أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 30 - صـ 786

جلسة 14 من مارس سنة 1979

برياسة السيد المستشار محمد أسعد محمود نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد الباجوري، محمد طه سنجر، صبحي رزق ومحمد أحمد حمدي.

(144)
الطعن رقم 669 لسنة 42 القضائية

(1) عقد. التزام. محكمة الموضوع.
وصف المتعاقد. المقصود به. لا يصدق على من ورد ذكره بالعقد كأحد أطرافه دون أن يكون له صلة بترتيب الأثر القانوني محل النزاع الناشئ عن العقد. لقاضي الموضوع استخلاص صفة المتعاقد.
(2) عقد. بيع. صورية. إثبات "الإقرار". أحوال شخصية "ولاية على المال".
البيع الصادر من الأب إلى أولاده القصر. النص في العقد على أن الثمن دفع تبرعاً من الأم. إقرارها كتابة فإنها لم تدفع ثمناً. القضاء بأن هذا الإقرار لا يعد دليلاً كتابياً لإثبات صورية العقد بين طرفيه. لا خطأ.
(3) هبة "الهبة المستترة". بيع.
الهبة المستترة في صورة بيع. صحيحة متى توافرت فيها ظاهرياً الأركان اللازمة لانعقاد البيع. لا يغير من ذلك ثبوت نية التصرف بالتبرع في ورقة مستقلة.
(4) أحوال شخصية. "ولاية على المال". هبة. بيع.
للولي الشرعي أن ينوب عمن هم في ولايته في قبول الهبة ولو كان هو الواهب. لا يغير من ذلك صدور الهبة منه في صورة بيع متى اشتمل العقد على أركان البيع.
(5) نقض. "السبب الجديد" إثبات.
المانع الأدبي الذي يحول دون الحصول على دليل كتابي. عدم جواز التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض.
1 - العقد يصدق على كل اتفاق يراد به إحداث أثر قانوني، وإسباغ وصف المتعاقد إنما ينصرف إلى من يفصح عن إرادة متطابقة مع إرادة أخرى على إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو زواله في خصوص موضوع معين يحدد العقد، دون أن يعتبر بإطلاق كل من يرد ذكره بالعقد أنه أحد أطرافه، طالما لم يكن له صلة بشأن ترتيب الأثر القانوني الذي يدور حوله النزاع الناشئ بسبب العقد وهو أمر من مطلق حق قاضي الموضوع مستمد من حقه في تفهم الواقع في الدعوى، ولا معقب عليه فيه ما دام استخلاصه سائغاً.
2 - إذ كان البين من الاطلاع على العقد موضوع الدعوى أن الطاعن باع القدر المبين فيه متعاقداً مع نفسه بصفته ولياً شرعياً آنذاك على أولاده المطعون عليهم، وأن دور والدتهم اقتصر على مجرد الإشارة إلى دفعها الثمن تبرعاً منها للقصر المشترين وأنها تتعهد بعدم مطالبتهم أو الرجوع عليهم مستقبلاً، وكانت الدعوى الماثلة قد أقيمت من الطاعن بطلب بطلان التصرف الحاصل منه إلى أولاده بصوريته المطلقة، استناداً إلى إقرار صادر من الوالدة بأن ثمناً لم يدفع منها في واقع الأمر، فإن ما خلص إليه الحكم من أن هذه الأخيرة ليست من بين أطراف العقد، وأنه لا علاقة لها بإحداث الأثر القانوني المراد من التصرف، وأن الإقرار لا يتضمن إلا نفياً لواقعة سداد الثمن منها دون أن يعرض للتصرف في حد ذاته، ورتب على ذلك افتقاد إمكان إثبات صورية العقد صورة مطلقة بغير الكتابة، فإن هذا الذي خلص إليه الحكم تحصيل سائغ تحتمله مستندات الدعوى وله مأخذه.
