أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 11 - صـ 66

جلسة 14 من يناير سنة 1960

برياسة السيد محمود عياد المستشار، وبحضور السادة: محمد رفعت، ومحسن العباس، وعبد السلام بلبع، ومحمود القاضي المستشارين.

(8)
الطعن رقم 415 سنة 25 القضائية

(أ، ب) عمل "التحكيم في منازعات العمل" "القواعد القانونية المطبقة أمام هيئة التحكيم" "القوانين واللوائح - العرف ومبادئ العدالة".
مؤدى نص الم 16 من القانون 318/ 52 أن هيئة التحكيم ملزمة أصلاً بتطبيق القوانين واللوائح وأن لها رخصة الاستناد إلى العرف ومبادئ العدالة في إجابة العمال إلى بعض مطالبهم التي لا ترتكن إلى حقوق مقررة لهم في القانون وفقاً للحالة الاقتصادية والاجتماعية العامة في المنطقة.
استناد القرار المطعون فيه إلى مبادئ العدالة وحدها في تقرير حق عمال مصنع في علاج أفراد عائلاتهم على حساب الشركة أسوة بزملائهم في مصنع آخر مملوك لها يقوم بصناعة مماثلة، النعي عليه بالخطأ في القانون لعدم قيام عرف بعلاج عائلات العمال في المنطقة التي بها المصنع الأول. على غير أساس.
(جـ) حكم "عيوب التدليل" "التناقض" "انتقاء التناقض". عمل "التحكيم في منازعات العمل" "علاج أسر العمال".
مثال في شأن الرعاية الطبية لأسر العمال.
1 - مؤدى نص المادة 16 فقرة أولى من القانون رقم 318 لسنة 1952 في شأن التوفيق والتحكيم في منازعات العمل أن هيئة لتحكيم ملزمة أصلاً بتطبيق أحكام القوانين واللوائح فيما يعرض عليها من منازعات بين أرباب الأعمال والعمال وأن لها بجانب هذا الأصل رخصة أجازها لها القانون هي أن تستند إلى العرف ومبادئ العدالة في إجابة العمال إلى بعض مطالبهم التي لا ترتكن إلى حقوق مقررة لهم في القانون، وذلك وفقاً للحالة الاقتصادية والاجتماعية العامة في المنطقة.
2 - إذا كان قرار هيئة التحكيم المطعون فيه قد استند في تقرير حق العمال الدائمين بأحد مصانع الشركة الطاعنة بكوم أمبو في علاج أفراد عائلاتهم على حسابها أسوة بزملائهم في مصنع آخر بنجع حمادي مملوك للشركة نفسها ويقوم بصناعة مماثلة - إلى مبادئ العدالة وحدها، وذلك للأسباب السائغة الواردة به، فإن النعي عليه بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه لعدم قيام عرف في كوم أمبو جرى بعلاج عائلات العمال الدائمين يكون على غير أساس.
3 - إذا كان قرار هيئة التحكيم المطعون فيه وإن أورد ضمن أسبابه نقلاً عن تقرير مكتب العمل "أن الشركة الطاعنة لا تصرف ثمن أدوية لعائلات العمال" - إلا أنه أورد في موضع آخر نقلاً عن هذا التقرير "أن الشركة تباشر علاج عائلات العمال الدائمين بمصنع نجع حمادي دون عائلات مصنع كوم أمبو" - ثم انتهى إلى أنه "يتعين عدالة المساواة بين العمال الدائمين في مصنع كوم أمبو وبين زملائهم بمصنع نجع حمادي في حق أسرهم لدى طبيب المصنع مع صرف الأدوية اللازمة مركبة وجاهزة"، فإن هذا الذي قررته هيئة التحكيم يفيد أنها استخلصت أن مباشرة الشركة لعلاج عائلات العمال الدائمين بمصنع نجع حمادي يشمل صرف الأدوية اللازمة لهم فقررت المساواة في هذا الخصوص بين عائلات العمال الدائمين بالمصنعين، ومن ثم فلا تعارض بين امتناع الشركة عن دفع ثمن الأدوية للعمال وبين قيامها بصرف الأدوية لهم عيناً جاهزة ومركبة حتى تستوثق من قيامها بواجب الرعاية الطبية نحوهم - يعيب القرار المطعون فيه بالتناقض.


