أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 30 - صـ 927

جلسة 24 من مارس سنة 1979

برئاسة السيد المستشار عدلي مصطفى بغدادي نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: د. إبراهيم علي صالح، محمود حسن رمضان، عبد العزيز عبد العاطي إسماعيل وحسن عثمان عمار.

(172)
الطعن رقم 1032 لسنة 46 القضائية

(1) عقد. بطلان. إيجار.
عقد الإيجار. عقد رضائي في حدود ما فرضته التشريعات من قيود. الأصل في الإرادة المشروعية. ما يلحقها من بطلان. مناطه.
(2 و3) إيجار. "امتداد العقد".
(2) التنبيه بالإخلاء الصادر من أحد طرفي عقد الإيجار للآخر. أثره. انحلال الرابطة العقدية بعد مدة معينة. م 563 مدني. عدم مراعاة مواعيد التنبيه. أثره. حق من وجه إليه في إنهاء العقد قبل الميعاد المحدد.
(3) الامتداد القانوني لعقود الإيجار. جواز نزول المستأجر عن هذه الميزة أثناء قيام العقد. التزام المستأجر بإخلاء العين في الميعاد الذي حدده. استمراره في الانتفاع بها بعد هذا الميعاد. لا يعترض تحديد الإيجار ما لم يقم الدليل على العكس. م 600 مدني.
1 - عقد الإيجار عقد رضائي يخضع في قيامه لمبدأ سلطان الإرادة فيما عدا ما فرضه القانون من أحكام مقيدة لهذا المبدأ في حدودها دون مجاوزة لنطاقها، والأصل في الإرادة هو المشروعية فلا يلحقها بطلان إلا إذا كان الالتزام الناشئ عنها مخالفاً للنظام العام أو الآداب محلاً أو سبباً أو كان على خلاف نص آمر أو ناه في القانون.
2 - مفاد المادة 563 من القانون المدني من انتهاء الإيجار المنعقد للفترة المبينة لدفع الأجرة بانقضاء هذه الفترة بناء على طلب أحد المتعاقدين إذا هو نبه على المتعاقد الآخر بالإخلاء في المواعيد المبينة بالنص، أن التنبيه الصادر ممن يملك ذلك هو عمل قانوني من جانب واحد يتحقق أثره بمجرد أن يعلن عن إرادته في انتهاء العقد إلى المتعاقد الآخر فتنحل تبعاً لذلك الرابطة العقدية التي كانت قائمة بينهما بعد فترة معينة، وكان تحديد هذه المدة مقرراً لمصلحة الطرف الموجه إليه التنبيه حتى لا يفاجأ بما لم يكن في حسبانه قبل أن يتهيأ لمواجهة ما يترتب على ذلك من وضع جديد، فإذا ما تحقق هذا الأمر انقضى العقد فلا يقوم من بعد إلا بإيجاب وقبول جديدين، وكان لا وجه للقول ببطلان التنبيه الذي يتجاوز فيه موجهه الميعاد المنصوص عليه في المادة سالفة الذكر لانتفاء مبرر هذا البطلان قانوناً وإن جاز للطرف الموجه إليه التنبيه أن يختار بين إنهاء العقد قبل استيفائه الفترة التي حددها القانون لمصلحته وبين التمسك باستكمال هذه الفترة قبل إنهاء العقد، لما كان ما تقدم وكان الحكم المطعون فيه لم يخالف هذا النظر وخلص في قضائه إلى انتهاء عقد الإيجار بإرادة الطاعن - المستأجر - فإن النعي عليه بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه أو تأويله - استناداً إلى أن التنبيه بالإخلاء الصادر منه لم يراع فيه المواعيد القانونية - يكون على غير أساس.