3 - تجيز المادة 488 من النقض المدني حصول الهبة تحت ستار عقد آخر، وهي تخضع في شكلها للقواعد الخاصة بالعقد الذي يسترها، والهبة المستترة في صورة عقد بيع تصح متى كان العقد جامعاً في الظاهر لأركان البيع اللازمة لانعقاده، أي مذكوراً فيه الثمن بطريقة غير نافية لوجوده، وتحقق ذلك لا يغير منه - وعلى ما جرى به قضاءه هذه المحكمة - وجود ورقة أو اكتشاف دليل بأي سبيل يكشف عن حقيقة اتجاه نية المتصرف إلى التبرع طالما توافر الشكل الظاهري.
4 - إذ كان الواقع في الدعوى أن العقد استوفى ظاهرياً الأركان القانونية لعقد البيع المنجز من بيع وثمن، وأنه صدر عن الطاعن بصفته الشخصية إلى نفسه بصفته ولياً شرعياً على أولاده المطعون عليهم وقت أن كانوا قصراً، وكانت المادة 487 من القانون المدني تجيز للولي الشرعي أن ينوب عن الموهوب له في قبول الهبة. ولو كان هو الواهب، فيكون له أن يتعاقد مع نفسه، فإن التصرف المعقود باعتباره هبة مستترة في صورة البيع تكون قد توافرت له شرائط الصحة.
5 - إذ كان الطاعن لم يقدم ما يدل على تمسكه بوجوب المانع الأدبي أمام محكمة الموضوع فلا يحق له إثارته أمام هذه المحكمة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 528 لسنة 1968 أمام محكمة المنيا الابتدائية ضد المطعون عليهم طالباً الحكم ببطلان التصرف الصادر منه إلى أولاده بصفته ولياً شرعياً عليهم واعتباره كأن لم يكن وإلغاء التسجيل اللاحق به، وقال بياناً لدعواه أنه بعقد مؤرخ 25/ 1/ 1958 سجل بتاريخ 6/ 3/ 1958 توثيق المنيا باع إلى نفسه بصفته ولياً على أولاده المطعون عليهم وقت أن كانوا قصر العقارات المبينة بالصحيفة الكائنة ببندر بني مزار محافظة المنيا مقابل ثمن قدره 1850 ونص في العقد على أنه سدد تبرعاً من والده القصر التي ورد اسمها كطرف ثالث بالعقد، وإذ حررت هذه الأخيرة في ذات الوقت إقراراً بصورية العقد وبأنها لم تدفع الثمن الوارد به، مما يعدم كيانه القانوني لصوريته المطلقة، فقد أقام الدعوى. وبتاريخ 14/ 12/ 1969 حكمت المحكمة برفض الدعوى. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 20 لسنة 6 ق بني سويف "مأمورية المنيا" طالباً إلغاءه والحكم بطلباته، وبتاريخ 11/ 6/ 1972 حكمت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف - طعن الطاعن على هذا الحكم بطريق النقض، قدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، عرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب، ينعى الطاعن بها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بنى قضائه برفض الدعوى على سند من القول بأن التعاقد بيع يستر هبة يعد صحيحاً في القانون، وأن الإقرار المنسوب إلى والده المطعون عليهم اقتصر على نفي دفع الثمن ولم يعرض للتصرف في ذاته، وصدر ممن ليس طرفاً في العقد، فلا يمكن اتخاذه بمثابة ورقة ضد للتدليل على الصورية، وبالتالي فلا يمكن إثباتها فيما بين المتعاقدين بغير الكتابة. في حين إن والد القصر طرف في العقد، ولا يمكن اعتبارها غيراً بالنسبة لإقرارها، فلا يكون للعقد الصوري من وجود ويسري العقد الحقيقي في حق القصر. هذا إلى أن الهبة المستترة وإن لم تخضع لأحكامها الشكلية، إلا أنه يلزم أن يكون العقد بيعاً في شكله، فإذا انتفى دفع الثمن تبعاً للإقرار المشار إليه، فإن ذلك ينفي عن العقد وجود أهم أركانه، بما يستحيل تصور أن التصرف بيع. بالإضافة إلى أنه بافتراض التصرف هبة فإن من حق الطاعن إثبات صوريتها للمانع الأدبي تبعاً لعلاقة الأبوة التي تربطه بالمطعون عليهم. وإذ لم يحدد الحكم الصورية التي لجأ إليها المتعاقدان لإخفاء حقيقة ما تعاقدا عليه، فإنه علاوة على خطئه في تطبيق القانون يكون قد عاره القصور.