المحكمة

وحيث إن الوقائع تتحصل حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن في أن اتحاد نقابات عمال مصانع شركة السكر والتكرير المصرية - المطعون عليه - تقدم إلى مكتب العمل بعدة طلبات، أحيلت منه إلى لجنة التوفيق ثم إلى هيئة التحكيم بمحكمة استئناف القاهرة حيث قيد النزاع أمامها برقم 120 لسنة 1954 - وفي 17 من إبريل سنة 1955 أصدرت هيئة التحكيم قراراً قطعياً بالنسبة لجميع الطلبات، فيما عدا الطلب الخاص بعلاج عائلات العمال الدائمين بمصنع كوم أمبو، فقد أصدرت هيئة التحكيم بالنسبة له قراراً تمهيدياً بندب مفتش مكتب العمل بقنا للانتقال إلى مقر الشركة والاطلاع على سجلاتها للتعرف عما جرى عليه العمل بها قبل شهر مايو سنة 1953 وبيان ما إذا كانت تلتزم بعلاج عائلات العمال وصرف الأدوية لهم خلال الخمس سنوات السابقة على تاريخ الالتزام. فقام مفتش مكتب العمل بأداء هذه المأمورية وقدم تقريراً انتهى فيه إلى أن الشركة لا تصرف ثمن أدوية لعائلات العمال، وأنه باطلاعه على دفاترها بمصنع نجع حمادي وبطاقات العلاج في مصنع كوم أمبو تبين له أن الشركة تقوم بعلاج عائلات العمال المعينين بالماهية الشهرية، أما العمال الدائمون المعينون بالأجر اليومي فإن الشركة تباشر علاج عائلات من يعمل منهم بمصنع نجع حمادي دون عائلات عمال مصنع كوم أمبو، وتعلل الشركة ذلك بما قرره طبيب المصنع من قرب المستشفى الأميري من مدينة العمال الملاصقة للمصنع، وأنه كثيراً ما يتقدم العمال بطلب سلفيات لمواجهة مصاريف علاج عائلاتهم وشراء الأدوية اللازمة لهم بالتطبيق للائحة صندوق السلفيات التي تبيح للعامل طلب سلفه لعلاج من يعولهم من أبنائه أو والديه بشروط معينة، فيجري طبيب المصنع بهذه المناسبة الكشف على المريض من عائلة العامل ليتثبت من صحة أقواله التي تبرر طلب السلفة - وفي 26 من يونيه سنة 1955 أصدرت هيئة التحكيم قرارها بقبول الطلب وتقرير حق العمال الدائمين بمصنع كوم أمبو في علاج أفراد عائلاتهم على حساب الشركة. فقررت الطاعنة في 30 من أغسطس سنة 1955 الطعن بالنقض في هذا القرار، وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 10 من نوفمبر سنة 1959، وأبدت النيابة رأيها برفض الطعن، وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى الدائرة المدنية والتجارية لنظره بجلسة 24 من ديسمبر سنة 1959 وفيها صممت النيابة على رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين يتحصل أولهما في أن القرار المطعون فيه، إذ قضى بحق العمال الدائمين بمصنع كوم أمبو في علاج أفراد عائلاتهم على حساب الشركة لمساواتهم بزملائهم بمصنع نجع حمادي قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه. وفي بيان ذلك تقول الشركة الطاعنة أن لائحة مصنع نجع حمادي لا تسري إلا على عماله دون عمال المصانع الأخرى، ولو كانت هذه المصانع تقوم بصناعة مماثلة أو مملوكة لنفس رب العمل، ذلك لأن وحدة الصناعة في مصنعين أو اجتماعهما في يد مالك واحد لا تسوغ المطالبة لعمالهما بنفس المعاملة استناداً إلى فكرة العدالة والمساواة. وما دام علاج عائلات عمال المياومة الدائمين بمصنع نجع حمادي يرجع إلى العرف المحلي الخاص بهذا المصنع، فلا تلزم الطاعنة بتطبيق هذا العرف على عمال مصنع كوم أمبو، وإنما تكون العبرة في تحديد التزاماتها قبلهم بنصوص القانون وحده، وهي لا توجب على رب العمل طبقاً لقانون عقد العمل الفردي إلا توفير وسائل العلاج للعمال فقط دون عائلاتهم.
