحيل معه على المطعون عليه المطالبة بحقه - في التعويض عما لحقه من أضرار نتيجة القبض عليه وحبسه بغير حق - خلال الفترة من تاريخ الإفراج عنه في 1/ 6/ 1966 حتى 15/ 5/ 1971، فإنه إذ رتب على ذلك أن مدة تقادم دعوى المطعون عليه لا تبدأ من تاريخ الإفراج عنه وإنما من تاريخ زوال المانع، لا يكون قد خالف القانون.
2 - تقدير قيام المانع من المطالبة بالحق والذي يعتبر سبباً لوقف سريان التقادم طبقاً للفقرة الأولى من المادة 382 من القانون المدني، هو من المسائل الموضوعية التي يستقل بها قاضي الموضوع بغير معقب متى كان ذلك مبنياً على أسباب سائغة، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أسس ما ارتآه من وقف - تقادم دعوى التعويض عن الاعتقال دون سبب - في الفترة من تاريخ الإفراج عن المطعون عليه في 1/ 6/ 1966 حتى ثورة التصحيح في 15/ 5/ 1971 - على أسباب سائغة تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها - وكان الذي قرره الحكم لا يقوم على علم قضائه الشخصي بل يقوم على الظروف العامة المعروفة للجميع عما كانت تجتازه البلاد والشعب في الفترة السابقة على ثورة التصحيح في 15/ 5/ 1971، فإن النعي يكون على غير أساس.
3 - النص في المادة 41 من الدستور المعمول به في 11/ 9/ 1971 على أن "الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع ويصدر هذا الأمر من القاضي أو النيابة العامة.." وفي المادة 57 منه على أن "كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم وتكفل الدولة تعويضاً عادلاً لمن وقع عليه الاعتداء" مفاده أن الاعتداء الذي منع الدستور وقوعه على الحرية الشخصية هو كل ما من شأنه تقييدها في غير الحالات التي يقرها القانون، كالقبض على الشخص أو حبسه أو منعه من التنقل في غير الحالات التي يقرها القانون. وهو ما يعتبر جريمة بمقتضى المادة 280 من قانون العقوبات.
4 - نصت المادة 280 من قانون العقوبات على أن "كل من قبض على أي شخص أو حبسه أو حجزه بدون أمر أحد الحكام المختصين بذلك وفي غير الأحوال التي تصرح فيها القوانين واللوائح بالقبض على ذوي الشبهة يعاقب بالحبس أو بغرامة لا تتجاوز عشرين جنيها مصريا". وإذ كان ما نصت عليه المادة 57 من الدستور من أن الاعتداء على الحرية الشخصية يعتبر جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية والدعوى المدنية الناشئة عنها بالتقادم، إنما هو صالح بذاته للإعمال من يوم العمل بالدستور دون حاجة إلى سن تشريع آخر أدنى في هذا الخصوص، إذ أن تلك الجريمة نصت عليها المادة 280 من قانون العقوبات ولما كانت محكمة الموضوع لم تعرض للفصل في دستورية القانون رقم 32 لسنة 1972، إذ أن الجريمة المنصوص عليها في المادة 280 من قانون العقوبات ليست من بين الجرائم التي نص عليها ذلك القانون، فإن النعي يكون في غير محله [(1)].
5 - ما نصت عليه المادة 191 من الدستور من أن "كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الدستور يبقى صحيحاً ونافذاً، ومع ذلك يجوز إلغاؤها أو تعديلها وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة في هذا الدستور" فحكمه لا ينصرف بداهة إلا إلى التشريع الذي لم يعتبر ملغياً أو معدلاً بقوة نفاذ الدستور ذاته، بغير حاجة إلى تدخل من المشرع.