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أنه لما كان العقد يصدق على كل اتفاق يراد به إحداث أثر قانوني، فإن إسباغ وصف المتعاقد إنما ينصرف إلى من يفصح عن إرادة متطابقة مع إرادة أخرى على إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو زواله في خصوص موضوع معين يحدد العقد نطاقه، دون أن يعتبر بإطلاق كل من يرد ذكره بالعقد أنه أحد أطرافه، طالما لم يكن له صلة بشأن ترتيب الأثر القانوني الذي يدور حوله النزاع الناشئ بسبب العقد وهو أمر من مطلق حق قاضي الموضوع مستمد من حقه في تفهم الواقع في الدعوى، ولا معقب عليه فيه ما دام استخلاصه سائغاً. لما كان ذلك، وكان البين من الاطلاع على العقد موضوع التداعي أن الطاعن باع القدر المبين فيه متعاقداً مع نفسه بصفته ولياً شرعياً آنذاك على أولاده المطعون عليهم، وأن دور والدتهم اقتصر على مجرد الإشارة التي دفعها الثمن تبرعاً منها للقصر المشترين، وأنها تتعهد بعدم مطالبتهم أو الرجوع عليهم مستقبلاً، وكانت الدعوى الماثلة قد أقيمت من الطاعن بطلب بطلان التصرف الحاصل منه إلى أولاده لصوريته المطلقة، استناداً إلى إقرار صادر من الوالدة بأن ثمناً لم يدفع منها في واقع الأمر، فإن ما خلص إليه الحكم من أن هذه الأخيرة ليست من بين أطراف العقد، وأنه لا علاقة لها بإحداث الأثر القانوني المراد من التصرف، وأن الإقرار لا يتضمن إلا نفياً لواقعة سداد الثمن منها دون أن يعرض للتصرف في حد ذاته، ورتب على ذلك افتقاد إمكان إثبات صورية العقد صورية مطلقة بغير الكتابة، فإن هذا الذي خلص إليه الحكم تحصيل سائغ تحتمله مستندات الدعوى وله مأخذه. لما كان ما تقدم، وكانت المادة 488 من التقنين المدني تجيز حصول الهبة تحت ستار عقد آخر وهي تخضع في شكلها للقواعد الخاصة بالعقد الذي يسترها، وكانت الهبة المستترة في صورة عقد بيع تصح متى كان العقد جامعاً في الظاهر لأركان البيع اللازمة لانعقاده، أي مذكوراً فيه الثمن بطريقة غير نافية لوجوده وكان تحقق ذلك لا يغير منه - وعلى ما جرى به قضاءه هذه المحكمة - وجود ورقة أو اكتشاف دليل بأي سبيل يكشف عن حقيقة اتجاه نية المتصرف إلى التبرع طالما توافر الشكل الظاهري، وكان الواقع في الدعوى أن العقد استوفى ظاهرياً الأركان القانونية لعقد البيع المنجز من بيع وثمن، وأنه صدر عن الطاعن بصفته الشخصية إلى نفسه بصفته ولياً شرعياً على أولاده المطعون عليهم وقت أن كانوا قصر، وكانت المادة 487 من القانون المدني تجيز للولي الشرعي أن ينوب عن الموهوب له في قبول الهبة، ولو كان هو الواهب، فيكون له أن يتعاقد مع نفسه، فإن التصرف المعقود باعتباره هبة مستترة في صورة البيع تكون قد توافرت له شرائط الصحة. لما كان ما سلف، وكان الطاعن لم يقدم ما يدل على تمسكه بوجود المانع الأدبي أمام محكمة الموضوع فلا يحق له إثارته أمام هذه المحكمة، وكان لم يبين أيضاً ما يقصده من قصور شاب الحكم في شأن تحديد الصورية وأثرها على قضائه رغم إشارة الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه إلى أنها صورية نسبية تتناول نوع العقد دون وجوده ولا يعدم بها العقد أو يترتب عليها بطلان التصرف، فإن النعي بكافة وجوهه يكون على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن برمته.