3 - النص في المادة 600 من القانون المدني على أنه "إذا نبه أحد الطرفين على الأخر بالإخلاء واستمر المستأجر مع ذلك منتفعاً بالعين بعد انتهاء الإيجار فلا يفترض أن الإيجار قد تجدد ما لم يقم الدليل على عكس ذلك"، وما هو مقرر في التسويات المنظمة لإيجار الأماكن من امتداد عقود الإيجار بقوة القانون، لا ينفي هذا نزول المستأجر عن ميزة الامتداد وفي هذه الحالة يكون النزول عنها باتفاق يتم بين الطرفين من قيام العقد يتعهد فيه المستأجر بإخلاء المكان المؤجر في ميعاد معين فيكون هذا التعهد ملزماً ولا تنتهي العلاقة التأجيرية بينهما بحلول الميعاد المذكور ويصبح المستأجر بعد ذلك شاغلاً المكان المؤجر دون سند.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليهما أقاما الدعوى رقم 6222 سنة 1974 مدني كلي شمال القاهرة ضد الطاعن للحكم بإخلاء العين المبينة بصحيفتها، وقالا بياناً لها أنه بموجب عقد إيجار مؤرخ 11/ 11/ 1959 استأجر الطاعن تلك العين من أولهما ثم قرر إنهاء الدين - فأخطر المؤجر في 18/ 10/ 1972 باعتزامه إخلاء العين في 1/ 11/ 1972 فأجرها المطعون عليه الأول... إلى المطعون عليه الثاني إلا أن الطاعن نكل عن تنفيذ التزامه، فأقاما عليه الدعوى وقضت المحكمة بالإخلاء. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 1770 سنة 92 ق القاهرة، وبتاريخ 27/ 11/ 1976 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف، طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن.
وحيث إن الطعن بني على أربعة أسباب وينعى الطاعن بالوجه الأول من السبب الرابع منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله وفي بيان ذلك يقول إنه لما كان التنبيه الموجه منه إلى المطعون عليه الأول بإخلاء العين المؤجر قد صدر في 18/ 10/ 1972 فإنه يكون باطلاً لعدم تقيده في توجيهه بالميعاد المنصوص عليه في المادة 563 من القانون المدني وهو قبل النصف الأخير من الشهر، وكان من حق الطاعن عن التمسك بهذا البطلان رغم تسببه هو فيه، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتد بهذا التنبيه رغم بطلانه قولاً منه بأنه يؤدي إلى إنهاء عقد الإيجار اعتباراً من 1/ 12/ 1972 فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.
وحيث إن النعي غير سديد ذلك أنه لما كان عقد الإيجار عقداً رضائياً يخضع في قيامه وانقضائه لمبدأ سلطان الإرادة - فيما عدا ما فرضه القانون من أحكام مقيدة لهذا المبدأ في حدودها ودون مجاوزة لنطاقها - وكان الأصل في الإرادة هو المشروعية فلا يلحقها بطلان إلا إذا كان الالتزام الناشئ عنها مخالفاً للنظام العام أو الآداب محلاً أو سبباً أو كان على خلاف نص آمر أو ناه في القانون، وكان مفاد ما نصت عليه المادة 563 من القانون المدني من انتهاء الإيجار المنعقد للفترة المبينة لدفع الأجرة بانقضاء هذه الفترة بناء على طلب أحد المتعاقدين إذا هو نبه على المتعاقد الآخر بالإخلاء في المواعيد المبينة بالنص، أن التنبيه الصادر ممن يملك ذلك هو عمل قانوني من جانب واحد يتحقق أثره بمجرد أن يعلن عن إرادته في إنهاء العقد إلى المتعاقد الآخر فتنحل تبعاً لذلك الرابطة العقدية التي كانت قائمة بينهما بعد مدة معينة وكان تحديد هذه المدة تقرر المصلحة الطرف الموجه إليه التنبيه حتى لا يفاجأ بما لم يكن في حسبانه قبل أن يتهيأ لمواجهة ما يترتب على ذلك من وضع جديد، فإذا ما تحقق الأمر انقضى العقد فلا يقوم من بعد إلا بإيجاب وقبول جديدين، وكان لا وجه للقول