أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 41 - صـ 733

جلسة 12 من مارس سنة 1990

برئاسة السيد المستشار/ محمد إبراهيم خليل نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ منير توفيق نائب رئيس المحكمة، عبد المنعم إبراهيم، علي محمد علي ود. حسن بسيوني.

(122)
الطعن رقم 1984 لسنة 58 القضائية

(1، 2) التزام. بطلان "البطلان المطلق". مقاولة.
(1) الأصل في الإرادة هو المشروعية. بطلان الإرادة. شرطه تحديد نوع البطلان. معياره. الغاية التي تغياها المشرع من القاعدة محل المخالفة فإن كانت حماية مصلحة عامة جرت أحكام البطلان المطلق ويجوز لكل ذي مصلحة التمسك به.
(2) المقاولات التي تزيد قيمتها على مائة ألف جنيه والتي تطرحها الحكومة أو المؤسسات العامة أو الشركات. حظر إسنادها إلى مقاول من غير الشركات التي تساهم فيها الحكومة بنسبة لا تقل عن 50% من رأسمالها وإلا يزيد ما يسند إلى المقاول الواحد على مائة ألف جنيه في السنة الواحدة ما لم يرخص رئيس الجمهورية بذلك. م 1 من القرار الجمهوري 1203 لسنة 1961 المعدل. غاية الشارع من ذلك الحظر الصريح. تحقيق الصالح العام. مقتضاه ترتيب البطلان المطلق جزاءً لمخالفته.
1 - المقرر في قضاء هذه المحكمة - أن الأصل في الإرادة هو المشروعية فلا يلحقها بطلان إلا إذا نص القانون على بطلان الالتزام الناشئ عنها صراحة أو كان هذا الالتزام مخالفاً للنظام العام أو الآداب محلاً أو سبباً أو كان على خلاف نص آمر أو ناهٍ في القانون، ويتحدد - نوع البطلان بالغاية التي تغياها المشرع من القاعدة محل المخالفة فإن كانت حماية مصلحة عامة جرت أحكام البطلان المطلق ويجوز لكل ذي مصلحة التمسك به.
2 - مؤدى المادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية رقم 1203 لسنة 1961 المعدل بالقرار رقم 1049 لسنة 1962 أن المشرع حظر في المقاولات التي تطرحها الحكومة أو المؤسسات العامة أو الشركات التي تساهم فيها الحكومة أو المؤسسات العامة بنسبة 25% من رأس المال والتي تزيد قيمتها على مائة ألف جنيه أن يكون المقاول فيها من غير الشركات التي تساهم فيها الحكومة أو المؤسسات العامة بنسبة لا تقل عن 50% من رأسمالها وذلك حتى ولو جزئت المقاولة إلى عدة عمليات وعلى ألا يزيد مجموع ما يعهد به في مقاولات أو عمليات إلى مقاول واحد على مائة ألف جنيه في السنة الواحدة سواء عهد إليه بها من جهة واحدة أو أكثر من الجهات آنفة الذكر ما لم يرخص رئيس الجمهورية بها وكان هدف الشارع من ذلك تحقيق الصالح العام لما في قصر هذه المقاولات الكبيرة على شركات القطاع العام والحكومة من دعم لها وضمان لحسن تنفيذ تلك الأعمال التي تتعلق بمصالح الدولة فأما مقتضى هنا الحظر الصريح - وهو حظر عام وتمت إليه اعتبارات المصلحة العامة بترتيب البطلان المطلق - وإن لم ينص عليه بلفظة - جزاء لمخالفته بحيث يجوز لكل ذي مصلحة التمسك به بغض النظر على مدى علم الطرف الأخر في عقد المقاولة بالمخالفة وينصرف البطلان إلى المقاولة كلها إذا لم يمكن تجزئتها ويقتصر على العملية التي تجاوز النصاب المحدد في حالة إمكان التجزئة، وإذ كان ما تقدم وكان الثابت من الأوراق أن الطاعنة وهي إحدى الشركات المملوكة للدولة قد تعاقدت مع المطعون ضده الأول وهو من الأفراد في غضون كل من عامي 74، 1975 على أعمال مقاولة تزيد قيمتها على مائة ألف جنيه في خلال السنة الواحدة دون الحصول على ترخيص بذلك من رئيس الجمهورية فإنه يحق للطاعنة التمسك بهذا البطلان.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده الأول أقام على الشركة الطاعنة الدعوى رقم 502 لسنة 1976 تجاري كلي جنوب القاهرة انتهى فيها إلى طلب الحكم بإلزامهم بأن تؤدي له مبلغ 765707.672 جنيه. وبياناً لذلك قال أنه بموجب عقد مقاولة مؤرخ بتاريخ 16/ 7/ 1974 عهدت إليه الطاعنة بتنفيذ أعمال إنشاء المداخل الشرقية ومباني الورش والإدارة بمصانعها بأبي زعبل بالأسعار والشروط المبينة به، وفي 20/ 11/ 1974 أسندت إليه أعمال إنشاء الخط الثاني لسور المصانع بذات الشروط. وبتاريخ 27/ 11/ 1975 اتفق الطرفان على زيادة الأسعار بنسبة 30% إلا أن الطاعنة امتنعت عن صرف باقي قيمة المستخلصين رقمي 3، 4 وقيمة المستخلصين رقمي 5، 6 والأعمال التي باشرها في غضون نوفمبر سنة 1979 مما الحق به الأضرار المبينة بالصحيفة ومن ثم فقد أقام دعواه بطلبه السالف. ثم أقام على الطاعنة والمطعون ضدهما الثاني والثالث الدعوى رقم 148 لسنة 1977 تجاري كلي جنوب القاهرة بطلب الحكم بإلزامهم بأن يؤدوا له مبلغ 37679.482 