أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 41 - صـ 649

جلسة 28 من فبراير سنة 1990

برئاسة السيد المستشار/ وليم رزق بدوي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ طه الشريف نائب رئيس المحكمة، أحمد أبو الحجاج، شكري العميري وعبد الصمد عبد العزيز.

(110)
الطعن رقم 3249 لسنة 58 القضائية

(1) استئناف "نطاق الاستئناف". حكم "استنفاد الولاية". بطلان. نقض.
قضاء المحكمة الاستئنافية ببطلان حكم أول درجة لعيب شابه دون أن يمتد إلى صحيفة الدعوى. أثره. وجوب الفصل في موضوع الدعوى دون إعادتها لمحكمة أول درجة. القضاء بغير ذلك وعرض الأمر من جديد على محكمة الاستئناف. النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون. لا يحقق سوى مصلحة نظرية للطاعن. مؤداه. عدم صلاحيته سبباً للطعن بالنقض.
(2 - 6) دستور. قانون. اختصاص "الاختصاص الولائي".
2 - محكمة النقض. اختصاصها بتحقيق صحة الطعون الانتخابية واختصاص مجلس الشعب بالفصل في صحة العضوية. م 93 من الدستور. غايته. أن يستقيم لمجلس الشعب مسوغات قراره بإقامته على دعامات مستمدة من تحقيق قضائي محايد. علة ذلك. اعتبار الفصل في صحة العضوية احتكام في خصومة يدخل ضمن وظيفة القضاء ويحتاج إلى نزاهة القضاة وحيدتهم.
3 - اختصاص مجلس الشعب بالفصل في صحة العضوية. استثنائي. استناده في الأصل إلى المادة الخامسة من الدستور قبل تعديلها في 30/ 4/ 1980، مؤدى ذلك. اختصاصه بعد قيام نظام تعدد الأحزاب. طبيعته. سياسي يتأبى على مبدأ عدل القضاء وحيدته. لازمه أن يغل هذا الاختصاص في نطاقه السياسي وينحصر في مسألة الاقتراع على العضوية دون الإجراءات السابقة عليه. مراقبة هذه الإجراءات وما شابها من أخطاء دخوله نطاق الولاية العامة للمحاكم.
4 - سلطة مجلس الشعب بالفصل في صحة العضوية لا تتأبى على مبدأ المسألة القانونية بالنسبة لإجراءات عملية الانتخاب. علة ذلك.
5 - حصانة أعضاء مجلس الشعب. نطاقها. م 98 من الدستور عدم استطالتها إلى أي عمل يتجرد من المشروعية.
6 - الطعن الانتخابي الوارد بنص المادة 93 من الدستور. انصرافه إلى العملية الانتخابية من تصويت وفرز إلى إعلانه النتيجة. امتداده أيضاً إلى ما يفرضه الدستور من إحالة الطعن إلى محكمة النقض لتحقيقه وعرض نتيجة التحقيق على المجلس لإصدار قرار في شأنه. افتقار هذه الأعمال للمشروعية وانحرافها عن أحكام الدستور. مؤداه انحدارها إلى مستوى العمل المادي.
7 - دستور. اختصاص "اختصاص ولائي". مسئولية. تعويض.
استخلاص الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما من سلطة محكمة الموضوع. استظهار الحكم من تحقيقات محكمة النقض ما لحق عملية فرز الأصوات وإعلان النتيجة من أخطاء أدت إلى إعلان فوز منافس المطعون ضده رغم أحقيته هو علاوة على تراخي رئيس اللجنة التشريعية ورئيس مجلس الشعب في عرض النتيجة على المجلس في الوقت المناسب. قضاؤه بالتعويض تأسيساً على ما لحقه من أضرار نتيجة ذلك. سائغ.
8 - دعوى "الصفة" "التمثيل القانوني" نيابة "النيابة القانونية".
تمثيل الدولة في التقاضي، فرع من النيابة القانونية عنها. وجوب الرجوع إلى مصدرها وهو القانون في بيان مداها ونطاقها. رئيس مجلس الشعب وهو صاحب الصفة - دون غيره في تمثيله ولجانه بما في ذلك رئيس اللجنة التشريعية.
