أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 11 - صـ 126

جلسة 11 من فبراير سنة 1960

برياسة السيد محمود عياد المستشار، وبحضور السادة: محمد فؤاد جابر، ومحمد زعفراني سالم، والحسيني العوضي، ومحمد رفعت المستشارين.

(20)
الطعن رقم 95 لسنة 25 القضائية

( أ ) نقل بحري "معاهدة سندات الشحن" "التحديد القانوني لمسئولية الناقل البحري".
هل يفقد الناقل حقه في التمسك بالتحديد القانوني إذا ارتكب غشاً أو خطأ جسيماً؟ عمومية نص الم 4/ 5 من معاهدة سندات الشحن. يندرج في نطاق التحديد القانوني للمسئولية المقررة بهذه الفقرة كل ما يقع من هلاك أو تلف نتيجة لخطأ غير عمدي - تافهاً كان أو يسيراً أو جسيماً. لا يخرج من هذا النطاق إلا ما يكون ناشئاً عن غش الناقل شخصياً. لا عبرة بالقول بأن الخطأ الجسيم يعتبر صنواً للغش ويجرى عليه حكمه لأنه متى كانت معاهدة سندات الشحن هي الواجبة التطبيق على النزاع فيجب إعمال ما ورد بهذا التشريع الخاص من أحكام خاصة بالتحديد القانوني للمسئولية بصرف النظر عما فيها من مغايرة لما هو مقرر بشأن التحديد الاتفاقي للمسئولية.
(ب) نقض "المصلحة في الطعن" "متى تنتفي".
غير منتج النعي على الحكم الخطأ في الاستناد إلى الم 217/ 2 طالما كان محمولاً في قضائه بالمسئولية محددة على أحكام معاهدة سندات الشحن.
(ج) نقل بحري "معاهدة سندات الشحن" "التحديد القانوني لمسئولية الناقل البحري" "كيفية حساب الحد القانوني". نظام عام "شرط الذهب". قانون "إلغاء القوانين".
ما ورد بالم 4/ 5، 9 من معاهدة سندات الشحن ليس له أثر على التشريع الخاص بشرط الذهب. المرسوم 2/ 8/ 14، المر بق 45/ 35. اعتبار هذا القانون تشريعاً خاصاً متعلقاً بالنظام العام. تقريره بطلان شرط الذهب في المعاملات الداخلية والخارجية على السواء يستوي أن يكون المشروط هو وجوب الوفاء بالذهب أو ما يعادل قيمة الذهب. انضمام مصر إلى معاهدة بروكسل ليس من شأنه التأثير على هذا التشريع الخاص بما يعد إلغاء له أو استثناء منه. رغبة المشرع في الإبقاء على هذا التشريع الخاص. آية ذلك.
1 - إذ نصت الفقرة الخامسة من المادة الرابعة من المعاهدة الدولية الخاصة بتوحيد القواعد المتعلقة بسندات الشحن الموقعة ببروكسل في 25 أغسطس سنة 1924 والتي وافقت عليها مصر بالقانون رقم 18 لسنة 1940 وأصدرت بها مرسوماً بقانون في 31/ 1/ 1944 - على أنه لا يلزم الناقل أو السفينة (في أي حال من الأحوال) بسبب الهلاك أو التلف اللاحق بالبضائع أو ما يتعلق بها بمبلغ يزيد على مائة جنيه إنجليزي عن كل طرد أو وحدة... جاءت عبارتها بصيغة العموم فيندرج في نطاق التحديد القانوني للمسئولية (المقرر بهذه الفقرة) كل ما يقع من هلاك أو تلف نتيجة لخطأ غير عمدي أياً كانت درجة هذا الخطأ - وسواء أكان تافهاً أو يسيراً أو جسيماً - ولا يخرج من هذا النطاق إلا ما يكون ناشئاً من غش الناقل شخصياً، إذ أن هذه الصورة وحدها هي التي يفترض أن الشارع قد استبعدها من هذا المجال، ولا عبرة في هذا الخصوص بالقول بأن الخطأ الجسيم يعتبر صنواً للغش يجرى عليه حكمه، ذلك لأنه متى كانت معاهدة سندات الشحن هي القانون المتعين التطبيق على النزاع فقد وجب إعمال ما ورد بهذا التشريع الخاص من أحكام خاصة بالتحديد القانوني للمسئولية بصرف النظر عما في هذه الأحكام من مغايرة لما هو مقرر في شأن التحديد الاتفاقي للمسئولية.
