أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 30 - صـ 742

جلسة 7 من مارس سنة 1979

برئاسة السيد المستشار/ مصطفى كمال سليم نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: سليم عبد الله سليم، محمد عبد العزيز الجندي، أمين طه أبو العلا وسامي الكومي.

(136)
الطعن رقم 784 لسنة 45 القضائية

(1) إثبات "عبء الإثبات". عقد. مسئولية "المسئولية التقصيرية". نقل.
عقد نقل الأشخاص. إصابة الراكب بضرر أثناء تنفيذ العقد. تحقق مسئولية الناقل دون حاجة لإثبات خطئه. انتفاء مسئوليته إذا كان الحادث نتيجة قوة قاهرة أو خطأ المضرور أو الغير وحده.
(2) عقد. مسئولية "مسئولية عقدية".
عقد نقل الأشخاص. خطأ الغير الذي يعفي الناقل من المسئولية قبل الراكب المضرور. شرطه. ألا يكون في مقدور الناقل توقعه أو تفاديه وأن يكون وحده هو سبب الضرر.
1 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن عقد نقل الأشخاص يلقي على عاتق الناقل التزاماً بضمان سلامة الراكب وهو التزام بتحقيق غاية فإذا أصيب الراكب بضرر أثناء تنفيذ عقد النقل تقوم مسئولية الناقل عن هذا الضرر بغير حاجة إلى إثبات وقوع خطأ من جانبه، ولا ترتفع هذه المسئولية إلا إذا أثبت هو أن الحادث نشأ عن قوة قاهرة أو عن خطأ من الراكب المضرور أو خطأ من الغير.
2 - يشترط في خطأ الغير الذي يعفي الناقل من المسئولية إعفاء كاملاً، ألا يكون في مقدور الناقل توقعه أو تفاديه وأن يكون هذا الخطأ وحده هو الذي سبب الضرر للراكب.
لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أن الضرر قد نشأ عن قوة قاهرة أو عن خطأ الغير، حالة أنه يشترط لاعتبار الحادث قوة قاهرة عدم إمكان توقعه واستحالة دفعه أو التحرز منه، ولما كان سقوط الأمطار وأثرها على الطريق الترابي - في الظروف والملابسات التي أدت إلى وقوع الحادث في الدعوى الماثلة من الأمور المألوفة التي يمكن توقعها ولا يستحيل على قائد السيارة المتبصر التحرز منها، وكان الخطأ المنسوب لقائد سيارة النقل قد انتفى بحكم جنائي قضى ببراءته والتزم الحكم المطعون فيه بحجيته في هذا الخصوص فإنه إذ قضى برفض دعوى الطاعنين بمقولة إن الحادث وقع بسبب أجنبي لا يد لقائد الأتوبيس فيه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعنتين أقامتا الدعوى رقم... مدني كلي جنوب القاهرة بطلب الحكم بإلزام المطعون ضدهما بصفتهما - وبالتضامن - بأن يدفعا للأولى عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها القصر مبلغ 12000 ج وللثانية 1500 ج تعويضاً عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت بهما من جراء وفاة مورثهما في حادث أثناء ركوبه سيارة أوتوبيس تابعة للمطعون ضده الأول نتيجة تصادمها مع سيارة نقل قدمت النيابة العامة قائدها إلى المحاكمة في القضية... جنح السنبلاوين بتهمة القتل الخطأ فقضى انتهائياً ببراءته تأسيساً على أن قائد سيارة الأوتوبيس - الذي توفى أثر الحادث - هو المخطئ، وأنه لما كان المطعون ضده الأول مسئولاً عن خطأ تسابقه طبقاً لقواعد المسئولية التقصيرية فضلاً عن المسئولية العقدية كأمين للنقل، وكان المطعون ضده الثاني ملتزماً كمؤمن بتغطية المسئولية المدنية من حوادث السيارات بحكم المادة الخامسة من القانون رقم 652 سنة 1955 بشأن التأمين الإجباري من المسئولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات، فقد حق لهما رفع هذه الدعوى بالطلبات السابقة - وبتاريخ 23/ 4/ 1974 قضت المحكمة (أولاً) بسقوط حق الطاعنتين في إقامة الدعوى المباشرة قبل المطعون ضده الثاني بصفته (ثانياً) بإلزام المطعون ضده الأول بصفته بأن يؤدي للطاعنة الأولى عن نفسها مبلغ 500 ج ولها بصفتها وصية على أولادها القصر 4000 ج تقسم بالتساوي بينهم وبأن يؤدي للطاعنة الثانية مبلغ 800 ج، استأنف المطعون ضده الأول هذا الحكم بالاستئناف... ق القاهرة كما استأنفت الطاعنتان