مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1961 إلى آخر يناير سنة 1962) - صـ 10

(2)
جلسة 28 من أكتوبر سنة 1961

برياسة السيد/ سيد إبراهيم الديواني نائب رئيس المجلس، وعضوية السادة علي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.

القضية رقم 1019 لسنة 7 القضائية

قرار إداري - تنظيم - اختصاص - تفويض في الاختصاص - القرارات الإدارية الصادرة بتخطيط الأراضي الفضاء بمدينة القاهرة وتحديد خطوط التنظيم فيها وتخصيصها لإقامة مساكن تعاونية عليها - جواز تعديلها بقرارات من الهيئة الإدارية للمجلس البلدي والتصديق عليها من وزير الشئون البلدية والقروية - تفويض الوزير وكيل الوزارة أو الوكيل المساعد في هذا الاختصاص - جائز - أساس ذلك.
أن القرارات الإدارية الصادرة بتخطيط أراض فضاء وتحديد خطوط التنظيم فيها وتخصيصها لإقامة مساكن تعاونية عليها لا تعدو أن تكون بطبيعتها قابلة للتعديل والتبديل، وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة، بموجب قرارات تصدرها الهيئة الإدارية بمجلس بلدي مدينة القاهرة استناداً إلى السلطة المخولة لها بالقانون رقم 145 لسنة 1949 بإنشاء مجلس بلدي لمدينة القاهرة ويصدق عليها وزير الشئون البلدية والقروية الذي يملك بدوره أن يفوض وكيل الوزارة أو الوكيل المساعد في مباشرة اختصاصه هذا وفقاً لأحكام القانون رقم 390 لسنة 1956 في شأن التفويض بالاختصاصات. فقد نصت المادة (20) من قانون إنشاء مجلس بلدي لمدينة القاهرة على اختصاصات هذا المجلس فقالت: "يختص المجلس بالمسائل الآتية: أولاً - مراقبة تنفيذ قانون المجلس ولائحته الداخلية والقوانين واللوائح المتعلقة بالصحة العمومية والتنظيم والمباني وتقسيم الأراضي والطرق.... سادساً - الإشراف على ما يأتي: -
(1) عمليات المياه والإنارة والمجاري.. (2) إنشاء الشوارع والميادين والقناطر والمنتزهات العامة أو إغلاقها أو حفظها أو صيانتها وتخطيط الطرق ووضع خطوط التنظيم ورصف الشوارع، وعلى العموم كل ما يؤدي إلى تحسين رونق المدينة ورفاهيتها" وجاء في المادة (34) من هذا القانون أن المجلس يؤلف في كل عام لجاناً من أعضائه لبحث المسائل التي تعرض عليه، ويكون الأعضاء المعينون بحكم وظائفهم أعضاء في اللجان المكلفة ببحث المسائل الداخلية في اختصاص الوزارات التي يمثلونها. وتعرض تقارير اللجان على المجلس لإصدار قرار فيها. ونصت المادة (36) منه "ترسل قرارات المجلس ومحاضر جلساته إلى وزير الشئون البلدية والقروية خلال الثلاثة الأيام التالية لصدور القرارات للتصديق على المحاضر. ولا يجوز تنفيذ قرارات المجلس إلا بعد التصديق عليها منه.." وتأسيساً على ذلك يكون قرار الهيئة الإدارية التي حلت محل المجلس البلدي لمدينة القاهرة بجلستها المنعقدة في 25 من أغسطس سنة 1959 بتعديل تخطيط جزء من المنطقة الاقتصادية رقم (3) بمصر الجديدة، والتي وقعها السيد الوزير والسيد وكيل الوزارة في 12 من سبتمبر سنة 1959 بالتصديق عليها ثم صدور القرار رقم (1954) لسنة 1959 باعتماد تعديل هذا التخطيط وذلك نظراً لدواعي الأمن والسرية حسبما جاء بكتاب السلطات الحربية ثم تم نشره بالجريدة الرسمية وإعمال أثره من تاريخ نشره في 7 من ديسمبر سنة 1959 كل ذلك يوحي بتوافر ركن المشروعية للقرار الوزاري المطعون فيه بالإلغاء خاصة في ظل القانون رقم 390 لسنة 1956 في شأن التفويض بالاختصاصات فقرر أن لرئيس الجمهورية أن يعهد ببعض الاختصاصات المخولة له بموجب القوانين إلى الوزير أو الوزراء المختصين، ونص في المادتين الثانية والثالثة منه على أن للوزير أن يعهد ببعض الاختصاصات المخولة له بموجب القوانين إلى وكيل الوزارة وله أن يوزع هذه الاختصاصات بين وكلاء الوزارة في حالة تعددهم وللوزير أن يعهد ببعض الاختصاصات المخولة له لوكيل الوزارة بموجب القوانين إلى الوكلاء المساعدين أو رؤساء المصالح. وجاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون أنه "كما كانت القواعد المتبعة حتى سنة 1952 تقضي بتركيز السلطة في يد الوزير وكان بهذا الوضع مسئولاً عن كل أعمال الوزارة، غير أنه لما كانت مهمة الوزير مهمة سياسية فقد رؤى أن تقتصر مهمته على وضع السياسة العامة لوزارة وأن تترك الإدارة الفعلية لموظف مسئول، لذلك صدر القانون رقم 137 لسنة 1952 بنظام وكلاء الوزارات الدائمين، فعهد إلى وكيل الوزارة الدائم ببعض الاختصاصات المخولة للوزير كما نص على أن ينوب وكيل الوزارة الدائم عن الوزير في مباشرة اختصاصاته المقررة في القانون. ولذلك خف العبء عن الوزير في معالجة المسائل الجزئية والتفرغ لرسم السياسية العامة للوزارة ومراقبة تنفيذها. وقد استمر الحال على هذا النظام حتى صدر القانون رقم 348 لسنة 1956 بإلغاء نظام وكلاء الوزارات الدائمين فأصبحوا وكلاء وزارة، وعادت الاختصاصات التي كانت موكلة إليهم إلى الوزراء. ولما كان دستور سنة 1956 قد نظم سلطة الوزراء فنص في المادة (148) منه على أن يتولى كل وزير الإشراف على شئون وزارته، ويقوم بتنفيذ السياسة العامة للحكومة فيها، وذلك ما يشعر بأن مهمة الوزراء قد أصبحت مهمة سياسية فحسب، ذلك لأنه ليس من المستساغ أن ينهض الوزير المسئول بالتبعات الإدارية التي تحول دون التفرغ لعمله الأساسي في توجيه السياسة العامة. لذلك رأى جواز تخويل وكيل الوزارة في مباشرة الاختصاصات المخولة للوزير بمقتضى القوانين والمفهوم ألا يشمل التفويض المسائل التي تتعلق بالسياسة العامة للدولة والمسائل التي تتصل بمجلس الأمة وكذلك مشروعات القوانين والقرارات فتبقى من اختصاص الوزير". وإعمالاً لأحكام هذا القانون أصدر السيد وزير الشئون البلدية عدة قرارات تنظيمية لتوزيع الاختصاصات في وزارته.


