أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 11 - صـ 184

جلسة 25 من فبراير سنة 1960

برياسة السيد محمود عياد المستشار، وبحضور السادة: الحسيني العوضي، ومحسن العباس، وعبد السلام بلبع، ومحمود القاضي المستشارين.

(29)
الطعن رقم 280 لسنة 25 القضائية

( أ ) إثبات "الإثبات بالمعاينة". محكمة الموضوع.
حق محكمة الموضوع في عدم إجابة طلب الانتقال إلى محل النزاع لمعاينته متى وجدت من أوراق الدعوى ما يكفي لاقتناعها بالفصل فيها.
(ب) نقض "حالات الطعن" "الخطأ في تطبيق القانون". ملكية "الحقوق المتفرعة عن حق الملكية" "حق الارتفاق" "قيود البناء".
ارتفاق. قانون "تطبيق القانون في الزمان".
إشارة الحكم إلى أن الشارع فيما استحدثه من نصوص بالم 1018 مدني جديد قد أقر اعتبار القيود التي تحد من حق المالك في البناء حقوق ارتفاق - لا يفيد أنه قد طبق القانون المدني الجديد على واقعة الدعوى التي يحكمها القانون القديم. يدل على أن القانون الجديد قد تلاقى مع القانون القديم في تكييف هذه القيود.
(ج) تقادم "سلطة محكمة الموضع ورقابة محكمة النقض". محكمة الموضوع.
تحصيل الواقعة التي يبدأ بها التقادم مسألة موضوعية لا تخضع لرقابة محكمة النقض متى كان تحصيلها سائغاً.
(د) حكم "ما لا يعيب الحكم في نطاق التدليل وغيره" "كفاية الرد الضمني".
مثال في مخالفة القيود تحد من حق مالك العقار في البناء عليه.
(هـ) نقض "المصلحة في الطعن" "متى تنتفي". ملكية "الحقوق المتفرعة عن حق الملكية" "حق الارتفاق" "قيود البناء" محكمة الموضوع.
قضاء الحكم بإزالة المباني المخالفة لقيود البناء. عدم جدوى التمسك بنص الم 1018/ 2 مدني. الإزالة أو التعويض أمر تقديري لمحكمة الموضوع.
(و) ملكية "الحقوق المتفرعة عن حق الملكية" "حق الارتفاق" "قيود البناء".
تقرير الحكم أن الطاعن لا يناله إرهاق أو ضرر جسيم من الحكم بالإزالة. مفاده أن المطعون عليه لم يكن متعسفاً في طلب الإزالة.
(ز) نقض "أسباب الطعن" "ما يعتبر سبباً جديداً". إذعان.
التمسك بأن قيود البناء الواردة في عقد البيع تعتبر من شروط الإذعان لا يصح التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض ما دام أنه لم يسبق طرحه من قبل أمام محكمة الموضوع.
1 - طلب الانتقال إلى محل النزاع لمعاينته هو من الرخص القانونية لمحكمة الموضوع فلا عليها إن هي لم تستجب إلى ذلك متى وجدت في أوراق الدعوى ما يكفي لاقتناعها بالفصل فيها.
2 - إذا كان الحكم المطعون فيه قد استعرض الشروط الواردة بعقد البيع الأصلي الصادر من الشركة المطعون عليها وما نص عليه في قائمة الشروط الملحقة به من وجوب ترك منطقة فضاء تغرس بالنباتات بعرض ستة أمتار ومن أن هذا القيد يعتبر حق ارتفاق مثقل بقطعة الأرض المبيعة وأنه في حالة مخالفة المشتري لهذا القيد يكون للشركة الحق في هدم ما يجريه المشتري في هذه المنطقة الممنوع فيها البناء، ثم أشار الحكم إلى أن الشارع فيما استحدثه من نصوص بالمادة 1018 من القانون المدني الجديد قد أقر اعتبار هذه القيود التي تحد من حق المالك في البناء حقوق ارتفاق، فإن هذا الذي قرره الحكم المطعون فيه لا يفيد أنه قد طبق القانون الجديد على واقعة الدعوى - وإنما يدل على أن القانون الجديد قد تلاقى مع القانون القديم في تكييف هذه القيود والاشتراطات، ومن ثم يكون النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون - لإعماله أحكام القانون المدني الجديد على نزاع نشأ عن تعاقد إبرام قبل العمل به - في غير محله.
