أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 30 - صـ 953

جلسة 28 من مارس سنة 1979

برئاسة السيد المستشار محمد أسعد محمود نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد الباجوري، إبراهيم فراج، صبحي رزق، محمد أحمد حمدي.

(177)
الطعن رقم 137 لسنة 47 القضائية

(1) إيجار. "إيجار الأماكن".
الأماكن المؤجرة من مالكها أو مستأجرها مفروشة للغير. عدم خضوع أجرتها للتحديد القانوني. اعتبار المكان مفروشاً. شرطه. أن تكون المنقولات ذات قيمة تبرر تغليب منفعتها على منفعة العين.
(2) إيجار. "إيجار الأماكن". محكمة الموضوع. إثبات.
الأماكن المؤجرة مفروشة، لمحكمة الموضوع تقدير جدية الفرش أو صوريته، العبرة بحقيقة الواقع دون الوصف الوارد بالعقد، جواز إثبات التحايل بكافة طرق الإثبات.
(3) إيجار. "إيجار الأماكن". دعوى. "قبول الدعوى".
دعوى المستأجر من الباطن بتحديد الأجرة القانونية. الحكم بعدم قبولها لإقامتها ضد المستأجر الأصلي دون المؤجر. خطأ.
(4، 5) إيجار. "إيجار الأماكن".
(4) المستأجر المصري المقيم مؤقتاً بالخارج. حقه في تأجير المكان للغير مفروشاً أو غير مفروش. ولو تضمن العقد حظراً بالتأجير من الباطن. عودته من الخارج. وجوب إخطاره المستأجر من الباطن للإخلاء ولو قبل المدة المحددة بالعقد. تراخيه في إخلاله. أثره. للمؤجر طلب إخلائهما من العين. ق 52 لسنة 1969.
(5) حق المستأجر المصري المقيم مؤقتاً بالخارج في تأجير المكان المؤجر له للغير. م 26 ق 25 لسنة 1969. للمؤجر دون المستأجر من الباطن التمسك بعدم توافر شروط هذه المادة.
(6) إيجار. محكمة الموضوع. إثبات.
تنبيه المؤجر على المستأجر بالإخلاء عند انتهاء مدة العقد. استمرار الأخير في الانتفاع بالعين. لا يعني تجديد الإجارة. م 600 مدني، جواز إثبات العكس. لمحكمة الموضوع تقدير قيام التجديد من عدمه.
1 - الأصل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - عدم خضوع أجرة الأماكن المؤجرة مفروشة بأثاث من عند مؤجرها للتحديد القانوني، إلا أن شرط ذلك ألا يكون تأجيرها مفروشاً صورياً بقصد التحايل على القانون والتخلص من قيود الأجرة، فيلزم لاعتبار المكان مؤجراً مفروشاً حقيقة أن يثبت أن الإجارة شملت بالإضافة إلى منفعة المكان في ذاته مفروشات أو منقولات ذات قيمة تبرر تغليب منفعة تلك المفروشات أو المنقولات على منفعة العين وإلا اعتبرت العين مؤجرة خالية وتسري عليها أحكام قانون إيجار الأماكن. ويسري هذا المبدأ سواء كان المؤجر للمكان مفروشاً هو المالك أو المؤجر الأصلي أو كان هو المستأجر الأصلي وأجر من باطنه العين التي يستأجرها إلى الغير مفروشة.
2 - يجوز إثبات التحايل على زيادة الأجرة بكافة طرق الإثبات، ولمحكمة الموضوع تقدير جدية الفرش أو صوريته في ضوء ظروف الدعوى وملابساتها وما تستنبطه منها من قرائن قضائية، إذ العبرة بحقيقة الحال لا بمجرد وصف العين في العقد بأنها مؤجرة مفروشة.
3 - تأييد الحكم المطعون فيه لقضاء محكمة أول درجة بشأن عدم قبول دعوى تحديد الأجرة - المقامة من المستأجر - من الباطن - بمقولة أنها لا تقام إلا على المالك دون المستأجر الأصلي ينطوي على تقرير قانوني خاطئ.
4 - مؤدى الفقرة الثانية من المادة 26 من القانون رقم 52 لسنة 1969 في شأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بن المؤجر والمستأجر، أن المشرع قرر مزية خاصة للمستأجر المصري المقيم بالخارج بصفة مؤقتة تخوله استثناء أن يؤجر من باطنه العين المؤجرة له مفروشة أو خالية بغير إذن من المؤجر ولو تضمن عقد الإيجار شرط الحظر، ويتعين على المستأجر الأصلي أن يخطر المستأجر من باطنه بالإخلاء ولو قبل نهاية المدة المبينة أصلاً بالعقد عند حلول موعد عودته من الخارج على أن يمنح المستأجر من الباطن أجلاً مدته ثلاثة أشهر من تاريخ إخطاره ليقوم بالإخلاء ورد العين، وإذا تراخى المستأجر الأصلي في إخراج المستأجر من الباطن جاز للمؤجر أن يطلب من القضاء إخلاء العين المؤجرة من المستأجر الأصلي ومن المستأجر من الباطن، اعتباراً بأن تقاعس الأول يفيد نزوله عن الانتفاع بالمكان المؤجر وبالتالي عن حقه في الإجارة، وحق الثاني موقوف بعودة الأول من الخارج، شريطة ألا يكون هناك إذن من المؤجر للمستأجر الأصلي بالتأجير من الباطن، وإلا فتسري القواعد العامة.
5 - لا مصلحة للمستأجر من الباطن التحدي في مواجهة المستأجر الأصلي بعدم توافر الشرائط التي تخول لهذا الأخير أن يؤجر من باطنه وفق المادة 26/ 2 من القانون رقم 52 لسنة 1969، طالما أن المشرع أراد من سنها مجابهة المؤجر إذا ما رغب في التمسك تجاهه بشرط الحظر، فيكون له وحده عند تخلفها المطالبة بإخلاء المستأجر الأصلي والمستأجر من الباطن على سواء، ولا يتصور أن تقوم للمستأجر من الباطن مصلحة في التذرع بهذه المادة إلا إذا أراد المستأجر الأصلي إخلاءه قبل نهاية المدة المحددة في العقد ودون أن تثبت عودته من الخارج وإنهاء إقامته الموقوتة.
6 - مؤدى المادة 600 من القانون المدني أن تجديد عقد الإيجار لا يفترض إذا نبه المؤجر على المستأجر بالإخلاء عند انتهاء مدته واستمر هذا الأخير مع ذلك منتفعاً بالعين، ما لم يقم الدليل على عكس ذلك، وثبوت تجديد الإيجارة سواء كان تجديداً ضمنياً أو صريحاً هو من المسائل الموضوعية التي يترك تقديرها لقاضي الموضوع ولا رقابة لمحكمة النقض عليه في ذلك، ما دام أقام قضاءه على دليل مقبول مستمد من واقع الدعوى وأوراقها، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بانتفاء واقعة التجديد اتفاقاً على ما استمده من أن المطعون عليه أقام دعوى الإخلاء وظل مصمماً عليها منذ أن أخل الطاعن بالتزامه بإخلاء العين وإن في قبضه مبالغ من الطاعن لا تنبئ على موافقته على التجديد بل هي مقابل الانتفاع بالعين حتى تمام إخلائها، وكان ذلك استخلاص سائغ مأخوذ من واقع وظروف الدعوى وله أصله الثابت بالأوراق، فإن النعي عليه يكون على غير أساس.