أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 11 - صـ 425

جلسة 9 من يونيه سنة 1960

برياسة السيد محمود عياد المستشار، وبحضور السادة: الحسيني العوضي، ومحسن العباس، وعبد السلام بلبع، ومحمود القاضي المستشارين.

(67)
الطعن رقم 472 لسنة 25 القضائية

( أ ) حكم "تسبيبه" "تسبيب الحكم الاستئنافي".
اعتماد محكمة الاستئناف أسباب الحكم الابتدائي واتخاذها أسباباً لقضائها بالإضافة إلى ما ورد في حكمها المطعون فيه من أسباب - مع أن كلاً منهما يقوم على أساس مغاير لما قام عليه الآخر. من شأنه أن تكون الإحالة على أسباب الحكم الابتدائي ممتنعة، والنعي المؤسس على تضمن الحكم المطعون فيه لتلك الأسباب وارداً على غير محل.
(ب) شهر عقاري تأمينات عينية "الرهن الرسمي" أثر الرهن بالنسبة إلى الغير" - "الرهن العقاري" "شرط نفاذه في حق الغير" "قيده".
تنظيم شهر التصرفات العقارية وحماية الائتمان العقاري هو هدف الشارع بالأحكام الواردة في الم 12 و58 الق 114/ 46 شهر عقاري، 1114 و 1054 مدني اعتبارها متعلقة بالنظام العام والقواعد التي قررتها آمرة لا تسوغ مخالفتها بمقولة إن من شرعت لمصلحته قد تنازل عن التمسك بها.
1 - إذا كانت محكمة الاستئناف بعد أن انتهت من إيراد الأسباب التي أقامت عليها قضاءها ذكرت - بحسب الظاهر من عبارتها - أنها قد اعتمدت أسباب الحكم الابتدائي واتخذتها أسباباً لقضائها بالإضافة إلى ما ورد في حكمها المطعون فيه من أسباب، وكان يبين من استعراض الأسباب الواردة في الحكمين أن كلاً منهما يقوم على أساس مغاير لما قام عليه الآخر - ذلك أن الحكم الابتدائي قد أقام قضاءه على نظر حاصله أن الطاعن ليس من فريق الغير الذين عنتهم المواد 1053 و1114 من التقنين المدني الجديد ومنحتهم حق الاحتجاج بعدم سريان الرهن في حقهم إذا لم يقيد بل اعتبره مسئولاً عن دين الرهن وملتزماً به تجاه الدائن المرتهن وورثته وقد حل في هذا الالتزام محل المدين فليس له أن يتمسك بعدم سريان الرهن في حقه - بينما قام الحكم المطعون فيه على نظر حاصله أنه وإن كان الطاعن من فريق الغير إلا أنه ليس له أن يستفيد من عدم إجراء القيد وفقاً للقانون لأنه تنازل عن حقه في ذلك وقبل سريان الرهن بالنسبة له، فإن من شأن هذا التعارض البادي بين وجهتي النظر المذكورتين أن تكون الإحالة من الحكم المطعون فيه على أسباب الحكم الابتدائي ممتنعة، وتكون العبارة الواردة في الحكم المطعون فيه لغواً، ومن ثم فإن النعي المؤسس على تضمن الحكم المطعون فيه لتلك الأسباب يكون وارداً على غير محل.
2 - هدف المشرع بالأحكام الواردة في المادتين 12 و58 من القانون رقم 114 لسنة 1946 والمادتين 1114 و1054 من التقنيين المدني الجديد تنظيم شهر التصرفات العقارية حماية للائتمان العقاري - فتعتبر هذه الأحكام لذلك متعلقة بالنظام العام، ومن ثم تكون القواعد التي قررتها قواعد آمرة واجبة التطبيق حتماً ولا تسوغ مخالفتها بمقولة "إن من شرعت لمصلحته قد تنازل عن التمسك بها".


