أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 30 - صـ 713

جلسة 5 من مارس سنة 1979

برئاسة السيد المستشار نائب رئيس المحكمة مصطفى الفقي وعضوية السادة المستشارين: حافظ رفقي، محمود حسن حسين، والدكتور سعيد عبد الماجد وعاصم المراغي.

(132)
الطعن رقم 24 لسنة 44 القضائية

(1) شركات. "حل الشركة وتصفيتها". دعوى.
حل الشركة وتعيين مصف لها. أثره. زوال صفة مديرها في تمثيلها. صيرورة المصفي صاحب الصفة الوحيد في تمثيلها أمام القضاء.
(2) نقض. "الخصوم في الطعن".
الاختصام في الطعن بالنقض. شرطه. مثال بشأن عدم اختصام مصفي الشركة.
(3) شركات. دعوى. "الطلبات في الدعوى".
طلب تصفية الشركة. تضمنه بطريق اللزوم طلب حلها. القضاء بحل الشركة وتصفيتها. لا يعد قضاء بما لم يطلبه الخصوم.
(4) إثبات. "مبدأ الثبوت بالكتابة".
مبدأ الثبوت بالكتابة. قوته في الإثبات تعادل الكتابة متى أكمل بشهادة الشهود. جواز تكملته بالقرائن القضائية.
(5) نقض. "سبب الطعن".
القضاء بتأييد الحكم الابتدائي. إقامته على أسباب خاصة دون الإحالة لأسباب الحكم الابتدائي. النعي على الأسباب الأخيرة. غير مقبول.
(6) تزوير.
اتخاذ الخصم طريق الطعن بالتزوير. لا يستلزم ترخيصاً له من المحكمة بذلك.
(7) نيابة عامة. بطلان. ولاية على المال. دعوى.
إغفال كاتب المحكمة إخبار النيابة العامة بقضايا القصر. أثره. بطلان الحكم. هذا البطلان نسبي مقرر لمصلحة القصر.
(8) نقض. "سبب الطعن".
إخطار النيابة العامة بقضايا القصر. النعي بإغفال محكمة الاستئناف هذا الإجراء. نعي عار عن الدليل لعدم تقديم الطاعن شهادة رسمية تفيد ذلك.
(9) إثبات. دعوى. "إدخال خصم".
طلب إلزام الخصم المدخل بتقديم محرراً تحت يده. شرط قبوله. المواد 21 - 25 من قانون الإثبات.
(10) شركات. بطلان. شهر.
البطلان المترتب على عدم استيفاء شركات التضامن أو التوصية إجراءات الشهر والنشر المقررة قانوناً. وجوب تمسك صاحب المصلحة بالبطلان. للشركاء التمسك به قبل بعضهم.
(11) بطلان. نقض.
الدفع ببطلان عقد الشركة لعدم شهره ونشره. جواز إبداؤه ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف عدم جواز التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض.
1 - يترتب على حل الشركة زوال صفة مديريها في تمثيلها، ويحل محلهم المصفي الذي عينته المحكمة ويكون هو صاحب الصفة الوحيد في تمثيل الشركة أمام القضاء فيما يرفع منها أو عليها من دعاوى.
2 - جرى قضاء هذه المحكمة على أنه لا يكفي فيمن يختصم في الطعن أن يكون طرفاً في الخصومة أمام المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، بل يجب أيضاً أن يكون قد نازع خصمه أمامها في طلباته أو نازعه خصمه في طلباته هو، وإذ كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المصفي وقف من الخصومة موقفا سلبياً، ولم يوجه للطاعن طلبات، ولم يكن للأخير أي طلبات قبله فمن ثم لا تقوم ثمة مصلحة في اختصامه أمام هذه المحكمة، ويكون الدفع بعدم قبول الطعن لعدم اختصامه على غير أساس.
3 - طلب الحكم بتصفية الشركة يتضمن بالضرورة وبطريق اللزوم العقلي طلب الحكم بحل الشركة، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أيد الحكم الابتدائي في قضائه بحل الشركة وتصفيتها فإنه لا يكون قد قضى بما لم يطلبه الخصوم.