2 - من غير المنتج تعييب الحكم بالخطأ في الاستناد إلى الفقرة الثانية من المادة 217 (من التقنين المدني) التي تنص على أنه "يجوز للمدين أن يشترط عدم مسئوليته عن الغش أو الخطأ الجسيم الذي يقع من أشخاص يستخدمهم في تنفيذ التزامه" طالما كان الحكم محمولاً في قضائه بالمسئولية محددة على أحكام معاهدة سندات الشحن.
3 - إنه وإن كان قد ورد في نص المادة 4/ 5 من معاهدة سندات الشحن التي أصبحت نافذة المفعول في مصر اعتباراً من 29 مايو سنة 1944 - تحديد لالتزام الناقل أو السفينة بتعويض مقداره مائة جنيه استرليني، كما نص في المادة التاسعة منها على أنه "يراد بالوحدات النقدية الواردة بها القيمة الذهبية" valeur or إلا أنه ليس لما ورد بهذين البندين أثر ما على التشريع الخاص بشرط الذهب في مصر، وهو ما صدر به مرسوم 2 أغسطس سنة 1914، ثم المرسوم بقانون رقم 45 لسنة 1935، وقد نص في هذا الأخير على بطلان شرط الذهب "في العقود التي يكون الالتزام بالوفاء فيها ذا صبغة دولية"، ولما كان هذا القانون معتبراً تشريعاً خاصاً متعلقاً بالنظم النقدية والعملة وهي من النظام العام، ومقرراً بطلان شرط الذهب في المعاملات الداخلية والخارجية على حد سواء وهو أمر راعى الشارع فيه المصلحة العامة المصرية، فإنه لا يمكن القول بأن انضمام مصر إلى معاهدة بروكسل وإنفاذها فيها بمرسوم سنة 1944 من شأنه التأثير في هذا التشريع الخاص بما يعد إلغاء له أو استثناء من بطلان شرط الذهب يضاف إلى الاستثناءات الواردة في ذلك التشريع على سبيل الحصر، وقد بدت رغبة المشرع المصري جلية في الإبقاء على هذا التشريع الخاص بما تضمنه من أحكام خاصة ببطلان شرط الذهب وما ورد فيه من استثناءات، فلم يضمن التقنين المدني الجديد نصوصاً في هذا المعنى، بل إن لجنة المراجعة قد حذفت من المشروع التمهيدي نص المادة 187 التي كانت تتناول بالتنظيم ما تضمنه هذا التشريع الخاص، وذلك اعتباراً بأن ذلك النص يقرر حكماً في مسائل اقتصادية متغيرة يحسن تركها لقانون خاص، هو ذلك المرسوم بقانون رقم 45 لسنة 1935، وفي ذلك تأييد لما سبق بيانه من أن هذا التشريع الخاص يحكم المعاملات الداخلية والخارجية، ويقضي ببطلان شرط الذهب في كليهما وسواء في ذلك أكان المشروط هو وجوب الوفاء بالذهب، أو كان المشروط الوفاء بما يعادل قيمة الذهب valeur or ذلك أن اشتراط الوفاء في هذه الحالة الأخيرة بعملة ورقية على أساس قيمتها ذهباً ليس إلا تحايلاً على القانون الذي فرض للعملة الورقية سعراً إلزامياً، ولا جدوى من إبطال شرط الدفع بالذهب إذا لم يتناول البطلان هذه الصورة.


