أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 41 - صـ 533

جلسة 18 من فبراير سنة 1990

برئاسة السيد المستشار/ جرجس اسحق نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد فتحي الجمهودي نائب رئيس المحكمة، محمود رضا الخضيري، إبراهيم الطويلة وعبد الناصر السباعي.

(89)
الطعن رقم 3459 لسنة 58 القضائية

1 - اختصاص "اختصاص ولائي". قرار إداري. تعويض.
اختصاص القضاء العادي بالفصل في كافة المنازعات ما لم تكن إدارية أو يختص بالفصل فيها استثناء جهة أخرى. اختصاص محاكم مجلس الدولة بالفصل في طلبات التعويض. مناطه. كون الطلبات مرفوعة بصفة أصلية أو تبعية عن قرار إداري مما نص عليه في م 10 البنود التسعة الأولى وكذا البند 14 من ق المجلس. دعاوى التعويض عن الأعمال المادية والأفعال الضارة التي تأتيها الجهة الإدارية اختصاص المحاكم العادية بها دون محاكم مجلس الدولة.
طلب التعويض عن الأضرار التي لحقت المطعون عليه من جراء التعذيب فترة اعتقاله وإتلاف منقولاته وبضاعته ونهب أمواله. تعويض عن أفعال مادية ضارة غير مشروعة لا تتعلق بقرار إداري. اختصاص المحاكم العادية وحدها بالتعويض عنه.
2 - محكمة الموضوع "في الكييف". التعويض.
تقدير توافر رابطة السببية بين الخطأ والضرر من المسائل الموضوعية التي تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب ما دام تقديرها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة. مثال.
1 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مؤدى نصوص المادتين 15، 17 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 والمادة العاشرة من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 - أن القضاء العادي هو صاحب الولاية العامة للقضاء فيختص بالفصل في كافة المنازعات - أياً كان نوعها وأياً كان أطرافها - ما لم تكن إدارية أو يكون الاختصاص بالفصل فيها مقرراً - استثناء - بنص خاص لجهة أخرى وأن اختصاص محاكم مجلس الدولة بالفصل في طلبات التعويض رهن بأن تكون هذه الطلبات مرفوعة بصفة أصلية أو تبعية عن قرار إداري مما نص عليه في البنود التسعة الأولى من المادة العاشرة من قانون هذا المجلس، أو تعد من سائر المنازعات الإدارية في تطبيق البند الرابع عشر من هذه المادة، أما دعاوى التعويض عن الأعمال المادية والأفعال الضارة التي تأتيها الجهة الإدارية فإنها لا تدخل في الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة ويكون الاختصاص بالفصل فيها منعقداً للمحاكم العادية وحدها. لما كان ذلك وكان الواقع الثابت في الدعوى أن المطعون عليه أقامها بطلب تعويضه عن الأضرار التي لحقته من جراء تعذيب تابعي الطاعنين له أثناء وطوال فترة اعتقالهم وإتلافهم بضاعته ومنقولاته ونهبهم أمواله وهي أفعال مادية ضارة وغير مشروعة لا تتعلق بقرار إداري وتكون الخطأ الذي ينسبه المطعون عليه لتابعي الطاعنين فتكون المحاكم العادية وحدها هي المختصة بالفصل في الدعوى.
2 - المقرر في تقدير توافر رابطة السببية بين الخطأ والضرر أو عدم توافرها هو من المسائل الموضوعية التي تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب عليها ما دام تقديرها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة ولها أصلها في الأوراق.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر........ والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون عليه أقام ضد الطاعنين الدعوى رقم 812 سنة 1985 مدني شمال القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بإلزامهما متضامنين بأن يدفعوا له مبلغ 50000 جنيه وقال بياناً لذلك أنه في يناير سنة 1955 اقتحم تابعوهم مسكنه ليلاً وأنها لوا عليه ضرباً وسباً واتلفوا وسرقوا بضائع متجره ومنقولات مسكنه واقتادوه إلى مقر الشرطة ومنه إلى السجن الحربي معتقلاً حيث عانى أقصى أنواع التعذيب وظل في المعتقل حتى أفرج عنه في شهر إبريل سنة 1956 ثم أعيد اعتقاله في 22/ 8/ 1965 وتكرر تعذيبه واستمر معتقلاً إلى أن أفرج عنه بتاريخ 26/ 8/ 1971 وإذ أصابته. من جراء ذلك الاعتداء أضراراً مادية وأدبية يقدر التعويض الجابر لها بالمبلغ المطالب به فقد أقام الدعوى، دفع الطاعنون بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى، وبتاريخ 24/ 11/ 1986 حكمت المحكمة برفض الدعوى. استأنف المطعون عليه هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 83 سنة 104 ق وبتاريخ 9/ 5/ 1987 أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق وبعد أن استمعت إلى شاهدي المطعون عليه حكمت بتاريخ 8/ 6/ 1988 بإلغاء الحكم المستأنف وإلزام الطاعنين بأن يؤدوا - بالتضامن فيما بينهم - للمطعون عليه مبلغ 15000. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى الطاعنون بالوجه الأول من السبب الأول منهما - على الحكم المطعون فيه - مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وفي بيان ذلك يقولون أن القرار الصادر باعتقال المطعون عليه هو قرار إداري لا يجوز لمحاكم القضاء العادي التعويض عن الأضرار الناشئة عنه لدخول ذلك في الاختصاص الولائي لجهة القضاء الإداري دون غيرها، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بتعويض للمطعون فيه يكون قد فصل في نزاع يخرج عن الاختصاص الولائي للمحاكم العادية بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود - ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة - أن مؤدى نصوص المادتين 15، 17 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 - والمادة العاشرة من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 - أن القضاء العادي هو صاحب الولاية العامة للقضاء فيختص بالفصل في كافة المنازعات - أياً كان نوعها وأياً كان أطرافها - ما لم تكن إدارية أو يكون الاختصاص بالفصل فيها مقرراً - استثناء - بنص خاص لجهة أخرى، وأن اختصاص محاكم مجلس الدولة بالفصل في طلبات التعويض رهن بأن تكون هذه الطلبات أصلية أو تبعية عن قرار إداري مما نص عليه في البنود التسعة الأولى من المادة العاشرة من قانون هذا المجلس، أو تعد من سائر المنازعات الإدارية في تطبيق البند الرابع عشر من هذه المادة، أما دعاوى التعويض عن الأعمال المادية والأفعال الضارة التي تأتيها الجهة الإدارية فإنها لا تدخل في الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة ويكون الاختصاص بالفصل فيها معقوداً للمحاكم العادية وحدها، لما كان ذلك وكان الواقع الثابت في الدعوى أن المطعون عليه أقامها بطلب تعويضه عن الأضرار التي لحقته من جراء تعذيب تابعي الطاعنين له أثناء وطوال فترة اعتقالهم وإتلافهم بضاعته ومنقولاته ونهبهم أمواله وهي أفعال مادية ضارة وغير مشروعة لا تتعلق بقرار إداري وتكون الخطأ الذي ينسبه المطعون عليه لتابعي الطاعنين فتكون المحاكم العادية وحدها هي المختصة بالفصل في الدعوى، وإذ - التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر يكون قد وافق صحيح القانون ويكون النعي على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالوجه الثاني من السبب الأول وبالسبب الثاني - على الحكم المطعون فيه - الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب إذ أدخل في عناصر الضرر التي قضى بالتعويض عنها ضياع - رأس مال المطعون عليه وفقدانه تجارته وحرمانه من إيرادها وفقدان مسكنه - باعتبار أنها ناشئة عن أفعال تابعيهم غير المشروعة ونتيجة طبيعة لها في حين أنها من أثار الاعتقال في حد ذاته وليست نتيجة أعمال التعذيب المسندة إليهم فيختص القضاء الإداري دون غيره بالتعويض عنها هذا إلى أن الحكم لم يورد أسباباً تحمل قضاءه بالتعويض عن هذه الأضرار - باعتباره تعويضاً عن الاعتقال - بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله - ذلك أن المقرر في تقدير توافر رابطة السببية بين الخطأ والضرر "أو عدم توافرها هو من المسائل الموضوعية التي تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب عليها ما دام تقديرها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة ولها أصلها في الأوراق. وكان الخطأ الذي نسبه المطعون عليه إلى تابعي الطاعنين وأقام دعواه بالمطالبة بالتعويض عنه لا يتعلق بالاعتقال وإنما يتمثل - وعلى نحو ما سلف بيانه في الرد على وجه النعي السابق - في تعديهم عليه وتعذيبه بمختلف صنوف وأدوات التعذيب وإتلافهم بعض بضائع متجره - ومنقولات مسكنه ونهبهم بعضاً آخر منهما، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بالتعويض على قوله........ أن المستأنف (المطعون عليه) قد لاقى على أيدي تابعي المستأنف ضدهم (الطاعنين)........ كل ألوان الهوان وشتى صنوف التعذيب والتي من مؤداها إذلال كرامته وآدميته وامتهنت حرمات حقوقه الشخصية والعامة وأحقيته في سلامة جسده، وإذا قوه ألوان الضرب والتعذيب والإهانة والمهانة............. بما يقوم معه في حق تابعي بالمستأنف ضدهم ركن الخطأ في المسئولية التقصيرية بما يتحقق به من ثم مسئولية المتبوعين المستأنف ضدهم عن تلك الأفعال غير المشروعة........ وإذ حاق بالمستأنف من جراء تلك الأفعال أضرار مادية وأدبية تمثلت في المساس بجسده وسائر أعضائه والنيل من شرفه واعتباره إهدار كرامته وإنسانيته وما ناله من جراء ذلك من الحزن والأسى والهم والظلم والألم وإلا يلام وإضاعة رأس ماله وفقدانه لتجارته وحرمانه من إيرادها........ وكان هذا الضرر هو النتيجة الطبيعية لما اقترفه تابعوا المستأنف ضدهم من أفعال غير مشروعة........ بما يتعين معه القضاء بإلزامهم بأداء التعويض الجابر لتلك الأضرار المادية والأدبية "وإذ يبين من هذه الأسباب السائغة المستندة إلى أصلها الثابت في الأوراق أن الحكم قضى بتعويض المطعون عليه عن الأضرار التي لحقته نتيجة الأفعال المادية غير المشروعة التي ثبت في حق تابعي الطاعنين إتيانها وبين العناصر المكونة لهذه الأضرار والتي على أساسها قدر التعويض ووجه أحقية المضرور فيه، فإنه يكون صحيحاً ويكون النعي في غير محله.