بالاستئناف... ق، قررت المحكمة ضم الأخير للأول ليصدر فيهما حكم واحد - وبتاريخ 6/ 5/ 1975 حكمت بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدفع بسقوط حق الطاعنتين في رفع دعواهما بالتقادم وبرفض الدعوى، طعنت الطاعنتان في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنتان على الحكم المطعون فيه - بالسبب الأول - الخطأ في تطبيق القانون إذ أقام قضاءه على أن الحادث وقع بسبب أجنبي لا يد لقائد سيارة الأوتوبيس فيه يتمثل في سقوط الأمطار فاعتبرها الحكم قوة قاهرة وفي خطأ قائد سيارة النقل بمقولة أنه اعترض فجأة سيارة الأوتوبيس، ورتب على هذا انتفاء علاقة السببية بين الخطأ - المنسوب لقائدها وبين الضرر فأسقط بذلك مسئولية الشركة الناقلة والشركة المؤمنة حالة أن المطر لا يعتبر قوة قاهرة لتوقعه وإمكان دفعه ولم يكن سبباً في تصادم السيارتين كما انتفى خطأ قائد سيارة النقل بحكم جنائي نهائي.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك بأنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن عقد نقل الأشخاص يلقي على عاتق الناقل التزاماً بضمان سلامة الراكب وهو التزام بتحقيق غاية فإذا أصيب الراكب بضرر أثناء تنفيذ عقد النقل تقوم مسئولية الناقل عن هذا الضرر بغير حاجة إلى إثبات وقوع خطأ من جانبه، ولا ترتفع هذه المسئولية إلا إذا أثبت هو أن الحادث نشأ عن قوة قاهرة أو عن خطأ من الراكب المضرور أو خطأ من الغير، ويشترط في خطأ الغير الذي يعفي الناقل من المسئولية إعفاء "كاملاً" ألا يكون في مقدور الناقل توقعه أو تفاديه وأن يكون هذا الخطأ وحده هو الذي سبب الضرر للراكب، ولما كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض دعوى الطاعنتين على قوله "... أن الثابت أن الحادث وقع بسبب أجنبي لا يد لقائد الأوتوبيس فيه وهو اعتراض سيارة النقل له فجأة واصطدامها بالأوتوبيس وانزلاقه في أرض زلجة بسبب هطول الأمطار، وكان يستحيل على سائقه وعلى أي شخص في موقفه منع حصوله فإن ذلك بعدم رابطة السببية سواء كان أساس المسئولية (العقد أو الفعل)... الأمر الذي ينفي مسئولية الشركة الناقلة وبالتالي تنتفي مسئولية الشركة المؤمنة..)" - ومؤدى هذا الذي أقام عليه الحكم قضاءه أن الضرر قد نشأ عن قوة قاهرة أو هي خطأ قائد سيارة النقل، حالة أنه يشترط لاعتبار الحادث قوة قاهرة عدم إمكان توقعه واستحالة دفعه أو التحرز منه، ولما كان سقوط الأمطار وأثرها على الطريق الترابي - في الظروف والملابسات التي أدت إلى وقوع الحادث في الدعوى الماثلة - من الأمور المألوفة التي يمكن توقعها ولا يستحيل على قائد السيارة المتبصر التحرز منها، وكان الخطأ المنسوب لقائد سيارة النقل قد انتفى بحكم جنائي قضى ببراءته والتزم الحكم المطعون فيه بحجيته في هذا الخصوص فإنه - إذ قضى برفض دعوى الطاعنين بمقولة إن الحادث وقع بسبب أجنبي لا يد لقائد الأتوبيس فيه - يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، ولما تقدم، وإذ كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن المهندس الفني الذي عاين مكان الحادث قد انتهى في تقريره إلى أنه "كان يتعين على كل من قائدي السيارتين الاحتياط والتهدئة والتزام أقصى اليمين بالنسبة لخط سير كل منهما في طريقه المضاد للآخر حتى يتواجد الخلوص الكافي ما بين الجانب الأيسر لكل سيارة غير أن السائقين تخطيا محور عرض الطريق لتداخل الجانبان الأيسران لأقصى بروز بينهما بمقدار 15 سم فوقع التصادم"، ومفاد ذلك أن قائد الأوتوبيس التابع للشركة الناقلة قد ساهم في الخطأ الذي سبب الضرر مما يتعين معه مساءلة هذه الشركة وإلزام الشركة المؤمنة بتغطية هذه المسئولية إعمالاً لنص المادتين السادسة من القانون 449 سنة 1955 بشأن السيارات وقواعد المرور والخامسة من القانون 652 سنة 1955 بشأن التأمين الإجباري من المسئولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات.