أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 41 - صـ 115

جلسة 4 من يناير سنة 1990

برئاسة السيد المستشار/ درويش عبد المجيد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد عبد المنعم حافظ، د. رفعت عبد المجيد نائبي رئيس المحكمة، محمد خيري الجندي ومحمد شهاوي.

(26)
الطعن رقم 357 لسنة 56 القضائية

(1، 2) مسئولية "ركن الخطأ". دعوى تكييف الفعل بأنه خطأ مسألة قانونية". محكمة الموضوع. نقض "سلطة محكمة النقض". تعويض.
1 - تكييف الفعل بأنه خطأ من عدمه. خضوعه لرقابة محكمة النقض. استخلاص الخطأ الموجب للمسئولية من سلطة محكمة الموضوع متى كان سائغاً.
2 - مسئولية الحكومة عن الأضرار التي تلحق الأفراد بسبب الاضطرابات والقلاقل لا تقوم إلا إذا ثبت أن القائمين على شئون الأمن قد امتنعوا عن القيام بواجباتهم وقصروا في إدارتها تقصيراً يمكن وصفة في الظروف الاستثنائية التي وقع فيها الحادث بأنه خطأ.
3 - إثبات. حكم " تسبيب الحكم" "قضاء القاضي بعلمه".
نفي الحكم مسئولية الحكومة عن أعمال الشغب والاضطرابات والقلاقل خلال أيام 17، 18، 19 يناير 1977 لما اتخذته من إجراءات للحيلولة دون تفاقم الأمر. ليس من قبيل قضاء القاضي بعلمه الشخصي.
1 - المقرر في قضاء المحكمة أنه وإن كان تكييف الفعل المؤسس عليه التعويض بأنه خطأ أو نفي هذا الوصف عنه هو من المسائل التي يخضع قضاء محكمة الموضوع فيها لرقابة محكمة النقض، إلا أن استخلاص قيام الخطأ أو نفي ثبوته هو مما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع ما دام هذا الاستخلاص سائغاً ومستمداً من عناصر تؤدي إليه من وقائع الدعوى.
2 - مسئولية الحكومة عن الأضرار التي تلحق بسبب الاضطرابات والقلاقل لا تقوم إلا إذا ثبت أن القائمين على شئون الأمن قد امتنعوا عن القيام بواجباتهم وقصروا في إدارتها تقصيراً يمكن وصفه في الظروف الاستثنائية التي وقع فيها الحادث بأنه خطأ.
3 - لما كان ما أورده الحكم المطعون فيه في نفي خطأ الحكومة سائغاً مستمداً من عناصر لها أصلها الثابت من واقع مطروح في الدعوى وكان ما ورد به من تقريرات واقعية تتعلق بالظروف التي أحاطت يوم الحادث المدعى به لا تعدو أن تكون من قبيل ما يحصله القاضي استقاءً من عمله بالظروف العامة المعروفة لدى الجميع عما كانت عليه الاضطرابات والقلاقل وأعمال الشغب وما اتخذته الحكومة من إجراءات للحيلولة دون تفاقم الأمر خلال أيام 17، 18، 19 من يناير سنة 1977 وكان الطاعن لم يثبت أن من كان موجوداً من قوات رجال الأمن قريباً من مكان الحادث قد امتنع عن القيام بواجبه في منع المتظاهرين من إشعال الحريق والإتلاف بالملهى الذي يملكه فإن ما يثيره من نعي يكون على غير أساس.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 8089 لسنة 79 جنوب القاهرة على المطعون ضدهم يطلب الحكم بإلزامهم بأن يؤدوا إليه مبلغ مائتين وخمسين ألف جنيه على سند من القول أنه في يوم 19 من يناير سنة 1977 قام المتظاهرون بإتلاف وسلب وأشغال الحريق بالملهى الذي يمتلكه بشارع الأهرام نتيجة امتناع وتقصير من تصادف وجوده من رجال الأمن في الحيلولة دون قيامه وإذ يقدر التعويض الجابر لما أصابه من ضرر بالمبلغ المطالب به. فقد أقام الدعوى ليقضي له بمطلبه. وبتاريخ 27 نوفمبر سنة 1980 قضت محكمة أول درجة برفض الدعوى. استأنف الطاعن هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 5802 لسنة 97 قضائية. وفي 14 ديسمبر سنة 1985 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن حاصل أسباب الطعن أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وعاره القصور في التسبيب وخالف الثابت في الأوراق، ذلك بأن الحكم إذ أقام قضاءه في نفي مسئولية المطعون ضدهم عن خطأ تابعيهم من