مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1961 إلى آخر يناير سنة 1962) - صـ 51

(6)
جلسة 2 من ديسمبر سنة 1961

برياسة السيد/ سيد إبراهيم الديواني وكيل المجلس وعضوية السادة مصطفى كامل إسماعيل وحسن أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 863 لسنة 5 القضائية

( أ ) قرار إداري - العلم به - بدؤه من تاريخ إخطار الجهة الإدارية التي يعمل بها الموظف بالقرار أو بالنشرة المصلحية، وثبوت وضعها تحت نظره، وبالطريقة التي تمكنه من ذلك.
(ب) ترقية - مهندسو مصلحة الميكانيكا والكهرباء - القواعد المتبعة في ترتيب أقدميتهم وترقيتهم بعد العمل بالقانون رقم 493 لسنة 1955.
(جـ) موظف - ترقية - مهندسو مصلحة الميكانيكا والكهرباء - ترتيب وظائفهم في الدرجات المالية وفقاً للجدول الملحق بالقانون رقم 493 لسنة 1955 - أثره - اعتبار أشغال الإدارة وظيفة في درجة معينة بأحد موظفي هذه الدرجة بمثابة ترقية لا مجرد تلقيب للوظائف - وجوب اتباع قواعد الترقية المقررة بقانون التوظف التي لم يستثنها القانون السالف الذكر - أساس ذلك - مثال.
1 - إن وجود نشرة مصلحية شهرية تصدر بصفة منتظمة متضمنة القرارات الإدارية الصادرة - أو اعتبار تأشيرة مدير المصلحة على القرار المطعون فيه بمثابة نشر، لا يفيد في علم المدعي بالقرار المطعون فيه إلا من تاريخ إخطار الجهة التي يعمل بها الموظف بهذا القرار أو بتلك النشرة، وثبوت وضعها تحت نظره، وبالطريقة التي تمكنه من ذلك.
2 - إن الترقيات بين موظفي الكادر الفني العالي بمصلحة الميكانيكا والكهرباء كانت تجرى قبل صدور القانون رقم 493 لسنة 1955 وفق القواعد المقررة في قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 والمنصوص عليها في المادتين 38 و40، ومن مقتضى هذه القواعد أن تكون الترقية بحسب الأقدمية في الدرجة المالية ومن الدرجة الأدنى إلى الأعلى منها مباشرة وأن تجرى في بعض الدرجات بالاختيار بنسب معينة وفق القواعد المقررة لذلك ولم تربط تلك القواعد الترقية بشغل وظيفة أو وظائف معينة، إلا أنه لاعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة رأى المشرع إفراد قواعد خاصة تجرى على أساسها ترقية بعض طوائف الموظفين على خلاف القواعد المشار إليها واستثناء منها، فسن القانون رقم 493 لسنة 1955 في شأن ترتيب الأقدمية ونظام الترقية بين الموظفين الفنيين بمصلحة الميكانيكا والكهرباء بوزارة الأشغال العمومية، ونص في المادة الأولى منه على أنه "استثناء من أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 في شأن الترقية وترتيب الأقدمية في الدرجات، تكون الترقيات وترتيب الأقدمية في وظائف الكادر الفني العالي بمصلحة الميكانيكا والكهرباء بوزارة الأشغال العمومية على أساس أقدمية الترقية إلى الوظائف المبينة بالجدول المرفق وفقاً للترتيب الوارد به". ونص في المادة الثانية على ما يأتي: "مع مراعاة أحكام المادة 38 من القانون المشار إليه، تكون الترقية بالاختيار من وظيفة لأخرى تعلوها في الأهمية في حدود الدرجة المالية ذاتها". وقد تضمنت المذكرة الإيضاحية لهذا القانون: "أنه لما كانت الدرجة المالية الواحدة من درجات الكادر الفني العالي بالمصلحة المذكورة تدخل في