4 - النص في الفقرة الأولى من المادة 62 من قانون الإثبات على أنه "يجوز الإثبات بشهادة الشهود فيما كان يجب إثباته بالكتابة إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة يدل على أن المشرع قد جعل المبدأ الثبوت بالكتابة ما للكتابة من قوة في الإثبات متى أكمله الخصوم بشهادة الشهود ويستوي في ذلك أن يكون الإثبات بالكتابة مشترطاً بنص القانون، أو باتفاق الطرفين، ولما كانت المادة 100 من القانون المشار إليه قد نصت على أن "يترك لتقدير القاضي استنباط كل قرينة لم يقررها القانون، ولا يجوز الإثبات بهذه القرائن إلا في الأحوال التي يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود". فإن مفاد ذلك أن المشرع أجاز الإثبات بالقرائن القضائية في جميع الأحوال التي يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود، وجعل تقدير تلك القرائن منوطاً باطمئنان محكمة الموضوع، ومن ثم فإن مبدأ الثبوت بالكتابة يجوز تكملته بشهادة الشهود كما يجوز تكملته بالقرائن القضائية حتى يكون له ما للكتابة من قوة في الإثبات.
5 - من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أنه إذا قضى الحكم المطعون فيه بتأييد الحكم الابتدائي بناء على أسباب خاصة دون أن يحيل عليه في أسبابه وكان النعي الموجه من الطاعن منصرفاً إلى الحكم الابتدائي، فإنه يكون غير مقبول.
6 - التقرير في قلم الكتاب بالطعن بالتزوير في أي محرر مقدم إلى المحكمة هو رخصة قررها المشرع للخصم إن شاء استعملها دون ما حاجة إلى الترخيص له بذلك من المحكمة.
7 - أجاز المشرع للنيابة العامة في المادة 89 من قانون المرافعات التدخل في قضايا حددها من بينها القضايا الخاصة بالقصر، وأوجب في المادة 92 من هذا القانون على كاتب المحكمة إخبار النيابة العامة في هذه الحالات بمجرد قيد الدعوى حتى تتاح لها فرصة العلم بالنزاع وتقدير مدى الحاجة إلى تدخلها وإبداء رأيها فيه، ويترتب على إغفال هذا الإجراء الجوهري بطلان الحكم، إلا أن هذا البطلان - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - بطلان نسبي مقرر لمصلحة القصر دون غيرهم من الخصوم، وإذ كان الثابت من الأوراق أن الولي الشرعي على القاصر رغم مثوله أمام محكمة أول درجة لم يتمسك بوجوب إخطار النيابة العامة إلا في المذكرة التي قدمها بعد قفل باب المرافعة وحجز الدعوى للحكم والتي التمس فيها فتح باب المرافعة لإخطار النيابة العامة، فإنه لا تثريب على تلك المحكمة إن التفتت عن إجابة هذا الطلب.
(8) النعي على الحكم المطعون فيه. بإغفال محكمة الاستئناف إخطار النيابة العامة هو نعي عار من الدليل إذ لم يقدم الطاعن شهادة رسمية تفيد تخلف قلم كتاب تلك المحكمة عن القيام بهذا الإخطار عقب قيد الاستئناف.