ببطلان التنبيه الذي يتجاوز فيه بوجهة الميعاد المنصوص عليه في المادة سالفة الذكر لانتفاء يبرر هذا البطلان قانوناً وإن جاز للطرف الموجه إليه التنبيه أن يختار بين إنهاء العقد قبل استيفائه الفترة التي حددها القانون لمصلحته وبين التمسك باستكمال هذه الفترة قبل إنهاء العقد، لما كان ما تقدم وكان الحكم المطعون فيه لم يخالف هذا النظر وخلص في قضائه إلى انتهاء عقد الإيجار بإرادة الطاعن - المستأجر - فإن النعي عليه بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه أو تأويله يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بباقي أسباب الطعن القصور في التسبيب ومخالفة الثابت في الأوراق والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون وتأويله، وفي بيان ذلك يقول أنه تمسك أمام محكمة الاستئناف بأن المطعون عليه الأول ومن تلاه من ملاك العقار الكائنة به عين النزاع كانوا يقبضون منه الأجرة بغير تحفظ، وأنه قدم إثباتاً لذلك إيصالات سداد الأجرة في سنة 1976، إلا أن الحكم المطعون فيه لم يواجه هذا الدفاع واجتزأ في مقام الرد عليه بأن اعتبر المبالغ المؤداة منه مقابل انتفاع مخالفاً بذلك الثابت في الأوراق واستند إلى دفاع لم يقل به المطعون عليهما هذا إلى أنه وبفرض انتهاء العلاقة الإيجارية جدلاً فإن إيصالات أداء الأجرة تثبت قيام علاقة إيجارية جديدة. وإذ كانت هذه الإيصالات تصلح إثباتاً لقيام هذا العقد، وكانت أسباب الإخلاء محددة في المادة 23 من القانون رقم 52 لسنة 1969 وليس من بينهما السبب الأول الذي استند إليه الحكم المطعون فيه فإنه فضلاً عن القصور في التسبيب ومخالفة الثابت بالأوراق والفساد في الاستدلال يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن النعي في المادة 600 من القانون المدني على أنه "إذا نبه أحد الطرفين على الأخر بالإخلاء واستمر المستأجر مع ذلك منتفعاً بالعين بعد انتهاء الإيجار فلا يفترض أن الإيجار قد تجدد ما لم يقم الدليل على عكس ذلك". وما هو مقرر في التشريعات المنظمة لإيجار الأماكن من امتداد عقود الإيجار بقوة القانون، لا ينفي جواز نزول المستأجر عن ميزة الامتداد وفي هذه الحالة يكون النزول عنها باتفاق يتم بين الطرفين بعد قيام العقد يتعهد فيه المستأجر بإخلاء المكان المؤجر في ميعاد معين فيكون هذا التعهد ملزماً ولا تنتهي العلاقة التأجيرية بينهما بحلول الميعاد المذكور ويصبح المستأجر بعد ذلك شاغلاً المكان المؤجر دون سند. ولما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه عرض لدفاع الطاعن ورد عليه بقوله "ولا يجديه التحدي بالإيصالات التي تقدم بها أخيراً إذ من الطبيعي أن يتقاضى منه صاحب العقار مقابل الانتفاع بالعين، ولا يصح أن يفترض أن بإيصالات سداد هذا المقابل يتجدد الإيجار بعد أن انتهى بالتنبيه بالإخلاء، إذ هذا التجديد ينفي اتجاه الإرادة إليه استمرار النزاع في الدعوى في درجتي التقاضي وحتى الآن" - وكان ما استند إليه الحكم للتدليل على انتفاء قيام عقد إيجار جديد بعد انقضاء العقد الأصلي نتيجة للتنبيه الصادر من الطاعن وحمل قضاءه عليها هي أسباب سائغة لها أصلها الثابت في الأوراق فإن ما أثاره الطاعن لا يعدو جدلاً فيما هو مقرر لمحكمة الموضوع من حق في تكوين عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة، ولا رقابة لمحكمة النقض عليها فيه ومن ثم فإن النعي على الحكم المطعون فيه بهذه الأسباب يكون في غير محله.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.