3 - تحصيل الواقعة التي يبدأ بها التقادم هو مما تستقل به محكمة الموضوع ولا تخضع فيه لرقابة محكمة النقض متى كان تحصيلها سائغاً.
4 - إذا كانت محكمة الموضوع قد اعتبرت بناء الطاعن لحوانيت بالمكان الذي نص في عقد البيع على أن يبقى خالياً من البناء هو بدء حصول المخالفة وأنه لم يكن قد مضى على إقامتها عند رفع الدعوى مدة الخمس عشرة سنة التي تسقط بها الحقوق والالتزامات مستندة في ذلك إلى ما ورد بمذكرة الطاعن فإنه لا يعيب الحكم المطعون فيه أنه لم يستجب إلى تحقيق دفاع الطاعن بسقوط حق الشركة المطعون عليها في طلب الإزالة بالتقادم، ذلك لأن تحصيل محكمة الموضوع للوقائع السابقة الذي أسست عليه قضاءها يعتبر منها رداً على هذا الطلب بأنها لم تر محلاً لإجابته ولم تكن بحاجة إليه.
5 - إذا كان الحكم المطعون فيه قد قضى بإلزام الطاعن بإزالة المباني التي استحدثها في المنطقة المحظورة البناء عليها فإنه لا يجدي تمسكه بنص الفقرة الثانية من المادة 1018 من القانون المدني الجديد طالما أن هذا النص يجعل الحكم بالإزالة أو التعويض أمراً تقديرياً لمحكمة الموضوع.
6 - إذا كان الحكم المطعون فيه قد قرر أن الطاعن لا يناله من الحكم بالإزالة إرهاق أو ضرر جسيم فإن هذا يفيد أن الشركة المطعون عليها لم تكن متعسفة في طلب الإزالة.
7 - التمسك بأن قيود البناء الواردة في عقد البيع الصادر من الشركة المطعون عليها يعتبر من شروط الإذعان التي لا سبيل للمشتري عند توقيعه إلى المناقشة فيها، لا يصح التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض ما دام أنه لم يسبق طرحه من قبل أمام محكمة الموضوع.


المحكمة

وحيث إن وقائع النزاع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليها أقامت الدعوى 2186 سنة 52 كلي القاهرة ضد الطاعن طلبت فيها الحكم بهدم الثلاثة حوانيت التي أقامها في المنطقة المحظور فيها البناء، وقد أصدرت محكمة القاهرة حكمها في 22 من مايو سنة 1954 بإلزام الطاعن بإزالة المباني التي استحدثها في المنطقة المحظور البناء فيها بعرض ستة أمتار على شارع بطرس غالي بمصر الجديدة وذلك في مدى شهر من تاريخ إعلان الحكم وإلا تزيلها المطعون عليها بمصاريف ترجع بها عليه مع إلزامه بالمصاريف ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات، فاستأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة وقيد الاستئناف بجدولها برقم 812 سنة 71 ق، وفي 29 من مايو سنة 1955 قضت محكمة الاستئناف حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً ورفضه موضوعاً وتأييد حكم المستأنف، وقد طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وذلك بتقرير قلم كتاب هذه المحكمة في 7 من يونيه سنة 1955 وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 22 من ديسمبر سنة 1959 وفيها حضر وكيل الطاعن وصمم على ما جاء بتقرير الطعن كما صممت النيابة العامة على مذكرتها المتضمنة رفض الطعن، وأصدرت دائرة الفحص قرارها بإحالة الطعن إلى الدائرة المدنية لنظره بجلسة 11 من فبراير سنة 1960، وفي تلك الجلسة صمم الطرفان على طلباتهما كما صممت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن الطعن بني على خمسة أسباب - يتحصل السبب الأول منها في أن الحكم المطعون فيه قد قضى بإزالة مباني الحوانيت الداخلة في حدود ملك الطاعن والتي ليس فيها اعتداء على خطوط التنظيم، بحجة أن إقامتها لا تتفق مع الانسجام الذي تسعى إليه الشركة المطعون عليها، وأنه قد طلب من محكمة الاستئناف الانتقال إلى مكان النزاع لتحقق هذا الادعاء، ووافقت الشركة المطعون عليها على هذا الطلب وأضافت إليه طلب تعيين خبير وإذ لم يستجب الحكم المطعون فيه إلى هذا الطلب يكون قد خالف القانون لقضائه في أمر لم يقم عليه دليل.