(9) أجازت المادة 26 من قانون الإثبات للمحكمة أن تأذن أثناء سير الدعوى في إدخال الغير لإلزامه بتقديم محرر منتج في الدعوى يكون تحت يده في الأحوال الثلاثة الواردة في المادة 20 من هذا القانون، إلا أن المشرع تطلب مراعاة الأحكام والأوضاع المنصوص عليها في المواد من 21 إلى 25 من ذلك القانون، ومنها ما أوجبته المادة 21 من بيان أوصاف المحرر المطلوب إلزام الغير بتقديمه وفحواه بقدر ما يمكن من التفصيل والواقعة التي يستدل به عليها والدلائل والظروف التي تؤيد أنه تحت يد هذا الخصم المدخل ووجه إلزامه بتقديمه، ونص المشرع في المادة 22 على أنه لا يقبل طلب إلزام الخصم بتقديم المحررات الموجودة تحت يده إذا لم يتضمن البيانات المشار إليها، لما كان ذلك وكان الثابت من صحيفة الاستئناف أن الطاعن طلب فيها احتياطياً إلزام المطعون ضده الثاني (الخصم المدخل في الدعوى) بتقديم المستندات التي كلفه بتقديمها أمام محكمة أول درجة، وكان البين من صحيفة إدخاله أنه كلفه بتقديم ما لديه من عقود واتفاقات وأوراق وحسابات ومستخلصات... ولم يفصح الطاعن في طلب الإلزام عن أوصاف تلك المحررات وفحواها وسائر البيانات التي أوجبت المادة 21 بيانها فإن طلبه يكون غير مقبول ولا تثريب على الحكم المطعون فيه إن التفت عنه.
(10) مفاد نصوص المواد 48، 49، 51، 53 من قانون التجارة والمادة 506 من القانون المدني - مجتمعه أن البطلان الذي يترتب على عدم استيفاء شركات التضامن أو التوصية لإجراءات الشهر والنشر المقررة قانوناً لا يقع بقوة القانون بل يتعين على صاحب المصلحة التمسك به إما بدعوى مبتدأة، أو في صورة دفع يبدى في دعوى مرفوعة، ويعتبر الشركاء أصحاب مصلحة في التمسك ببطلان الشركة قبل بعضهم البعض لأن أياً منهم لا يستحق الحماية فهم على درجة واحدة من الإهمال ومن حق كل منهم أن يتمسك بالبطلان قبل الشركاء الآخرين حتى لا يبقى في شركة مهددة بالبطلان.
11 - الدفع ببطلان عقد الشركة لعدم شهره ونشره لا يعدو أن يكون طريقاً من طرق الدفاع فللخصم إبداؤه في أية حالة تكون عليها الدعوى أمام محكمة الموضوع ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف. ولكن لا يصح طلب البطلان أو الدفع به لأول مرة أمام محكمة النقض.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه، وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده الأول أقام الدعوى رقم... تجاري كلي شمالي القاهرة على الطاعن شخصياً وبصفته ولياً طبيعياً على... وانتهى فيها إلى طلب الحكم بتصفية شركة التوصية البسيطة القائمة بينه وبين الطاعن بصفتيه بموجب العقد المؤرخ 1/ 10/ 1971 وتعيين مصف لها. وقال بياناً لذلك أن هذه الشركة تكونت بموجب العقد المشار إليه لمدة ثلاث سنوات تبدأ من 1/ 10/ 1971 حتى 31/ 12/ 1974 برأس مال قدره 20 ألف جنيه دفع منه عشرة آلاف جنيه، والباقي مناصفة بين الطاعن وولده الشريك الموصي وذلك بغرض الاستيراد والاتجار في المخارط والمقاشط وجميع أدوات الورش ولوازمها على أن تكون الإدارة للشريكين المتضامنين مجتمعين. وطبقاً للبند 11 من العقد يحظر على الشركاء مزاولة أي نشاط مماثل لنشاط الشركة، وفي حالة المخالفة يعتبر العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه بالنسبة للمخالف. وأنه رغم ذلك زاول الطاعن نشاطاً مماثلاً لنشاط الشركة، وأبرم صفقات تجارية لحسابه الخاص مستغلاً مقر الشركة الذي كان يزاول فيه نشاطه قبل قيامها، ولم يقدم له حساباً ببيان الصفقات التي أبرمها منفرداً رغم إنذاره في 10/ 6/ 1972. وقدم المطعون ضده الأول تأييداً لدعواه الإنذار المشار إليه، وصورة فوتوغرافية لعقد الشركة، ونسخة من عقد اتفاق مؤرخ 17/ 10/ 1971 أبرم بين الشركة - وقد وقع عنها مع الطاعن - وبين المطعون ضده الثاني للقيام بعمليات تجارية. لم يعترف الطاعن بالصورة الفوتوغرافية لعقد الشركة وطلب تقديم الأصل، وأوضح المطعون ضده أنه سلم الأصل للطاعن لإجراء الشهر ولم يرده إليه، ووعد الطاعن بتقديمه ولكنه لم يفعل. وبعد أن غرمته المحكمة أنكر وجود الشركة وقال أن الأمر لا يعدو قيام شركة خاصة. وبتاريخ 20/ 2/ 1973 قضت محكمة أول درجة بحل الشركة وتعيين مصف لها، فاستأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم... القاهرة. وبتاريخ 15/ 11/ 1973 قضت محكمة استئناف القاهرة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف - طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وأودع المطعون ضده الأول مذكرة دفع فيها بعدم قبول الطعن، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الدفع ورفض الطعن. وإذ عرض الطعن على هذه - المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مبنى الدفع المبدى من المطعون ضده الأول بعدم قبول الطعن هو إغفال اختصام المصف رغم اختصامه أمام محكمة الاستئناف، ورغم أنه هو الذي يمثل الشركة قانوناً في مرحلة التصفية، وهو ما يضحى معه الحكم المطعون فيه باتاً بالنسبة له ويجعل الطعن عديم الجدوى وغير مقبول.