إجراءات الطعن

في 28 من مارس سنة 1961 أودع السيد الأستاذ محمد ممتاز نصار بصفته رئيس الجمعية التعاونية لبناء مساكن رجال القضاء والنيابة، سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيدت بجدولها تحت رقم 1019 لسنة 7 ق في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري - هيئة منازعات الأفراد والهيئات - بجلسة 21 من فبراير سنة 1961 في طلب وقف التنفيذ في الدعوى رقم 1083 لسنة 14 ق المقامة من السيد الأستاذ الطاعن بصفته رئيساً للجمعية التعاونية المصرية لبناء المساكن لرجال القضاء والنيابة، وكذلك من الجمعية التعاونية لضباط البوليس - طرفاً منضماً للمدعي - ضد كل من السيد وزير الشئون البلدية والقروية، والسيد محافظ القاهرة بصفته رئيس مجلس بلدي مدينة القاهرة والسيد عضو مجلس الإدارة المنتدب لشركة سكك حديد مصر الكهربائية وواحات عين شمس، والجمعيات التعاونية لموظفي ديوان المحاسبة وموظفي حكمدارية الشرطة وموظفي بلدية القاهرة، وهذه الجمعيات التعاونية انضمت إلى الحكومة خصماً ثالثاً في الدعوى. والحكم المطعون فيه قد قضى "برفض طلب وقف التنفيذ" وطلب السيد الطاعن للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه: "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار رقم 1954 لسنة 1959 الصادر من وزارة الشئون البلدية بتعديل تخطيط جزء من المنطقة الاقتصادية (3) بمصر الجديدة فيما تضمنه من تقسيم أرض الحديقة التي تقع في الحد القبلي من مساكن رجال القضاء في منطقة الحي الرابع بمصر الجديدة مع إلزام المطعون ضدهم عدا الأخير بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين" وقد أعلن هذا الطعن إلى الحكومة وإلى الخصم الثالث المنضمين إليها في (5 و15 و20 و24 و25 و29 من إبريل سنة 1961). وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 11 من يونيو سنة 1961 حيث أحيل إلى المحكمة الإدارية العليا لجلسة 14 من أكتوبر سنة 1961 وفيها سمعت ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن في طلب وقف التنفيذ على الوجه المبين بمحضر الجلسة وقدم الحاضر عن السيد الطاعن مذكرة ختامية انتهى فيها إلى التصميم على طلباته بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بوقف تنفيذ القرار رقم (1954) لسنة 1959. وكذلك قدم الحاضر عن الحكومة مذكرة في 18 من أكتوبر سنة 1961 صمم في ختامها على طلب رفض هذا الطعن مع إلزام الجمعية الطاعنة بالمصروفات وقد أرفقت الحكومة بمذكرتها بعض الخرائط والمستندات التي كانت المحكمة قد أمرت بضمها، ثم قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الخرائط والمستندات والأوراق، وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل في أن الجمعية التعاونية لبناء المساكن لرجال القضاء والنيابة أقامت الدعوى رقم 1083 لسنة 14 ق أمام محكمة القضاء الإداري (هيئة منازعات الأفراد والهيئات) بعريضة أودعتها سكرتيرية تلك المحكمة في 25 من مايو سنة 1960 وطلبت في ختامها الحكم، بصفة مستعجلة، بوقف تنفيذ القرار رقم (1954) لسنة 1959 الصادر من وزارة الشئون البلدية بتعديل تخطيط جزء من المنطقة الاقتصادية رقم (3) بمصر الجديدة فيما تضمنه من تقسيم أرض الحديقة التي تقع في الحد القبلي من مساكن رجال القضاء في منطقة الحي الرابع بمصر الجديدة، وفي موضوع الدعوى بإلغاء ذلك القرار المطعون فيه وما يترتب على الإلغاء من آثار مع إلزام المعلن إليهما الأول والثاني بصفتيهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وذلك كله في مواجهة المعلن إليه الثالث - وقالت الجمعية المدعية أنها بموجب عقد بيع ابتدائي مؤرخ 14 من يناير سنة 1955 قد تعاقدت مع شركة سكك حديد مصر الكهربائية وواحات عين شمس - المعلن إليها الثالثة - على شراء قطعة أرض معدة للبناء في المربع رقم (911 جـ) بالحي الرابع بمصر الجديدة تخصص لبناء مساكن رجال القضاء والنيابة، وقد نص في عقد البيع حسبما جاء ذكره في صحيفة الدعوى، على أن الأرض يحدها من الجهة القبلية حديقة عامة ثم صدر قرار يحمل توقيع السيد/ أحمد رفعت وكيل وزارة الشئون البلدية والقروية برقم 1954 لسنة 1959 نص فيه على ما يأتي: (المادة الأولى - يعتمد تعديل تخطيط جزء من المنطقة الاقتصادية رقم (3) بمصر الجديدة، السابق اعتماد تخطيطها بالقرار رقم 226 لسنة 1954 على الوجه الآتي: ( أ ) تلغى خطوط التنظيم المبينة بالرسم المرافق بالخطوط السوداء الرفيعة المؤشر عليها بعلامة (× × ×) وتعتمد خطوط التنظيم المبينة بالرسم المذكور بالخطوط السوداء السميكة. (ب) ينهي تخصيص الأراضي المحددة باللون الأزرق والملونة باللون الأحمر الفاتح للمنافع العامة (حدائق) وترد إلى شركة سكك حديد مصر الكهربائية وواحات عين شمس، وتخصص بدلاً منها لذات الغرض المذكور الأرض المحدد دائرها باللون الأخضر الغامق والملونة باللون الأخضر الفاتح والمحددة بالحروف (أ، ب، جـ، د، هـ، و، ز) بدلاً من الأراضي التي ردت إليها. (جـ) يعدل تخصيص الأراضي الملونة باللون الأصفر المخصصة للمنافع العامة (حدائق) بتخطيط للمنافع العامة (طرق). المادة الثانية: ينشر هذا القرار في الجريدة الرسمية يعمل به من تاريخ نشره". وقد نشر فعلاً بالعدد رقم (96) في 7 من ديسمبر سنة 1959 بالصفحة السابعة. واستطردت صحيفة الدعوى قائلة أن هذا القرار قد صدر مجهلاً، ولا يفيد بصيغته وحده مدلوله ومحتوياته، وبالتالي لم تتبين منه الجمعية المدعية أي مساس بمصلحتها إلى أن علمت عرضاً من بعض أعمال مادية تجرى على الحديقة المجاورة لقطع الأرض المعدة للبناء في المربع رقم (911 جـ) بالحي الرابع، علمت أن المقصود من ذلك هو إلغاء تخصيص الحديقة الواقعة بالحد القبلي لمساكن القضاة وردها إلى الشركة لتجرى عليها تقسيماً جديداً لمصلحة الجمعية التعاونية لمهندسي وزارة الشئون البلدية والقروية. فبادرت الجمعية المدعية في ذات اليوم بتوجيه إنذار إلى وزارة الشئون البلدية والقروية وإلى السيد/ مدير عام مجلس بلدي القاهرة، والسيد عضو مجلس الإدارة المنتدب لشركة سكك حديد مصر الكهربائية وواحات عين شمس، وقد أعلن هذا الإنذار إلى الوزارة في 2 من إبريل سنة 1960 ولكن هذا الإنذار لم يجد نفعاً واستمر المعلن إليهم في إجراء تحويل الحديقة إلى أرض للبناء.