1 - إذ كان المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أنه إذ رأت محكمة الاستئناف أن الحكم المستأنف باطل لعيب شاب إجراءاته دون أن يمتد إلى صحيفة الدعوى فإنه يجب عليها ألا تقف عند تقرير هذا البطلان، وإنما عليها أن تفصل في الموضوع بحكم جديد تراعي فيه الإجراءات الصحيحة، إلا أنه وقد أحالت محكمة الاستئناف الدعوى إلى محكمة الدرجة الأولى ثم عرض الأمر من جديد على محكمة الاستئناف وتناضل الخصوم أمامها في إبداء الدفوع والرد عليها على النحو الوارد بالحكم المطعون فيه، فإن نقض الحكم بسبب ما شابه من خطأ في تطبيق القانون لا يحقق للطاعنين سوى مصلحة نظرية بحته وهو سبب لا يصلح قوماً للطعن بالنقض.
2 - النص في المادة 93 من الدستور بأن "يختص المجلس بالفصل في صحة عضوية أعضائه وتختص محكمة النقض بالتحقيق في صحة الطعن المقدمة إلى المجلس بعد إحالتها إليه من رئيسه ويجب إحالته الطعن إلى محكمة النقض خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ علم المجلس به ويجب الانتهاء من التحقيق خلال تسعين يوماً من تاريخ إحالته إلى محكمة النقض. وتعرض نتيجة التحقيق والرأي الذي انتهت إليه المحكمة على المجلس للفصل في صحة الطعن خلال ستين يوماً من تاريخ عرض نتيجة التحقيق على المجلس ولا تعتبر العضوية باطلة إلا بقرار يصدر بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس. مفاده. أن الدستور ناط بمحكمة النقض تحقيق صحة الطعون الانتخابية واختص مجلس الشعب بسلطة الفصل في صحة العضوية، وقد استهدف الشارع الدستوري - بما عهد به لمحكمة النقض - أن يستقيم لمجلس الشعب مصوغات قراره بإقامته على دعامات مستمدة من تحقيق قضائي محايد، ومقدراً في الوقت ذاته أن الفصل في صحة العضوية هو في حقيقته احتكام في خصومة يدخل ضمن وظيفة القضاء يحتاج إلى نزاهة القضاة وحيدتهم.
3 - إذ كان الدستور قد اختص مجلس الشعب بالفصل في صحة العضوية استثناء فما قام في مراده أن يجرده من مضمونه بأن يدفع به وسط صراع حزبي تتقاذفه آراء تتجرد من حيدة القضاة التي تفرض ألا يكون للقاضي مصلحة فيما يقضي فيه، ذلك أن المشرع الدستوري - عند وضع هذه النص - لم يكون قد أخذ بمبدأ تعدد الأحزاب إذ أورد في المادة الخامسة قبل تعديلها في 30/ 4/ 1980 بأن "الاتحاد الاشتراكي هو التنظيم السياسي الذي يمثل بتنظيماته القائمة على أساس مبدأ الديمقراطية - تخالف قوى الشعب العاملة........ وهو ما كان يتسق مع نص المادة 93، باعتبار أن التنظيم الواحد لا يقوم على مبدأ الصراع الحزبي وإنما يأخذ بمبدأ الانقياد إلى رأي واحد، ومؤدى ذلك أن اختصاص مجلس الشعب بالنظر في صحة العضوية - بعد تعديل المادة الخامسة من الدستور بالأخذ بنظام تعدد الأحزاب - لا يمكن النظر إليه على أنه يقوم على مبدأ الاحتكام في خصومة، ومن ثم فهو اختصاص سياسي يتأبى على مبدأ عدل القضاء وحيدته، وهو ما لازمه أن يغل هذا الاختصاص في نطاقه السياسي وينحصر في مسألة الاقتراع عليه دون أن يستطيل إلى اختصاص المحاكم بما لها من ولاية عامة في مراقبة الإجراءات السابقة عليه وتقدير ما شابها من الأخطاء لتعويض المضرور عنها، وفقاً لأحكام المسئولية التقصيرية.
4 - لا يستقيم في صحيح النظر - أن يقال أن سلطة مجلس الشعب بالفصل في صحة العضوية تتأبى على مبدأ المسألة القانونية في أمر كل إجراء يتعلق بعملية الانتخاب - صحيحاً كان أو باطلاً - لما فيه من الخوض في اختصاصه وما يحمله من معنى الخروج على مبدأ الفصل بين السلطات في الدولة، ذلك أن الدستور عندما رسم الحدود بين السلطات نص في المادة 98 على أن التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة ولكل مواطن الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي وحظر في النص ذاته تحصين أي عمل أو قرار من رقابة القضاء وأخضع سلطات الدولة جميعاً - بما فيها السلطة التشريعية - لسيادة القانون وناط بالقضاء في المادة 55 توفير الحماية القضائية للمواطنين من كل تعسف وكفالة وخضوع كافة السلطات لسيادة القانون.