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن في أنه بمقتضى عقد مسجل في 31 من ديسمبر سنة 1923 رهن علي عزوز صالح للمرحوم علي سيد أحمد الخضري مورث المطعون عليهم رهناً حيازياً - مقداراً من الأطيان الزراعية يبلغ أربعة أفدنة - ثم آلت ملكية العين المرهونة للطاعن - عن طريق التصرف له بالبيع - في قدر منها يبلغ 1 ف و7 ط والحكم له بأحقيته للشفعة في قدرين آخرين - أولهما مقداره 1 ف و12 ط كان ورثة المدين الراهن قد تصرفوا فيها بالبيع لعبد العظيم مجاور وأخيه عبد العزيز وطلبها الطاعن بالشفعة فقضى له بذلك نهائياً - وثانيهما مقداره 23 ط كان بعض ورثة المدين الراهن قد باعوها أيضاً لعبد العظيم مجاور بثمن مقداره 180 ج ودفع منها 12 ج و292 م ليد البائعين - والباقي ومقداره 167 ج و708 م خصم تحت يد المشتري نظير الرهن - وقد طلب الطاعن هذا المقدار أيضاً بالشفعة فقضى له بذلك نهائياً - وحصل نزاع بين الطاعن وورثة الدائن المرتهن في شأن هذا المقدار الأخير أدي بالطاعن لرفع الدعوى 52 لسنة 1946 كلي بني سويف يطلب براءة ذمته من المبلغ الباقي في ذمته بمقتضى عقد البيع المشار إليه آنفا والذي حل هو فيه محل المشتري بمقتضى حكم الشفعة وبمحو التسجيل - فنازعه بعض ورثة الدائن المرتهن في ملكيته لتلك الـ 23 ط بدعوى أنه صدر لهم عقد بيع بها من المالك الأصلي لها (وهو المدين الراهن) فأوقفت هذه الدعوى حتى يفصل في الملكية - ورفع الطاعن دعوى أخرى (هي الدعوى رقم 416 لسنة 1946 كلي بني سويف) يطلب تثبيت ملكيته للـ 23 ط المذكورة وتسليمها له فقضى له بذلك ابتدائياً، ولما استؤنف هذا الحكم أيدته محكمة الاستئناف فيما يختص بالملكية وألغته فيما يتعلق بالتسليم تأسيساً على أن دعوى استهلاك الرهن (52 لسنة 1946) لا تزال موقوفة وعجل الطاعن الدعوى رقم 52 لسنة 1946 وصدر فيها حكم بندب خبير لإجراء حساب الاستهلاك على أساس أن الدين الذي يلتزم به هو167 ج و708 م وقد استؤنف هذا الحكم فعدلت محكمة الاستئناف مأمورية الخبير بجعل مبلغ الدين الذي يجرى على أساسه الاستهلاك 316 ج و200 م باعتبار أن هذا المبلغ هو رصيد الدين، وأنه لا يجوز إجراء الاستهلاك على أساس المبلغ المستحق في ذمة الطاعن فقط إذ لا يجوز تخليص بعض الرهن بوفاء بعض الدين لأن الرهن غير قابل للتجزئة وبتواريخ 1 و4 و30 من يونيه سنة 1952 أقام الطاعن بمحكمة بني سويف الابتدائية الدعوى رقم 225 لسنة 1952 مدني كلي بني سويف على المطعون عليهم وأسسها على أن مقتضى المادتين 1114 و1053 من القانون المدني الجديد والمادة 12 من قانون الشهر العقاري رقم 114 لسنة 1946 أن الرهن الحيازي يلزم قيده كل عشر سنوات وأنه لما كان الرهن الصادر من علي عزوز إلى المورث المطعون عليهم قد سجل في 1923 ولم يحدد قيده في خلال المدة التي نصت عليها المادة 58 من قانون الشهر العقاري المشار إليه آنفاً فإنه يكون قد سقط ولا أثر له قبله وأنه لذلك يطلب الحكم بزوال أثر الرهن الحيازي المذكور المسجل على الأرض المبيعة له وتسليمها إليه، وبتاريخ 24 من نوفمبر سنة 1953 حكمت المحكمة الابتدائية برفض الدعوى وإلزامه بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة، فاستأنف الطاعن هذا الحكم إلى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 218 لسنة 71 ق طالباً إلغاء هذا الحكم والحكم له بالطلبات المقدمة لمحكمة أول درجة، وبتاريخ 20 من مارس سنة 1955 حكمت محكمة استئناف القاهرة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف مع إلزام رافعه