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى برقم 1654 لسنة 1974 مدني أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية ضد المطعون عليه بطلب الحكم بتحديد أجرة العين الموضحة وفقاً للأجرة القانونية، وقال تبياناً لها أنه بعقد مؤرخ 31/ 3/ 1969 أجر المطعون عليه الشقة رقم... بقسم قصر النيل بالقاهرة مقابل أجرة شهرية قدرها 65 جنيهاً، إذ أورد في العقد أنها مؤجرة مفروشة رغم أنها في الواقع مؤجرة خالية بقصد التحايل على القانون والتخلص من قيود الأجرة، وكانت الأجرة الاتفاقية المسماة في العقد مغايرة للأجرة القانونية وفق قوانين إيجار الأماكن المتعاقبة، منذ أقام دعواه. وأقام المطعون عليه الدعويين رقمي 546 لسنة 1975 مدني ورقم 934 لسنة 1975 مدني أمام ذات المحكمة ضد الطاعن بطلب الحكم بفسخ عقد الإيجار آنف الذكر في الدعوى الأولى، وبطلب الحكم بإخلائه من عين النزاع وتسليمها إليه في الثانية. وقال شرحاً لها أنه بسبب إقامته بالخارج بصفة مؤقتة أجر الطاعن الشقة المؤجرة مفروشة، وإذ أخطره بتاريخ 17/ 4/ 1974 بفسخ عقد الإيجار والإخلاء والتسليم عقب عودته إعمالاً للمادة 26/ 2 من القانون رقم 52 لسنة 1969، كما انتهت مدة العقد دون تجديد وتقاعس عن الاستجابة لطلبه، فقد أقام الدعويين. ضمت الدعاوى الثلاث، وحكمت المحكمة بتاريخ 30/ 11/ 1975 - أولاً - بإخلاء الطاعن من عين النزاع والتسليم في دعوى المطعون عليه. - ثانياً - بعدم قبول الدعوى المقامة من الطاعن. استأنف الأخير هذا الحكم بالاستئناف رقم 3514 سنة 92 ق القاهرة بطلب إلغائه والحكم بطلباته. وبتاريخ 17/ 6/ 1977 حكمت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن على هذا الحكم بطريق النقض. وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، عرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأته جديراً بالنظر وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ستة أسباب، ينعى الطاعن بالسببين الرابع والسادس منها على الحكم المطعون فيه الإخلال بحق الدفاع والخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول أنه تمسك أمام محكمة الموضوع بأنه استأجر عين النزاع خالية، وإن كان أثبت بالعقد من أنها مفروشة كان صورياً تحايلاً على أحكام القانون وطلب إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثباته، إلا أن الحكم لم يتح له فرصة نفي ما ورد بالعقد مما يعيبه بالإخلال بحق الدفاع. هذا إلى أن الحكم أيد حكم محكمة أول درجة بعدم قبول دعواه بتحديد الأجرة باعتبار أن العين مؤجرة خالية على سند من أن دعوى تخفيض الأجرة إنما ترفع ضد المالك ولا يجوز إقامتها من المستأجر من الباطن قبل المستأجر الأصلي، مع أن أحكام تحديد الأجرة متعلقة بالنظام العام ولا يجوز الاتفاق على أجرة أزيد من الأجرة القانونية، وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أنه وإن كان الأصل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - عدم خضوع أجرة الأماكن المؤجرة مفروشة بأثاث من عند مؤجرها لتحديد القانون، إلا أن شرط ذلك ألا يكون تأجيرها مفروشاً صورياً بقصد التحايل على القانون والتخلص من قيود الأجرة، فيلزم لاعتبار المكان مؤجراً مفروشاً حقيقة أن يثبت أن الإجارة شملت بالإضافة إلى منفعة المكان في ذاته مفروشاً أو منقولات ذات قيمة تبرر تغليب منفعة تلك المفروشات أو المنقولات على منفعة العين، وإلا - اعتبرت العين مؤجرة خالية وتسري عليها أحكام قانون إيجار الأماكن. ولما كان هذا المبدأ يسري سواء كان المؤجر للمكان مفروشاً هو المالك أو المؤجر الأصلي أو كان هو المستأجر الأصلي