المحكمة

حيث إن الوقائع تتحصل على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن في أنه بتاريخ 15/ 7/ 1952 أقامت الطاعنة على المطعون عليها الدعوى رقم 1426 لسنة 1952 تجارى كلي الإسكندرية بمحكمة الإسكندرية الابتدائية - طالبة الحكم بإلزامها بأن تدفع لها مبلغ 1058 جنيهاً و931 مليماً والفوائد بواقع 5% سنوياً حتى السداد والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة بحكم مشمول بالنفاذ، وذكرت شرحاً لدعواها أن "السيد" أحمد الشيتي استورد رسالة أقمشة صوفية من الخارج داخل صندوقين. شحناً على الباخرة "أجبشيان" المملوكة للمطعون عليها بموجب سند شحن مؤرخ 13/ 8/ 1951، وعند وصول الباخرة ميناء الإسكندرية يوم 30/ 8/ 1951 لم يفرغ من الرسالة سوى صندوق واحد أما الآخر فقد فقد، وأقر وكيل المطعون عليها بالإسكندرية بفقده وأبرق إلى مقر الشركة بانجلترا بذلك فأجابته في 24/ 6/ 1952 بأنها على استعداد لدفع مائة جنيه عن فقد الصندوق طبقاً لشروط سند الشحن، ولما كانت القيمة الحقيقية للبضاعة المفقودة هي 1058 جنيهاً و931 مليماً وكانت الرسالة مؤمناً عليها لدى الطاعنة، فقد قامت بدفع هذه القيمة لصاحب الرسالة - وحلت محله قبل المطعون عليها - وأقامت عليها هذه الدعوى بطلب الحكم بالمبلغ المبين آنفا، ثم عدلت طلباتها إلى طلب الحكم بإلزام المطعون عليها بمبلغ 1456 جنيهاً و631 مليماً وهو قيمة التعويض الذي دفعته للمستورد.... إلخ، وبتاريخ 31/ 5/ 1953 حكمت محكمة الإسكندرية الابتدائية بإلزام المطعون عليها بأن تدفع للطاعنة مبلغ 1058 جنيهاً و931 مليماً وفوائد هذا المبلغ بواقع 5% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 15/ 7/ 1952 لحين إتمام الوفاء والمصاريف المناسبة ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة وشملت الحكم بالنفاذ المعجل بشرط الكفالة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات، فاستأنفت المطعون عليها هذا الحكم إلى محكمة استئناف الإسكندرية بالاستئناف رقم 235 لسنة 9 ق تجاري طالبة قبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع إلغاء الحكم المستأنف والحكم بأن كل ما للطاعنة قبلها هو مبلغ 100 جنيه مائة جنيه انجليزي وبراءة ذمتها مما عدا ذلك مع إلزام الطاعنة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وبتاريخ 9/ 6/ 1954 حكمت محكمة الاستئناف بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف وبإلزام (المستأنفة) المطعون عليها بأن تدفع للطاعنة مبلغ 97 جنيه و500 مليم سبعة وتسعين جنيهاً وخمسمائة مليم وفوائده من تاريخ المطالبة الرسمية الحاصلة في 15 يوليه سنة 1952 لغاية تمام السداد مع إلزام "المطعون عليها" بربع المصروفات عن الدرجتين و"الطاعنة" بالثلاث أرباع الباقية عنهما وأمرت بالمقاصة في أتعاب المحاماة، وبتاريخ 9 مارس سنة 1955 طعنت الطاعنة في هذا الحكم بالنقض، وبعد استيفاء الإجراءات قدمت النيابة العامة مذكرة برأيها طلبت فيها نقض الحكم المطعون فيه في خصوص السبب الرابع، وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 14 من إبريل سنة 1959 وصممت النيابة العامة على ما جاء بمذكرتها وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة، وبالجلسة المحددة لنظره أمامها صممت النيابة العامة على رأيها السالف ذكره.