وتنعى الجمعية المدعية على القرار المطعون فيه بالإلغاء والمطلوب وقف تنفيذه أنه صدر مخالفاً للقانون، فضلاً عن أنه مشوب بعيب إساءة استعمال السلطة. أما عن مخالفته للقانون فذلك لأنه ما كان يسوغ أن تحول الحديقة المخصصة للمنفعة العامة إلى أرض تعد للبناء بمجرد قرار يصدر من السيد وكيل وزارة الشئون البلدية والقروية، إذ أن الإدارة التي صدر بها ذلك التحويل لا ترقى إلى مرتبة القانون أو المرسوم. ومن ثم يكون القرار المطعون فيه باطلاً لأنه خالف نص المادتين (87)، (88) من القانون المدني. وأما بالنسبة لعيب إساءة استعمال السلطة التي أصابت القرار المطعون فيه فذلك ظاهر من أن الغرض من إصداره لم يكن تحقيق المصلحة العامة، وإنما قصد به تحقيق مصلحة شخصية متعلقة بطائفة من مهندسي وزارة الشئون البلدية والقروية ومثل هذا العيب يجعل القرار المذكور جديراً بالإلغاء. وأضافت صحيفة الدعوى أن استمرار المعلن إليهما في تنفيذ القرار المطعون فيه يترتب عليه إلحاق أضرار جسيمة بالجمعية المدعية يتعذر تداركها خاصة إذا أقيمت مبان في أرض الحديقة العامة المزمع تقسيمها مما يحق معه للجمعية المدعية أن تطلب القضاء بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
وقد تحدد لنظر طلب وقف التنفيذ جلسة 21 من يونيه سنة 1960 وفيها قررت المحكمة التأجيل لجلسة 19 من يوليه سنة 1960 لتقدم الجهة الإدارية مذكرة بدفاعها مع ملف الموضوع. وفي الجلسة المذكورة حضر محام عن الجمعية التعاونية لضباط البوليس وطلب قبول الجمعية التي يمثلها خصماً متدخلاً مع الجمعية التعاونية لبناء مساكن رجال القضاء والنيابة كما حضر محام آخر عن الجمعية التعاونية لموظفي ديوان المحاسبة وموظفي بلدية القاهرة وحضر محام ثالث عن موظفي حكمدارية الشرطة وطلبا قبول تلك الجمعيات التعاونية خصماً متدخلاً منضماً إلى الحكومة في طلباتها برفض طلب وقف التنفيذ وبرفض دعوى الإلغاء. فقررت محكمة القضاء الإداري قبول الجمعية التعاونية لمساكن الجمعيات التعاونية المذكورة خصماً ثالثاً منضماً في الدعوى إلى الحكومة التي قدمت لجلسة 19 من يوليه سنة 1960 مذكرة بدفاعها الذي خلصت فيه إلى طلب الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد واحتياطياً إلى رفض طلب وقف التنفيذ وفي موضوع دعوى الإلغاء برفضها مع إلزام الجمعية المدعية المصروفات. وقالت الحكومة عن الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد أن القرار الوزاري المطعون فيه رقم (1954) لسنة 1959 قد صدر في 29 من نوفمبر سنة 1959 ونشر في الوقائع المصرية في 7 من ديسمبر سنة 1959 ولم يتظلم منه المدعي إلا بالإنذار الذي وجهه إلى الوزارة في 2 من إبريل سنة 1960 أي بعد انقضاء ما يقرب من (117) يوماً من تاريخ نشر القرار، وفضلاً عن ذلك فإن الجمعية المدعية لم ترفع دعوى الإلغاء إلا في 25 من مايو سنة 1960 أي بعد مضي أكثر من خمسة شهور من تاريخ صدور القرار ونشره في الجريدة الرسمية وقالت الحكومة عن طلب وقف التنفيذ أنه خليق بالرفض لأنه لا يقوم على أسباب جدية ولا تتوافر بالنسبة إليه حالة الاستعجال. فالقرار المطعون فيه فضلاً عن أنه يقوم على أسباب قانونية سليمة فليس ثمة نتائج يتعذر تداركها وقد نفذ بالفعل القرار المطعون فيه بمجرد اعتماد تعديل التقسيم وقد أبلغت به الشركة المدعى عليها الثالثة وكذلك الجمعيات التعاونية التي خصصت لها تلك المساحة وتم التعاقد فعلاً بين الشركة والجمعيات التعاونية الأخرى على أساس القرار محل الطعن بالإلغاء وموضوع طلب وقف التنفيذ بل قد تم إدخال المرافق العامة إلى تلك المنطقة وحصلت الجمعيات التعاونية على تراخيص بالبناء لمساكن أعضائها. ومن ثم تكون الدعوى قد فقدت ركن الاستعجال وإن كان ثمة ضرر لحق الجمعية التعاونية المدعية فإن ذلك لا يحول دون انتفاع السادة أعضائها بمساكنهم التي أقيمت فعلاً في شارع متسع مرصوف والضرر على فرض قيامه يكون محلاً للتعويض المادي دون سعي إلى وقف تنفيذ القرار المطعون فيه بالإلغاء.