وحيث إنه تبين من الاطلاع على الحكم المطعون أن محكمة الاستئناف قد ردت على هذا الطلب فقالت "أنها لا ترى موجباً لإجابته ما دام أن الشرط يلزم بعدم إقامة أي بناء على امتداد هذا الشارع بعرض ستة أمتار، وقد يكون في نظره هو أن ذلك البناء غير قبيح أو لا يقلل من جمال الحي ومنظر انسجامه طالما أنه يدر عليه ربحاً مادياً، ولكن الشركة ترى لاعتبارات عامة ولمنفعة جميع سكان الحي أن تبقى تلك المنطقة فضاء مغروسة بنباتات ويعتني بها عناية مناسبة لرونق هذا الحي الممتاز" ولما كان طلب الانتقال إلى محل النزاع لمعاينته هو من الرخص القانونية لمحكمة الموضوع فلا عليها إن هي لم تستجب إلى ذلك متى وجدت في أوراق الدعوى ما يكفي لاقتناعها بالفصل فيها، ومن ثم يكون هذا النعي في غير محله.
وحيث إن حاصل ما ينعاه الطاعن في السبب الثاني أن هذا النزاع نشأ عن تعاقد أبرم قبل سنة 1930 فهو محكوم بالقانون المدني القديم الذي حدد حق الارتفاق بأية حق عيني على عقار لمنفعة عقار آخر. وليس ثمة عقار آخر يجاور الطاعن حتى تتحقق له منفعة بالارتفاق عليه، ولكن الحكم المطعون فيه قد استند إلى القانون المدني الجديد الذي توسع في حقوق الارتفاق وقرر إمكان فرض قيود معينة تحد من حق مالك العقار في البناء عليه لمنفعة عقارات كثيرة كما هو الحال في هذه الدعوى، وإذ جرى الحكم المطعون فيه على تطبيق أحكام القانون الجديد فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن الحكم المطعون فيه قد استعرض الشروط الواردة بعقد البيع الأصلي الصادر من الشركة المطعون عليها إلى ليون سلطان وما نص عليه في قائمة الشروط الملحقة بذلك العقد من وجوب ترك منطقة قضاء تغرس بالنباتات على طول امتداد شارع بطرس غالي باشا وبعرض ستة أمتار وما ورد فيها من أن هذا القيد يعتبر حق ارتفاق مثقل بقطعة الأرض المبيعة من الشركة إلى ليون سلطان، وأنه في حالة مخالفة المشتري لهذا القيد يكون للشركة الحق في هدم ما يجريه المشتري في هذه المنطقة الممنوع فيها البناء، ثم أشارت إلى أن الشارع فيما استحدثه من نصوص بالمادة 1018 من القانون المدني الجديد قد أقر اعتبار هذه القيود التي تحد من حق المالك في البناء حقوق ارتفاق كما قررت ذلك من قبل محكمة النقض، وهذا الذي قرره الحكم المطعون فيه لا يفيد أنه قد طبق القانون الجديد على واقعة الدعوى، وإنما يدل على أن القانون الجديد قد تلاقى مع القانون القديم في تكييف هذه القيود والاشتراطات، ومن ثم فلا محل للنعي على الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم في السبب الرابع أنه تمسك لدى محكمة الاستئناف بسقوط حق الشركة المطعون عليها في طلب الإزالة لانقضاء المدة القانونية على وجود البناء بالمكان الذي نص في العقد على أن يبقى خالياً من البناء مستنداً في ذلك إلى عقد إيجار صادر من سلفه ليون سلطان إلى نسيم حموى مستأجر الدكان التي كانت مقامة في هذا الجزء من العقار وهي التي شغل مكانها بالدكاكين المطلوب إزالتها وأنه طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات انقضاء حق الشركة بالتقادم ووافقته الشركة في مذكرتها الختامية على هذا الطلب، إلا أن الحكم المطعون فيه صدر فاصلاً في الموضوع ولم يستجب لهذا الإجراء القانوني رغم الاتفاق عليه، وبذلك يكون قد قضى في أمر لا تتضح حقيقته إلا بالتحقيق مما يعيب الحكم ويجعله مشوباً بمخالفة القانون.
