أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 11 - صـ 137

جلسة 11 من فبراير سنة 1960

برياسة السيد محمود عياد المستشار، وبحضور السادة: محمد فؤاد جابر، ومحمد زعفراني سالم، والحسيني العوضي، ومحمد رفعت المستشارين.

(21)
الطعن رقم 124 سنة 25 القضائية

( أ ) نقل بحري "معاهدة سندات الشحن" "التحديد القانوني للمسئولية" "نطاق تطبيقه".
إثبات الوقت الذي حصل فيه هلاك البضاعة أو تلفها. تعذره. افتراض وقوعه في فترة النقل البحري بمعنى الكلمة. الفترة التي تنقضي بين شحن البضاعة وتفريغها فقط إلا إذا أثبت الناقل أن الهلاك قد حدث أثناء العمليات السابقة على الشحن أو اللاحقة للتفريغ.
(ب) نقل بحري "معاهدة سندات الشحن" "التزامات الناقل البحري طبقاً للمعاهدة" "التزامه بتسليم سند الشحن" التحفظات التي أجازت المعاهدة ذكرها في سند الشحن".
عدم الاعتداد بالتحفظ الذي يدونه الناقل في سند الشحن تدليلاً على جهله بمحتويات البضاعة المسلمة إليه أو بصحة البيانات المدونة عنها بسند الشحن إلا إذا كانت لديه أسباب جدية للشك في صحة بيانات الشحن أو ألا يكون لديه الوسائل الكافية للتحقق من صحة هذا البيان. عبء الإثبات على عاتقه. عدم التعويل على هذا التحفظ عند عجزه الم 3/ 3 من المعاهدة.
(ج) نقض "المصلحة في الطعن" "متى تنتفي".
غير منتج النعي على الحكم الابتدائي ما جاء بأسبابه متى كان الحكم المطعون فيه لم يعتمد على تلك الأسباب وإنما أقام قضاءه على أسباب أخرى كافية لحمله.
(د) نقل بحري "معاهدة سندات الشحن" "التحديد القانوني لمسئولية الناقل".
تحديد المسئولية الوارد في الم 4/ 5 من المعاهدة يسري في حالة الخطأ جسيماً كان أو غير جسيم. لا يسري في حالة الغش المنسوب إلى الناقل شخصياً.
(هـ) نقل بحري "معاهدة سندات الشحن" "التحديد القانوني لمسئولية الناقل البحري" "كيفية حساب الحد القانوني" "شرط الذهب".
عدم تدوين قيمة البضاعة في سند الشحن. طبقاً للم 4/ 5 من المعاهدة يجب ألا يتعدى التعويض المستحق عن فقد البضاعة 100 جنيه إسترليني = 97 جنيهاً و500 مليم. عدم الاعتداد بالقول بوجوب دفع مبلغ الـ 100 جنيه إسترليني بقيمتها الذهبية طبقاً للم 9/ 1 من المعاهدة. بطلان شرط الذهب.
1 - يبين من الأعمال التحضيرية الخاصة بأحكام المعاهدة الدولية الخاصة بتوحيد بعض القواعد المتعلقة بسندات الشحن الموقعة ببروكسل في 25 من أغسطس سنة 1924 - أنه إذا هلكت البضاعة المشحونة أو لحقها تلف أو نقص وتعذر تحديد وقت حصول هذا الهلاك - أهو قد حصل قبل الشحن أم بعد التفريغ أم أثناء الرحلة البحرية - فإن الضرر يفترض وقوعه في فترة النقل البحري بمعنى الكلمة - أي في الفترة التي تنقضي بين شحن البضاعة وتفريغها فقط، إلا إذا أثبت الناقل أن الهلاك قد حدث أثناء العمليات السابقة على الشحن أو اللاحقة للتفريغ، وإذن فإذا كان سند الشحن قد نص صراحة على أن الشحن قد تم وفقاً لقانون نقل البضائع بطريق البحر (معاهد بروكسل سنة 1924)، وكان الحكم المطعون فيه قد خلا مما يدل على أن الطاعنين قد قامتا بإثبات أن فقد محتويات الصندوق موضوع الدعوى قد حصل قبل شحنه أو بعد تفريغه، فإن ما انتهى إليه الحكم من تحميلها مسئولية هذا الفقد تأسيساً على حصوله أثناء الرحلة البحرية لا يكون مخالفاً للقانون.