وبجلسة 21 من فبراير سنة 1961 حكمت محكمة القضاء الإداري - بهيئة منازعات الأفراد والهيئات - في طلب وقف التنفيذ وحده (برفض طلب وقف التنفيذ) وأقامت قضاءها على أن الثابت من الأوراق أن تخطيطاً أعد في سنة 1931 لجانب من الأراضي الصحراوية المملوكة لشركة مصر الجديدة، وقد شمل هذا التخطيط تحويل المربع (911) المبين على الخريطة المرفقة بحافظة مستندات البلدية إلى حديقة عامة. ومع ذلك فإن هذا التخطيط لم ينفذ حتى صدر في سنة 1954 القرار الوزاري رقم (226) بتدابير متعلقة بالتنظيم في بعض الطرق العامة بمدينة القاهرة وباعتماد مشروع تقسيم أراضي المناطق الخمس المخصصة للمساكن الاقتصادية بمصر الجديدة، وقد تضمن هذا المشروع تعديل تخطيط المنطقة الاقتصادية التي كان مزمعاً إنشاء حديقة عامة عليها. وكان من شأن هذا التعديل اقتطاع جزء من أرض الحديقة العامة لإقامة المساكن التعاونية لرجال القضاء والنيابة والبوليس والجيش عليها. أما باقيها فقد بقي على حالته لإنشاء حديقة عامة عليها في المستقبل. وفي 29 من نوفمبر سنة 1959 صدر القرار الوزاري المطعون فيه رقم (1954) بتعديل التخطيط السابق وبتخصيص باقي أرض الحديقة لإقامة مساكن تعاونية لسبع جمعيات عليها وبنقل الحديقة العامة التي كان مزمعاً إنشاؤها إلى مكان الأرض التي كانت مخصصة لمساكن هذه الجمعيات التعاونية السبع، وذلك كله تحقيقاً لمصلحة عامة هي أبعاد هذه المساكن عن المنشآت العسكرية وجعل الحديقة فاصلاً بينها وبين تلك المساكن المدنية. ثم قالت المحكمة أن ما تنعاه الجمعية التعاونية المدعية على القرار الذي تطلب الحكم بوقف تنفيذه، ثم بإلغائه من أنه قضى بتحويل مال عام إلى ملك خاص بغير أداته القانونية المشار إليها في المادة (88) من القانون المدني بعد تعديلها بالقانون رقم 331 لسنة 1954 هو نعي بعيد عن واقعة الدعوى التي تنصب على قرار صادر بتخطيط أراض فضاء وتحديد خطوط التنظيم فيها وتخصيصها لإقامة مساكن تعاونية عليها. ولا شك أن القرارات الصادرة في هذا الشأن قابلة للتعديل بموجب قرارات تصدرها المجالس البلدية بمقتضى السلطة المخولة لها في القانون، ويصدق عليها وزير الشئون البلدية والقروية الذي يملك بدوره أن يفوض وكيل الوزارة أو الوكيل المساعد في مباشرة اختصاصه هذا وفقاً لأحكام القانون رقم 390 لسنة 1956. ومن أجل ذلك فقد رأت محكمة القضاء الإداري أن طعن الجمعية التعاونية المدعية وتلك المنضمة إليها - لبناء مساكن ضباط البوليس - لا يقوم على أسباب جدية فضلاً عن أن نتائج تنفيذ القرار المطعون فيه ليست مما يتعذر تداركه إذ يكفي في تعويضها المال. وبذلك يكون طلب وقف التنفيذ قد فقد ركنيه مما يتعين معه رفض هذا الطلب. وقد تعرض الحكم المطعون فيه إلى دفع الحكومة بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد فقال أن الثابت من الأوراق أن القرار المطعون فيه والسالف الإشارة إليه، قد نشر في الجريدة الرسمية في 7 من ديسمبر سنة 1959 ولم تتظلم منه الجمعية المدعية إلا في 2 من إبريل سنة 1960 بالإنذار الذي وجهته إلى الوزارة أي بعد صيرورته حصيناً من الإلغاء بفوات ما يزيد على الستين يوماً على صدوره وعقبت المحكمة على رد الجمعية المدعية على دفع الحكومة بعدم قبول الدعوى والذي قالت فيه الجمعية بأن صيغة القرار المطعون فيه لم تكن من الوضوح بحيث يتسنى للجمعية المدعية الوقوف على حقيقة القرار وتكييف موقفها منه، عقبت المحكمة بأن هذا قول مردود بأن القرار المنشور في 7 من ديسمبر سنة 1959 واضح في الدلالة على أن المقصود منه هو أرض الحديقة المجاورة للأرض التي خصصت لإقامة مساكن رجال القضاء والنيابة ورجال ضباط البوليس عليها. ومن ثم يكون الدفع بحسب الظاهر من الأوراق في محله.
ومن حيث إن طعن الجمعية التعاونية المدعية الذي أودع تقرير بأسبابه سكرتيرية هذه المحكمة العليا في 28 من مارس سنة 1961 يقوم على أن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 21 من فبراير سنة 1961 (برفض طلب وقف التنفيذ) قد (1) خالف القانون وقصر في التسبيب بالنسبة لميعاد رفع الدعوى. (2) خالف القانون بالنسبة للإدارة التي صدر بها القرار المطعون فيه وأغفل الرد على عيب إساءة استعمال السلطة. (3) أخطأ في القانون بالنسبة لركن الاستعجال. وانتهى تقرير هذا الطعن إلى طلب القضاء بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار رقم 1954 لسنة 1959 مع إلزام المطعون عليهم عدا الأخير منهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث إنه عن الوجه الأول، فقد بان للمحكمة من الأوراق أن السيد اللواء أركان حرب رئيس هيئة إمدادات وتموين الجيش قد كتب في 29 من مايو سنة 1956 إلى السيد/ مدير شركة سكك حديد مصر الكهربائية وواحات عين شمس، يقول: "أنه علم بأن مندوبي الشركة يقومون ببعض الأعمال بالمنطقة المجاورة لمدرسة المشاة بألماظة التي سبق طلبها بتقسيم المنطقة الاقتصادية رقم (3) لبناء مساكن تعاونية. وأنه سبق أن أخطر السيد مدير عام الإدارات الهندسية بمصلحة التنظيم بكتابه رقم (50937) مباني في العاشر من أغسطس سنة 1955 بما يأتي: (1) نظراً لدواعي الأمن والسرية لا يمكن إنشاء مساكن المدنيين متداخلة مع المنشئات العسكرية الموجودة بهذه المنطقة (2) لا يمكن الاستغناء عن هذه المنطقة لإنشاء المساكن المطلوبة حيث إنها حرم للقشلاقات العسكرية الموجودة بهذه المنطقة (3) سبق عدم الموافقة على أي مشروعات بهذه المنطقة للأهالي المدنيين لذلك أرجو موافاتنا بأي أعمال تقوم بها الشركة بهذه المنطقة وما الغرض منها، وذلك للأهمية على أن توقف أي أعمال هناك إن كانت لإنشاء مساكن لحين الاتفاق على المساحات التي يجب عدم شغلها.