5 - إذ كان الدستور قد نص في المادة 98 على حصانة أعضاء مجلس الشعب فيما يبدونه من الأفكار والآراء في أداء أعمالهم داخل المجلس أو لجانه فهي حصانة لا تعدو نطاق إبداء الرأي ولا تستطيل إلى أي عمل آخر تجرد من المشروعية وأستوجب مسئولية فاعله.
6 - إذ كان المقصود بالطعن الانتخابي الوارد بنص المادة 93 من الدستور هو الطعن الذي ينصرف إلى العملية الانتخابية من تصويت وفرز للأصوات وهو يستطيل إلى إعلان النتيجة باعتباره قراراً تنفيذاً - ويمتد إلى ما أوجبه الدستور على رئيس مجلس الشعب من إحالة الطعن الذي يقدم إليه إلى محكمة النقض وعرض نتيجة التحقيق الذي تجريه المحكمة على المجلس خلال وقت مناسب لإصدار القرار في شأنه وهي جميعاً إجراءات لا يحصنها - سوى أن تكون مستندة إلى المشروعية الدستورية فإن فقدت سندها الدستوري أو انحرفت عن أحكامه تردت إلى مستوى العمل المادي واقتضت مسئولية فاعلها بحيث يتحقق بها ركن الخطأ في المسئولية التقصيرية، لما كان ذلك وكان الدستور لم يسلب المحاكم حق رقابة هذه الإجراءات وتقرير المسئولية عنها ولم يختص بها مؤسسة دستورية أخرى فإنها تبقى في نطاق الاختصاص العام للمحاكم ذات الولاية العامة.
7 - إذ كان المطعون ضده لم يلجأ إلى المحاكم للطعن في قرار صحة عضوية منافسة وإنما مطالباً بالتعويض بسبب ما لحق عملية الأصوات وإعلان النتيجة من أخطاء ثم تعطيل عرض التحقيق الذي أجرته محكمة النقض على المجلس في وقت مناسب، وكان لمحكمة الموضوع استخلاص الخطأ الموجب للمسئولية وعلاقة السببية بينه وبين الضرر وتقدير التعويض المناسب وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص الخطأ في نتيجة عملية الفرز وإعلان النتيجة التي انتهت إلى نجاح منافس المطعون ضده رغم أحقية الأخير في ذلك وكان هذا الاستخلاص مستمداً من التحقيق الذي أجرته محكمة النقض، كما استظهر الحكم من الأوراق تراخي رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب في فحص هذا التحقيق وتراخي رئيس المجلس في عرض نتيجة على المجلس في وقت مناسب حتى استنفذ وقتاً طويلاً استطال إلى تاريخ حل المجلس أي بعد أكثر من سبعة شهور من تاريخ إحالة التحقيق إليه ورتب على ذلك ما انتهى إليه من حق المطعون ضده في تعويضه عن الأضرار التي لحقت به في بيان سائغ، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد وافق صحيح القانون واستوى على أسباب تكفي لحمله.
8 - تمثيل الدولة في التقاضي هو فرع من النيابة القانونية عنها ويتعين في بيان مداها ونطاقها أن يرجع إلى مصدرها وهو القانون، وإذ كانت لائحة مجلس الشعب تقضي بأن رئيس المجلس هو الذي يمثله ويتكلم باسمه - ومن ثم فهو صاحب الصفة دون غيره في تمثيل المجلس ولجانه بما في ذلك رئيس اللجنة التشريعية.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقارير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 2297 لسنة 1979 مدني كلي سوهاج ضد الطاعنين بصفتهم بطلب الحكم بإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا له مبلغ خمسين جنيه تعويضاً عما أصابه من أضرار مادية وأدبية بسبب إعلان نتيجة الانتخابات على النحو المبين بالصحيفة، وقال بياناً لذلك أنه تقدم للترشيح عن عضوية مجلس الشعب في دائرة سوهاج فئات عام 1976 وتم إجراء الانتخابات وأعلنت النتيجة بفوز منافسه........ إلا أنه نظراً لحدوث أخطاء في كشوف الناخبين وفي عملية حساب النتيجة فقد تقدم بطعن أحيل إلى محكمة النقض، مستنداً إلى السبب الثاني وقد كشف التحقيق المشار إليه أنه حصل على عدد من الأصوات يزيد على ما حصل منافسة خلافاً لما أعلن بنتيجة التصويت ثم أرسلت كشوف الأصوات مرفقاً بها نتيجة التحقيق في الطعن رقم 188 لسنة 46 ق طعون إلى مجلس الشعب في 10/ 7/ 1978 ومضت المدة القانونية دون أن يعرض على المجلس بعد إحالته إلى اللجنة التشريعية وظل ساكناً به إلى أن حل مجلس الشعب بتاريخ 21/ 4/ 1979. حكمت المحكمة بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى فأستأنفه المطعون ضده بالاستئناف رقم 41 لسنة 58 ق أسيوط "مأمورية سوهاج" حكمت المحكمة ببطلان الحكم المستأنف وبإحالة القضية إلى محكمة سوهاج الابتدائية للفصل فيها وبعد أن نظرت الدعوى أمام المحكمة قضت فيها بإلزام الطاعنين بأن يؤدوا للمطعون ضده متضامنين مبلغ 12000 جنيه، استأنف الطاعنون هذا الحكم بالاستئناف رقم 159 لسنة 62 ق أسيوط - مأمورية سوهاج وبتاريخ 25/ 5/ 1988 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف، طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم وعرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب ينعى الطاعنون بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وفي بيانه يقولون أن الحكم الصادر في الاستئناف رقم 41 لسنة 58 ق سوهاج قضى ببطلان الحكم المستأنف وبرد القضية لمحكمة سوهاج الابتدائية للفصل فيه استناداً إلى أن أحد أعضاء الدائرة لم يوقع على مسودته وكان يتعين على محكمة الاستئناف أن تستمر في نظر الدعوى دون إحالتها إلى محكمة الدرجة الأولى وأن تفصل في الدفع بعدم الاختصاص الولائي الذي أخذ به الحكم المستأنف، أما وقد أعادت الدعوى إلى تلك المحكمة فإنها تكون قد أخطأت في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول ذلك أنه ولئن كان المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه إذا رأت محكمة الاستئناف أن الحكم المستأنف باطل لعيب شاب إجراءاته دون أن يمتد إلى صحيفة الدعوى فإنه يجب عليها ألا تقف عند تقرير هذا البطلان، وإنما عليها أن تفصل في الموضوع بحكم جديد تراعي فيه الإجراءات الصحيحة، إلا أنه وقد أحالت محكمة الاستئناف الدعوى إلى محكمة الدرجة الأولى ثم عرض الأمر من جديد على محكمة الاستئناف وتناضل الخصوم أمامها في إبداء الدفوع والرد عليها على النحو الوارد بالحكم المطعون فيه، فإن نقض الحكم بسبب ما شابه من خطأ في تطبيق القانون لا يحقق للطاعنين سوى مصلحة نظرية بحته وهو سبب لا يصلح قواماً للطعن بالنقض في الأحكام ومن ثم يكون النعي به غير مقبول.
وحيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه بالسببين الثاني والرابع مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وفي بيانه يقولون أن نصوص المواد 93 من الدستور و20 من قانون مجلس الشعب و297 من لائحته الداخلية تعقد الاختصاص بتقرير صحة العضوية والتعويض عنها لمجلس الشعب دون القضاء العادي وأن تحقيق أركان المسئولية التقصيرية للطاعنين يتطلب بالضرورة الخوض في مدى صحة انتخابات أعضاء المجلس وأن التحقيق الذي تجريه محكمة النقض لتحقيق صحة الطعون لا يعدو أن يكون مرحلة أولية وأن وجوب عرضه على المجلس لا ينال من أن يكون هذا المجلس هو صاحب القرار بشأن صحة العضوية أو إبطالها بما مؤداه أن يخرج الاختصاص بشأن بحث هذه المسائل عن اختصاص القضاء وينعقد لمجلس الشعب وحده، فضلاً عن أن التحقيق الذي أجرته محكمة النقض في الطعن - محل النزاع - أحيل إلى أمانة المجلس في 17/ 7/ 1978 ثم أحيل بالتالي إلى اللجنة التشريعية عملاً بنص اللائحة الداخلية للمجلس ولم يعرض تقرير تلك اللجنة حتى شهر مارس سنة 1979 ثم صدر قرار جمهوري بوقف جلسات مجلس الشعب ثم صدر قرار آخر بحله في 21/ 4/ 1979 ومن ثم فإن ميعاد الستين يوماً المحددة للفصل في الطعن لم تكن قد بدأت بعد حتى تاريخ حل المجلس، يضاف إلى ذلك