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الأول على (الحكم المطعون فيه) الخطأ في القانون، وفي ذلك ذكرت أن محكمة الاستئناف قضت بتحديد مسئولية المطعون عليها قبل الطاعنة بمبلغ مائة جنيه إسترليني أي سبعة وتسعين جنيهاً مصرياً ونصف، واستندت في قضائها إلى أن معاهدة سندات الشحن المعقودة في بروكسل في 25 أغسطس سنة 1924 ووافقت عليها مصر في سنة 1940 وأصدرت بها مرسوماً بقانون في 31 يناير سنة 1944 قد حددت مسئولية الناقل في الفقرة الخامسة من المادة الرابعة في حالة هلاك البضائع أو تلفها بمبلغ مائة جنيه إنجليزي عن كل طرد، وذكرت أن الناقل لا يلزم "في أي حال من الأحوال" بمبلغ يزيد عن ذلك، وفي تفسير هذه العبارات أخذت محكمة الاستئناف (في حكمها المطعون فيه) بنظر حاصله أن تحديد المسئولية بهذا القدر يسري سواء أكان الخطأ المسند للناقل يسيراً أو جسيماً - وهذا النظر خاطئ قانوناً، ذلك لأن الخطأ الجسيم يعتبر في مرتبة الغش - وهما سواء في أن مرتكبهما يسأل عن تعويض الضرر الناتج عن فعله بلا أي قيد يرد على هذه المسئولية - وقد كان القضاء في كل من مصر وفرنسا يجرى باطراد على التسوية بين الغش والخطأ الجسيم من حيث الآثار - وقد جاء التقنين المدني الجديد مبرزاً هذه التسوية - بما أورده في نص المادة 217 من عدم جواز الاتفاق على إعفاء المدين من المسئولية الناشئة عن غشه أو خطئه الجسيم - وفي مجال التحديد القانوني للمسئولية يتعين أن يكون النظر متطابقاً مع ما هو مقرر في مجال التحديد الاتفاقي - ويجب لذلك حرمان الناقل من التمسك بهذا التحديد، وإلزامه بتعويض الضرر جميعه في حالة الغش والخطأ الجسيم، وذلك لأن التحديد الوارد بالمادة 4 فقرة خامسة من المعاهدة لا يعد حداً أعلى لمسئولية الناقل وإنما هو تأييد تشريعي لشرط التحديد الذي كان جارياً عملاً ولا يمكن القول بأن واضعي تلك المعاهدة قد قصدوا إلى شمول المادة 4/ 5 لحالة الخطأ الجسيم - وعبارة في "أي حال من الأحوال" واردة بهذه الفقرة لا دلالة لها في هذا الخصوص - إذ أن مسألة الخطأ الجسيم لم تناقش عند وضع المادة المذكورة، ولذلك يتعين أن يبقى الحكم في شأنها خاضعاً للقواعد القانونية العامة - ويخلص مما تقدم أن التحديد الوارد في المادة 4/ 5 من الاتفاقية لا ينطبق في حالة الغش أو الخطأ الجسيم الصادر من الناقل أو من أحد تابعيه.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن الحكم المطعون فيه قد استند في قضائه بتحديد مسئولية المطعون عليها بمبلغ مائة جنيه استرليني إلى نص الفقرة الخامسة من المادة الرابعة من معاهدة بروكسل المعقودة في 25 من أغسطس سنة 1924 والتي وافقت عليها مصر بالقانون رقم 18 لسنة 1940 وأصدرت بها مرسوماً بقانون في 31 من يناير سنة 1944 - وهذا التأسيس صحيح قانوناً، ذلك أن الفقرة الخامسة من المادة الرابعة من تلك المعاهدة إذ تنص على أنه لا يلزم الناقل أو السفينة "في أي حال من الأحوال" بسبب الهلاك أو التلف اللاحق بالبضائع أو ما يتعلق بها بمبلغ يزيد على مائة جنيه انجليزي عن كل طرد أو وحدة. فقد جاءت عبارتها بصيغة العموم، ويندرج في نطاق التحديد القانوني للمسئولية (المقررة بهذه الفقرة) كل ما يقع من هلاك أو تلف نتيجة لخطأ غير عمدي - أياً كانت درجة هذا الخطأ - وسواء أكان تافهاً أو يسيراً أو جسيماً - ولا يخرج من هذا النطاق إلا ما يكون ناشئاً عن غش الناقل شخصياً إذ أن هذه الصورة وحدها هي التي يفترض أن الشارع قد استبعدها من هذا المجال - ولا عبرة في هذا الخصوص بما أثير في سبب الطعن خاصاً بأن الخطأ الجسيم يعتبر صنواً للغش ويجرى عليه حكمه - ذلك لأنه متى كانت معاهدة سندات الشحن هي القانون المتعين التطبيق على النزاع فقد وجب إعمال ما ورد بهذا التشريع الخاص من أحكام خاصة بالتحديد القانوني للمسئولية بصرف النظر عما في هذه الأحكام من مغايرة لما هو مقرر في شأن التحديد الاتفاقي للمسئولية.