وفي 19 من أغسطس سنة 1959 تقدم السيد المدير العام لبلدية القاهرة إلى الهيئة الإدارية - لجنة الأشغال العمومية والتنظيم والمرور - بتقرير يهدف إلى تعديل جزء من تخطيط المنطقة الاقتصادية رقم (3) بمصر الجديدة جاء فيها "أنه في 16 من ديسمبر سنة 1954 صدر القرار رقم (226) باعتماد مشروع تقاسيم أراضي المناطق الخمس المخصصة للمساكن الاقتصادية بمصر الجديدة" وتطلب شركة سكك حديد مصر الكهربائية وواحات عين شمس تعديل جزء من تخطيط المنطقة الاقتصادية رقم (3) لتعذر إقامة المساكن التعاونية على الأرض المخصصة لها وذلك بمناسبة إنشاء معسكرات على الأرض المتاخمة والملاصقة لهذه الأراضي وبدراسة المشروع رأى تخصيص الأراضي المخصصة لإنشاء الحدائق العامة لإقامة المساكن التعاونية على أن تخصيص أراضي المساكن لإقامة الحدائق عليها. والإدارة العامة لبلدية القاهرة تعرض الموضوع برجاء الموافقة على ما يأتي: (1) اعتماد تعديل جزء من تخطيط المنطقة الاقتصادية رقم (3) بمصر الجديدة وعلى الإقرار والتعهد الصادرين من الشركة المقسمة والمبين على الرسم المرافق. (2) اعتماد خطوط التنظيم السوداء السميكة وإلغاء خطوط التنظيم السوداء الرفيعة السابق اعتمادها بالقرار الوزاري رقم (226) الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1954 (3) إنهاء تخصيص الأراضي المحددة باللون الأزرق والملونة بالأحمر الفاتح للمنافع العامة (حدائق) واعتبارها من أملاك شركة سكك حديد مصر الكهربائية وواحات عين شمس الخاصة لتقسيمها والتصرف فيها بمعرفتها وذلك لتوزيعها على الجمعيات التعاونية بدلاً من المساحة المحددة باللون الأخضر الغامق والتي كانت مخصصة لها والمطلوب إلغاؤها (4) إنهاء تخصيص الأراضي الملونة باللون الأصفر للمنافع العامة (حدائق) واعتبارها من المنافع العامة (طرق). (5) إنهاء تخصيص الأرض المحدد دائرها باللوم الأخضر الغامق، والملونة باللون الأخضر الفاتح، والمحددة بالحرف... واعتبارها من المنافع العامة (حدائق) وذلك بدلاً من الحدائق الملغاة بالبند رقم (2) من هذا القرار، وذلك كله بحسب ما هو مبين بالرسم المرافق. وتأسيساً على هذا التقرير أصدرت الهيئة الإدارية بالمجلس البلدي لمدينة القاهرة قرارها في هذا الموضوع موقعاً عليه من المدير العام لبلدية القاهرة ومن رئيس الهيئة الإدارية بالمجلس البلدي للمدينة ونص القرار على ما يأتي: "بناء على ما عرضته بلدية القاهرة قررت الهيئة الإدارية للمجلس البلدي لمدينة القاهرة بجلستها المنعقدة بتاريخ 25 من أغسطس سنة 1959 الموافقة على مشروع تعديل جزء من تخطيط المنطقة رقم (3) المخصصة للمساكن الاقتصادية المحددة باللون البني الغامق والسابق اعتمادها بالقرار الوزاري رقم (226) بتاريخ 16 من ديسمبر سنة 1954 ضمن مشروع المناطق الخمس للمساكن الاقتصادية بمصر الجديدة وذلك طبقاً لما يأتي: (1) اعتماد خطوط التنظيم السوداء السميكة وإلغاء خطوط التنظيم السوداء الرفيعة المؤشر عليها بعلامات (× × ×) والسابق اعتمادها بالقرار الوزاري رقم (226) بتاريخ 16/ 12/ 1954 برسم التنظيم رقم (1557 هـ). (2) إنهاء تخصيص الأراضي المحددة باللون الأزرق واللون الأحمر الفاتح للمنافع العامة (حدائق) واعتبارها من أملاك شركة مصر الجديدة الخاصة لتقسيمها والتصرف فيها بمعرفتها وذلك لتوزيعها على الجمعيات التعاونية بدلاً من المساحة المحددة باللون الأخضر الغامق والتي كانت مخصصة لها والمطلوب إلغاؤها (3) إنهاء تخصيص الأراضي الملونة باللون الأصفر للمنافع العامة (حدائق) واعتبارها من المنافع العامة (طرق) (4) إنهاء تخصيص الأرض المحدد دائرها باللون الأخضر الغامق والملونة باللون الأخضر الفاتح والمحددة بالحروف (أ - ب - جـ - د - هـ - و) للشركة واعتبارها من المنافع العامة (حدائق) وذلك بدلاً من الحدائق الملغاة بالبند رقم (2) من هذا القرار. وكل ذلك حسب ما هو مبين على هذه الخريطة ملف إدارة التخطيط والمباني رقم 130/ 5/ 8 جـ". وقد جاء هذا القرار مسطراً على نفس خريطة مشروع تعديل جزء من تخطيط المنطقة الاقتصادية رقم 3 بمصر الجديدة وقد بان لهذه المحكمة من الاطلاع على هذه الخريطة أن السيد وكيل الوزارة أشر على هذا القرار بتوقيعه (أحمد