2 - بعد أن أوجبت الفقرة الثالثة من المادة الثالثة من معاهدة الشحن على الناقل أو الربان أو وكيل الناقل بعد استلام البضائع وأخذها في عهدته أن يسلم إلى الشاحن بناء على طلب سند شحن يتضمن مع بياناته المعتادة بيانات أوردتها في البنود "أ، ب، ج" من تلك الفقرة، نصت على ما يأتي "ومع ذلك فليس الناقل أو الربان أو وكيل الناقل ملزماً بأن يثبت في سندات الشحن أو يدون فيها علامات أو عدد أو كمية أو وزن إذا توافر لديه سبب جدي يحمله على الشك في عدم مطابقتها للبضائع المسلمة إليه فعلاً أو عندما لا تتوافر لديه الوسائل الكافية للتحقق من ذلك"، ومؤدى ذلك أن مثل، هذا التحفظ الذي يدونه الناقل في سند الشحن تدليلاً على جهله بمحتويات البضاعة المسلمة إليه وبصحة البيانات المدونة عنها بسند الشحن لا يعتد به ولا يكون له اعتبار في رفع مسئوليته عن فقد البضاعة المسلمة إليه إلا إذا كانت لديه أسباب جدية للشك في صحة بيانات الشحن، أو ألا يكون لديه الوسائل الكافية للتحقق من صحة هذه البيانات، ويقع عبء إثبات جدية أسباب هذا الشك أو عدم كفاية وسائل التحقق من صحة تلك البيانات على عاتقه، فإن عجز عن هذا الإثبات تعين عدم التعويل على هذا التحفظ، فإذا كان لا يبين من الحكم المطعون فيه أن الطاعنين قد قامتا بإثبات شيء مما سبق، وكانت الفقرة الرابعة من المادة الثالثة من المعاهدة سالفة الذكر تنص على أنه "يعتبر سند الشحن المحرر بهذه الكيفية (المبينة في الفقرة الثالثة من المادة الثالثة) قرينة على أن ناقل البضاعة تسلمها بالكيفية الموصوفة بها طبقاً للفقرة الثالثة "أ، ب، ج" من هذه المادة ما لم يقم الدليل على خلاف ذلك"، فإن الطاعنتين لا تفيد من شرط التحفظ المدون في سند الشحن.
3 - غير منتج النعي على الحكم الابتدائي إشارته في أسبابه إلى وزن الصندوق عند شحنه ونقص هذا الوزن عند تسلمه في الجمرك، في حين أنه لم يدون في سند الشحن وزن هذا الصندوق بالذات، إذا كان الحكم المطعون فيه لم يعتمد على أسباب الحكم الابتدائي في هذا الخصوص، وإنما أقام قضاءه بفقد محتويات الصندوق على أسباب أخرى خلاف نقص وزنه كافية لحمله.
4 - تحديد مسئولية الناقل الوارد في الفقرة الخامسة من المادة الرابعة من معاهدة سندات الشحن الموقعة في سنة 1924 لا يسري في حالة الغش وإنما يسري فيما دون ذلك من حالات الخطأ جسيماً كان أو غير جسيم، ويشترط في الغش الذي يحرم الناقل من الإفادة من هذا التحديد أن يكون منسوباً إليه شخصياً، فإذا كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى أن ما حدث بالصندوق من تلف أو عبث كان بطريق الغش إلا أنه لم ينسب هذا الغش إلى الشركة الناقلة شخصياً وإنما نسبه إلى عمالها ولكنه قضى بالرغم من ذلك على الطاعنتين بالتعويض كاملاً من غير تقيد بالتحديد الوارد في تلك المادة، فإنه يكون مخالفاً للقانون بما يستوجب نقضه.