6 - إذ كان الحكم المطعون فيه بعد أن استخلص أن التقادم بالنسبة لدعوى المطعون عليه - بالتعويض للقبض عليه وحبسه بغير حق - قد وقف سريانه حتى تاريخ ثورة التصحيح في 15/ 5/ 1981 وأن عودته للسريان - لا تكون إلا من هذا التاريخ - وإذ لم تكن مدة للتقادم قد اكتملت في تاريخ نفاذ الدستور في 11/ 9/ 1971 فلا تسقط تلك الدعوى بالتقادم إعمالاً لنص المادة 57 منه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 2899 سنة 1975 مدني كلي شمال القاهرة، على الطاعن (وزير الحربية بصفته) لإلزامه بأن يدفع له مبلغ عشرين ألف جنيه تعويضاً - عن الأضرار التي لحقت به من جراء اعتقال المباحث الجنائية العسكرية له مدة 97 يوماً من 25/ 2/ 1966 بدون وجه حق حتى تم الإفراج عنه في 1/ 6/ 1966. وبتاريخ 29/ 6/ 1976 قضت المحكمة بإلزام الطاعن (المدعى عليه) بأن يدفع للمطعون عليه (المدعي) مبلغ خمسة آلاف جنيه. استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة طالباً إلغاءه والقضاء بسقوط الحق بالتقادم الثلاثي واحتياطياً برفض الدعوى، وقيد الاستئناف برقم 3321 سنة 93 ق. كما استأنفه المطعون عليه طالباً تعديله إلى الحكم له بالمبلغ المطالب به أمام محكمة الدرجة الأولى، وقيد استئنافه برقم 3363 سنة 93 ق القاهرة، وبعد أن قررت المحكمة ضم الاستئنافين ليصدر فيهما حكم واحد، قضت بتاريخ 31/ 5/ 1977 أولاً - برفض الاستئناف رقم 3321 سنة 93 ق. ثانياً - وفي الاستئناف رقم 3363 سنة 93 ق بتعديل الحكم المستأنف وإلزام وزارة الحربية بأن تدفع للمستأنف.... (المطعون عليه) مبلغ ألف جنيه. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الأول على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتفسيره من أربعة وجوه، وفي بيان الوجه الأول يقول - إنه لما كانت دعوى التعويض الناشئة عن العمل غير المشروع تسقط بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي علم فيه المضرور بمحدث الضرر وبالشخص المسئول عنه، وكان الحكم المطعون فيه قد حصل الواقعة بأن المطعون عليه قبض عليه في 15/ 2/ 1966 وأفرج عنه في يونيه سنة 1966 فإن علمه بحدوث الضرر وبالشخص المسئول عنه يتحقق من هذا التاريخ الأخير، فكان محصله رفع دعواه خلال ثلاث السنوات التالية له أي في موعد أقصاه 1/ 6/ 1969، ولما كان المطعون عليه قد أقام الدعوى في 3/ 5/ 1975 فإنها تكون قد سقطت بالتقادم، وإذ قضى الحكم المطعون فيه على خلاف ذلك يكون قد خالف القانون.
وحيث إن النعي بهذا الوجه مردود، ذلك أنه لما كانت المادة 382 من القانون المدني تنص على أنه "لا يسري التقادم كلما وجد مانع يتعذر معه على الدائن أن يطالب بحقه ولو كان المانع أدبياً" وكان مثل هذا المانع إذا تحقق، من شأنه أن يوقف سريان التقادم، فلا يبدأ التقادم إلا بزوال ذلك المانع، وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص قيام مانع يستحيل معه على المطعون عليه المطالبة بحقه خلال الفترة من تاريخ الإفراج عنه في 1/ 6/ 1966 حتى 15/ 5/ 1971 فإنه إذ رتب على ذلك إن مدة تقادم دعوى المطعون عليه لا تبدأ من تاريخ الإفراج عنه وإنما من تاريخ زوال المانع - لا يكون قد خالف القانون.
وحيث إن حاصل النعي بالشق الأول من الوجه الثاني من السبب الأول أن الحكم المطعون فيه ذهب إلى أن تاريخ الإفراج عن المطعون عليه في 1/ 6/ 1966 وإن كان يعتبر بداية مدة سقوط الدعوى إلا أنه لم يكن بوسع المطعون عليه وأمثاله إقامة مثل هذه الدعوى قبل ثورة التصحيح في 15/ 5/ 1971 وذلك خوفاً مما كان يتبع قبل ذلك من أساليب القهر والإذلال والبطش الأمر الذي يقف معه سريان التقادم حتى 15/ 5/ 1971 ويبدأ سريان التقادم من ذلك التاريخ مع أن المطعون عليه لم يتمسك أمام محكمة الموضوع بأن أساليب القهر والإذلال التي كانت متبعة حالت بينه وبين رفع الدعوى، فتكون محكمة الاستئناف قد قضت بناء على دليل لم يكن مطروحاً في الدعوى وبنت حكمها على معلوماتها الشخصية وهو ما لا يجوز قانوناً.