وحيث إن محكمة الاستئناف قد استظهرت في حكمها المطعون عليه دفع الطاعن بالسقوط وردت عليه بقولها "إنه ظاهر من الاطلاع على هذا العقد أنه لا ينصب على حانوت أو حوانيت بل هو عن فراندة أي بهو مكشوف، فهو عن مكان آخر يختلف عن الحوانيت الثلاثة والتي أقر المستأنف في مذكرته أمام المحكمة الابتدائية بأنه أنشأها حديثاً، ومن ثم يكون هذا الدفع غير صحيح"، ويبين من هذا أن محكمة الموضوع قد استظهرت أن المكان المؤجر من ليون سلطان إلى يوسف حموى لم يكن حانوتاً وإنما كان بهواً مكشوفاً، واعتبرت بناء الحوانيت الثلاثة بمعرفة الطاعن هو بدء حصول المخالفة، وأنه لم يكن مضى على إقامتها عند رفع الدعوى مدة الخمس عشر سنة التي تسقط بها الحقوق والالتزامات مستندة في ذلك إلى ما ورد بمذكرة الطاعن - ومتى كان ذلك، وكان تحصيل الواقعة التي يبدأ بها التقادم هو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تخضع فيه لرقابة محكمة النقض متى كان تحصيلها سائغاً، ولما كان ذلك فإن ما ينعاه الطاعن في غير محله، ولا يعيب الحكم المطعون فيه أنه لم يستجب إلى تحقيق دفاع الطاعن، ذلك لأن تحصيل محكمة الموضوع للواقع الذي أسست عليه قضائها يعتبر منها رداً على هذا الطلب بأنها لم تر محلاً لإجابته ولم تكن بحاجة إليه.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم في السببين الثالث والخامس أنه لم يطبق القانون الجديد على وجه صحيح، لأن الفقرة الثانية من المادة 1018 تقرر أن طلب الإزالة جوازي لا وجوبي وهو ينقلب إلى التزام بتعويض قيد القانون المحكمة في القضاء به بأن يتوفر لديها ما يبرره، وقد تحدى في مذكرته الختامية بنظرية سواء استعمال الحق وهي نظرية عامة مقررة في القانونين القديم والجديد وفي القواعد العامة، إذ بفرض أن الشركة المطعون عليها محقة في طلب الإزالة فإن هذا الطلب مشوب بسوء استعمال الحق وكان يتعين رفضه موضوعاً، وأضاف الطاعن أن ما ذكره في عقد البيع الصادر من الشركة من أنه لولا هذا الشروط التي فرضتها على المشتري لما باعت له الأرض يعتبر من شروط الإذعان التي لا سبيل للمشتري عند توقيعه إلى المناقشة فيها، فضلاً عن أنه لم يلحق الشركة المطعون عليها أي ضرر ومن ثم يكون الحكم قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود أولاً بأنه لا يجدي الطاعن تمسكه بنص الفقرة الثانية من المادة 1018 من القانون المدني الجديد، طالما أن هذا النص يجعل الحكم بالإزالة أو بالتعويض أمراً تقديرياً لمحكمة الموضوع. ومردود ثانياً بما قرره الحكم من أن الطاعن لا ينال من الحكم بالإزالة إرهاق أو ضرر جسيم مما يفيد أن الشركة المطعون عليها لم تكن متعسفة في طلب الإزالة، أما ما يثيره الطاعن من أن قيود البناء تندرج في عقود الإذعان فلا يقبل منه لأنه لم يسبق له إثارته من قبل لدى محكمة الموضوع.
وحيث إنه لما تقدم ولما سبق بيانه يكون الطعن في غير محله ويتعين رفضه.