قيمة ما قدمه من خطابات الضمان الصادرة من المطعون ضدهما الثاني والثالث وذلك لمضي سنة كاملة على تسلم الطاعنة ما نفذه من أعمال دون إبداء اعتراض منها خلالها. كما أقام على الطاعنة الدعوى رقم 322 لسنة 1977 تجاري كلي جنوب القاهرة طالباً الحكم بفسخ التعاقد عما لم ينجزه من أعمال بعد عام 1976 والمعاينة التي تمت في مارس 1977 وبراءة ذمته منها وعدم أحقية الطاعنة في قبض قيمة خطابي الضمان رقمي 8، 9 لسنة 1976 تأسيساً على عدم وفائها بقيمة ما أتمه من أعمال مما أعجزه عن تنفيذ باقي المقاولة. ومن ناحية أخرى أقامت الطاعنة على المطعون ضده الأول الدعويين رقمي 86، 364 لسنة 1977 تجاري كلي جنوب القاهرة طالبة في أولاهما الحكم بإلزامه بأن يؤدي لها مبلغ 248674.279 جنيه قيمة ما صرفه بالزيادة عن مستحقاته الناشئة عن المقاولة محل النزاع وطلبت في الثانية الحكم ببطلان عقد المقاولة المؤرخ بتاريخ 16/ 7/ 1964 وملحقيه المؤرخين بتاريخ 20/ 2/ 1974، 2/ 11/ 1975 بطلاناً مطلقاً لمخالفة القرار الجمهوري رقم 1203 لسنة 1961 المعدل بالقرار رقم 1049 لسنة 1962 وإذا ضمت المحكمة الدعاوى جميعها ندبت فيها خبيراً وبعد أن قدم تقريره قضت في 18/ 1/ 1987 برفض الدعويين 86، 364 لسنة 1977 تجاري كلي جنوب القاهرة، وفي الدعوى رقم 502 لسنة 1976 بإلزامه الطاعنة بأن تؤدي للمطعون ضده الأول مبلغ 32672.447 جنيه والفوائد، وإجابته لطلبه في الدعويين 148، 322 لسنة 1977 تجاري كلي جنوب القاهرة. استأنف الطاعنة هذا الحكم باستئناف رقم 657 لسنة 104 ق القاهرة. وفي 23/ 3/ 1988 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه. وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وتأويله إذ ذهب إلى مخالفة القرار الجمهوري رقم 1203 لسنة 1961 بشأن حظر تعاقد شركات القطاع العام مع مقاولي القطاع الخاص على مقاولات تزيد قيمتها على مائة ألف جنيه إلا بترخيص من رئيس الجمهورية لا يترتب سوى المسئولية الإدارية للمختصين بالشركة في حين أنها تستوجب بطلان عقد المقاولة بطلاناً مطلقاً.
وحيث إن هذا النعي سديد إذ أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في الإرادة هو المشروعية فلا يلحقها بطلان إلا إذا نص القانون على بطلان الالتزام الناشئ عنها صراحة أو كان هذا الالتزام مخالفاً للنظام العام أو الآداب محلاً أو سبباً أو كان على خلاف نص آمر أو ناه في القانون، ويتحدد نوع البطلان بالغاية التي تغياها المشرع من القاعدة محل المخالفة فإن كانت حماية مصلحة عامة جرت أحكام البطلان المطلق ويجوز لكل ذي مصلحة التمسك به، لما كان ذلك، وكان مؤدى المادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية رقم 1203 لسنة 1961 المعدل بالقرار رقم 1049 لسنة 1962 أن المشرع حظر في المقاولات التي تطرحها الحكومة أو المؤسسات العامة أو الشركات التي تساهم فيها الحكومة أو المؤسسات العامة بنسبة 25% من رأس المال والتي تزيد قيمتها على مائة ألف جنيه أن يكون المقاول فيها من غير الشركات التي تساهم فيها الحكومة أو المؤسسات العامة بنسبة لا تقل عن 50% من رأس مالها وذلك حتى ولو جزئت المقاولة إلى عدة عمليات وعلى ألا يزيد مجموع ما يعهد به في مقاولات أو عمليات إلى مقاول واحد على مائة ألف جنيه في السنة الواحدة سواء عهد إليه بها من جهة واحدة أو أكثر من الجهات آنفة الذكر ما لم يرخص رئيس الجمهورية بها وكان هدف الشارع من ذلك تحقيق الصالح العام لما في قصر هذه المقاولات الكبيرة على شركات القطاع العام والحكومة من دعم لها وضمان لحسن تنفيذ تلك الأعمال التي تتعلق بمصالح الدولة فأما مقتضى هذا الحظر الصريح - وهو حظر عام دعت إليه اعتبارات المصلحة العامة - ترتيب البطلان المطلق - وإن لم ينص عليه بلفظة - جزاء لمخالفة بحيث يجوز لكل ذي مصلحة التمسك به بغض النظر على مدى علم الطرف الأخر في عقد المقاولة بالمخالفة. وينصرف البطلان إلى المقاولة كلها إذا لم يمكن تجزئتها ويقتصر على العملية التي تجاوز النصاب المحدد في حالة إمكان التجزئة، وإذ كان ما تقدم، وكان الثابت من الأوراق أن الطاعنة وهي إحدى الشركات المملوكة للدولة قد تعاقدت مع المطعون ضده الأول وهو من الأفراد في غضون كل من عامي 74، 75 على إعمال مقاولة تزيد قيمتها على مائة ألف جنيه في خلال السنة الواحدة دون الحصول على ترخيص بذلك من رئيس الجمهورية فإنه يحق للطاعنة التمسك بهذا البطلان على نحو ما سلف وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يستوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.