وحيث إن هذا النعي غير صحيح، ذلك أنه لما كان الحكم المطعون فيه قد أورد في مدونات قوله "وحيث إن المستأنف عليه في الاستئناف الأول (المطعون عليه) رد على الدفع بسقوط الدعوى بالتقادم الثلاثي المبني على المادة 172 من القانون المدني بأنه لم يكن في مقدوره في ظل الظروف التي كانت تسود البلاد بسبب شرذمة ظالمة كبلت الحرية وصادرت الحقوق وعاثت في الأرض فساداً أن يطالب بحقه ويقف في ساحة القضاء شارحاً ما حاق به من ظلم واعتقال وتعذيب الأمر الذي يعتبر قوة قاهرة يقف معها سريان ذلك التقادم"- لما كان ذلك، وكان تقدير قيام المانع من المطالبة بالحق والذي يعتبر سبباً لوقف سريان التقادم طبقاً للفقرة الأولى من المادة 382 من القانون المدني هو من المسائل الموضوعية التي يستقل بها قاضي الموضوع بغير معقب متى كان ذلك مبنياً على أسباب سائغة، وكان الحكم المطعون فيه قد أسس ما ارتآه من وقف التقادم في الفترة من تاريخ الإفراج عن المطعون عليه في 1/ 6/ 1966 حتى ثورة التصحيح في 15/ 5/ 1971 على أنه "لم يكن بوسع المستأنف عليه (المطعون عليه) وأمثاله ممن كانوا يعتقلون ويزج بهم في السجون والمعتقلات إقامة مثل هذه الدعوى قبل 15/ 5/ 1971 وذلك خوفاً مما كان يتبع قبل ثورة التصحيح من أساليب القهر والإذلال والبطش والتصرفات المخالفة لأبسط قواعد القانون ومبادئ الحرية والقيم الإنسانية الأمر الذي يقف معه التقادم حتى هذا التاريخ" وكان هذا الذي قرره الحكم لا يقوم على علم قضائه الشخصي بل يقوم على الظروف العامة المعروفة للجميع عما كانت تجتازه البلاد والشعب في الفترة السابقة على ثورة التصحيح في 15/ 5/ 1971. وهي أسباب سائغة تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها فإن النعي بهذا الشق يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالشق الثاني من الوجه الثاني من السبب الأول أنه لو صح ما قرره الحكم المطعون فيه أن التقادم كان موقوفاً حتى قيام ثورة التصحيح في 15/ 5/ 1971 فإنه كان يتعين على المطعون عليه أن يرفع دعواه بالتعويض خلال ثلاث السنوات التالية لهذا التاريخ والتي تنتهي في 15/ 5/ 1974 أما وقد رفعها في 3/ 5/ 1975 - فإنها تكون قد سقطت بالتقادم ويكون الحكم المطعون فيه إذ رفض الدفع بالسقوط قد خالف القانون وحاصل النعي بالوجه الثالث من السبب الأول أن الحكم المطعون فيه ذهب إلى أن الدستور صدر في 11/ 9/ 1971 قبل انقضاء المدة المحددة للسقوط بالتقادم الثلاثي وأن الوقائع التي تضمنتها الدعوى تعد جريمة لا تسقط الدعوى المدنية الناشئة عنها بالتقادم في حين أن مفاد نص المادة 57 من الدستور والمواد الثالثة والرابعة والثامنة من القانون رقم 37 لسنة 1972 ومذكرته الإيضاحية أن القاعدة العامة هي انقضاء الدعوى الجنائية وفقاً للمدد المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 15 من قانون الإجراءات الجنائية وانقضاء الدعوى المدنية وفقاً للمواد الواردة في القانون المدني - أما عدم سقوط الدعوى بالتقادم فهو استثناء أورده المشرع في الفقرة الثانية من المادة 15 من قانون الإجراءات الجنائية ويقتصر على الجرائم المنصوص عليها في المواد 117 و126 و127 و282 و309 مكرراً و309 مكرراً ( أ ) من قانون العقوبات والتي تقع بعد يوم 28/ 9/ 1972 تاريخ العمل بالقانون رقم 37 لسنة 1972 سالف الذكر، وعلى الدعاوى المدنية الناشئة عن هذه الجرائم الواردة في ذلك القانون وإذ كانت الدعوى الماثلة لم تنشأ عن إحدى هذه الجرائم كما أن وقائعها حصلت في سنة 1966 أي قبل العمل بأحكام القانون رقم 37 لسنة 1972 فإنها لا تخضع في شأن التقادم للاستثناء الوارد به وإنما تنقضي بالتقادم بانقضاء ثلاث سنوات من تاريخ العلم بالضرر والشخص المسئول عنه وفقاً لنص المادة 172 من القانون المدني. وحاصل النعي بالوجه الرابع من السبب الأول أن - مفاد المادتين 165 و188 من الدستور والمادتين الأولى والثانية من قانون الإجراءات الجنائية والمادة الثامنة من القانون رقم 37 سنة 1972 والمادتين الأولى والثانية من القانون المدني أنه يجب على المحاكم أن تطبق على الدعوى القانون الذي يحكمها وهو بخصوص الدعوى الماثلة القانون