نطاقها وظائف يعلو بعضها البعض الآخر تبعاً لأهميتها، فإن مصلحة العمل تقتضي شغل ما يخلو من الوظائف العليا من الموظفين الأكفاء في الوظائف التالية في الترتيب الذي وضع لتلك الوظائف بغض النظر عن أقدميتهم في الدرجة المالية الواحدة، ولما كانت الأحكام الخاصة بالترقية وفقاً لأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 تقضي أن تكون الترقية بالأقدمية أو بالاختيار - ومن مقتضى ذلك أن تكون الترقية في الدرجة المالية هي الأساس في ترقية الموظفين، الأمر الذي يتعارض مع ما تتطلبه الوظائف الفنية من إسنادها لمن يشغل الوظيفة التي يليها في الأهمية والمسئولية، لذلك رأى وضع قواعد خاصة بالترقية وترتيب الأقدمية بين الموظفين الفنيين بمصلحة الميكانيكا والكهرباء على أساس الترقية إلى الوظائف حسب أهميتها"، ويؤخذ مما تقدم أن القانون رقم 493 لسنة 1955 قد جاء باستثناء من قواعد الترقية وترتيب الأقدمية المنصوص عليها في قانون نظام موظفي الدولة، وحصر هذه الاستثناءات في أن جعل معيار الترقية هو شغل الوظيفة لا الدرجة المالية بمعنى أن الترقية تجرى إلى الوظائف بحسب الترتيب الموضوع لها في الجدول المرفق بالقانون المذكور وأن تكون الترقية من وظيفة لأخرى تعلوها في الأهمية وفي نفس الدرجة المالية كلها تتم بالاختيار وأما الترقية لوظيفة تعلو في الأهمية وفي درجة مالية أعلى من درجة الوظيفة التالية لها في الأهمية فيتبع في شأنها قواعد الترقية العادية المنصوص عليها في قانون نظام موظفي الدولة من ناحية الترقية بالأقدمية وبالاختيار. ومن ذلك يتضح أن القانون رقم 493 لسنة 1955 وأن جعل الأقدمية في الوظيفة هي الأساس للترقية إلى الوظيفة التي تعلوها مباشرة في الأهمية وفي الحصول على الدرجة المالية المقررة لها، إلا أنه أبقى على المعيار الذي قرره نظام الموظفين عند الترقية بالاختيار، وقد كان عند صدور ذلك القانون مجموع درجات الكفاية في العامين السابقين على حركة الترقية بالاختيار. ولما كان القانون رقم 493 لسنة 1955 هو استثناء من الأصل العام فيجب عدم التوسع فيه بل يجب التقيد بما أورده من استثناءات على سبيل الحصر وعدم تعديه إلى قواعد الترقيات الأخرى التي تظل قائمة ونافذة.
3 - إن القانون رقم 493 لسنة 1955 صدر في 12 من أكتوبر سنة 1955 مرتباً آثاراً قانونية على منح الألقاب بأن جعل الترقيات وترتيب الأقدمية في الدرجات المالية أساسها أقدمية الترقية إلى الوظائف المبينة بالجدول المرافق له ووفقاً للترتيب الوارد به خلافاً لما كان متبعاً من قبل صدور القانون المذكور. ويبين من جدول الوظائف المرافق لهذا القانون أن بعضها يعلو البعض الآخر حسب أهميتها وقد خصصت الدرجة الرابعة لوظيفتي باشمهندس ومساعد مدير أعمال، الأولى تعلو الثانية في الأهمية، وطبقاً لترتيب الوظائف كما هو مبين في الجدول أن التي تعلو وظيفة الباشمهندس في الأهمية هي وظيفة وكيل تفتيش ثم مدير أعمال ثم باشمهندس وكلها وظائف في الدرجة الثالثة، بمعنى أن الموظف لا يرقى إلى الدرجة الثالثة إلا إذا شغل وظيفة باشمهندس من الدرجة الرابعة بحسب أقدميته فيها لا أقدميته في الدرجة المالية، وعلى مقتضى ذلك أصبح لا انفصام بين الوظيفة والترقيات إلى الدرجات المالية المختلفة.