رفعت). كما نظره واعتمده على نفس الخريطة السيد وزير الشئون البلدية والقروية ووقعه (محمد أبو نصير) في 12 من سبتمبر سنة 1959. والخريطة أعدت وصدرت من إدارة التخطيط والمباني بإدارات التنظيم ببلدية القاهرة وعليها خاتم وزارة الشئون البلدية والقروية. وفي اليوم الذي اعتمد فيه سيادة الوزير هذا القرار بعث بكتاب مؤرخ 12 من سبتمبر سنة 1959 رقم (3278 ملف 16/ 29/ 11/ 82) إلى السيد رئيس الهيئة الإدارية لبلدية القاهرة جاء فيه (بالإشارة إلى الكتاب رقم 133 في 25 من أغسطس سنة 1959 بشأن قرارات لجنة الأشغال العمومية والتنظيم والمرور ننهي إلى سيادتكم موافقتنا على قرارات الهيئة بجلستها العادية المرجأة المنعقدة في 25 من أغسطس سنة 1959 في الموضوعات التي تضمنها تقرير لجنة الأشغال العمومية والتنظيم والمرور في 19 من أغسطس سنة 1959، ثم في 29 من نوفمبر سنة 1959 صدر القرار المطعون فيه رقم (1954) لسنة 1959 بتعديل تخطيط جزء من المنطقة الاقتصادية رقم (3) بمصر الجديدة. وهذا نصه: (وزير الشئون البلدية والقروية بعد الاطلاع على القانون رقم 656 لسنة 1954 في شأن تنظيم المباني والقوانين المعدلة له، وعلى المادتين 87، 88 من القانون المدني وعلى القرار رقم 226 لسنة 1954 الخاص بالتدابير المتعلقة بالتنظيم في بعض الطرق العامة بمدينة القاهرة: وبعد الاطلاع على قرار الهيئة الإدارية التي حلت محل المجلس البلدي لمدينة القاهرة بجلستها المنعقدة في 25 من أغسطس سنة 1959 - قرر - مادة (1) يعتمد تعديل تخطيط جزء من المنطقة الاقتصادية رقم (3) بمصر الجديدة السابق اعتماد تخطيطها بالقرار قم (226) لسنة 1954 على الوجه الآتي: - ( أ ) تلغى الخطوط التنظيمية المبينة بالرسم المرافق.... (ب) ينهي تخصيص الأراضي المحددة باللون الأزرق. (جـ) يعدل تخصيص الأراضي الملونة باللون الأصفر... مادة (2) ينشر هذا القرار في الجريدة الرسمية ويعمل به من تاريخ نشره. تحريراً في 29/ 11/ 1959: وزير الشئون البلدية والقروية بالإقليم الجنوبي "عنه أحمد رفعت" وثابت أن هذا القرار المطعون فيه بالإلغاء قد نشر بالوقائع المصرية بالعدد رقم (96) في 7 من ديسمبر سنة 1959.
ومن حيث إن المشرع في مصر قد حرص منذ إنشاء مجلس الدولة واستحداث قضاء الإلغاء على أن يقيد الميعاد الذي ترفع فيه دعوى إلغاء القرارات الإدارية بأجل محدود وبمدة معينة حتى تستقر الأوضاع الإدارية وتنجو تلك القرارات من خطر التهديد بإلغائها فنص في المادة (19) من القانون رقم 165 لسنة 1955 على أن "ميعاد رفع الدعوى إلى المحكمة فيما يتعلق بطلبات الإلغاء ستون يوماً من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه في الجريدة الرسمية، أو في النشرات التي تصدرها المصالح أو إعلان صاحب الشأن به". وقد ردد هذا النص القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة للجمهورية العربية المتحدة في المادة (22) منه. وقد سبق أن نصت عليه المادة (35) من القانون رقم 112 لسنة 1946 بإنشاء مجلس الدولة والمادة (12) من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة. وهذا النص يقابل تماماً المادة (49) من الأمر الصادر بإعادة تنظيم مجلس الدولة الفرنسي في 31 من يوليه سنة 1945 الذي حدد مدة إقامة الدعوى بشهرين من تاريخ نشر القرار المطعون فيه أو إعلانه، واستقرت القاعدة في كل من الفقه والقضاء الإداري في مصر وفي فرنسا على أن الدفع بانقضاء مدة دعوى الإلغاء هو من النظام العام يمكن أن يثار في أية حالة تكون عليها الدعوى، ويمكن لهذه المحكمة أن تثيره من تلقاء نفسها إذا لم تتعرض له جهة الإدارة في دفاعها. وقد أجاز المشرع رغم ذلك إطالة مدة رفع دعوى الإلغاء بوسائل معينة في مقدمتها التظلم إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار فنصت الفقرة الثانية من المادة (9) من القانون رقم 165 لسنة 1955 على أنه ".... وينقطع سريان هذا الميعاد بالتظلم إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار أو إلى الهيئات الرئيسية" ومفاد ذلك أنه يجب أن يقدم التظلم خلال مدة الستين يوماً من تاريخ نشر القرار في الجريدة الرسمية لكي يولد التظلم أثره القانوني فيقطع مدة رفع دعوى الإلغاء.