القائمين على حفظ الأمن في الامتناع عن القيام بواجباتهم وتقصيرهم فيها على خلو الأوراق من دليل قيامة رغم تمسكه في صحيفة داعوه عدد من رجال الأمن امتنعوا عن الحيلولة دون وقوع الإتلاف والتخريف الذي لحق الملهى الذي يمتلكه، واستند في نفي خطئهم على قيام الحكومة بنشر قوات الأمن وإنزال رجال القوات المسلحة لتدعيمهم في المحافظة على الأرواح والممتلكات فتعذر عليها منع حوادث الإتلاف ومن بينها حادث تخريب ملهى الطاعن نتيجة لاتساع نطاق المظاهرات وأعمال الشغب في كافة أنحاء القاهرة الكبرى في وقت واحد، دون أن يبين المصدر الذي استقى منه هذا الأمر ومورده من الأوراق وينطوي في حقيبته على قضاء بعلم القاضي الشخصي في الدعوى فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك بأن المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه ولئن كان تكييف الفعل المؤسس التعويض بأنه خطأ أو نفي هذا الوصف عنه هو من المسائل التي يخضع قضاء محكمة الموضوع فيها لرقابة محكمة النقض إلا أن استخلاص قيام الخطأ أو نفي ثبوته هو مما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع ما دام هذا الاستخلاص سائغاً ومستمداً من عناصر تؤدي، إليه من وقائع الدعوى، وكانت مسئولية الحكومة عن الأضرار التي تلحق الأفراد بسبب الاضطرابات والقلاقل لا تقوم إلا إذا ثبت أن القائمين على شئون الأمن قد امتنعوا عن القيام بواجباتهم وقصروا في إدارتها تقصيراً يمكن وصفه في الظروف الاستثنائية التي وقع فيها الحادث بأنه خطأ، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد في مدوناته بصدد استخلاص نفي خطأ المطعون ضدهم قوله "وإذ كان الثابت من صحيفة افتتاح الدعوى أن المستأنف (الطاعن) يقرر بأنه كان يتواجد حال مداهمة المشاغبين للملهى نفر قليل من رجال الأمن وكان تنظيم قوات الأمن وتوزيعها وتحديد عددها هو من المسائل التي تنأى عن رقابة المحاكم، ومن ثم فإنه والحال على ما وصفه المستأنف في دفاعه ويعلمه الكافة أنه خلال تلك الأيام كانت المظاهرات تملأ أنحاء القاهرة الكبرى مما دعا الحكومة إلِى إنزال قوات الأمن بجميع الأماكن للمحافظة على الأرواح والممتلكات وهو الواجب الأول لرجال الأمن كما سارعت الدولة إلى إنزال رجال القوات المسلحة بعد تفاقم الأمور لتساعد قوات الأمن في المحافظة على أمن العاصمة وضواحيها، فإذا ما حدثت بالرغم من تلك الظروف الاستثنائية التي لابست حوادث 17، 18، 19 يناير حوادث شغب وإتلافات فإنه كان من المتعذر على تلك القوات بسبب ذلك منع حوادث الإتلاف التي حدثت ومنها إتلاف ملهى المستأنف فإن ذلك لا يكفي بذات هو في تلك الظروف لتوافر ركن الخطأ في حق الحكومة (المستأنف عليهم) فضلاً على أنه لا توجد في الأوراق أو لدى الكافة من الناس العلم بأن القائمين على شئون الأمن قد امتنعوا عن القيام بواجباتهم وقصروا في إدارتها تقصيراً يمكن وصفه في الظروف التي وقع فيها الحادث بأنه خطأ". وكان هذا ما أورده الحكم المطعون فيه في نفي خطأ المطعون ضدهم سائغاً مستمداً من عناصر لها أصلها الثابت من واقع مطروح في الدعوى وكان ما ورد به من تقريرات واقعية تتعلق بالظروف التي أحاطت يوم الحادث المدعى به لا تعدو أن تكون من قبيل ما يحصله القاضي استقاءً من علمه بالظروف العامة المعروفة لدى الجميع عما كانت عليه الاضطرابات والقلاقل وأعمال الشغب وما اتخذته الحكومة من إجراءات للحيلولة دون تفاقم الأمر خلال أيام 17، 18، 19 من يناير سنة 1977 وكان الطاعن لم يثبت أن من كان موجوداً من قوات رجال الأمن قريباً من مكان الحادث قد امتنع عن القيام بواجبه في منع المتظاهرين من إشعال الحريق والإتلاف بالملهى الذي يمتلكه فإن ما يثيره من نعي يكون على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.