المصروفات ومبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة تدفع للمستأنف عليها (لبيبه علي سيد أحمد وعويس عبد المطلب) وبتاريخ 13 من سبتمبر سنة 1955 قرر الطاعن بالنقض في هذا الحكم، وبعد استيفاء الإجراءات قدمت النيابة العامة مذكرة برأيها بنقض الحكم المطعون فيه في خصوص الوجه الثاني من السبب الأول، وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 30 من ديسمبر سنة 1959 فقررت إحالته إلى هذه الدائرة، واستوفيت الإجراءات القانونية بعد التقرير بالإحالة، وحددت لنظر الطعن أمام هذه الدائرة جلسة 12 من مايو سنة 1960 وفيها صممت النيابة العامة على الرأي المبدى بمذكرتها سالفة الذكر.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون من وجهين وفي خصوص الوجه الأول منهما ذكر أنه وقد حل بمقتضى حكم الشفعة الصادر لصالحه محل المشتري للـ 23 قيراطاً فإن التزامه تجاه الدائن المرتهن أو ورثته لا يتجاوز حد المبلغ الباقي من الثمن في ذمة المشتري بمقتضى عقد البيع ومقداره 167 جنيهاً و708 مليماً ولا يتعداه إلى الالتزام بدين الرهن وذلك إعمالاً لحكم القانون إذ يقضي بأن الشفيع يحل قبل البائع محل المشتري في جميع حقوقه والتزاماته وقد أخطأ الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه فيما قرره في هذا الخصوص من أن الطاعن قد أصبح ملتزماً بالوفاء بدين الرهن في حين أن مسؤوليته محددة بمبلغ الـ 167 جنيهاً و708 مليماً التي احتفظ بها في مقابل ما يخص العين المبيعة من دين الرهن، وفي الوجه الثاني ذكر أن النصوص التي تضمنها قانون الشهر العقاري رقم 114 لسنة 1946 في المواد 9 و12 و13 و43 و58 والقانون المدني الجديد في المواد 1053 و1054 و1114 فقضى خلافاً لما كان عليه الحال في ظل القانون المدني (القديم) وقانون التسجيل رقم 18 لسنة 1923 بإخضاع الرهن للقيد دون التسجيل - وأن قانون الشهر العقاري قد أتى في المادة 58 بحكم مؤقت - يقضي بسريان الأحكام المتعلقة بالقيد على الرهون الحيازية المسجلة فعلاً في تاريخ صدور القانون المذكور.
وحدد المشرع في نص هذه المادة أجلاً لهذا الإجراء ونص على الجزاء الذي يترتب على عدم قيد هذه الرهون في الميعاد المحدد لذلك بأن حق المرتهن لا يكون نافذاً بالنسبة للغير - ثم قال الطاعن أنه باعتباره حالاً محل المشتري لجزء من العقار المرهون فإنه يعتبر من الغير الذين يكون لهم الاحتجاج بعدم نفاذ الرهن في حقهم لأن عقد الرهن وإن كان مسجلاً في 31 ديسمبر سنة 1923 إلا أنه قد مضت المدة المحددة قانوناً دون إجراء قيده وبذلك لا يعتد بهذا الرهن تجاهه ولا يمنع من ذلك أنه عالم بوجوده - ولا سكوته عن طلب إعمال الأحكام القانونية المتقدم ذكرها إذ هي واجبة الإعمال من تلقاء نفس المحكمة - فلم يكن لمحكمة الموضوع أن تستند في قضائها برفض دعوى الطاعن إلى أنه لم يتمسك في الدعوى رقم 52 لسنة 1946 كلي بني سويف (الخاصة ببراءة ذمته من دين الرهن) والدعوى رقم 416 لسنة 1946 كلي بني سويف (الخاصة بالملكية والتسليم) بعدم نفاذ الرهن في حقه مما يعتبر تنازلاً ضمنياً منه عن هذا الحق ولا يجوز له العدول عنه إذا فضلاً عن أن عدم التمسك بأحكام القانون الآمرة لا يعتبر تنازلاً عن الحق المخول للطاعن ولا يحل المحكمة من واجب إعمال حكم القانون، فإن دعوى الاستهلاك قد رفعت قبل نفاذ قانون الشهر العقاري والقانون المدني الجديد ومجال الدعويين المتقدم ذكرهما لم يكن يقتضي من الطاعن التمسك بأحكام قانون الشهر العقاري والقانون المدني الجديد المشار إليها.
