أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 30 - صـ 809

جلسة 15 من مارس سنة 1979

برئاسة السيد المستشار عبد العال السيد نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين محمدي الخولي، الدكتور عبد الرحمن عياد، إبراهيم فوده وعبد العزيز هيبه.

(148)
الطعن رقم 450 لسنة 46 القضائية

(1، 2) عقد. بطلان. أحوال شخصية. أهلية. بيع. إثراء بلا سبب.
(1) إبطال عقد البيع لنقص الأهلية. أثره. التزام ناقص الأهلية برد قدر النفع الحقيقي الذي عاد عليه. عدم التزامه برد ما أضاعه أو أنفقه في غير مصلحته. الالتزام بالرد. أساسه. الإثراء بلا سبب.
(2) إبطال العقد لنقص الأهلية. عبء إثبات إثراء ناقص الأهلية ومداه، وقوعه على عاتق من يطلب إلزامه برد ما دفع.
1 - تنص الفقرة الثانية من المادة 142 من القانون المدني على أن ناقص الأهلية لا يلزم - إذا أبطل العقد لنقص أهليته - أن يرد غير ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ العقد، بما يعني أن الرد في هذه الحالة لا يكون واجباً إلا وفقاً لقواعد الإثراء بلا سبب وهو ما نصت عليه المادة 186 من ذات القانون بقولها إنه إذا لم تتوافر أهلية التعاقد فيمن تسلم غير المستحق فلا يكون ملتزماً إلا بالقدر الذي أثري به، بما يفصح عن أن المشرع قرر قصر التزام المشتري ناقص الأهلية بالرد على قدر النفع الحقيقي الذي عاد عليه فلا يلزم برد ما أضاعه أو أنفقه في غير مصلحته.
2 - عبء الإثبات في بيان أن ناقص الأهلية قد أثري وفي تقدير مدى إثرائه يقع على الدافع الذي يطلب رد ما دفع، فإن عجز عن الإثبات كان ذلك موجباً في ذاته لرفض طلبه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن أقام على المطعون عليه بصفته قيماً على المحجور عليها السيدة... الدعوى رقم 409 لسنة 1973 مدني كلي الجيزة طالباً الحكم بإلزامه بصفته بأن يدفع له مبلغ 1600 جنيه والفوائد القانونية من 12/ 12/ 1962، وقال بياناً لذلك أنه أقام على المطعون عليه بصفته الدعوى رقم 499 لسنة 1968 مدني كلي الجيزة للحكم بصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 12/ 12/ 1962 المتضمن بيع المحجور عليها المذكورة له (أي للطاعن) النصف شائعاً في قطعة أرض بثمن قدره 1600 جنيه فلما حكم برفض تلك الدعوى بتاريخ 22/ 5/ 1969 تأسيساً على بطلان عقد البيع لصدوره من البائعة حال إصابتها بالجنون وكون الطاعن - وهو زوجها - على بينة من هذا الأمر، فقد أقام الدعوى الماثلة على القيم لكي يرد له الثمن المدفوع وفوائده من تاريخ أدائه. دفع المطعون عليه بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها في القضية رقم 499 لسنة 1968 مدني كلي الجيزة، وبسقوط الحق في رفعها بالتقادم. وبتاريخ 20/ 3/ 1974 حكمت المحكمة برفض الدفعين وبإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعن أنه دفع للمحجور عليها المبلغ المطالب به وأنها انتفعت فعلاً بهذا المبلغ وأوجه النفع التي عادت عليها، وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين حكمت في 12/ 2/ 1975 برفض الدعوى - استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة طالباً إلغاءه والحكم له بطلباته وقيد الاستئناف برقم 1239 لسنة 92 ق - وبتاريخ 14/ 3/ 1976 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى الطاعن بالسبب الأول منهما وبالوجه الثاني من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تفسير القانون وتطبيقه، وفي بيان ذلك يقول أن محكمة أول درجة اتخذت من أقوال شاهدي النفي أساساً لما ذهبت إليه من عدم دفع الطاعن الثمن المسمى في العقد العرفي المؤرخ 12/ 12/ 1962 - بينما قرر الحكم المطعون فيه أنه يؤيد محكمة أول درجة فيما ذهبت إليه من عدم الاطمئنان إلى ما قرره شاهداً الطاعن من أن المحجور عليها تسلمت منه ثمن الأرض المبيعة - وأن الحكم إذ رتب على ذلك قوله أن الطاعن لا يكون قد قدم دليلاً على أن للعقد قد نفذ من جانبه بدفع الثمن وأنه لا يتصور أن تكون هناك منفعة قد عادت على المحجور عليها وأن ذلك يكفي رفض الدعوى بصرف النظر عما شهد به شاهداً النفي، يكون قد أعدم الأساس الذي أقامت عليه محكمة أول درجة قضاءها - فعابه الخطأ في تفسير القانون وتطبيقه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الحكم المطعون فيه استند في تأييد قضاء محكمة أول درجة برفض الدعوى إلى قوله "... وقد سمعت محكمة أول درجة شهود الطرفين إثباتاً ونفياً على نحو ما هو مبين بأسباب الحكم المستأنف وانتهت إلى عدم اطمئنانها إلى ما قرره شاهدا المستأنف (الطاعن) من أن المحجور عليها تسلمت منه ثمن الأرض المبينة بالعقد المؤرخ 12/ 12/ 1962 المقضي ببطلانه وشرائها لبعض المنقولات، وهذه المحكمة الاستئنافية تؤيد محكمة أول درجة فيما ذهبت إليه في هذا الشأن، ومن ثم فلا يكون المستأنف قد قدم دليلاً على أن العقد المؤرخ 12/ 12/ 1962 المقضي ببطلانه قد نفذ من جانبه بدفع الثمن المبين به وقدره 1600 جنيه وبالتالي فلا يتصور أن تكون هناك منفعة عادت على المحجور عليها وهو ما يكفي لرفض دعوى المستأنف بصرف النظر عما شهد به شاهدا النفي لأن - المستأنف هو المكلف بالإثبات قانوناً..." وهو ما يتضح منه أن الحكم قد أقام قضاءه على سند من عدم وجود أية منفعة عادت على المحجور علها من عقد البيع المؤرخ 12/ 12/ 1962 كنتيجة لعدم دفع الطاعن الثمن لها بما ينتفي به تبعاً داعي الرد من جانبها وذلك وفقاً للفقرة الثانية من المادة 142 من القانون المدني التي تنص على أن ناقص الأهلية لا يلزم - إذا أبطل العقد لنقص أهليته - أن يرد غير ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ العقد، بما يعني أن الرد في هذه الحالة لا يكون واجباً إلا وفقاً لقواعد الإثراء بلا سبب وهو ما نصت عليه المادة 186 من ذات القانون بقولها إنه إذا لم تتوافر أهلية التعاقد فيمن تسلم غير المستحق فلا يكون ملتزماً إلا بالقدر الذي أثري به، بما يفصح عن أن المشرع قرر قصر التزام المثري ناقص الأهلية بالرد على قدر النفع الحقيقي الذي عاد عليه فلا يلزم برد ما أضاعه أو أنفقه في غير مصلحته، لما كان ذلك، وكان عبء الإثبات في بيان أن ناقص الأهلية قد أثري وفي تقدير مدى إثرائه يقع على الدافع الذي يطلب رد ما دفع فإن عجز عن الإثبات كان ذلك موجباً في ذاته لرفض طلبه، فإن الحكم المطعون فيه إذ أيد قضاء محكمة أول درجة برفض دعوى الطاعن على سند من مجرد إخفاقه في إثبات ما كلفته المحكمة بإثباته، يكون قد طبق القانون على وجهه الصحيح، ولا يكون منتجاً البحث في سبب النعي الموجه إلى ما استطرد إليه الحكم تزيداً من الالتفات عن أقوال شاهدي النفي التي استند إليها الحكم الابتدائي - ضمن ما استند إليه - في نفي أداء الطاعن الثمن للمحجور عليها، لأن الحكم لم يكن في حاجة إلى دليل آخر لنفي ما لم يستطع الطاعن إقامة الدليل عليه أصلاً، وإذ كان قضاء الحكم المطعون فيه محمولاً بغير هذا الاستطراد الذي لا يعيب دعامته الأساسية التي يقوم عليها، فإن النعي عليه بالخطأ في تفسير القانون وفي تطبيقه يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل الوجهين الأول والثالث من السبب الثاني أن الحكم المطعون فيه أخطأ في الاستنتاج والاستخلاص لأن محكمة الاستئناف كان عليها أن تصحح استخلاص محكمة أول درجة وأن تناقش أسباب الاستئناف بما لا تغني عنه الإحالة إلى أسباب الحكم الابتدائي في عدم اطمئنانه إلى أقوال شاهدي الطاعن، وأن ما قاله الحكم الابتدائي وأخذ به الحكم المطعون فيه عن أن شاهدي الإثبات لم يشاهدا المحجور عليها وقت استلامها الثمن وأن شراء الأشياء المقول بشرائها لها لا يفيد بذاته أن هذه الأشياء قد اشتريت من مال سلم لها من الطاعن باعتباره ثمناً للأرض هو قول مرسل عار عن الدليل حالفه سوء الاستنتاج وعوار الاستخلاص لأن شاهدي الطاعن قررا أنهما ناقشا المحجور عليها فور تمام البيع وتحدثا معها فيما عساها فاعله بالثمن الذي دفع لها من الطاعن وأفاضا في ترتيبها لأوجه إنفاق المبلغ واستثماره وحددا الأشياء التي تم شراؤها منه بالتفصيل الوارد بمحضر الجلسة بما لا يقوم به سبب سائغ لإطراح أقوال الشاهدين التي لم تستخلص منها محكمة الاستئناف غير ما استخلصه محكمة أول درجة فيكون لمحكمة النقض سلطة مراقبة سلامة تقدير قاضي الموضوع لهذه الأقوال والتأكد من كفاية الأسباب التي اعتد بها لتبرير هذا التقدير.
وحيث إن هذا النعي مردود في شقه الأول بما هو مقرر من وجوب بيان سبب الطعن بالنقض في صحيفته تعريفاً به وتحديداً له لإمكان التعرف على المقصود منه وإدراك العيب الذي شاب الحكم، وإذ كان الطاعن لم يبين بالتفصيل الأوجه التي يقول إنه ضمنها صحيفة الاستئناف وأغفل الحكم المطعون فيه مناقشتها والرد عليها، كما لم يحدد عيوب الحكم الابتدائي التي ينسب إلى الحكم المطعون فيه عزوفه عن تصحيحها وتقويمها، فإن النعي على الحكم بالوجه الأول يكون غير مقبول لوروده مجهلاً. وهو في وجهه الثالث غير سديد ذلك أن الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه ضمن أسبابه أن الحكم الصادر في الدعوى رقم 499 لسنة 1968 مدني كلي الجيزة المرفوعة من الطاعن على المطعون عليه بصفته قرر أن المحجور عليها كانت مريضة بمرض عقلي (الجنون) حين صدر منها العقد موضوع التداعي في شهر ديسمبر سنة 1962 وأن الطاعن (زوجها) كان على بينة من حالة الجنون ثم أردف الحكم قوله (... وهذا الذي انتهى إليه الحكم رقم 499 لسنة 1968 مدني كلي الجيزة يكشف بجلاء عن ظروف وملابسات الوقت الذي قيل بإبرام التصرف فيه وهو ذات الوقت الذي حدده المدعي (الطاعن) قبضاً للثمن المدعى به على المحجور عليها، ومن ثم فإن المحكمة لا تطمئن إلى ما قرره شاهدا المدعي من أن المحجور عليها تسلمت ثمن الأرض من المدعي وشرائها لبعض المنقولات الزوجية ذلك أن أياً منهما لم يشاهد المذكورة وقت استلامها المبلغ، كما أن شراء الأشياء المقال بشراء المحجور عليها لها لا يفيد بذاته أن هذه الأشياء قد اشتريت من مال سلم لها من المدعي باعتباره ثمناً للأرض المبيعة... ولا يجوز للمدعي المجادلة في شيء مما انتهى فيه الحكم رقم 499 لسنة 1968 مدني كلي الجيزة ذلك أن الحكم الأخير حاز قوة الأمر المقضي وهو حجة على المدعي... "ويبين من ذلك أن الحكم الابتدائي إذ أعرض عن الأخذ بأقوال شاهدي الطاعن فإن هذا الإعراض من جانبه كان وليد تقييمه لها في ضوء ظروف - لابست التعاقد كشف عنها الحكم وأفضت إلى عدم اقتناعه بصحة تلك الأقوال وعدم اطمئنانه لها، وإذ كان لقاضي الموضوع أن يأخذ في قضائه بما يرتاح إليه من أدلة الدعوى ويطرح ما لا يقتنع بصحته منها دون أن يكون ملزماً بإبداء أسباب ترجيحه دليلاً على آخر ويكفيه أن يبين الأسباب التي اعتمد عليها، فإن الحكم المطعون فيه إذ أيد الحكم الابتدائي محمولاً على ما خلص إليه من عجز الطاعن عن إثبات دعواه لا يكون قد اعتوره خطأ تمتد به رقابة محكمة النقض إلى أسبابه فيما اشتملت عليه في هذا الخصوص من تقريرات موضوعية سائغة فيها الرد الكافي على ما أثاره الطاعن من جدل موضوعي يستقل به قاضي الموضوع.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.