أجر من باطنه العين التي يستأجرها إلى غيره مفروشة. لما كان ذلك وكان يجوز إثبات التحايل على زيادة الأجرة بكافة طرق الإثبات، وكان لمحكمة الموضوع تقدير جدية الفرش أو صورية في ضوء ظروف الدعوى وملابساتها وما تستنبطه منها من قرائن قضائية. إذ العبرة بحقيقة الحال لا بمجرد وصف العين في العقد بأنها مؤجرة مفروشة، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه واجه دفاع الطاعن في هذا الشأن، وأسس قضاءه بأن العين أجرت مفروشة أخذاً بقول الطاعن في خطاب صادر منه إلى محام المطعون عليه في تاريخ لاحق لعقد الإيجار من أن الشقة مؤجرة إليه مفروشة بقصد استعمالها مقراً لإحدى شركات السياحة التي يمثلها، وأن هذا الإقرار يؤيد ما ورد بعقد الإيجار وكشف الجرد الملحق به، وكان ما خلص إليه الحكم في هذا الخصوص سائغاً وله مأخذه وليس موضع نعي من الطاعن فلا عليه إن هو لم ير بعد ذلك داعياً لإحالة الدعوى إلى التحقيق طالما وجد في أوراق الدعوى ما يغني عنها. لما كان ما تقدم فإنه وإن كان تأييد الحكم المطعون فيه لقضاءه محكمة أول درجة بشأن عدم قبول دعوى تحديد الأجرة بمقولة أنها لا تقام إلا على المالك دون المستأجر الأصلي ينطوي على تقرير قانوني خاطئ "على ما سلف بيانه، إلا أنه وقد انتهى الحكم صحيحاً إلى أن الإيجار عن عين مفروشة، وكان مآل دعوى الطاعن بتحديد الأجرة إلى الرفض حتماً، فإن النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون لا يحقق سوى مصلحة نظرية بحتة لا يعتد بها، ويكون النعي على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالأسباب الثلاثة الأولى منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول أن الحكم أسس قضاءه بالإخلاء على سند من القول بأن شروط تطبيق المادة 26/ 2 من القانون رقم 52 لسنة 1969 لإباحة التأجير مفروشاً دون إذن من المؤجر لا يتحدى بها إلا المالك للعين المؤجرة ولا يجوز للمستأجر من الباطن التذرع بها في مواجهة المستأجر الأصلي وإنما عليه التحقق منها عندما يقدم على استئجار المكان من باطن المستأجر الأصلي بدون إذن من المالك، في حين أن النص جاء عاماً مطلقاً وأن روح التشريع وحكمته لا تحرم حق استعمالها على الطاعن ومن ثم يحق له تحدي المطعون عليه الذي يطالبه بالإخلاء بعدم توافر شروط وأركان المادة المشار إليها سواء بالنسبة له، أو لأن الضرورة المسوغة للإخلاء لم يتحقق. هذا إلى أن الطاعن تمسك بأن المطعون عليه حصل على الجنسية اللبنانية، وفقد بذلك صفة المواطن المصري التي تشترط في المستأجر الأصلي للاستفادة من الميزة التي شرعها النص، وأن الرخصة المقررة به لا تشمل الأماكن المعدة أصلاً لغير السكنى، غير أن الحكم ذهب إلى أن الثابت أن المطعون عليه لا يزال يحتفظ بالجنسية المصرية، وأن عمومية النص يستوي معها أن يكون المكان شقة معدة للسكنى أو لغيرها من الأغراض، مع أن المشرع إنما خول الرخصة لمواطني جمهورية مصر العربية ولم يقررها للمتجنس بالجنسية المصرية، وحصول المطعون عليه على جنسية أخرى يشير إلى أنه قطع صلته بمصر وأصبحت إقامته بالخارج دائمة لا مؤقتة. كما أن المادة السابقة استثناء من أصل عام لا يجيز لغير المالك أن يؤجر