وحيث إن النعي بما ورد في الوجه الأول وارد على غير مطعن ذلك أنه وإن كانت محكمة الاستئناف - بعد أن انتهت من إيراد الأسباب التي أقامت عليها قضاءها - قد ذكرت "إنه لما تقدم بيانه وللأسباب الأخرى التي بني عليها الحكم المستأنف يكون هذا الحكم قد أصاب الحق في قضاءه برفض الدعوى فيتعين تأييده" مما مفاده بحسب الظاهر من عبارتها هذه أنها قد اعتمدت أسباب الحكم الابتدائي واتخذتها أسباباً لقضائها بالإضافة إلى ما ورد في حكمها المطعون فيه من أسباب إلا أنه يبين من استعراض الأسباب الواردة في الحكمين المذكورين أن كلاً منهما يقوم على أساس مغاير لما قام عليه الآخر - وذلك أن الحكم الابتدائي قد أقام قضاءه على نظر حاصله أن الطاعن ليس من فريق الغير الذين عنتهم المواد 1053 و1114 من التقنين المدني الجديد ومنحتهم حق الاحتجاج بعدم سريان الرهن في حقهم إذا لم يقيد بل أنه اعتبره مسئولاً عن دين الرهن وملتزماً به تجاه الدائن المرتهن وورثته وقد حل في هذا الالتزام محل المدين فليس له أن يتمسك بعدم سريان الرهن في حقه - بينما قام الحكم الاستئنافي (المطعون فيه) على نظر حاصله أنه وإن كان الطاعن من فريق الغير إلا أنه ليس له أن يستفيد من عدم إجراء القيد وفقاً للقانون لأنه تنازل عن حقه في ذلك وقبل سريان الرهن بالنسبة له - ومن شأن هذا التعارض البادي بين وجهتي النظر المذكورين آنفاً أن تكون الإحالة من الحكم المطعون فيه على أسباب الحكم الابتدائي ممتنعة - وتكون العبارة الواردة في هذا الخصوص في الحكم المطعون فيه لغواً - وإذ كان ذلك فإن نعي الطاعن المؤسس على تضمن الحكم المطعون فيه لتلك الأسباب يكون وارداً على غير محل.
وحيث إن النعي بما ورد في الوجه الثاني في محله - ذلك أنه لما كان المشرع قد نظم أحكام الشهر العقاري بالقانون رقم 114 لسنة 1946 - فنص في المادة 12 منه على أن "جميع التصرفات المنشئة لحق من الحقوق العينية العقارية التبعية أو المقررة لها وكذلك الأحكام النهائية المثبتة لشيء من ذلك يجب شهرها بطريق القيد ويترتب على عدم القيد أن هذه الحقوق لا تكون حجة على الغير" وأورد في المادة 58 منه حكماً وقتياً نص فيه على أنه "على أصحاب رهن الحياة العقارية وحقوق الامتياز العقارية السابقة أن يقوموا بقيد حقوقهم في خلال عشر سنوات من تاريخ تسجيل العقود المرتبة لها أو في خلال سنة (امتدت إلى سنتين) من تاريخ العمل بهذا القانون أي المدتين أطول فإذا لم يتم القيد في خلال المدة المتقدمة لا يكون الحق بعد انقضائها نافذاً بالنسبة إلى الغير ويترتب على إجراء القيد المذكور حفظ مرتبة الحق من تاريخ تسجيل العقد المرتب له"، ثم نص في المادة 1114 من التقنين المدني الجديد على أنه يشترط لنفاذ الرهن العقاري في حق الغير إلى جانب انتقال الحيازة أن يقيد عقد الرهن وتسري على هذا القيد الأحكام الخاصة بقيد الرهن الرسمي ونص فيما يتعلق بتلك الأحكام في المادة 1054 على أنه "يتبع في إجراء القيد وتجديده ومحوه وإلغاء المحو والآثار المترتبة على ذلك كله الأحكام الواردة بقانون تنظيم الشهر العقاري". وكان الشارع قد هدف بهذه الأحكام إلى تنظيم شهر التصرفات العقارية حماية للائتمان العقاري فتعتبر هذه الأحكام لذلك متعلقة بالنظام العام ومن ثم تكون القواعد التي قررتها قواعد آمرة وواجبة التطبيق حتماً ولا تسوغ مخالفتها بمقولة إن من شرعت لمصلحته قد تنازل عن التمسك بها "وهو ما تأسس عليه الحكم المطعون فيه" ذلك أن هذا التنازل "على فرض وجوده" لا يعتد به في هذا المجال إذ ليس للإرادة اعتبار في التصرف فيما هو من شئون النظام العام.
وحيث إنه لما تقدم يتعين نقض الحكم المطعون فيه. دون حاجة لبحث باقي الأسباب.