ومن حيث إنه يبين من سياق ما تقدم أن قرار الهيئة الإدارية لمجلس بلدي مدينة القاهرة بالموافقة على مشروع تعديل جزء من تخطيط المنطقة رقم (3) قد صدر بجلسة 25 من أغسطس سنة 1959 وأن السيد وزير الشئون البلدية والقروية قد وقعه في 12 من سبتمبر سنة 1959، بعد النظر والاعتماد. كما حمل القرار إلى جانب توقيع السيد الوزير توقيع السيد وكيل الوزير المختص (أحمد رفعت) ثم صدر في 29 من نوفمبر سنة 1959 القرار المطعون فيه بالإلغاء رقم (1954) وفيه قرر السيد الوزير اعتماد تعديل تخطيط جزء من المنطقة الاقتصادية رقم (3) بمصر الجديدة. ونص في المادة الثانية من هذا القرار على أن ينشر في الجريدة الرسمية وعلى أن يعمل به من تاريخ نشره. وقد تم بالفعل نشر هذا القرار برمته وبكافة تفصيلاته بعد إذ أشار في ديباجته إلى أنه صادر من وزير الشئون البلدية والقروية بعد الاطلاع على قرار الهيئة الإدارية التي حلت محل المجلس البلدي لمدينة القاهرة بجلستها المنعقدة في 25 من أغسطس سنة 1959. ثم نشره كاملاً بالعدد رقم (96) من الجريدة الرسمية في 7 من ديسمبر سنة 1959. وعلى الرغم من ذلك كله فإن صحيفة دعوى إلغاء القرار الوزاري رقم (1954) الصادر في 29 من نوفمبر سنة 1959 والمنشور في 7 من ديسمبر سنة 1959، والمنطوية أيضاً على طلب الحكم بوقف تنفيذ هذا القرار، لم تودع سكرتيرية محكمة القضاء الإداري إلا في 25 من مايو سنة 1960. وليس في الأوراق ما ينم عن أن الجمعية التعاونية رافعة الدعوى كانت قد تقدمت في ميعاد الستين يوماً من تاريخ نشر هذا القرار في الجريدة الرسمية بتظلم إلى الهيئة الإدارية التي أصدرته وكل ما في الأوراق، بالنسبة لهذا الدفع، هو أن الجمعية المدعية بعثت بإنذار في الثاني من إبريل سنة 1960 إلى الجهات الإدارية تطلب منها العدول عن تحويل الحديقة إلى أرض معدة للبناء. وبدهي أن هذا الإجراء الذي اتخذ بعد فوات ميعاد رفع دعوى الإلغاء لا يمكن أن يولد أثر التظلم الذي نصت عليه الفقرة الثانية من المادة (19) من القانون رقم 165 لسنة 1955 بل ليس من شأنه أن يقطع سريان هذا الميعاد، ومن ثم يكون الدفع المقدم من الحكومة بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد، وانضم إلى الحكومة فيه باقي الخصوم، قد قام على أساس سليم من القانون. ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بأن هذا الدفع "يكون بحسب الظاهر من الأوراق في محله" قد أصاب الحق فيما انتهى إليه وأحسن تطبيق حكم القانون، في أسبابه التي استند إليها، وهو في صدد الفصل في مصير طلب وقف التنفيذ، خاصة وقد رد الحكم على قول الجمعية المدعية "بأن صيغة القرار المطعون فيه لم تكن من الوضوح بحيث يتسنى لها الوقوف على حقيقته وتكييف موقف أعضائها من القرار" فجاء في أسبابه أن هذا القول مردود بأن القرار المنشور واضح في الدلالة على أن المقصود منه هو أرض الحديقة المجاورة للأرض التي خصصت لإقامة مساكن أعضاء الجمعية المدعية عليها. وإذ قال الحكم المطعون فيه ذلك، فلا وجه إذن للطعن فيه بمخالفة القانون أو لقصور في التسبيب يلحقه بالنسبة لدفع المدعى عليهم بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد، وكان في قضائه بذلك وحده، ما يكفي للحكم، على الأقل، برفض طلب وقف التنفيذ.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه، وهو في سبيل التدليل أيضاً على عدم توافر الركنين التقليديين لطلب وقف التنفيذ المؤقت للقرار موضوع دعوى الإلغاء، وهما: (1) اتصال الطلب بمبدأ المشروعية واستناده بحسب الظاهر، إلى أسباب جدية يترك لقاضي الموضوع أمر تقديرها ويكفي في ذلك أن يكون هناك احتمال في كسب دعوى الإلغاء وفي أنها تقوم على سند من القانون سليم. (2) قيام حالة الاستعجال بأن تكون نتائج تنفيذ القرار من المتعذر تداركها إذا صدر في دعوى الموضوع حكم بإلغاء القرار. تعرض الحكم المطعون فيه لما تنعاه الجمعية المدعية على القرار الوزاري رقم (1954) لسنة 1959 من أنه قضى بتحويل مال عام إلى ملك خاص بغير أداته القانونية المشار إليها في المادة (88) من القانون المدني بعد تعديلها بالقانون رقم 331 لسنة 1954 ومن أنه لا يجوز للوزير المختص التفويض لغيره في مباشرة السلطة المخولة له بموجب هذه المادة (88) بعد تعديلها... ومن أن القانون رقم 390 لسنة 1956 الخاص بالتفويض بالاختصاصات لا يجيز ذلك إلا في المسائل الخاصة بالتنظيم الإداري للجهاز الوزاري فلا يمتد التفويض إلى الاختصاصات اللائحية... وقال في ذلك الحكم المطعون فيه، وبحق، أن ما تنعاه الجمعية المدعية في هذا الصدد، بعيد عن واقعة الدعوى التي تنصب على قرار وزاري صادر بتخطيط أراض فضاء وتحديد خطوط التنظيم فيها وتخصيصها لإقامة مساكن تعاونية عليها. وما من شك في أن القرارات الإدارية الصادرة في هذا الشأن لا تعدو أن تكون بطبيعتها قابلة للتعديل والتبديل، وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة، بموجب قرارات تصدرها الهيئة الإدارية بمجلس بلدي مدينة القاهرة استناداً إلى السلطة المخولة لها بالقانون رقم 145 لسنة 1949 بإنشاء مجلس بلدي لمدينة القاهرة ويصدق عليها وزير الشئون البلدية والقروية الذي يملك بدوره أن يفوض وكيل الوزارة أو الوكيل المساعد في مباشرة اختصاصه هذا وفقاً لأحكام القانون رقم 390 لسنة 1956 في شأن التفويض بالاختصاصات. فقد نصت المادة (20) من قانون إنشاء مجلس بلدي لمدينة القاهرة على اختصاصات هذا المجلس فقالت "يختص المجلس بالمسائل الآتية: أولاً - مراقبة تنفيذ قانون المجلس ولائحته الداخلية والقوانين واللوائح المتعلقة بالصحة العمومية والتنظيم والمباني وتقسيم الأراضي والطرق.... سادساً - الإشراف على ما يأتي: - (1) عمليات المياه والإنارة والمجاري.. (2) إنشاء الشوارع والميادين والقناطر والمنتزهات العامة أو إغلاقها أو حفظها أو صيانتها وتخطيط الطرق ووضع خطوط التنظيم ورصف الشوارع، وعلى العموم كل ما يؤدي إلى تحسين رونق المدينة ورفاهيتها" وجاء في المادة (34) من هذا القانون "يؤلف المجلس في كل