5 - إذا كان الواقع في الدعوى أن سند الشحن لم يدون فيه قيمة لبضاعة المشحونة فإنه طبقاً لنص الفقرة الخامسة من المادة الرابعة من معاهدة سندات الشحن الموقعة سنة 1924 يجب ألا يتعدى التعويض المستحق عن فقد تلك البضاعة مبلغ مائة جنيه إسترليني تساوي بالجنيهات المصرية 97 جنيهاً و500 مليم - ولا يعتد في هذا الصدد بالقول بوجوب دفع مبلغ المائة جنيه إسترليني بقيمتها الذهبية طبقاً لنص الفقرة الأولى من المادة التاسعة من المعاهدة لبطلان شرط الذهب في هذا الخصوص - على ما جرى به قضاء محكمة النقض.


المحكمة

من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن وقائعه على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتلخص في أن شركة برودنشيال للتأمين (المطعون عليها) رفعت الدعوى رقم 1535 سنة 49 تجاري الإسكندرية ضد شركة اجنازيو مسينا وشركة ر. بيتس وشركاه (الطاعنتان) بطلب الحكم بإلزامهما متضامنين بأن يدفعا لها مبلغ 335 جنيهاً و950 مليماً قيمة محتويات صندوق أفرغ في ميناء الإسكندرية بتاريخ 5 من نوفمبر سنة 1947 من السفينة "بانشي" المملوكة للشركة الطاعنة الأولى لحساب محلات شيكوريل الكبرى كان مؤمناً عليه لدى الشركة المطعون عليها وحصل العبث بمحتوياته واستبدل بها غيرها من مواد عديمة القيمة، وبتاريخ 16 من أكتوبر سنة 1950 - حكمت المحكمة للمطعون عليها بطلباتها المذكورة ضد الطاعنتين مع إلزامها بالمصاريف ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة، فاستأنفت الطاعنتان هذا الحكم أمام محكمة استئناف الإسكندرية برقم 297 سنة 6 ق تجار طالبتين إلغاءه والحكم برفض دعوى المطعون عليها، وبتاريخ 8 من ديسمبر سنة 1954 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به بالنسبة للشركة الطاعنة الأولى وبالنسبة للشركة الطاعنة الثانية بصفتها وكيلة عن الشركة الطاعنة الأولى وبإلغائه فيما عدا ذلك وألزمت الطاعنتين بالمصاريف عن الدرجتين وبمبلغ عشرين جنيهاً مقابل أتعاب محاماة للمطعون عليها. فقررت الطاعنتان بتاريخ 24 من مارس سنة 1955 بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض، وبعد استيفاء الإجراءات قدمت النيابة العامة مذكرة طلبت فيها نقض الحكم. وبتاريخ 14 من إبريل سنة 1959 عرض الطعن على دائرة فحص الطعن فقررت إحالته على هذه الدائرة لنظره بجلسة 21 من مايو سنة 1959 وفيها أصرت النيابة على رأيها.
وحيث إن الطعن يقوم على خمسة أسباب يتلخص السبب الأول منها في النعي على الحكم بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، ذلك أنه حمل الناقل البحري مسئولية فقد ما بداخل الصندوق مع أن الربان سلمه في ميناء الوصول بالإسكندرية بنفس الحالة التي تسلمه بها ولم يكتشف العبث بمحتوياته إلا عند فتحه داخل الجمرك. ومن المقرر قانوناً أن الناقل البحري لا يسأل عن محتويات الطرد المشحون مقفلاً ما دام أنه سلمه بنفس الحالة التي كان عليها عند الشحن، وقد نص البند الأول من سند الشحن على أن المجهز لا يسأل عما ورد في السند بخصوص الوزن والمقاس والعلامات والصنف والمحتويات وإذ كان الربان قد تسلم الصندوق مغلقاً فهو يجهل محتوياته وقد أدرج في سند الشحن تحفظ يتضمن ذلك، وتنص الفقرة الثالثة ج من المادة الثالثة من معاهدة سندات الشحن على أن الناقل البحري تقف مسئوليته قبل الشاحن عند حد الحالة الظاهرية للصناديق المشحونة وتكييفها حسب ما هو وارد في سند الشحن طبقاً لإقرارات الشاحن، ويتلخص السبب الثاني في النعي على الحكم بالقصور. ذلك أن الحكم قرر بأن إبدال محتويات الصندوق بمواد غريبة قد تم أثناء وجود الصندوق في عنبر السفينة أثناء سفرها من مرسيليا إلى الإسكندرية. وقد بنى تلك النتيجة التي استخلصتها على مقدمات لا تؤدي إليها مع أنه لا يستبعد حصول السرقة في ظروف زمنية ومكانية أخرى كاحتمال وقوعها في المصنع بفرنسا أو وقوعها أثناء نقل الصندوق براً من المصنع في داخل فرنسا إلى ميناء مرسيليا. أو وقوعها في ميناء الشحن قبل نقل الصندوق على ظهر السفينة في مرسيليا. ولم يبين الحكم أساساً لاستبعاد جميع تلك الاحتمالات لإمكان الحكم بأن السرقة قد حصلت حتماً في السفينة أثناء الرحلة البحرية. ويتلخص النعي في السبب الثالث ببطلان الحكم لمخالفة الثابت في أوراق الدعوى من وجهين - الوجه الأول - أن الحكم أسس قضاءه بحصول السرقة وقت الرحلة البحرية على أن المواد التي أبدلت بها البضاعة المسروقة هي من متعلقات البحارة، مع أن الثابت من أوراق الدعوى وبنوع خاص من المحضر الذي استند إليه الحكم والذي حرره جمرك الإسكندرية بعد كشفه على الصندوق أن هذه المواد ليست من متعلقات البحارة بل ويصعب الحصول عليها في السفينة. مما كان يستوجب الحكم بأن السرقة لم تحصل أثناء الرحلة البحرية، والوجه الثاني - أن الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه قال إن وزن الصندوق عند شحنه كان 158 كيلو بحسب إقرار الشاحن في سند الشحن بينما أن وزنه حسب الشهادة التي أصدرها جمرك الإسكندرية بعد الكشف عليه لم يبلغ سوى 134 كيلو. مع أن سند الشحن لم يرد فيه بيان مستقل لوزن هذا الصندوق استقلالاً وإنما شمل الوزن الوارد في سند الشحن الصناديق الثلاثة كلها ومقدارها 453 كيلو حسب إقرار الشاهد دون بيان لوزن كل صندوق على حدة. ويكون الحكم وقد بني قضاءه على ما قرره في شأن نقص وزن الصندوق بينما أنه لم يدون في سند الشحن وزن هذا الصندوق بالذات قد خالف الثابت في الأوراق بما يبلطه، وتنعى الطاعنتان في السبب الرابع بمخالفة الحكم للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، وذلك