كله أن المواعيد المنصوص عليها في الدستور مواعيد تنظيمية لا يترتب على مخالفتها أي جزاء ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ رفض الدفع بعدم الاختصاص الولائي، وقضى بالتعويض يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن النص في المادة 93 من الدستور بأن "يختص المجلس بالفصل في صحة عضوية أعضائه وتختص محكمة النقض بالتحقيق في صحة الطعن المقدمة إلى مجلس بعد إحالتها إليه من رئيسه، ويجب إحالة الطعن إلى محكمة النقض خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ علم المجلس به ويجب الانتهاء من التحقيق خلال تسعين يوماً من تاريخ إحالته إلى محكمة النقض وتعرض نتيجة التحقيق والرأي الذي انتهت إليه المحكمة على المجلس للفصل في صحة الطعن خلال ستين يوماً من تاريخ عرض نتيجة التحقيق على المجلس ولا تعتبر العضوية باطلة إلا بقرار يصدر بأغلبية المجلس" مفاده أن الدستور ناط بمحكمة النقض تحقيق صحة الطعون الانتخابية واختص مجلس الشعب بسلطة الفصل في صحة العضوية وقد استهدف الشارع الدستوري - بما عهد به - لمحكمة النقض، أن يستقيم لمجلس الشعب مسوغات قراره بإقامته على دعامات مستمدة من تحقيق قضائي محايد، ومقدراً في الوقت ذاته أن الفصل في صحة العضوية هو في حقيقته احتكام في خصومة يدخل ضمن وظيفة القضاء يحتاج إلى نزاهة القضاة وحيدتهم، وإذا كان الدستور قد اختص المجلس استثناء فما قام في مراده أن يجرده من مضمونه بأن يدفع به وسط صراع حزبي تتقاذفه آراء تتجرد من حيدة القضاة التي تفرض ألا يكون للقاضي مصلحة فيما يقضي فيه، ذلك أن المشرع الدستوري - عند وضع هذه النص، لم يكن قد أخذ بمبدأ تعدد الأحزاب إذ أورد في المادة الخامسة قبل تعديلها في 30/ 4/ 1980 بأن "الاتحاد الاشتراكي هو التنظيم السياسي الذي يمثل بتنظيماته القائمة - على "أساس مبدأ الديمقراطية - تحالف قوى الشعب العاملة" وهو ما كان يتسق مع نص المادة 93، باعتبار أن التنظيم الواحد لا يقوم على مبدأ الصراع الحزبي وإنما يأخذ بمبدأ الانقياد إلى رأي واحد، ومؤدى ذلك أن اختصاص مجلس الشعب بالنظر في صحة العضوية - بعد تعديل المادة الخامسة من الدستور بالأخذ بنظام تعدد الأحزاب لا يمكن النظر إليه على أنه يقوم على مبدأ الاحتكام في خصومة، ومن ثم فهو اختصاص سياسي يتأبى على مبدأ عدل القضاء وحيدته، وهو ما لازمه أن يغل هذا الاختصاص في نطاقه السياسي وينحصر في مسألة الاقتراع عليه، دون أن يستطيل إلى اختصاص المحاكم بما لها من ولاية عامة في مراقبة الإجراءات السابقة عليه وتقدير ما شابها من أخطاء لتعويض المضرور عنها، وفقاً لأحكام المسئولية التقصيرية. ولا يستقيم من صحيح النظر - أن يقال أن سلطة مجلس الشعب بالفصل في صحة العضوية تتأبى على مبدأ المسألة القانونية في أمر كل إجراء يتعلق بعملية الانتخاب صحيحاً - كان أو باطلاً - لما في الخوض في اختصاصه وما يحمله من معنى الخروج على مبدأ الفصل بين السلطات في الدولة، ذلك أن الدستور - عندما رسم الحدود بين السلطات نص في المادة 68 على أن التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة ولكل مواطن الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي وحظر في النص ذاته تحصين أي عمل أو قرار من رقابة القضاء وأخضع سلطات الدولة جميعاً - بما فيها السلطة التشريعية لسيادة القانون وناط بالقضاء في المادة 65 توفير الحماية القضائية للمواطنين من كل تعسف وكفالة وخضوع كافة السلطات لسيادة القانون وإذ كان قد نص في المادة 98 على حصانة أعضاء مجلس الشعب فيما يبدونه من الأفكار والآراء في أداء أعمالهم داخل المجلس أو لجانه فهي حصانة لا تعدو نطاق إبداء الرأي ولا تستطيل إلى