المكان مفروشاً، مما ينبغي التضييق من نطاق تطبيقه، بحيث لا يسري إلا على الأماكن المعدة للسكنى. بالإضافة إلى أن الحكم أباح للمستأجر الأصلي المطالبة بالشقة دون أن يقيم الدليل على إنهاء حالة الضرورة التي فرضت إقامته المؤقتة بالخارج، وإذا طرح الحكم ما ساقه الطاعن من قرائن تشير إلى أن المطعون عليه لم يقم دعويين بالإخلاء إلا بعد رفع الدعوى بتحديد الأجرة القانونية، وأنه لا يزال مقيماً بالخارج وأن حضوره لمصر لم يكن إلا بقصد متابعة الدعاوى المرددة بينهما، وأنه لا يزال يؤجر شقته الأخرى السكنية مفروشة للغير، ولم يرد على دلالتها، فإنه علاوة على مخالفته القانون يكون قاصر التسبيب.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أن النص في الفقرة الثانية من المادة 26 من القانون رقم 52 لسنة 1969 في شأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين على أن "... وللمستأجر، من موظفي الجمهورية العربية المتحدة، في حالة إقامته بالخارج بصفة مؤقتة أن يؤجر المكان المؤجر له مفروشاً أو غير مفروش، وعلى المستأجر من الباطن أن يخليه إلى المستأجر الأصلي في موعد لا يجاوز ثلاثة شهور من تاريخ إخطاره بالإخلاء، فإذا لم يتم ذلك وثبت تراخي المستأجر الأصلي في إخراج المستأجر من الباطن جاز للمؤجر الأصلي إخلاء العين المؤجرة". يدل على أن المشرع قرر مزية خاصة للمستأجر المصري المقيم بالخارج بصفة مؤقتة تخوله استثناء أن يؤجر من باطنه العين المؤجرة له مفروشة أو خالية بغير إذن من المؤجر ولو تضمن عقد الإيجار شرط الحظر ويتعين على المستأجر الأصلي أن يخطر المستأجر من باطنه بالإخلاء ولو قبل نهاية المدة المبينة أصلاً بالعقد عند حلول موعد عودته من الخارج، على أن يمنح المستأجر من الباطن أجلاً مدته ثلاثة أشهر من تاريخ إخطاره ليقوم بالإخلاء ورد العين. وإذا تراخى المستأجر الأصلي في إخراج المستأجر من الباطن جاز للمؤجر أن يطلب من القضاء إخلاء العين المؤجرة من المستأجر الأصلي ومن المستأجر من الباطن اعتباراً بأن تقاعس الأولى يفيد نزوله عن الانتفاع بالمكان المؤجر وبالتالي عن حقه في الإجارة، وحق الثاني موقوت بعودة الأول من الخارج، شريطة ألا يكون هناك إذن من المؤجر للمستأجر الأصلي بالتأجير من الباطن وإلا فتسري القواعد العامة. لما كان ذلك وكان مفاد ما سلف إلا مصلحة للمستأجر من الباطن التحدي في مواجهة المستأجر الأصلي بعدم توافر الشرائط التي تخول لهذا الأخير أن يؤجر من باطنه وفق المادة 26/ 2 من القانون آنف الذكر، طالما أن المشرع أراد من سنها مجابهة المؤجر إذا ما رغب في التمسك تجاهه بشرط الحظر، فيكون له وحده عند تخلفها المطالبة بإخلاء المستأجر الأصلي والمستأجر من الباطن على سواء، وكان لا يتصور أن تقوم للمستأجر من الباطن مصلحة في التذرع بهذه المادة إلا إذا أراد المستأجر الأصلي إخلاءه قبل نهاية المدة المحددة في العقد، ودون أن تثبت عودته من الخارج وإنهاء إقامته الموقوتة. لما كان ما تقدم وكان الواقع في الدعوى أخذاً من المستندات المقدمة بملف الطعن، أن المطعون عليه أقام دعواه الرقمية 934 لسنة 1975 مدني جنوب القاهرة الابتدائية ضد الطاعن بطلب إخلائه من العين