وحيث إن هذا الدفع غير سديد ذلك أنه وإن كان يترتب على حل الشركة زوال صفة مديريها في تمثيلها، ويحل محلهم المصفي الذي عينته المحكمة ويكون هو صاحب الصفة الوحيد في تمثيل الشركة أمام القضاء فيما يرفع منها أو عليها من دعاوى، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المصفي الذي عينته محكمة أول درجة قد اختصم في الاستئناف، إلا أنه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يكفي فيمن يختصم في الطعن أن يكون طرفاً في الخصومة أمام المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه بل يجب أيضاً أن يكون قد نازع خصمه أمامها في طلباته أو نازعه خصمه في طلباته هو، وإذ كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المصفي وقف من الخصومة موقفاً سلبياً، ولم يوجه للطاعن، طلبات، ولم يكن للأخير أي طلبات قبله، فمن ثم لا تقوم ثمة مصلحة في اختصامه أمام هذه المحكمة، ويكون الدفع بعدم قبول الطعن لعدم اختصامه على غير أساس.
وحيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على ستة أسباب حاصل أولها أن الحكم المطعون فيه خالف القانون، وفي بيان ذلك يقول الطاعن أن المطعون ضده الأول أقام دعواه طالباً الحكم بتصفية الشركة موضوع التداعي، وهو طلب غير مقبول ما لم يكن نتيجة لحل الشركة اتفاقاً أو قضاء، ولما كان الطاعن لم يطلب صراحة الحكم له بحل الشركة طبقاً لنص المادة 530 من القانون المدني واقتصر على طلب تصفيتها. فإن الحكم المطعون فيه إذ أيد الحكم الابتدائي في قضائه بحل الشركة فإنه يكون قد قضى بما لم يطلبه الخصوم فجاء مخالفاً للقانون بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أن البين من مدونات الحكم الابتدائي أن المطعون ضده الأول ركن في دعواه إلى إخلال الطاعن بتعهداته المنصوص عليها في عقد الشركة إذ قام منفرداً بعقد صفقات تجارية دون الرجوع إليه مخالفاً بذلك البند السادس من العقد الذي يجعل الإدارة للشريكين المتضامنين مجتمعين، فضلاً عن مزاولته نشاطاً منفرداً مماثلاً لنشاط الشركة بما يخالف البند 11 من العقد ويجيز له (أي للمطعون ضده الأول) طلب حل الشركة طبقاً لنص المادة 530 من القانون المدني. وانتهى إلى طلب الحكم بتصفية الشركة، وإذ كان هذا الطلب يتضمن بالضرورة وبطريق اللزوم العقلي طلب الحكم بحل الشركة، وكان الحكم المطعون فيه قد أيد الحكم الابتدائي في قضائه بحل الشركة وتصفيتها فإنه لا يكون قد قضى بما لم يطلبه الخصوم ويكون النعي عليه بهذا السبب في غير محله.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون، وفي بيان ذلك يقول أن المادة 507 من القانون المدني قد نصت على أن يكون إثبات عقد الشركة بالكتابة ورتبت البطلان جزاء على عدم الكتابة، وأنه وإن كان المشرع قد أجاز في المادة 62 من قانون الإثبات تكمله مبدأ الثبوت بالكتابة بشهادة الشهود، إلا أن ذلك استثناء لا يجوز التوسع فيه باللجوء إلى طريق آخر غير شهادة الشهود، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وساير الحكم الابتدائي في اعتبار العقد المبرم بتاريخ 17/ 10/ 1971 فيما بين طرفي عقد الشركة موضوع التداعي وبين المطعون ضده الثاني مبدأ ثبوت بالكتابة وأكمله بالصورة الفوتوغرافية لعقد تلك الشركة رغم إنكار الطاعن لها فإنه يكون قد أخطأ في القانون بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن النص في الفقرة الأولى من المادة 62 من قانون الإثبات على أنه: "يجوز الإثبات بشهادة الشهود فيما كان يجب إثباته بالكتابة إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة". يدل على أن المشرع قد جعل لمبدأ الثبوت بالكتابة ما للكتابة من قوة في الإثبات متى أكمله الخصوم بشهادة الشهود، ويستوي في ذلك أن يكون الإثبات بالكتابة مشترطاً بنص القانون، أو باتفاق الطرفين، ولما كانت المادة 100 من القانون المشار إليه قد نصت على أن "يترك لتقدير القاضي استنباط كل قرينة لم يقررها القانون، ولا يجوز الإثبات بهذه القرائن إلا في الأحوال التي يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود" فإن مفاد ذلك أن المشرع أجاز الإثبات بالقرائن القضائية في جميع الأحوال التي يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود، وجعل تقدير تلك القرائن منوطاً باطمئنان محكمة الموضوع، ومن ثم فإن مبدأ الثبوت بالكتابة يجوز تكملته بشهادة الشهود كما يجوز تكملته بالقرائن القضائية حتى يكون له ما للكتابة من قوة في الإثبات. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر وأقام قضاءه على اعتبار أن العقد المؤرخ 17/ 10/ 1971 المبرم فيما بين الشركة التجارية للآلات الكاتبة ويمثلها كل من الطاعن والمطعون ضده الأول (الموقعين عليه) وبين المطعون ضده الثاني يعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة لأن من شأنه أن يجعل ثبوت قيام الشركة فيما بين الطاعن والمطعون ضده الأول قريب الاحتمال، وأجاز تكملته - في حدود سلطته التقديرية - بالقرينة الفضائية المستمدة من الصورة الفوتوغرافية لعقد الشركة المؤرخ 1/ 10/ 1971 فتوافر بذلك الدليل الكامل المثبت لقيام الشركة، فإن الحكم يكون قد أصاب صحيح القانون ويضحى النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون والإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك يقول إنه بعد أن كلفته المحكمة بتقديم أصل عقد الشركة التي قدم المطعون ضده الأول صورته الفوتوغرافية وامتنع عن تقديمه، اعتدت بتلك الصورة استناداً للمادة 20 وما بعدها من قانون الإثبات دون مراعاة ما تتطلبه تلك المواد من توجيه يمين الطاعن وإصدار حكم باعتبار الصورة مطابقة للأصل قبل الحكم في الموضوع حتى يتسنى للطاعن إبداء دفاعه في الدعوى على هذا الأساس، هذا فضلاً عن أن محكمة الاستئناف لم تجبه إلى طلب إلزام المطعن ضده الأول بتقديم أصل عقد الشركة للطعن عليه بالتزوير، ولم تكلف الطاعن بالطعن على الصورة بالتزوير فجاء حكمها معيباً بالخطأ في القانون والإخلال بحق الدفاع بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك أنه في شقه الأول موجه إلى الحكم الابتدائي الذي اعتبر الصورة الفوتوغرافية صحيحة ومطابقة لأصلها إعمالاً لنص المادة 20 وما بعدها من قانون الإثبات تأسيساً على امتناع الطاعن عن تقديم أصل عقد الشركة رغم إلزامه بذلك وتعهداه بتقديمه، في حين أن الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه لم يحل في قضائه إلى أسباب الحكم الابتدائي بل أقامه على أسباب خاصة هي اعتبار العقد المؤرخ 17/ 10/ 1971 المبرم فيهما بين الشركة التجارية للآلات الكاتبة التي يمثلها كل من الطاعن والمطعون ضده الأول وبين المطعون ضده