فإذا كانت الحكومة وهي في صدد شغل الوظائف المبينة في الجدول المرافق للقانون رقم 493 لسنة 1955 وبالترتيب الموضوع لها قد أعملت سلطتها التقديرية بالنسبة لموظفي الدرجة الرابعة بأن وضعت البعض منهم في وظائف باشمهندس والبعض الآخر في وظائف مساعدي مدير الأعمال الأقل أهمية من الأولى، ولم يكن الأمر في ذلك مجرد تلقيب بل عمدت بهذا الوضع إلى إحداث الأثر القانوني المترتب على ذلك، وبهذه المثابة فإن شغل وظيفة الباشمهندس من الدرجة الرابعة بفريق دون الآخر من بين مهندسي الدرجة الرابعة هو ترقية لهذا الفريق، وهي وإن كانت في الظاهر ترقية إلى وظيفة، إلا أنها في حقيقتها تنطوي على ترقية مالية مآلاً، لأنه سيترتب عليها الأسبقية في الترقية إلى الدرجة المالية وما دام الأمر موضوع ترقية فإنه يتعين على جهة الإدارة أن تلتزم القواعد المنصوص عليها في قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 والتي لم يستثنها القانون رقم 493 لسنة 1955.


إجراءات الطعن

في 17 من مايو سنة 1959 أودعت إدارة قضايا الحكومة نائبة عن السيد وزير الأشغال سكرتيرية هذه المحكمة عريضة طعن في الحكم المشار إليه والقاضي بإلغاء القرار الصادر من وزارة الأشغال في 3 من إبريل سنة 1956 برقم 1240 لسنة 1955 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية لوظيفة باشمهندس بمصلحة الميكانيكا والكهرباء مع إلزامها بالمصروفات، وطلبت للأسباب التي استندت إليها في صحيفة الطعن "قبوله شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء أصلياً بعدم قبول دعوى المطعون ضده واحتياطياً رفض دعواه مع إلزامه في جميع الأحوال بالمصروفات عن الدرجتين ومقابل أتعاب المحاماة". وقد أعلن هذا الطعن إلى الخصم في أول يوليه سنة 1957 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 9 من أكتوبر سنة 1960 ثم أحيل الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا للمرافعة بجلسة 14 من أكتوبر سنة 1961 حيث سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة وأرجئ النطق بالحكم فيه إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 1952 لسنة 10 القضائية ضد وزارة الأشغال بصحيفة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 22 من سبتمبر سنة 1956 طالباً إلغاء القرار رقم 1240 لسنة 1955 الصادر من وزارة الأشغال فيما تضمنه من وضع الطالب في وظيفة مساعد مدير أعمال وتخطي من هم أحدث منه عهداً له بوضعهم في وظيفة باشمهندس وأحقيته في هذه الوظيفة، وذلك مع إلزام الحكومة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال بياناً لذلك أنه عقب صدور القانون رقم 493 لسنة 1955 في شأن ترتيب الأقدمية ونظام الترقية بين الموظفين الفنيين بمصلحة الميكانيكا والكهرباء بوزارة الأشغال العمومية عمدت الوزارة المذكورة إلى المساس بمركزه القانوني بإصدار القرار رقم 1240/ 1955 منحت به موظفي مصلحة الميكانيكا والكهرباء المبينة أسماؤهم فيه الوظائف الموضحة قرين أسمائهم وذلك اعتباراً من 29/ 3/ 1956 وهبطت به من وظيفة مدير أعمال