وحيث إن هذا النعي مردود بما أقام القرار قضائه عليه من أن "هيئة التحكيم لا ترى محلاً للتفرقة بين عمال شركة واحدة يعملون في ظروف مماثلة وكلهم خاضع لأحكام لائحة واحدة ترتب أمورهم المالية وتعالج احتياجاتهم المادية في أحوال الزواج والوضع والمرض والوفاة وغيرها مما يتعرض لها العامل ومن يعوله من زوجة وأبناء ووالدين، فيتعين عدالة المساواة بين عمال المياومة الدائمين في مصنع كوم أمبو بزملائهم بمصنع نجع حمادي في حق علاج أسرهم لدى طبيب المصنع مع صرف الأدوية اللازمة مركبة وجاهزة". وهذا الذي جاء بالقرار من الاستناد إلى مبادئ العدالة في تقرير حق العمال بأحد مصانع الشركة الطاعنة في علاج أفراد عائلاتهم على حسابها أسوة بزملائهم في مصنع آخر مملوك للشركة نفسها ويقوم بصناعة مماثلة - لا مخالفة فيه للقانون، ذلك أنه وإن كان التزام رب العمل في شأن الرعاية الطبية بمقتضى نص المادة 28 من قانون عقد العمل الفردي رقم 317 لسنة 1952 قاصراً على العمال دون عائلاتهم إلا أن المادة 16 فقرة أولى من القانون رقم 318 لسنة 1952 في شأن التوفيق والتحكيم في منازعات العمل قد نصت على أنه "تطبق هيئة التحكيم القوانين واللوائح المعمول بها، ولها أن تستند إلى العرف ومبادئ العدالة وفقاً للحالة الاقتصادية والاجتماعية العامة في المنطقة". ومؤدى هذا النص الأخير أن هيئة التحكيم ملزمة أصلاً بتطبيق أحكام القوانين واللوائح فيما يعرض عليها من منازعات بين أرباب الأعمال والعمال، وأن لها بجانب هذا الأصل رخصة أجازها لها القانون هي أن تستند إلى العرف ومبادئ العدالة في إجابة العمال إلى بعض مطالبهم التي لا ترتكن إلى حقوق مقررة لهم في القانون، وذلك وفقاً للحالة الاقتصادية والاجتماعية العامة في المنطقة. أما ما ورد في سبب النعي من عدم قيام عرف في كوم أمبو جرى بعلاج عائلات العمال الدائمين فمردود بأن القرار المطعون فيه إنما استند في تقرير حق علاج عائلات العمال الدائمين إلى مبادئ العدالة وحدها وذلك للأسباب السائغة الواردة به. ومن ثم يكون النعي بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن السبب الثاني يتحصل في النعي على القرار المطعون فيه بتناقض أسبابه، إذ ورد في موضع منها أنه "يتعين المساواة بين عمال مصنع كوم أمبو وعمال مصنع نجع حمادي بتقرير حق علاج عائلات الأولين لدى طبيب المصنع مع صرف الأدوية اللازمة مركبة وجاهزة". وجاء بأسباب القرار في موضع آخر أنه ثبت لمفتش مكتب العمل أن الشركة لا تصرف ثمن أدوية لعائلات العمال إطلاقاً. وترتب الطاعنة على ذلك القول بوجود تناقض في أسباب القرار مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن القرار المطعون فيه وإن أورد ضمن أسبابه نقلاً عن تقرير مكتب العمل بقنا "أن الشركة لا تصرف ثمن أدوية لعائلات العمال" إلا أنه أورد في موضع آخر نقلاً عن هذا التقرر أن الشركة تباشر علاج عائلات العمال الدائمين بمصنع نجع حمادي دون عائلات عمال مصنع كوم أمبو، ثم انتهت إلى أنه "يتعين عدالة المساواة من عمال المياومة الدائمين في مصنع كوم أمبو بزملائهم بمصنع نجع حمادي في حق علاج أسرهم لدى طبيب المصنع مع صرف الأدوية اللازمة مركبة وجاهزة" وهذا الذي قررته هيئة التحكيم يفيد أنها استخلصت أن مباشرة الشركة لعلاج عائلات العمال الدائمين بمصنع نجع حمادي يشمل صرف الأدوية اللازمة لهم، ومن ثم قررت المساواة في هذا الخصوص بين عائلات العمال الدائمين بالمصنعين، كما أنه لا تعارض بين امتناع الشركة عن دفع ثمن الأدوية للعمال وبين قيامها بصرف الأدوية لهم عيناً جاهزة ومركبة حتى تستوثق من قيامها بواجب الرعاية الطبية نحوهم.
وحيث إنه يبين من جميع ما تقدم أن الطعن على غير أساس متعين الرفض.