وحيث إنه متى تقرر ذلك فلا محل لبحث ما أثارته الطاعنة في السبب الثاني من أن فقد الطرد يعتبر خطأ جسيماً لا خطأ يسيراً كما قرر ذلك الحكم المطعون فيه، كما أنه يكون من غير المنتج ما ورد في السبب الثالث من تعييب الحكم بالخطأ في الاستناد إلى الفقرة الثانية من المادة 217 (من التقنين المدني) طالما كان الحكم محمولاً في قضائه بالمسئولية محددة على أحكام المعاهدة.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون، ذلك أنه أقام قضاءه في خصوص تحديد مسئولية المطعون عليها بمبلغ مائة جنيه استرليني (وهو ما يعادل سبعة وتسعين جنيهاً مصرياً ونصف) على ما قرره من أنه وإن كانت المادة التاسعة من معاهدة بروكسل قد نصت على اعتبار القيمة الذهبية في احتساب الوحدات النقدية - إلا أن الغرض الأساسي الذي هدفت إليه المعاهدة من ذلك هو توحيد قيمة التعويض فاتخذ الجنيه الانجليزي أساساً لهذا التعويض باعتباره العملة التي يسهل على جميع الدول المتعاقدة تحويل عملتها على أساس سعر صرفها - وأنه بخروج انجلترا عن قاعدة الذهب نهائياً في سنة 1931 أصبح للذهب سعر خاص لا علاقة له بالجنيه الاسترليني الذي احتفظ بقيمة ثابتة وأسعار صرف معينة. وبذلك، وبخروج معظم الدول الموقعة على المعاهدة عن قاعدة الذهب انهدمت القاعدة المنصوص عليها في المادة التاسعة من المعاهدة وصار هذا النص معطلاً من الوجهة العملية لتعذر تطبيقه. ولهذا فقد صار الجنيه الانجليزي الورق العملة السائدة التي يمكن تحديد سعر صرفها وتحويل مختلف العملات الأجنبية إليها. هذا إلى أن مصر وقت انضمامها لهذه المعاهدة كانت قد خرجت عن قاعدة الذهب وأبطلت شرط الدفع به بالقانون رقم 45 لسنة 1935 وهذا القانون لا يزال قائماً - ولئن كان هذا القانون قد استثنى في الفقرة الثانية من المادة الأولى منه الالتزام بالوفاء بمقتضى المعاهدات، إلا أن المقصود من هذا الاستثناء المعاهدات ذات الصبغة الدولية أي الخاصة بعلاقات الدول فيما بينها - بما مفاده أن الاستثناء المذكور لا يسري على العلاقات التي تقوم بين الأفراد ولا يصح أن تتعارض هذه العلاقات مع القوانين الداخلية في الدول المتعاقدة أو المنضمة للمعاهدة - في شأن متعلق بالنظام العام - خصوصاً وأن هذه الدول (المتعاقدة أو المنضمة) قد أبيح لها حق العدول عنها انفراداً في أي وقت تراه - كما نص في بروتوكول التوقيع عليها على أنه يمكن للدول المتعاقدة تنفيذ المعاهدة إما بإعطائها قوة القانون أو بإدخال القواعد التي تقررها المعاهدة في تشريعها الأهلي بالشكل الذي يتناسب مع هذا التشريع مما يؤخذ منه أن أحكام المعاهدة لا تعطل نصاً تشريعياً معتبراً من النظام العام ويؤخذ على الحكم المطعون فيه - في الخصوص المتقدم بيانه - أن خروج إنجلترا عن قاعدة الذهب هو شأن متعلق بها ولا يتعدى حدود سيادتها الداخلية - وليس بذي أثر على نصوص المعاهدة - ولا