أنه إذا سلم جدلاً بأن الطاعنة الأولى بوصفها ناقلة بحرية مسئولة عن العبث الذي حصل في الصندوق عملاً بأحكام المادة 3 فقرة 2 من معاهدة بروكسل في سندات الشحن. فكان من الواجب قانوناً تحديد تلك المسئولية بمبلغ مائة جنيه إسترليني، وذلك عملاً بأحكام المادة 4 فقرة 5 من معاهدة بروكسل المذكورة حتى ولو كانت مسئولية الناقل ترقى إلى مرتبة "الغش والتدليس" كما يقول الحكم المطعون فيه، ذلك لأن نص هذه المادة لا يحتمل إخراج حالة الغش والتدليس من حكمه لأنه لم يقصد من هذا النص مجرد تخفيف المسئولية عن الناقل البحري بل أريد تقرير قرينة قانونية لا تقبل الدليل العكسي لقيمة محتويات الطرد أو الوحدة التي تهلك أو تتلف أثناء السفر البحري ما لم يدرج الشاحن تلك القيمة في سند الشحن نفسه فعندئذ يصح مجاوزة التحديد الوارد في تلك المادة، وبما أن قيمة محتويات الصندوق موضع النزاع لم يدونها الشاحن في سند الشحن، فلا يصح مساءلة الناقل أو السفينة في أي حال من الأحوال "بما يزيد على المائة جنيه إسترليني" - ويتلخص ما تنعى به الطاعنتان في السبب الخامس بمخالفة الحكم للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله. ذلك أن الحكم استبعد إعمال الأحكام الآمرة للمادة 4 فقرة 5 من معاهدة بروكسل، تأسيساً على أن مسئولية الناقل ترقى إلى مرتبة الغش والتدليس. والثابت أن الغش والتدليس المزعومين لم يكونا من عمل الناقل البحري (الطاعنة الأولى) بل أسندهما الحكم إلى رجال الطاقم. ولما كان مصدر مسئولية الناقل في هذه الحالة لا يعدو المسئولية الخطئية أو التقصيرية عن أعمال مرؤوسيه وهي مسئولية يجيز القانون التحلل منها حتى في حالة الغش أو التدليس الذي يرتكبه المرؤوس (المادة 217 مدني) فيكون الحكم المطعون فيه قد وقع مخالفاً للقانون إذ وصف مسئولية الطاعنة الأولى بأنها مسئولية مترتبة على غش وتدليس وما كان يصح هذا القول ما لم يسند هذا الغش أو التدليس إلى عمل شخصي ارتكبه الناقل البحري يرقى إلى مرتبة الغش أو التدليس ولم يقل الحكم بوقوع مثل هذا الغش أو التدليس من الناقل نفسه.
وحيث إن النعي بما ورد في السببين الأول والثاني مردود، ذلك أنه يبين من الاطلاع على الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه في خصوص مسئولية الطاعنتين أن سند الشحن قد نص صراحة على أن الشحن قد تم وفقاً لقانون نقل البضائع بطريق البحر الصادر في سنة 1924 (المعاهدة الدولية الخاصة بتوحيد بعض الوقائع المتعلقة بسندات الشحن الموقعة ببروكسل في 25 من أغسطس سنة 1924). ولما كانت أحكام تلك المعاهدة على ما يبين الأعمال التحضيرية الخاصة بها - أنه إذا هلكت البضاعة المشحونة أو لحقها تلف أو نقص وتعذر تحديد وقت حصول - هذا الهلاك. أهو قد حصل قبل الشحن أم بعد التفريغ أم أثناء الرحلة البحرية - فإن الضرر يفترض وقوعه في فترة النقل البحري بمعنى الكلمة - أي في الفترة التي تنقضي بين شحن البضاعة وتفريغها فقط، إلا إذا أثبت الناقل أن الهلاك قد حدث أثناء العمليات السابقة على الشحن أو اللاحقة للتفريغ. ولما كان الحكم المطعون فيه قد خلا مما يدل على أن الطاعنتين قد قامتا بإثبات أن فقد محتويات