المدني والمادة 172 منه بشأن التقادم وكذلك قانون الإجراءات الجنائية فيما تضمنه في المادتين 15 و259 المعدلتين بالقانون رقم 37 لسنة 1972 من أن القاعدة العامة هي انقضاء الدعوى الجنائية، والاستثناء هو عدم انقضائها بالنسبة لجرائم معينة إذا وقعت بعد 28/ 9/ 1972 تاريخ العمل بالقانون رقم 37 لسنة 1972، وانقضاء الدعوى المدنية بمضي المدة المقررة في القانون المدني فيما عدا الدعاوى الناشئة عن الجرائم المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 15 من قانون الإجراءات الجنائية إذا وقعت بعد تاريخ العمل بالقانون رقم 37 لسنة 1972، وذلك حتى لو كانت تلك النصوص تتضمن أحكاماً مخالفة للدستور طالما لم يدفع أمامها بعدم دستوريتها، فإذا دفع أمامها بعدم دستوريتها تعين على المحكمة أن توقف نظر الدعوى حتى تفصل المحكمة العليا في الدفع بعدم الدستورية، باعتبار أن هذه المحكمة الأخيرة هي المختصة - دون غيرها - بالفصل في دستورية القوانين طبقاً لنص الفقرة الأولى من المادة الرابعة من القانون رقم 81 لسنة 1969 وحاصل النعي بالسبب الثاني أن الحكم المطعون فيه حين قضى برفض الدفع بسقوط الدعوى بالتقادم الثلاثي ذهب إلى أن الدستور جعل من مثل الوقائع التي تضمنتها صحيفة الدعوى جريمة لا تسقط الدعوى المدنية الناشئة عنها بالتقادم دون أن يبين ماهية هذه الجريمة وما إذا كانت من الجرائم التي تخضع للقاعدة العامة في انقضاء الدعوى الجنائية أم من الجرائم التي استثناها المشرع من هذه القاعدة الأمر الذي يجعله مشوباً بالقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن النص في المادة 41 من الدستور المعمول به في 11/ 9/ 1971 على أن "الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة.." وفي المادة 57 منه على أن "كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم وتكفل الدولة تعويضاً عادلاً لمن وقع عليه الاعتداء" مفاده أن الاعتداء الذي منع الدستور وقوعه على الحرية الشخصية هو كل ما من شأنه تقييدها في غير الحالات التي يقرها القانون، كالقبض على الشخص أو حبسه أو منعه من التنقل في غير الحالات التي يقرها القانون. وهو ما يعتبر جريمة بمقتضى المادة 280 من قانون العقوبات التي نصت على أن "كل من قبض على أي شخص أو حبسه أو حجزه بدون أمر أحد الحكام المختصين بذلك وفي غير الأحوال التي تصرح فيها القوانين واللوائح بالقبض على ذوي الشبهة يعاقب بالحبس أو بغرامة لا تتجاوز عشرين جنيهاً مصرياً" لما كان ذلك وكان ما نصت عليه المادة 57 من الدستور من أن الاعتداء على الحرية الشخصية يعتبر جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية والدعوى المدنية الناشئة عنها بالتقادم إنما هو صالح بذاته للإعمال من يوم العمل بالدستور، دون حاجة إلى سن تشريع آخر أدنى في هذا الخصوص، إذ أن تلك الجريمة نصت عليها المادة 280 من قانون العقوبات. ولما كانت محكمة الموضوع لم تعرض للفصل في دستورية القانون رقم 37 سنة 1972 إذ أن الجريمة المنصوص عليها في المادة 280 من قانون العقوبات ليست من بين الجرائم التي نص عليها ذلك القانون، أما ما نصت عليه المادة 191 من الدستور من أن "كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الدستور يبقى صحيحاً ونافذاً ومع ذلك يجوز إلغاؤها أو تعديلها وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة في هذا الدستور" فإن حكمه لا ينصرف بداهة إلا إلى التشريع الذي لم يعتبر ملغياً أو معدلاً بقوة نفاذ الدستور ذاته بغير حاجة إلى تدخل من المشرع - وإذ كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه بعد أن استخلص أن التقادم بالنسبة لدعوى المطعون عليه قد وقف سريانه حتى تاريخ ثورة التصحيح في 15/ 5/ 1971 وأن دعوته للسريان - لا تكون إلا من هذا التاريخ - وإذ لم تكن مدة التقادم قد اكتملت في تاريخ نفاذ الدستور في 11/ 9/ 1971 - فلا تسقط تلك الدعوى بالتقادم إعمالاً لنص المادة 57 منه. فإن النعي برمته يكون في غير محله.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.


[(1)] راجع نقض جنائي 24/ 3/ 1975 مجموعة المكتب الفني س 26 ص 258.