ملزماً لغيرها من الدول - يضاف إلى ذلك أن الجنيه الانجليزي ليس وحده أساس التعويض - وإنما ينضاف إليها أن هذا الجنيه يحدد سعره بقيمته ذهباً - ولئن كانت بعض الدول الموقعة على المعاهدة قد استعملت الحق المخول لها بمقتضى نص المادة التاسعة منها والذي يقرر أنه يجوز للدول الموقعة على المعاهدة أن تحدد التعويض على أساس نظامها النقدي - فأصدرت تشريعات داخلية حددت فيها التعويض عن الفقد أو الهلاك بما يتفق مع نظامها النقدي، إلا أن هذا التحديد لم يكن مبعثه خروج انجلترا عن قاعدة الذهب، فضلاً عن أنه قاصر على العلاقات داخل الدولة التي أصدرت هذه التشريعات ولا يتعداها إلى العلاقات التي تتنازع فيها القوانين والتي يتعين فيها إعمال أحكام المعاهدة، وحينئذ لا يمكن القول بأن نص المادة التاسعة من المعاهدة قد بات ملغي ولا عمل له، فلا خروج انجلترا أو غيرها من الدول عن قاعدة الذهب، ولا هذه التشريعات الداخلية المحددة للتعويض على أساس النظام النقدي السائد فيها - يصلح أساساً للقول بإهدار النص المتقدم ذكره، هذا إلى أنه لما خرجت مصر عن قاعدة الذهب وأصدرت المشرع فيها مرسوم 3 أغسطس سنة 1914 ملزماً بقبول أوراق البنكنوت في الوفاء واعتبار الوفاء بها مبرئاً للذمة شأنه في ذلك شأن الدفع بالذهب، واختلفت المحاكم في شأن شمول هذا التشريع للمعاملات الخارجية أو اقتصاره على المعاملات الداخلية أصدر المشرع المرسوم بقانون 45 لسنة 1935 مقرراً فيه سريان أحكامه على المعاملات الخارجية والداخلية على حد سواء - واستثنى هذا المرسوم بقانون الالتزام بالوفاء بمقتضى المعاهدات والاتفاقات الخاصة بالبريد والتلغراف والتليفون، ولما انضمت مصر إلى معاهدة بروكسل في سنة 1940 وصدر مرسوم إصدارها في 31 يناير سنة 1944 وبدأ العمل بها في 29 مايو سنة 1944 كان المشرع يعلم بدون شك أن شرط الدفع بالذهب باطل ومع ذلك فقد انضم للمعاهدة وفي أحكامها أن التعويض يدفع بالقيمة الذهبية مما يفيد أنه أراد أن يستثنى من أحكام المرسوم بقانون رقم 45 لسنة 1935 أحكام معاهدة بروكسل، كما سبق أن استثنى في ذات المرسوم المعاهدات والاتفاقات الخاصة بالبريد والتلغراف والتليفون، وبذلك يمكن القول بأن القانون اللاحق الخاص بإنفاذ أحكام المعاهدة في مصر قد نسخ الأحكام المتعارضة معه والواردة في كل من مرسوم 2 أغسطس سنة 1914 والمرسوم بقانون رقم 45 لسنة 1935 - ولعل المشرع المصري قد لاحظ في ذلك حماية المستورد الذي هو في الغالب مصري تجاه الناقل الذي هو في الغالب من عنصر أجنبي - يضاف إلى ما تقدم أن موضوع المطالبة ليس التزاماً مجرداً بدفع مبلغ معين - بل هو تعويض عن مسئولية محددة - وإذا كان النص الوارد في المعاهدة قد ذكر عبارة Valeur or فإن المراد بها ليس هو سعر الجنيه الاسترليني كسلعة أو ما يسمى بالسعر التجاري وإنما المراد به سعر وزن ما في هذا الجنيه من ذهب.
