أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 41 - صـ 600

جلسة 25 من فبراير سنة 1990

برئاسة السيد المستشار/ جرجس اسحق نائب رئيس المحكمة وعضوية السيد المستشار/ عبد الحميد الشافعي نائب رئيس المحكمة، محمود رضا الخضيري، إبراهيم الطويلة وعبد الناصر السباعي.

(101)
الطعن رقم 72 لسنة 57 القضائية

(1 - 2) مسئولية "المساءلة عن استعمال حقي التقاضي والدفاع" تعويض.
1 - تحديد إجراءات خاصة للقضاة للتقرير بعدم صلاحيتهم وردهم وتنحيتهم المواد 146 - 165 مرافعات. عدم خروج ذلك عن القاعدة العامة في مساءلة المنحرف عن استعمال حق التقاضي. حق القاضي الذي تقرر رده أن يلجأ للقضاء للحكم له على طالب الرد بالتعويض سواء قبل الفصل في طلب الرد أو بعده. سلطة محكمة الموضوع في الفصل في الطلبين معاً أو في كل منهما مستقلاً عن الأخر.
2 - حق التقاضي. عدم الانحراف به ابتغاء مضارة الغير.
قضاء الحكم بمسئولية الخصم عن الأضرار الناشئة عن الاستعمال الكيدي لحق التقاضي لزوم أن يورد العناصر الواقعة والظروف الحاصلة التي يصح استخلاص نية الانحراف والكيد منها استخلاصاً سائغاً. إبداء طلب الرد بعد حجز الدعوى للحكم ثم التنازل عنه. لا يكفي لإثبات انحراف الطاعن عن حقه المكفول في التقاضي. ولا يكشف عن عدم جدية طلب الرد.
1 - وإن كان المشرع قد خص القضاء بإجراءات حددها للتقرير بعدم صلاحيتهم وردهم وتنحيتهم تضمنتها المواد من 146 - 165 من قانون المرافعات فإنه لم يخرج بذلك عن القاعدة العامة التي استنها لمساءلة من انحراف عن استعمال حق التقاضي بإلزامه بتعويض الإضرار التي تلحق الغير بسبب إساءة استعمال هذا الحق وهو ما أشار إليه حين نص في المادة 165 من ذات القانون على أنه إذا رفع القاضي دعوى تعويض على طالب الرد أو قدم ضده بلاغاً لجهة الاختصاص زالت صلاحيته للحكم في الدعوى ويتعين عليه أن يتنحى عن نظرها وإذ لم يحظر المشرع رفع دعوى التعويض قبل الفصل نهائياً في طلب الرد فإنه يحق للقاضي إقامتها سواءً قبل الفصل فيه أو بعده ومحكمة الموضوع وشأنها في الفصل في الطلبين معاً أو في كل منهما مستقلاً عن الأخر.
2 - لما كان حق التقاضي - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة من الحقوق المباحة ولا يسأل من يلج أبواب القضاء تمسكاً أو ذوداً عن حق يدعيه لنفسه إلا إذا ثبت لانحرافه عن الحق المباح إلى اللدد في الخصومة والعنت مع وضوح الحق ابتغاء الإضرار بالخصم، والحكم الذي ينتهي إلى مسئولية خصم عن الأضرار الناشئة عن استعمال حق التقاضي استعمالاً كيدياً غير مشروع يتعين عليه أن يورد العناصر الواقعة والظروف الحاصلة التي يصح استخلاص نية الانحراف الكيد منها استخلاصاً سائغاً. لما كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بإلزام الطاعن بالتعويض على أنه تراضى في طلب الرد إلى ما بعد حجز الدعوى للحكم وأن ما نسبه إلى المطعون عليه جاء مجهلاً إذا لم يحدد أياً من الخصوم اعتاد المطعون عليه مواكلتهم وأن إبداء طلب الرد بعد حجز الدعوى للحكم ثم التنازل عنه يدل على عدم جديته، وكان هذا الذي استند إليه الحكم وأقام قضاءه عليه لا يكفي لإثبات انحراف الطعن عن حقه المكفول في التقاضي على نحو ما يدل على توافر قصد الانحراف والكيد إضراراً بالمطعون عليه ولا يكشف عن عدم جدية طلب الرد، وكان الحكم لم يعن بتحقيق دفاع الطاعن في هذا الخصوص أو يرد عليه فإنه يكون معيباً بالفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب بما يوجب نقضه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن قرر بتاريخ 22/ 5/ 1985 بقلم كتاب محكمة الإسكندرية الابتدائية برد المطعون عليه عن نظر الدعوى رقم 199 لسنة 1984 مدني مستأنف الإسكندرية وقال بياناً لطلبه أنه توجد مودة بين المطعون عليه وبعض المستأنف عليهم في الدعوى السالفة وأنه اعتاد، مواكلتهم مما يرجح معها عدم استطاعته الحكم في الدعوى بغير ميل أو هوى وقيد طلبه برقم 5 لسنة 1985 - وبصحيفة قدمت قلم كتاب محكمة الإسكندرية الابتدائية بتاريخ 27/ 7/ 1985 وأعلنت في 31/ 7/ 1985 أقام المطعون عليه الدعوى ضد الطاعن بطلب إلزامه بأن يدفع له مبلغ خمسمائة ألف جنيه وقال بياناً لدعواه أنه قد أصابته أضرار نتيجة اتخاذ إجراءات الرد قبله بغير وجه حق مما أساء إلى كرامته وأثاره الشبهات حوله وأنه يقدر التعويض عن هذه الأضرار بالمبلغ المطالب به بتاريخ 11/ 2/ 1986 حكمت المحكمة بإثبات تنازل الطاعن عن طلب الرد بإلزامه بأن يؤدي إلى المطعون عليه مبلغ ألف جنيه، استأنف المطعون عليه هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسكندرية بالاستئناف رقم 446 لسنة 42 ق، كما استأنفه الطاعن بالاستئناف رقم 563 لسنة 42 ق وبعد أن ضمت المحكمة الاستئنافين حكمت بتاريخ 12/ 11/ 1986 بتأييد الحكم المستأنف، طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسببين الأول والثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك يقول أن القاضي لا يعد خصماً في طلب الرد فلا يجوز له أن يوجه دعوى فرعية ضد طالب الرد، كما لا يحق له إقامة دعوى التعويض قبل الفصل في طلب الرد ورفضه بحكم نهائي، وهذا فضلاً على أنه تنازل عن طلب الرد بما كان يوجب على المحكمة أن تقضي تبعاً لذلك بانقضاء الخصومة في دعوى التعويض، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بالتعويض رغم أن الدعوى بذلك لم ترفع بالطريق الذي رسمه القانون فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه وإن كان المشرع قد خص القضاة بإجراءات حددها للتقرير بعدم صلاحيتهم وردهم وتنحيتهم تضمنتها المواد من 146 - 165 من قانون المرافعات فإنه لم يخرج بذلك عن القاعدة العامة التي استنها لمساءلة من انحراف عن استعمال حق التقاضي بإلزامه بتعويض الإضرار التي تلحق الغير بسبب إساءة استعمال هذا الحق وهو ما أشار إليه - حين نص في المادة/ 165 من ذات القانون على أنه إذا رفع القاضي دعوى تعويض على طالب الرد أو قدم ضده بلاغاً لجهة الاختصاص زالت صلاحيته للحكم في الدعوى ويتعين عليه أن يتنحى عن نظرها وإذ لم يحظر المشرع رفع دعوى التعويض قبل الفصل نهائياً في طلب الرد فإنه يحق للقاضي إقامتها سواء قبل الفصل فيه أو بعده ومحكمة الموضوع وشأنها في الفصل في الطلبين معاً أو في كل منهما مستقلاً عن الآخر. وكان البين من الأوراق أن المطعون عليه أقام الدعوى بطلب التعويض بالطريق المعتاد لرفع الدعوى وذلك بصحيفة قدمت إلى قلم كتاب محكمة الإسكندرية الابتدائية وسدد الرسم المستحق عن طلباته فيها وتضمنت كافة البيانات التي أوجب القانون أن تشتمل عليها صحيفة الدعوى واستوفت شروط قبولها وتم إعلانها للطاعن ومن ثم فإن الخصومة تكون قد انعقدت في تلك الدعوى بين أطرافها صحيحة ومنتجة لكافة آثارها مستقلة عن طلب الرد فلا تتأثر بتنازل الطاعن عن هذا الطلب وإثبات المحكمة لهذا التنازل إذ طالما أن لتلك الدعوى كيان مستقل فإنها لا تتأثر بما قد يطرأ على طلب الرد من أمور أو ما قد يلحق به من بطلان، ويكون ما ينعاه الطاعن بعدم قبول الدعوى الفرعية من القاضي في طلب الرد - وأياً كان وجه الرأي فيه - غير منتج، لما كان ما تقدم فإن النعي برمته يكون في غير محله.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول أنه تمسك أمام محكمة الموضوع بأنه كان يستعمل حقاً مقرراً له بمقتضى القانون دون أن ينحرف في استعماله، إلا أن الحكم المطعون فيه التفت عن هذا الدفاع ولم يوضح الخطأ الذي ارتكبه ولم يعن بتحقيق الوقائع التي نسبها إلى المطعون عليه في دعوى الرد لبيان مدى صحتها وأيد الحكم المستأنف فيما قضى به من إلزامه بالتعويض متخذاً من مجرد تقديم طلب الرد بعد حجز الدعوى للحكم ثم التنازل عنه دليلاً على خطئه وهو ما لا يصلح رداً على دفاعه مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله ذلك أن حق التقاضي - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة من الحقوق المباحة ولا يسأل من يلج أبواب القضاء تمسكاً أو زوداً عن حق يدعيه لنفسه إلا إذا ثبت انحرافه عن الحق المباح إلى اللدد في الخصومة والعنت مع وضوح الحق ابتغاء الإضرار بالخصم، والحكم الذي ينتهي إلى مسئولية خصم عن الأضرار الناشئة عن استعمال حق التقاضي استعمالاً كيدياً غير مشروع يتعين عليه أن يورد العناصر الواقعية والظروف الحاصلة التي يصبح استخلاص نية الانحراف الكيد منها استخلاصاً سائغاً، لما كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بإلزام الطاعن بالتعويض على أنه تراخى في طلب الرد إلى ما بعد حجز الدعوى للحكم وأن ما نسبه إلى المطعون عليه جاء مجهلاً إذا لم يحدد أياً من الخصوم اعتاد المطعون عليه مواكلتهم وأن إبداء طلب الرد بعد حجز الدعوى للحكم ثم التنازل عنه يدل على عدم جديته، وكان هذا الذي استند إليه الحكم وأقام قضاءه عليه لا يكفي لإثبات انحراف الطعن عن حقه المكفول في التقاضي على نحو يدل على توافر قصد الانحراف والكيد إضراراً بالمطعون عليه ولا يكشف عن عدم جدية طلب الرد، وكان الحكم لم يعن بتحقيق دفاع الطاعن في هذا الخصوص أو يرد عليه فإنه يكون معيباً فإنه يكون معيباً بالفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب بما يوجب نقضه.