المؤجرة وتسليمها إليه، تأسيساً على أن المادة الثانية من عقد الإيجار المبرم بينهما حددت مدته بسنة تبدأ من 1/ 8/ 1969 حتى 31/ 7/ 1970 وأن العقد لا يتجدد إلا بموافقة كتابية من المطعون عليه وكان البين من تقريرات الحكم المطعون فيه - والتي لم يجحدها الطاعن أو تكون محل نعي منه - أن المطعون عليه أنذر الطاعن على يد محضر في 17/ 4/ 1974 بعدم تجديد العقد وبرغبته في استلام الشقة في ميعاد غايته 31/ 7/ 1974، أي قبل انقضاء مدة العقد بأكثر من ثلاثة شهور، فإن ما خلص إليه الحكم في هذا الشأن يفيد انقضاء عقد الإيجار بانتهاء مدته في تعليل سائغ يكفي لحمل قضائه، ويكون الجدل حول وجوب التثبت من انتهاء حالة الإقامة المؤقتة بالخارج ولا محل له في الدعوى المعروضة تبعاً لإنهاء عقد التأجير مفروشاً بانتهاء مدته، وبالتالي فلا محل لتعييب الحكم لالتفاته عن القرائن التي ساقها الطاعن تدليلاً على عدم تحقق العودة من الاغتراب. لما كان ما سلف وكان ما أورده الحكم خاصاً بمعنى المواطن في حكم المادة المشار إليها ومدى صلتها بالجنسية، أو بأن الميزة المقرر بها تستطيل إلى كافة الأماكن سواء أكانت معدة أو غير معدة للسكنى - أياً كان وجه الرأي فيه - إنما جاء - وعلى ما أفصح الحكم - تزيداً تبعاً لمنطقة الصائب في عدم أحقية الطاعن باعتباره مستأجراً من الباطن في أثاره تخلف شروط انطباق المادة في العلاقة بينه وبين المستأجر الأصلي، فإن النعي عليه بمخالفة القانون والقصور في التسبيب تكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الخامس على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقول الطاعن أنه تمسك أمام محكمة الاستئناف بأن عقد الإيجار قد تجدد اتفاقاً باقتضاء المطعون عليه أجرة ثلاثة أشهر من نوفمبر سنة 1975 حتى يناير سنة 1976 وإعطائه إيصالين بذلك، غير أن الحكم اعتبر استلام هذه المبالغ من قبيل الحصول على مقابل الانتفاع حتى الإخلاء، ولا تتضمن موافقة على تجديد العقد طالما أنه أقام دعوى الإخلاء وظل مصمماً عليها، فإنه يكون معيباً بالفساد في الاستدلال.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أنه لما كان مؤدى المادة 600 من القانون المدني أن تجديد عقد الإيجار لا يفترض إذا نبه المؤجر على المستأجر بالإخلاء عند انتهاء مدته واستمر هذا الأخير مع ذلك منتفعاً بالعين، ما لم يقم الدليل على عكس ذلك، وكان ثبوت تجديد الإيجارة سواء أكان تجديداً ضمنياً أم صريحاً هو من المسائل الموضوعية التي يترك تقديرها لقاضي الموضوع ولا رقابة لمحكمة النقض عليه في ذلك، ما دام أقام قضاءه على دليل مقبول مستمد من واقع الدعوى وأوراقها. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بانتفاء واقعة التجديد اتفاقاً على ما استمده من أن المطعون عليه أقام دعوى الإخلاء وظل مصمماً عليها منذ أن أخل الطاعن بالتزامه بإخلاء العين، وأن في قبضه مبالغ من الطاعن لا تنبئ على موافقته على التجديد بل هي مقابل الانتفاع بالعين حتى تمام إخلائها، وكان ذلك استخلاص سائغ مأخوذ من واقع وظروف الدعوى وله أصله الثابت بالأوراق، فإن النعي يكون على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.