أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 30 - صـ 778

جلسة 13 من مارس سنة 1979

برئاسة السيد المستشار صلاح الدين حبيب نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: زكي الصاوي صالح، أحمد جلال الدين هلالي، حسن النسر ويحيى الغموري.

(142)
الطعن رقم 49 لسنة 43 القضائية

(1) هبة.
الحكم برجوع الوالد عن الهبة الصادرة لولده بمبلغ من النقود لشراء شهادات استثمار يقتضي الواهب فوائدها. استناد الحكم في قضائه إلى أن عدم أداء الموهوب له الفوائد إلى الواهب يعتبر جحوداً كبيراً منه. لا خطأ. لا محل بعد ذلك لبحث إعسار الواهب.
(2) هبة. إثبات.
دفع الموهوب له بهلاك المال الموهوب بما يمتنع معه رجوع الواهب عن الهبة. وقوع عبء إثباته على الموهوب له.
1 - البين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه استند في قضائه بتأييد الحكم الابتدائي إلى أن عدم أداء الطاعن - الموهوب له - فوائد شهادات الاستثمار للمطعون عليه الأول - الواهب - حسبما هو ثابت في تحقيق النيابة المودع ملف الدعوى يعتبر جحوداً كبيراً منه يجيز لهذا الأخير الرجوع في الهبة دون ما حاجة لبحث ما يثيره الطاعن في شأن توفر سبب آخر من أسباب الرجوع في الهبة وهو عجز الواهب عن توفير أسباب المعيشة لنفسه ولزوجته. وإذ كان مؤدى ذلك أن المحكمة اكتفت بالجحود سبباً للرجوع في الهبة واعتبرته متحققاً لمجرد امتناع الطاعن عن الوفاء للواهب بالفوائد المستحقة بصرف النظر عن ملاءة الواهب أو إعساره، وكان هذا الذي انتهى إليه الحكم المطعون فيه يقوم على أسباب سائغة تكفي لحمل قضائه في هذا الخصوص فإن النعي عليه برفضه التحقق من إعسار المطعون عليه الأول يكون غير منتج.
2 - لما كان الثابت أن الطاعن أجاب على الدعوى - التي أقامها والده بطلب الحكم بالرجوع في الهبة - بالدفع بهلاك المال الموهوب بما يمتنع معه الرجوع في الهبة فإنه بذلك يصير مدعياً مطالباً بأن يقيم الدليل على ما يدعيه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون عليه الأول أقام الدعوى رقم... مدني شمال القاهرة الابتدائية ضد الطاعن والمطعون عليه الثاني بصفته وطلب الحكم بالرجوع في الهبة التي منحها لأولهما وبإلزام ثانيهما - البنك الأهلي المصري - بأن يحول في سجلاته شهادات الاستثمار (المجموعة ب) من اسم الطاعن إلى اسمه هو وقال بياناً للدعوى إنه بموجب إقرار مؤرخ 8/ 4/ 1971 وهب لولده الطاعن مبلغ أربعة آلاف جنيه لشراء شهادات استثمار البنك الأهلي المصري باسمه والتزم الموهوب له بتسليمه فوائدها كل ستة أشهر، وقد تم فعلاً شراء تلك الشهادات بقيمة مبلغ الهبة وإذ جحد الموهوب له حقوق والده الواهب فلم يسلمه الفوائد التي استحقت، فضلاً عن عجز الواهب بسبب كبر سنة عن توفير أسباب المعيشة لنفسه ولزوجته، فقد أقام الدعوى بطلباته سالفة البيان. حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المطعون عليه الأول أنه بعد أن وهب لابنه - الطاعن - مبلغ أربعة آلاف جنيه أعسر إعساراً يسمح له بالرجوع في الهبة، إلا أن هذا الحكم لم ينفذ لعدم إعلان الطرفين شهودهما. وفي 1/ 6/ 1972 عادت المحكمة فحكمت بطلبات المطعون عليه الأول - استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم... مدني القاهرة - وبتاريخ 23/ 11/ 1972 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. عرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعى الطاعن بالسببين الأول والثاني منها على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك يقول إن المطعون عليه الأول عجز أمام محكمة أو درجة عن تقديم شهود لإثبات حالة الإعسار التي