عام لجاناً من بين أعضائه لبحث المسائل التي تعرض عليه، ويكون الأعضاء المعينون بحكم وظائفهم أعضاء في اللجان المكلفة ببحث المسائل الداخلة في اختصاص الوزارات التي يمثلونها. وتعرض تقارير اللجان على المجلس لإصدار قرار فيها". والمادة (36) منه "ترسل قرارات المجلس ومحاضر جلساته إلى وزير الشئون البلدية والقروية خلال الثلاثة الأيام التالية لصدور القرارات للتصديق على المحاضر. ولا يجوز تنفيذ قرارات المجلس إلا بعد التصديق عليها منه.." وتأسيساً على ذلك يكون قرار الهيئة الإدارية التي حلت محل المجلس البلدي لمدينة القاهرة بجلستها المنعقدة في 25 من أغسطس سنة 1959 بتعديل تخطيط جزء من المنطقة الاقتصادية رقم (3) بمصر الجديدة، والتي وقعها السيد الوزير والسيد وكيل الوزارة (أحمد رفعت) في 12 من سبتمبر سنة 1959 بالتصديق عليها ثم صدور القرار رقم (1954) لسنة 1959 باعتماد تعديل هذا التخطيط وذلك نظراً لدواعي الأمن والسرية حسبما جاء بكتاب السلطات الحربية، ثم نشره بالجريدة الرسمية وإعمال أثره من تاريخ نشره في أول ديسمبر سنة 1959 كل ذلك يوحي بتوافر ركن المشروعية للقرار الوزاري المطعون فيه بالإلغاء خاصة في ظل القانون رقم 390 لسنة 1956 في شأن التفويض بالاختصاصات، الذي قرر أن لرئيس الجمهورية أن يعهد ببعض الاختصاصات المخولة له بموجب القوانين إلى الوزير أو الوزراء المختصين. ونص في المادتين الثانية والثالثة منه على أن للوزير أن يعهد ببعض الاختصاصات المخولة له بموجب القوانين إلى وكيل الوزارة وله أن يوزع الاختصاصات بين وكلاء الوزارة في حالة تعددهم. وللوزير أن يعهد ببعض الاختصاصات المخولة له لوكيل الوزارة بموجب القوانين "إلى الوكلاء المساعدين أو رؤساء المصالح". وجاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون أنه "لما كانت القواعد المتبعة حتى سنة 1952 تقضي بتركيز السلطة في يد الوزير وكان بهذا الوضع مسئولاً عن كل أعمال الوزارة، غير أنه لما كانت مهمة الوزير مهمة سياسية فقد رأى أن تقتصر مهمته على وضع السياسة العامة للوزارة وأن تترك الإدارة الفعلية لموظف مسئول، لذلك صدر القانون رقم 137 لسنة 1952 بنظام وكلاء الوزارات الدائمين، فعهد إلى وكيل الوزارة الدائم ببعض الاختصاصات المخولة للوزير كما نص على أن ينوب وكيل الوزارة الدائم عن الوزير في مباشرة اختصاصاته المقررة في القانون. وبذلك خف العبء عن الوزير في معالجة المسائل الجزئية والتفرغ لرسم السياسية العامة للوزارة ومراقبة تنفيذها. وقد استمر الحال على هذا النظام حتى صدور القانون رقم 348 لسنة 1956 بإلغاء نظام وكلاء الوزارات الدائمين فأصبحوا وكلاء وزارة وعادت الاختصاصات التي كانت موكولة إليهم إلى الوزراء، ولما كان دستور سنة 1956 قد نظم سلطة الوزراء فنص في المادة 148 منه على أن يتولى كل وزير الإشراف على شئون وزارته، ويقوم بتنفيذ السياسة العامة للحكومة فيها، وذلك ما يشعر بأن مهمة الوزراء قد أصبحت مهمة سياسية فحسب، وذلك لأنه ليس من المستساغ أن ينهض الوزير مع ذلك بالتبعات الإدارية التي تحول دون التفرغ لعمله الأساسي في توجيه السياسة العامة، لذا رأى جواز تخويل وكيل الوزارة في مباشرة الاختصاصات المخولة للوزير بمقتضى القوانين، والمفهوم أن لا يشمل التفويض المسائل التي تتعلق بالسياسة العامة للدولة والمسائل التي تتصل بمجلس الأمة، وكذلك مشروعات القوانين والقرارات فتبقى من اختصاص الوزير". وإعمالاً لأحكام هذا القانون أصدر السيد وزير الشئون البلدية عدة قرارات تنظيمية لتوزيع الاختصاصات في وزارته. من ذلك القرار الوزاري رقم 1135 لسنة 1957 في 21 من يوليه سنة 1957 ونص في المادة الأولى منه "يفوض السيد وكيل الوزارة في مباشرة جميع الاختصاصات المخولة لنا بموجب القوانين" وفي 5 من إبريل سنة 1959 صدر القرار الوزاري رقم 525 لسنة 1959 في شأن تحديد الاختصاصات والتفويض فيها وجاء فيه "يختص السيد المهندس أحمد رفعت وكيل الوزارة المساعد بالإشراف على الإدارات العامة للمباني والتخطيط والإسكان والرخص والبلديات. ونص في البند الرابع من هذا القرار على أن يفوض السيد وكيل الوزارة في مباشرة الاختصاصات الواردة في هذا البند ومنها القرارات المنفذة للقانون رقم 52 لسنة 1940 في شأن تقسيم الأراضي الصادرة من الهيئة العامة للمجالس البلدية السابق التصديق عليها من الوزير، ثم صدر القرار الوزاري رقم 1010 لسنة 1959 في 23 من يونيه سنة 1959 ونص في مادته الأولى على أن يفوض السيد المهندس أحمد رفعت وكيل وزارة الشئون البلدية والقروية المساعد في مباشرة الاختصاصات المخولة للسيد الدكتور عزيز أحمد يس وكيل الوزارة بمقتضى القرارات الصادرة في هذا الشأن، وذلك علاوة على اختصاصاته الحالية". وتأسيساً على ذلك نشر القرار المطعون فيه يحمل توقيع سيادته عن السيد الوزير، ومفاد هذه النصوص التشريعية والقرارات الوزارية، أن دعوى الإلغاء - بحسب الظاهر من النصوص والأوراق - لا تقوم على أسباب جدية، وقدرت محكمة القضاء الإداري أن الاحتمال في أحقية الجمعية المدعية لما تطلب من حيث الموضوع، هو احتمال غير قوي، كما حرص الحكم المطعون فيه على أن يبرز انتفاء قيام حالة الاستعجال وأبان أنه لا يترتب على تنفيذ القرار محل الطعن نتائج يتعذر تداركها فيما لو قضى في موضع الدعوى بإلغاء القرار، إذ يكفي المال في تعويض كافة آثار التنفيذ إن كان لذلك أساس من القانون.
ومن حيث إنه على هدي ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه، وقد انتهى إلى أن طلب وقف تنفيذ القرار رقم (1954) لسنة 1959، قد فقد ركنيه الأساسيين، وتعين لذلك رفضه، قد أصاب الحق في النتيجة السليمة التي انتهى إليها وجاء متفقاً وأحكام القانون في الأسباب التي أقام عليها قضاءه ويكون الوجهان الثاني والثالث من أسباب الطعن فيه، هما كذلك على غرار الوجه الأول، لا سند لهما من القانون. وهذا كله مع عدم المساس بأصل دعوى الإلغاء.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً وألزمت المدعي بصفته مصروفات هذا الطلب.