أي عمل آخر تجرد من المشروعية واستوجب مسئولية فاعلة. لما كان ذلك وكان المقصود بالطعن الانتخابي الوارد بنص المادة 93 من الدستور هو الطعن الذي ينصرف إلى العملية الانتخابية من تصويت وفرز للأصوات وهو يستطيل إلى إعلان النتيجة باعتباره قراراً تنفيذياً ويمتد إلى ما أوجبه الدستور على رئيس مجلس الشعب من إحالة الطعن الذي يقدم إليه إلى محكمة النقض وعرض نتيجة التحقيق الذي تجريه المحكمة على المجلس خلال وقت مناسب لإصدار القرار في شأنه وهي - جميعاً إجراءات لا يحصنها - سوى أن تكون مستندة إلى المشروعية الدستورية فإن فقدت سندها الدستوري أو انحرفت عن أحكامه تردت إلى مستوى العمل المادي واقتضت مسئولية فاعلها بحيث يتحقق بها ركن الخطأ في المسئولية التقصيرية. لما كان ذلك وكان الدستور لم يسلب المحاكم حق رقابة هذه الإجراءات وتقرير المسئولية عنها ولم يختص بها مؤسسة دستورية أخرى فإنها تبقى في نطاق الاختصاص العام للمحاكم ذات الولاية العامة وإذ كان المطعون ضده لم يلجأ إلى هذه المحاكم للطعن في قرار صحة عضوية منافسة وإنما مطالباً بالتعويض بسبب ما لحق عملية فرز الأصوات وإعلان النتيجة من أخطاء ثم تعطيل عرض التحقيق الذي أجرته محكمة النقض على المجلس في وقت مناسب، وكان لمحكمة الموضوع استخلاص الخطأ الموجب للمسئولية وعلاقة السببية بينه وبين الضرر وتقدير التعويض المناسب وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص الخطأ في نتيجة عملية الفرز وإعلان النتيجة التي انتهت إلى نجاح منافس المطعون ضده رغم أحقية الأخير في ذلك وكان هذا الاستخلاص مستمداً من التحقيق الذي أجرته محكمة النقض، كما استظهر الحكم من الأوراق تراخي رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب في فحص هذا التحقيق وتراخي رئيس المجلس في عرض نتيجته على المجلس في وقت مناسب حتى استنفد وقتاً طويلاً استطال إلى تاريخ حل المجلس أي بعد أكثر من سبعة شهور من تاريخ إحالة التحقيق إليه ورتب على ذلك ما انتهى إليه من حق المطعون ضده في تعويضه عن الأضرار التي لحقت به في بيان سائغ، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد وافق صحيح القانون واستوى على أسباب تكفي لحمله ويكون النعي بما ورد بسببي الطعن على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وفي بيانه يقولون أن الحكم المطعون فيه رفض الدفع بعدم قبول الدعوى بالنسبة للمطعون ضده الثاني - رئيس اللجنة التشريعية - لرفعها على غير ذي صفة - رغم أنه لا يمثل مجلس الشعب وإنما يمثله رئيسه طبقاً للائحة المجلس.
وحيث إن هذا النعي سديد - ذلك أن تمثيل الدولة في التقاضي هو فرع من النيابة القانونية عنها ويتعين في بيان مداها ونطاقها أن يرجع إلى مصدرها وهو القانون وإذ كانت لائحة مجلس الشعب تقضي بأن رئيس المجلس هو الذي يمثله ويتكلم باسمه ومن ثم فهو صاحب الصفة دون غيره في تمثيل المجلس ولجانه بما في ذلك رئيس اللجنة التشريعية وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يتعين نقض الحكم فيما انتهى إليه من قبول الدعوى ضد الطاعن الثاني بصفته.
وحيث إن الدعوى صالحة للفصل في موضوعها.
وحيث إن تقدير التعويض إنما ينظر إليه بمقدار ما لحق المطعون ضده من ضرر وكانت هذه المحكمة ترى أن التعويض المقضي به يتكافأ قدراً مع ما لحق المستأنف ضده من أضرار وفقاً لعناصر التقدير الذي انتهى إليها الحكم المطعون فيه وما سلف بيانه ومن ثم فإنها تقضي به ضد كل من المستأنف الأول والأخير بصفتيهما على وجه التضامن.
وحيث إنه لما تقدم يتعين نقض الحكم نقضاً جزئياً في شأن ما قضى به من قبول الدعوى ضد الطاعن الثاني بصفته وبتعديل الحكم المستأنف حسبما ورد في المنطوق.