وحيث إن النعي بهذا السبب مردود بما جاء في الحكم المطعون فيه من أنه عند انضمام مصر إلى معاهدة بروكسل كان التعامل على أساس سعر الذهب قد اختفى بين الممالك الموقعة على المعاهدة والمنضمة إليها كما كان انضمامها إليها بعد أن أبطلت شرط الدفع بالذهب بموجب القانون رقم 45 لسنة 1935 الذي كان ولا زال سائداً ومعتبراً من النظام العام والذي نص في المادة الأولى منه على أن تبطل شروط الدفع ذهباً في العقود التي يكون الالتزام بالوفاء فيها ذا صبغة دولية والتي تكون قد قومت بالجنيهات المصرية أو الاسترلينية أو بنقد أجنبي آخر كان متداولاً قانوناً في مصر ولا يترتب عليها أي أثر" وبما أنه وإن كان القانون سالف الذكر قد استثنى في الفقرة الثانية من المادة الأولى من الالتزام بالوفاء بمقتضى المعاهدات إلا أن المقصود من هذا الاستثناء المعاهدات التي لها صبغة دولية لتنظيم علاقات الدول فيما بينها لا المعاهدات التي تنظم علاقات أفرادها لأن مثل هذه العلاقات لا يصح أن تتعارض مع قوانين إحدى الدول المتعاقدة والمعتبرة من النظام العام، يؤيد ذلك أن الدول المتعاقدة أو المنضمة لمعاهدة بروكسل لها حق العدول عنها انفراداً في أي وقت تراه دون موافقة الدول الأخرى طبقاً للأوضاع المبينة بالمعاهدة. كما أنه نص في بروتوكول التوقيع عليها على أنه يمكن للدول المتعاقدة تنفيذ هذه المعاهدة إما بإعطائها قوة القانون أو بإدخال القواعد التي تقررها هذه المعاهدة في تشريعها الأهلي بالشكل الذي يتناسب مع هذا التشريع، الأمر الذي يؤخذ منه أن أحكام المعاهدة لا تعطل نصاً تشريعياً معتبراً من النظام العام.، وهذا الذي أقام الحكم المطعون فيه قضاءه عليه لا مخالفة فيه للقانون، ذلك أنه وإن كان قد ورد في نص المادة 4/ 5 من معاهدة سندات الشحن التي أصبحت نافذة المفعول في مصر اعتباراً من 29 من مايو سنة 1944 - تحديد لالتزام الناقل أو السفينة بتعويض مقداره مائة جنيه استرليني كما نص في المادة التاسعة منها على أنه يراد بالوحدات النقدية الواردة بها القيمة الذهبية Valeur or إلا أنه ليس لما ورد بهذين البندين أثر ما على التشريع الخاص بشرط الذهب في مصر، وهو ما صدر به مرسوم 2 من أغسطس سنة 1914 ثم المرسوم بقانون رقم 45 لسنة 1935. وقد نص في هذا الأخير على بطلان شرط الذهب "في العقود التي يكون الالتزام بالوفاء فيها ذا صبغة دولية"، ولما كان هذا القانون معتبراً تشريعاً خاصاً كما سبق البيان متعلقاً بالنظم النقدية والعملة وهي من النظام العام - ومقرراً بطلان شرط الذهب - في المعاملات الداخلية والخارجية على حد سواء وهو أمر راعى الشارع فيه المصلحة العامة المصرية - فإنه لا يمكن القول بأن انضمام مصر إلى معاهدة بروكسل وإنفاذها فيها بمرسوم سنة 1944 من شأنه التأثير في هذا التشريع الخاص بما يعد إلغاء له أو استثناء من بطلان شرط الذهب يضاف إلى الاستثناءات الواردة في ذلك التشريع على سبيل الحصر، وقد بدت رغبة المشرع المصري جلية في الإبقاء على هذا التشريع الخاص "بما تضمنه من أحكام خاصة ببطلان شرط الذهب وما ورد فيه من استثناءات" فلم يضمن التقنين المدني الجديد نصوصاً في هذا المعنى - بل إن لجنة المراجعة قد حذفت من المشروع التمهيدي - نص المادة 187 التي كانت تتناول بالتنظيم ما تضمنه هذا التشريع الخاص، وذلك اعتباراً بأن ذلك النص يقرر حكماً في مسائل اقتصادية متغيرة يحسن تركها لقانون خاص "هو ذلك المرسوم بقانون رقم 45 لسنة 1935"، وفي ذلك تأييد لما سبق بيانه من أن هذا التشريع الخاص يحكم المعاملات الداخلية والخارجية - ويقضي ببطلان شرط الذهب في كليهما وسواء في ذلك أكان المشروط هو وجوب الوفاء بالذهب، أو كان المشروط الوفاء بما يعادل قيمة الذهب Valeur or - ذلك أن اشتراط الوفاء في هذه الحالة الأخيرة بعملة ورقية على أساس قيمتها ذهباً ليس إلا تحايلاً على القانون الذي فرض للعملة الورقية سعراً إلزامياً، ولا جدوى من إبطال شرط الدفع بالذهب إذا لم يتناول البطلان هذه الصورة.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه.