أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 30 - صـ 847

جلسة 18 من مارس سنة 1979

برئاسة السيد المستشار نائب رئيس المحكمة محمد فاضل المرجوشي وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم هاشم، أحمد شوقي المليجي، عبد السلام إبراهيم القرش وعبد الوهاب سليم.

(155)
الطعن رقم 108 لسنة 43 القضائية

عمل. دعوى "عدم القبول" تعويض.
طلب العامل استرداد ما أودعه من أموال لدى رب العمل تأميناً للضرر الذي قد يلحق به نتيجة صفقة عقدها العامل. القضاء بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان لعدم تحديد الضرر بعد. خطأ. علة ذلك.
إذا كان القضاء بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان - برد ما أودعه العامل الطاعن لدى رب العمل من أموال تأميناً للضرر الذي قد يلحق به نتيجة للصفقة التي عقدها الطاعن - بناء على ما ذهب إليه من أن مقدار الضرر لم يتحدد بعد، حال أنه بفرض ثبوت حصول ضرر نتيجة خطأ من الطاعن فإن من واجب المحكمة تحديد مقداره باعتباره داخلاً في صميم موضوع النزاع المطروح عليها في ضوء الطلبات المقدمة في الدعوى، وللمحكمة في سبيل ذلك اتخاذ كافة وسائل التحقيق والإثبات الموصلة لإظهار وجه الحق في النزاع حسماً للخلاف القائم بشأن المبالغ التي يطالب الطاعن بأحقيته لها - وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان بما ترتب عليه ترك أمر القضاء في هذه الطلبات معلقاً بغير غاية، فإنه يكون قد حجب نفسه عن الفصل في موضوع الدعوى بما يخالف القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 4956 سنة 1970 عمال كلي القاهرة على المطعون ضدهم بطلب الحكم بإلزامهم متضامنين بأن يؤديوا إليه مبلغ 1500 ج وسندات القرض الوطني 3.5% والفوائد من تاريخ المطالبة الرسمية حتى السداد وقال بياناً لها أنه في 1/ 4/ 1960 التحق بالعمل لدى الشركة المطعون ضدها الأولى في وظيفة مساعد مدير مبيعات، وبعد فرض الحراسة عليها في أكتوبر سنة 1961 صدر قرار في يناير سنة 1962 بترقيته مديراً للمبيعات بها، وأنه في شهر يوليو سنة 1963 باع لأحد العملاء بضاعة قيمتها 2300 جنيه وإذ توقف هذا العميل عن الدفع وأشهر إفلاسه ورغم أن التجارة من طبيعتها احتمال الربح والخسارة ولا وجه لسؤاله عن نتيجة ما يترتب على مباشرة الشركة لنشاطها التجاري باعتباره موظفاً بها، فقد أكرهه الحارس على الشركة على إيداع ضمان مبلغ 1500 جنيه نقداً فضلاً عن عدد من سندات القرض الوطني 3.5% مملوكة لزوجته بلغت قيمتها 1000 جنيه تعسفاً منه وأوقفه عن العمل، وأثر ذلك تقرر وضع الشركة تحت التصفية والحق موظفوها بالشركات التابعة للمؤسسة المطعون ضدها الثانية وألحق هو بالشركة المطعون ضدها الثالثة وإذ كان قد باشر صفقة البيع تلك باعتبارها من صميم عمله بوصفه مديراً للمبيعات وأظهر التحقيق عدم مساءلته بشيء ما عن تصرفه في خصوص تلك الصفقة وتقررت إعادته إلى عمله الأصلي مع أداء أجره عن مدة الإيقاف كاملاً، ومع ذلك امتنع المطعون ضدهم عن رد - المبالغ المودعة منه إليه، فقد أقام دعواه بطلباته المتقدمة - وبتاريخ 22/ 3/ 1971 - قضت المحكمة بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان - استأنف الطاعن هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 1225 سنة 88 ق، وبتاريخ 14/ 12/ 1972 حكمة المحكمة بتأييد الحكم المستأنف - طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة رأت فيها رفض الطعن، وعرض الطعن على غرفة المشورة فحددت لنظره جلسة 3/ 12/ 1978 وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن بالسبب الأول من أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه، القصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك في دفاعه أمام محكمة الموضوع بأنه اندفع إلى تقديم قيمة الضمان البالغ قدره 2500 جنيه لرهبة وقعت في نفسه حينما انتقل إليه في منزله الحارس على الشركة المطعون ضدها الأولى لإجراء التحقيق معه في خصوص الصفقة التي باعها لأحد العملاء بوصفه مديراً للمبيعات بالشركة، فانتزع منه كرهاً عنه ذلك المبلغ الذي يخصه وزوجته بوصفه ضماناً لتغطية ما قد يلحق بالشركة، من خسارة فيما لو قضى بإفلاس عميلها المدين بعد توقفه عن دفع ثمن البضاعة المبيعة إليه وقدره 2316.800 جنيهاً، وإذ كان بوصفه عاملاً لدى الشركة لا يجوز أن يتحمل مغبة نشاطها التجاري وما قد تتعرض له من ربح أو خسارة، ولا سبيل لمسائلته عما يحيق بها نتيجة معاملاتها التجارية، ولا يجوز لها بالتالي احتباس المبالغ المستولى عليها منه، وكان الحكم المطعون فيه قد التفت عن هذا الدفاع دون الرد عليه ومع ذلك انتهى إلى اعتبار الطاعن مسئولاً عما لحق بالشركة من أضرار نجمت عن تلك الصفقة، وقضى بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان قولاً بأن تلك الأضرار لم تتحدد قيمتها بعد، فإنه يكون قد شابه القصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أنه يبين من الحكم الصادر من محكمة أول درجة المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان مستنداً في ذلك إلى قوله: "وحيث إنه ولما كان الثابت من التحقيقات الإدارية أن المدعي لم يتخذ من الإجراءات ما يتعين عليه التأكد من سلامة مركز العميل المالي... قبل إتمام الصفقة التي تعاقد معه في يوليو سنة 1963 كما أنه قد باع له الأقمشة المنوه عن تفصيلاتها في التحقيق الذي أجرى بمعرفة الشركة المدعى عليها الأولى بأقل من السعر المعتاد ودون الرجوع إلى مندوب الحارس العام قبل التعاقد على الصفقة وهو أمر أوجبه المذكور عليه بصفته أحد رؤسائه وقد أقر المدعي بذلك كله ومن ثم فإن سلوكه هذا يعتبر انحرافاً عن السلوك المألوف للشخص المعتاد في أداء العمل المناط إليه وبالتالي فإن ذلك يعتبر خطأ من جانبه موجباً لمساءلته - وهو أمر قطع به شهود الواقعة العاملون مع المدعي في التحقيق المنوه عنه - وحيث إنه وقد ترتب على ذلك الخطأ ضرر يتمثل في عدم اقتضاء الشركة حقها من العميل المتعاقد معه في المواعيد المحددة كما وأن المذكور قد أشهر إفلاسه ومن ثم فإن الضرر وإن كان قد وقع بالفعل إلا أن مقداره لم يحدد بعد... وذلك كما هو ثابت من المستندات المقدمة من المدعي والذي جاء في إحداها أن الشركة محتفظة بهذه المبالغ والسندات لحين الوصول إلى نتيجة مع المدين وتصفية حالته اتفاقاً أو قضاء - ولا محل لإعمال المادة 54 من قانون العمل 91 لسنة 1959 - إذ أن تلك المادة تقضي في فقرتها الأولى بأنه إذا تسبب عامل في فقد أو إتلاف أو تدمير مهمات أو آلات أو منتجات يملكها صاحب العمل أو كانت في عهدته وكان ذلك ناشئاً عن خطأ العامل وجب أن يتحمل المبلغ اللازم نظير ذلك - ولصاحب العمل أن يبدأ باقتطاع المبلغ المذكور من أجر العامل على ألا يزيد ما يقتطع لهذا الغرض على أجر خمسة أيام في كل شهر... وحيث إن المشرع قد قصد من ذلك النص تمكين صاحب العمل من سرعة الحصول على التعويض من ناحية وحماية العامل بالحد من سلطة الاقتطاع من أجره وفاء لهذا التعويض من ناحية أخرى، إلا أن مجال ذلك حال تبيان التعويض ومقداره لم ينته تحديده بعد والبادي من خطاب الشركة المرسل للمدعي أن الأخير قد أوفى بهذا المبلغ اختياراً على سبيل الضمان وليس على سبيل الوفاء، ومن ثم لا يجوز له استرداده إلا إذا أثبت أن الشركة قد حصلت على حقوقها من المشتري وبالتالي تكون الدعوى الراهنة قد رفعت قبل أوانها مما يتعين معه القضاء بعدم قبولها"، وأضاف الحكم المؤيد له الصادر من محكمة ثاني درجة قوله: "وحيث إن الحكم المستأنف في محله للأسباب الواردة به والتي تأخذ بها هذه المحكمة وتضيف إليها أن محكمة أول درجة لم تخطئ في تكييف القاعدة القانونية وطبقت القانون المدني وقانون العمل ولم تطبق قانون التجارة كما ذهب إلى ذلك المستأنف وأن المستأنف اعترف في التحقيق الذي أجرى معه بخطئه وأن العميل باع البضاعة بأسعار تقل عن أسعار مشتراها بحوالي 20% مما أساء إلى سمعة الشركة بالسوق وأن من أخطأ يسأل عن خطئه وتعويض من إصابة الخطأ عن هذا الخطأ وهذه القاعدة معترف بها ومسلم بها سواء في القانون المدني أو في قانون العمل" وكان مفاد هذا الذي أورده الحكمان الابتدائي الاستئنافي أنهما اعتمدا في قضائهما في إثبات خطأ الطاعن وما ترتب عليه من ضرر أصاب الشركة التي كان يعمل مديراً لمبيعاتها، على ما حصلاه من أوراق الدعوى ومن التحقيقات التي أجرتها ذات الشركة المشار إليها بمعرفتها رغم ما وجهه الطاعن إلى هذه التحقيقات من مطاعن أثبتها الحكم الابتدائي في أسبابه وما دفع به من بطلان جميع الإجراءات التي اتخذت ضده فيها دون أن يتعرض الحكم المطعون فيه لذلك كله بالرد، هذا فضلاً عما تضمنته مذكرات الطاعن والتي نفى فيها مسئوليته عن أية أضرار قد لحقت بالشركة لأنه باعتباره عاملاً بها فقد باشر صفقة البيع بوصفه مديراً للمبيعات دون شائبة تمس تصرفه وأنه لا يصح تحميله بمخاطر تجارتها إذا حلت بها خسارة، وكان الحكم المطعون فيه قد اقتصر في أسبابه على الإشارة إجمالاً إلى أوراق الدعوى والتحقيقات الإدارية التي دفع الطاعن ببطلانها أمام المحكمة دون بيان مؤدى هذه الأوراق أو الرد على دفاع الطاعن في هذا الشأن، بما يتعذر معه تعيين الدليل الذي كونت منه المحكمة اقتناعها بوجهه نظرها حتى يمكن الوقوف على أن ما أثير حوله من دفاع لا يؤثر فيه والتحقق من أنه من الأدلة التي يصح قانوناً بناء الحكم عليها، فإن الحكم يكون قد عاره قصور يبطله، فضلاً عن أنه وقد انتهى إلى القضاء بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان بناء على ما ذهب إليه من أن مقدار الضرر لم يتحدد بعد، حال أنه بفرض ثبوت حصول ضرر نتيجة خطأ من الطاعن فإن من واجب المحكمة تحديد مقداره باعتباره داخلاً في صميم موضوع النزاع المطروح عليها في ضوء الطلبات المقدمة في الدعوى، وللمحكمة في سبيل ذلك اتخاذ كافة وسائل التحقيق والإثبات الموصلة لإظهار وجه الحق في النزاع حسبما للخلاف القائم بشأن المبالغ التي يطالب الطاعن بأحقيته لها - وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان بما ترتب عليه ترك أمر القضاء في هذه الطلبات معلقاً بغير غاية، فإنه يكون قد حجب نفسه عن الفصل في موضوع الدعوى بما يخالف القانون ويستوجب نقضه لهذا السبب دون ما حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.