تجيز له الرجوع في الهبة، نفاذاً لحكم الإحالة إلى التحقيق، ومع ذلك فقد انتهت هذه المحكمة في قضائها إلى أن تلك الحالة ثابتة من شهادة إدارية ومن شهادة من بنك بورسعيد تفيد أن رصيده ثلاثة جنيهات، رغم أن هاتين الشهادتين غير قاطعتين في الدلالة على ذلك، وقد نعى في أسباب الاستئناف على الحكم الابتدائي هذا القصور، إلا أن المحكمة أيدت الحكم سالف الذكر تأسيساً على أن الطاعن لم يسلم فوائد شهادات الاستثمار للمطعون عليه الأول وأن هذا يعتبر جحوداً من الموهوب له يجيز للواهب الرجوع في الهبة، وإذ التفتت تلك المحكمة عن دفاعه ولم تعن بتحقيقه بأن تطلب بياناً من بنك بورسعيد بكامل رصيد المطعون عليه الأول لتستبين صحة ما قرر من أن هذا الأخير سحب من حسابه الجاري مبلغ عشرة آلاف جنيه في تاريخ سابق على تاريخ الحصول على شهادة البنك، وهو ما كان قاطعاً في إثبات ملاءمة الواهب وعدم حاجته إلى أرباح شهادات الاستثمار فينتفي بذلك ما نسب إليه من جحود نحو الواهب كان مسوغاً في نظر المحكمة للرجوع في الهبة، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بالقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن البين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه استند في قضائه بتأييد الحكم الابتدائي إلى أن عدم أداء الطاعن - الموهوب له - فوائد شهادات الاستثمار للمطعون عليه الأول - الواهب - حسبما هو ثابت في تحقيق النيابة المودع ملف الدعوى يعتبر جحوداً كبيراً منه - يجيز لهذا الأخير الرجوع في الهبة دون ما حاجة لبحث ما يثيره الطاعن في شأن توفر سبب آخر من أسباب الرجوع في الهبة وهو عجز الواهب عن توفير أسباب المعيشة لنفسه ولزوجته. وإذ كان مؤدى ذلك أن المحكمة اكتفت بالجحود سبباً للرجوع في الهبة واعتبرته متحققاً لمجرد امتناع الطاعن عن الوفاء للواهب بالفوائد المستحقة بصرف النظر عن ملاءة الواهب أو إعساره، وكان هذا الذي انتهى إليه الحكم المطعون فيه يقوم على أسباب سائغة تكفي لحمل قضائه في هذا الخصوص فإن النعي عليه برفضه التحقيق من إعسار المطعون عليه الأول يكون غير منتج.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون وفي بيان ذلك يقول إنه دفع أمام محكمة الاستئناف بأنه اتفق مال الهبة في لعب القمار بما يمتنع معه على الواهب الرجوع في الهبة إلا أن المحكمة رفضت هذا الدفاع بدعوى افتقاره إلى الدليل على صحته، في حين أن المطعون عليه الأول هو المكلف بالإثبات وكان عليه إقامة الدليل على وجود شهادات الاستثمار موضوع الهبة، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه معيباً بمخالفة القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الحكم المطعون فيه أورد في هذا الخصوص "أن ما يدعيه المستأنف (الطاعن) من أنه باع الشهادات وصرفها على القمار لم يقم عليه الدليل من جانبه ومن ناحية أخرى فقد قرر في التحقيق سالف الذكر (تحقيق النيابة العامة) أنه لم يتصرف في الشهادات كما قرر في مذكرة الشرطة المرفقة بالمستندات المقدمة من والده مما ترى المحكمة أن دفاعه هذا لم يقم عليه الدليل بل قام الدليل على عكسه. ولما كان الثابت مما تقدم أن الطاعن أجاب على الدعوى بالدفع بهلاك المال الموهوب بما يمتنع معه الرجوع في الهبة، فإنه بذلك يصير مدعياً مطالباً بأن يقدم الدليل على ما يدعيه، ولما كانت المحكمة قد استخلصت من تحقيق النيابة ومذكرة الشرطة المودعين ملف الدعوى وجود شهادات الاستثمار ورفضت دفاع الطاعن من أنه باعها واتفق ثمنها في لعب القمار لعدم تقديمه الدليل على ذلك، فإنها لا تكون قد خالفت القانون.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.