الثاني مبدأ ثبوت بالكتابة تكملة القرينة القضائية التي استخلصتها المحكمة الاستئنافية من الصورة الفوتوغرافية لعقد الشركة المؤرخ 1/ 10/ 1971، ولما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه إذا قضى الحكم المطعون فيه بتأييد الحكم الابتدائي بناء على أسباب خاصة دن أن يحيل عليه في أسبابه وكان النعي الموجه من الطاعن منصرفاً إلى الحكم الابتدائي، فإنه يكون غير مقبول. والنعي بهذا السبب في شقه الثاني في غير محله، ذلك أن الحكم المطعون فيه - وعلى ما سلف البيان - لم يعتبر الصورة الفوتوغرافية لعقد الشركة دليلاً كاملاً بل اتخذ منها قرينة قضائية لتكملة مبدأ الثبوت بالكتابة هذا فضلاً عن أن التقرير في قلم الكتاب بالطعن بالتزوير في أي محرر مقدم إلى المحكمة هو رخصه قررها المشرع للخصم إن شاء استعملها دون ما حاجة إلى الترخيص له بذلك من المحكمة.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون ويقول بياناً لذلك أنه تمسك ببطلان الحكم الصادر من محكمة أول درجة لعدم إخطار النيابة رغم اختصاص قاصر في الدعوى ولكن محكمة الاستئناف أطرحت هذا الدفاع بمقولة أن البطلان المترتب على ذلك بطلان نسبي لمصلحة القاصر ويتعين التمسك به أمام المحكمة وأن الطاعن لم يبد هذا الدفاع إلا في الطلب المقدم منه بعد قفل باب المرافعة وفاتها أن الطلب كان مطروحاً عليها في صحيفة الاستئناف.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه وإن كان المشرع قد أجاز للنيابة العامة في المادة 79 من قانون المرافعات التدخل في قضايا حدد من بينها القضايا الخاصة بالقصر، وأوجب في المادة 92 من هذا القانون على كاتب المحكمة إخبار النيابة العامة في هذه الحالات بمجرد قيد الدعوى حتى تتاح لها فرصة العلم بالنزاع وتقدير مدى الحاجة إلى تدخلها وإبداء رأيها فيه، وأنه يترتب على إغفال هذا الإجراء الجوهري بطلان الحكم، إلا أن هذا البطلان - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - بطلان نسبي مقرر لمصلحة القصر دون غيرهم من الخصوم، وإذ كان الثابت من الأوراق أن الولي الشرعي على القاصر رغم مثوله أمام محكمة أول درجة لم يتمسك بوجوب إخطار النيابة العامة إلا في المذكرة التي قدمها بعد قفل باب المرافعة وحجز الدعوى للحكم والتي التمس فيها فتح باب المرافعة لإخطار النيابة العامة، فإنه لا تثريب على تلك المحكمة إن التفتت عن إجابة هذا الطلب، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر في الرد على ما تمسك به الطاعن من بطلان الحكم الابتدائي لعدم إخطار النيابة العامة فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون، ويكون النعي عليه في هذا الصدد على غير أساس، وبالنسبة لما ينعى به الطاعن على الحكم المطعون فيه بإغفال محكمة الاستئناف إخطار النيابة العامة فإنه نعي عار من الدليل إذ لم يقدم الطاعن شهادة رسمية تفيد تخلف قلم كتاب تلك المحكمة عن القيام بهذا الإخطار عقب قيد الاستئناف ومن ثم يكون النعي في هذا الشق غير مقبول.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الخامس هو القصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول الطاعن أنه قرر بأن هناك شركة معقودة بينه وبين ابنه القاصر مسجله ومشهره طبقاً لأحكام قانون التجارة في تاريخ سابق على العقد المدعى به وأن ما أبرمه الطرفان مع المطعون ضده الثاني هو صورة من صور المحاصة بينهما استعارا فيها اسم مؤسسة الطاعن لذلك طلب إدخال المطعون ضده الثاني ليقدم ما لديه من أوراق - لأنها تنبئ عن تخالص تم بين الطاعن والمطعون ضده الأول انقضت به العلاقة بينهما ومع ذلك لم تحفل المحكمة بهذا الدفاع، ولم تقض في طلب الطاعن إلزام المطعون ضده الثاني بتقديم المستندات التي طلبها وهو ما يعتبر إطراحاًً لدفاع جوهري لو تم تحقيقه لتغير وجه الرأي في الدعوى وبذلك جاء الحكم مشوباً بالقصور.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أنه وإن كانت المادة 26 من قانون الإثبات قد أجازت للمحكمة أن تأذن أثناء سير الدعوى في إدخال الغير لإلزامه بتقديم محرر منتج في الدعوى يكون تحت يده في الأحوال الثلاثة الواردة في المادة 20 من هذا القانون، إلا أن المشرع تطلب مراعاة الأحكام والأوضاع المنصوص عليها في المواد من 21 إلى 25 من ذلك القانون، ومنها ما أوجبته المادة 21 من بيان أوصاف المحرر المطلوب إلزام الغير بتقديمه وفحواه بقدر ما يمكن من التفصيل والواقعة التي يستدل به عليها والدلائل والظروف التي تؤيد أنه تحت يد هذا الخصم المدخل ووجه إلزامه بتقديمه، ونص المشرع في المادة 22 على أنه لا يقبل طلب إلزام الخصم بتقديم المحررات الموجودة تحت يده إذا لم يتضمن البيانات المشار إليها، لما كان ذلك، وكان الثابت من صحيفة الاستئناف أن الطاعن طلب فيها احتياطياً إلزام المطعون ضده الثاني (الخصم المدخل في الدعوى) بتقديم المستندات التي كلفه بتقديمها أمام محكمة أول درجة، وكان البين من صحيفة إدخاله أنه كلفه بتقديم ما لديه من عقود واتفاقات وأوراق وحسابات ومستخلصات عملية المحاصة المبرم عقدها في 17/ 10/ 1971 ولم يفصح الطاعن في طلب الإلزام عن أوصاف تلك المحررات وفحواها وسائر البيانات التي أوجبت المادة 21 بيانها فإن طلبه يكون غير مقبول ولا تثريب على الحكم المطعون فيه إن التفت عنه، ويكون النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب السادس على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول إنه قدم عقداً مشهراً لشركة تحمل اسم الشركة المقضي بحلها سابق على عقد تلك الشركة الذي لم يتم شهره وبذلك فإن القضاء بالحل سوف يرد على شركة مشهره بناء على طلب ممن ليس طرفاً فيها ذلك أن الشركة التي يدعي المطعون ضده الأول قيامها - على فرض قيامها - لم يسجل عقدها ولا يصلح بذلك للاحتجاج به بين طرفيه، ومع ذلك فقد أنزله قضاء الموضوع منزلة العقد الصحيح ورتب عليه آثاره مع أنه على فرض وجوده لا يعدو أن يكون اتفاقاً بشأن شركة محاصة تنقضي بانقضاء الأعمال التي ورد عليها، وهو ما يؤكده الطلب الذي تقدم به المطعون ضده الثاني والثابت فيه أن المطعون ضده الأول استوفى حقوقه منه ومن الطاعن أيضاً. ومن ناحية أخرى فقد أنكر الطاعن على المطعون ضده الأول في صحيفة الاستئناف أنه دفع إليه مالاً كحصة في رأس مال الشركة، وليس في صورة العقد المقدمة منه ما يدل على وفائه بهذه الحصة، كما أن هذه الصورة دالة على أنه المسئول عن حسابات الشركة ومسك دفاترها على نحو يجعل قيام الشركة وتنفيذ عقدها قولاً غير صحيح. ومع أهمية هذا الدفاع فيما يدل عليه من عدم انعقاد عقد الشركة أولاً وبطلانه ثانياً فقد أطرح قضاء الموضوع هذا الدفاع ولم يحفل بالرد عليه وفي ذلك قصور مبطل.
وحيث إن هذا النعي في شقه الخاص ببطلان عقد الشركة غير مقبول ذلك أن النص في المادتين 48، 49 من قانون التجارة على إجراءات الشهر والنشر الواجب اتخاذها بالنسبة لشركات التضامن والتوصية، والنص في المادة 51 منه على أنه إذا لم تستوف هذه الإجراءات كانت الشركة باطلة، والنص في المادة 53 على أنه لا يجوز للشركاء أن يحتجوا بهذا البطلان على غيرهم وإنما لهم الاحتجاج به على بعضهم بعضاً، والنص في المادة 506 من القانون المدني على أن تعتبر الشركة بمجرد تكوينها شخصاً اعتبارياً ولكن لا يحتج بهذه الشخصية على الغير إلا بعد استيفاء إجراءات النشر التي يقررها القانون، ومع ذلك للغير إذا لم تقم الشركة بإجراءات النشر المقررة أن يتمسك بشخصيتها، فإن مفاد هذه النصوص مجتمعه أن البطلان الذي يترتب على عدم استيفاء شركات التضامن أو التوصية لإجراءات الشهر والنشر المقررة قانوناً لا يقع بقوة القانون بل يتعين على صاحب المصلحة التمسك به إما بدعوى مبتدأة، أو في صورة دفع يبدى في دعوى مرفوعة، ويعتبر الشركاء أصحاب مصلحة في التمسك ببطلان الشركة قبل بعضهم البعض لأن أياً منهم لا يستحق الحماية فهم على درجة واحدة من الإهمال ومن حق كل منهم أن يتمسك بالبطلان قبل الشركاء الآخرين حتى لا يبقى في شركة مهددة بالبطلان. ولما كان الدفع بالبطلان لا يعدو أن يكون طريقاً من طرق الدفع فإن للخصم إبداؤه في أية حالة تكون عليها الدعوى أمام محكمة الموضوع ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف. ولكن لا يصح طلب البطلان أو الدفع به لأول مرة أمام محكمة النقض. وإذ كانت الأوراق لا يبين منها أن الطاعن تمسك أمام محكمة الموضوع ببطلان عقد الشركة لعدم شهره فإن إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض يكون غير مقبول. أما بالنسبة لباقي ما يثيره الطاعن في سبب النعي فلا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الأدلة والقرائن وفهم الواقع في الدعوى مما يدخل في السلطة التامة لمحكمة الموضوع وحسبها أن تبين في حكمها الحقيقة التي استخلصتها من أوراق الدعوى واقتنعت بها متى كان استخلاصها سائغاً وله أصل ثابت في الأوراق، وهي غير ملزمة بأن تتبع الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم وترد استقلالاً على كل قول أو حجة أثاروها ما دام قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها يتضمن الرد الضمني المسقط لتلك الحجج التي والأقوال، لما كان ذلك وكان البين من مدونات الحكم المطعون فه أنه أقام قضاءه على أساس قيام عقد الشركة استناداً إلى عقد الاتفاق المؤرخ 17/ 10/ 1971 باعتباره مبدأ ثبوت بالكتابة تكمله القرينة المستمدة من الصورة الفوتوغرافية لعقد الشركة التي قدمها المطعون ضده الأول - وعلى نحو ما سبق في معالجة السبب الثاني من أسباب الطعن - وكان هذا الاستخلاص سائغاً وله أصل ثابت في الأوراق ويؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها محكمة الاستئناف فإن مجادلة الطاعن في ذلك تعتبر مجادلة منه لسلطة محكمة الموضوع في فهم الواقع وتقدير الأدلة مما تنحصر عنه رقابة محكمة النقض ويكون النعي بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.