الصندوق موضوع الدعوى قد حصل قبل شحنه أو بعد تفريغه فإن ما انتهى إليه الحكم من تحميلهما مسئولية هذا الفقد تأسيساً على حصوله أثناء الرحلة البحرية لا يكون مخالفاً للقانون. وما تنعى به الطاعنتان من أن سند الشحن قد أدرج به تحفظ يتضمن أن الناقل يجهل وزن ومقاس ومحتويات البضاعة المشحونة يعفيه هذا التحفظ من مسئولية فقد تلك المحتويات المجهولة لديه طالما أنه قد سلم الطرود المسلمة له بحالة ظاهرية سليمة. هذا النعي مردود، ذلك أن الفقرة الثالثة من المادة الثالثة من معاهدة سندات الشحن بعد أن أوجبت على الناقل أو الربان أو وكيل الناقل بعد استلام البضائع وأخذها في عهدته أن يسلم إلى الشاحن بناء على طلبه سند شحن يتضمن مع بياناته المعتادة بيانات أوردتها في البنود "أ" و"ب" و"جـ" من تلك الفقرة نصت على ما يأتي: "ومع ذلك فليس الناقل أو الربان أو وكيل الناقل ملزماً بأن يثبت في سندات الشحن أو يدون فيها علامات أو عدد أو كمية أو وزن إذا توافر لديه سبب جدي يحمله على الشك في عدم مطابقتها للبضائع المسلمة إليه فعلاً أو عندما لا تتوافر لديه الوسائل الكافية للتحقق من ذلك". ومؤدى ذلك أن مثل هذا التحفظ الذي يدونه الناقل في سند الشحن تدليلاً على جهله بمحتويات البضاعة المسلمة إليها وبصحة البيانات المدونة عنها بسند الشحن لا يعتد به ولا يكون له اعتبار في رفع مسئوليته عن فقد البضاعة المسلمة إليه إلا إذا كانت لديه أسباب جدية للشك في صحة بيانات الشاحن أو ألا يكون لديه الوسائل الكافية للتحقق من صحة هذه البيانات ويقع عبء إثبات جدية أسباب هذا الشك أو عدم كفاية وسائل التحقق من صحة تلك البيانات على عاتقه، فإن عجز عن هذا الإثبات تعين عدم التعويل على هذا التحفظ، ولما كان لا يبين من الحكم المطعون فيه أن الطاعنتين قد قامتا بإثبات شيء مما سبق، وكانت الفقرة الرابعة من المادة الثالثة من المعاهدة سالفة الذكر تنص على أنه "يعتبر سند الشحن المحرر بهذه الكيفية (المبينة في الفقرة الثالثة من المادة الثالثة) قرينة على أن ناقل البضاعة تسلمها بالكيفية الموصوفة بها طبقاً للفقرة الثالثة "أ" و"ب" و"جـ" من هذه المادة ما لم يقم الدليل على خلاف ذلك"، فإن الطاعنتين لا تفيدان من شرط التحفظ المدون في سند الشحن، ويكون النعي في هذا الصدد في غير محله ويتعين لذلك رفض هذا النعي بسببيه.
وحيث إن النعي بما ورد في السبب الثالث بشقيه مردود، ذلك أنه وقد تبين مما سبق في الرد على السببين الأول والثاني أن فقد محتويات الصندوق قد حصل في أثناء الرحلة البحرية مما يجعل الناقل مسئولاً عنه فإنه يكون من غير المجدي تشبث الطاعنتين - دفعاً لهذه المسئولية - بما ورد في الشق الأول من هذا السبب من النعي. أما ما أثاراه في الشق الثاني منه فلم يكن له أثر في قضاء الحكم، ذلك أن الحكم الابتدائي وإن كان قد أشار في أسبابه إلى وزن الصندوق عند شحنه. ونقص هذا الوزن عند تسلمه في الجمرك فإن الحكم المطعون فيه لم يعتمد على أسباب الحكم الابتدائي في هذا الخصوص وإنما أقام قضاءه بفقد محتويات الصندوق على أسباب أخرى خلاف نقص وزنه كافية تلك الأسباب لحمله. ومن ثم يكون النعي بهذا السبب برمته واجب الرفض.
وحيث إنه في خصوص ما تنعى به الطاعنتان في السببين الرابع والخامس فإنه وإن كان تحديد مسئولية الناقل الوارد في الفقرة الخامسة من المادة الرابعة من معاهدة سندات الشحن الموقعة في سنة 1924 لا يسري في حالة الغش وإنما يسري فيما دون ذلك من حالات الخطأ جسيماً كان أو غير جسيم فإنه يشترط في الغش الذي يحرم الناقل من الإفادة من هذا التحديد أن يكون منسوباً إليه شخصياً، ولما كان الحكم المطعون فيه وهو في صدد تحديد نطاق الفقرة الخامسة من المادة الرابعة من تلك المعاهدة قال "ومن حيث إن الثابت من تقرير مصلحة الجمارك ومن تقرير الخبير الذي ندبته المستأنف عليها لمعاينة الصندوق موضوع النزاع أن هذا الصندوق كان بحالة ظاهرية سليمة إنما وزنه كان ينقص عن الوزن المدون بسند الشحن وسرقت محتوياته الأصلية واستبدلت بقطع من الخشب وبعض الحجارة وقطع من الحبال وأكياس قديمة يرجح أنها من متعلقات البحارة... ومن حيث إن تحديد مسئولية الناقل طبقاً لنص الفقرة الخامسة من المادة الرابعة من المعاهدة المذكورة لا ينطبق على هذه الحالة التي ترقى إلى مرتبة الغش والتدليس وتدخل المسئولية فيها تحت قواعد القانون العام، لأن الثابت أنه لم يحصل تلف للبضاعة أو فقدها نتيجة عمليات الشحن البحري المختلفة من وقت استلام البضاعة إلى وقت تفريغها ولكن واضح من حالة الطرد أن العبث الذي وقع به متعمد وبطريق الغش لاختلاف محتوياته ووضع أشياء أخرى لا قيمة لها وإعادة غلقه حفظاً لسلامة منظره ووزنه، وهذا الذي أورده الحكم وأن كان قد انتهى فيه إلى أن ما حدث بالصندوق من تلف أو عبث كان بطريق الغش إلا أنه لم ينسب هذا الغش إلى الشركة الناقلة شخصياً وإنما نسبه إلى عمالها، ولما كان الغش الذي يخرج عن نطاق التحديد الوارد في الفقرة الخامسة من المادة الرابعة سالفة الذكر - على ما سبق - هو الغش الذي يقع من الناقل شخصياً، وكان الحكم المطعون فيه لم ينسب الغش الذي استظهره مما حدث بالصندوق إلى الشركة الناقلة شخصياً ولكنه قضى بالرغم من ذلك على الطاعنتين بالتعويض كاملاً من غير تقيد بالتحديد الوارد في تلك المادة. فإن الحكم المذكور يكون مخالفاً للقانون متعيناً نقضه.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه. ولما سبق، ونظراً لأن سند الشحن - على ما هو ثابت من الأوراق - لم يدون فيه قيمة البضاعة المشحونة، وفي هذه الحالة وطبقاً لنص الفقرة الخامسة من المادة الرابعة من معاهدة سندات الشحن الموقعة في سنة 1924 فإن التعويض المستحق عند فقط تلك البضاعة يجب ألا يتعدى مبلغ مائة جنيه إسترليني تساوي بالجنيهات المصرية مبلغ 97 جنيهاً و500 مليم، وهو ما يجب القضاء به للشركة المطعون عليها وتعديل الحكم المستأنف على هذا الأساس وفقاً لطلبات الطاعنتين الاحتياطية، دون اعتداد بما أثارته المطعون عليها في هذا الصدد من وجوب دفع مبلغ المائة جنيه إسترليني بقيمتها الذهبية طبقاً لنص الفقرة الأولى من المادة التاسعة من المعاهدة لبطلان شرط الذهب في هذا الخصوص على ما جرى به قضاء هذه المحكمة في الطعن رقم 95 سنة 25 ق.