إلى وظيفة مساعد مدير أعمال في حين جعلت آخرين من زملائه ممن هم أحدث عهداً منه في وظيفة باشمهندس، وبفرض أن القانون السالف الذكر يخول لوزارة الأشغال المساس بالمراكز القانونية القائمة وقت نفاذه، فإن مناط ذلك بداهة مراعاة ضوابط الترقية بالاختيار، ومنها أنه لا يجوز تخطي الأقدم إلا إذا كان الأحدث يمتاز عنه فإذا كان الثابت أنه تخطى بمن كانوا يلونه في أقدمية وظيفة مدير الأعمال ولا يمتازون عنه في شيء ما، يكون قرار تخطيه إلى وظيفة الباشمهندس قد وقع مخالفاً للقانون. وقد ردت الجهة الإدارية على الدعوى بأنه فيما يختص بالمعيار الذي اتخذته في تحديد طبيعة وأهمية الأعمال التي يقوم بها موظفو الكادر الفني العالي والذي بني على أساسه وضعهم في الوظائف المختلفة المبينة بالقانون رقم 493 لسنة 1955، هذا المعيار كان مبناه استعداد كل موظف لشغل الوظيفة التي تناسبه محافظة على الصالح العام ويتمثل في محطات التوليد الكهربائية والآلات الميكانيكية والطلمبات وثمنها يجاوز عشرات الملايين من الجنيهات، وعلى ضوء الاعتبارات المتقدمة نظرت لجنة شئون الموظفين المر ورأت وضع المدعي في المركز اللائق به، وليس في ذلك أي مساس بمركز قانوني للمدعي فهو لم يحصل من قبل صدور القانون المشار إليه على أي لقب أعلى من مهندس كما لم يسبق حصول المطعون فيهم على لقب مدير أعمال بقرارات وزارية أو إدارية، ومن الجهة الأخرى فإن تحديد عدد الباشمهندسين ومساعدي مدير الأعمال من الدرجة الرابعة إنما قد تم على أساس توزيع الأعمال بالمصلحة حسب أهميتها والوظائف التي يشغلها كل منهم - عقب المدعي على رد الوزارة - بأن سلطتها في شغل الوظائف ليست مطلقة حتى ولو كانت مبتدأة فهي مقيدة حتماً بضوابط الترقية بالاختيار وبعدم التعسف أو الانحراف، والدليل على هذا الانحراف وذلك التعسف أن الوزارة قد أجحفت بالمهندسين حملة الهندسة التطبيقية الذين ينتمي إليهم المدعي، فجميع من تخطوا المدعي في وظيفة مدير أعمال هم من حملة بكالوريوس الهندسة فيما عدا واحد هو محمد صفوت حسن جمعة وكذلك جميع من عينوا في وظائف مساعدي مدير أعمال من حملة الهندسة التطبيقية عدا قلة من حملة بكالوريوس الهندسة المغضوب عليهم، وهذا التصرف من جانب الوزارة يدل على أنها لم تستهد بحركتها المطعون فيها المصلحة العامة، وكل ذلك على فرض أن سلطة الوزارة في شغل الوظائف هي سلطة مبتدأة، ولكن الحقيقة أن ترتيب الوظائف لم يكن وليد القانون سالف الذكر أي نظام مستحدث لأول مرة وإنما يستمد أصوله من ترتيب سابق وأوضاع مستقرة ومراكز قانونية ثابتة جديرة بالاحترام، وليس في القانون المذكور ما يعطي الوزارة الحق في أن تطبقه بأثر رجعي أو أن تقلب الأوضاع رأساً على عقب دون مبالاة بحقوق سلفت. وبجلسة 18 من مارس سنة 1959 حكمت محكمة القضاء الإداري "بإلغاء القرار الصادر من المدعى عليها في 3 من إبريل سنة 1956 برقم 1420 لسنة 1955 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية لوظيفة باشمهندس بمصلحة الميكانيكا والكهرباء وألزمت المدعى عليها مصاريف الدعوى ومبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأسست قضاءها على أن القرار المطعون فيه قد منح 41 من موظفي الدرجة الرابعة الفنية وظيفة باشمهندس و18 من بينهم المدعي وظيفة مساعد مدير أعمال، ولما كان المقصود بالاختيار المنصوص عليه في القانون رقم 493 لسنة 1955 هو أن يتم وفق الأوضاع الواردة بالقانون رقم 210 لسنة 1951 في شأن نظام موظفي الدولة الذي وضع ضوابط معينة في هذا الصدد بأن جعل الضابط للترقية بالاختيار تقارير العامين السابقين مع مراعاة الأقدمية فيما بين المرشحين عند التساوي في درجة الكفاية، وهو وإن لم تفصح لجنة شئون الموظفين عن المعيار الذي اتخذته أساساً في شغل وظائف الباشمهندس إلا أنه يبين أنها أعملت حقها في الاختيار بالتطبيق لأحكام القانون رقم 493 لسنة 1955 سالف الذكر، وبالرجوع إلى القرار المطعون فيه يلاحظ أنه تضمن ترقية بعض المهندسين ممن يلون المدعي في الأقدمية إلى وظيفة باشمهندس كما أن مجموع درجات كفايته عن العامين السابقين على الحركة تربو على درجات كفاية بعض من عينوا في تلك الوظيفة، وعلى ذلك يكون القرار المطعون فيه إذ لم يأخذ بمعيار الكفاية المنصوص عليه في نظام الموظفين، فإنه يكون قد خالف القانون متعين الإلغاء.
ومن حيث إن أسباب الطعن في الحكم المتقدم تقوم على وجهين، الأول من الناحية الشكلية والثاني من الناحية الموضوعية، أما عن الشكل فتقول الوزارة أن المدعي علم بالقرار المطعون فيه بتاريخ 8/ 4/ 1956 وهو تاريخ نشرة الوزارة المصلحية ولم يتظلم منه إدارياً طبقاً للقانون إلا في 14/ 6/ 1956 وبذلك يكون هذا التظلم قد قدم بعد الميعاد وبالتالي فلا ينتج أثره في قطع ميعاد رفع الدعوى، والحكم المطعون فيه إذ قضى بقبول الدعوى شكلاً تأسيساً على أن المدعي كان يقيم وقتذاك في بلاد النوبة فتحسب له مواعيد مسافة طبقاً للمادة (21) من قانون المرافعات - فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون لأن مواعيد المسافة التي نصت عليها المادة المشار إليها إنما هي خاصة بإجراءات المرافعات التي تتطلب الانتقال من مكان وجود صاحب الشأن إلى المكان الذي يجب تنفيذ الإجراء فيه وهو الأمر الذي لا يستلزمه تقديم التظلم.. أما عن الموضوع فتقول الوزارة أن القرار المطعون فيه ليس بقرار ترقية بل قرار بتسمية الوظائف التي يشغلها كل موظف من موظف مصلحة الميكانيكا والكهرباء، وذلك أنه عقب أن صدر القانون رقم 493 لسنة 1955 أرادت المصلحة أن تحدد الوظيفة التي يشغلها كل مهندس من مهندسيها طبقاً لوضعه الفعلي عند صدور ذلك القرار وما يقوم به من اختصاصات. ولما كان المدعي في الدرجة الرابعة التي تشمل وظيفته الأولى باشمهندس (وهي الأعلى) والثانية مساعد مدير أعمال (وهي الأدنى) فقد اجتمعت لجنة شئون الموظفين بالمصلحة وراعت عند منح الألقاب للمهندسين طبيعة العمل الذي يؤديه كل منهم، ونظراً لأن طبيعة العمل الذي كان يؤديه المطعون ضده يعتبر من حيث الأهمية في أدنى وظائف الدرجة الرابعة، فقد تقرر منحه لقب مساعد مدير أعمال، وهذا القرار يدخل في مطلق تقدير سلطة الإدارة لأنه بني على مسائل فنية كان يجب مراعاتها عند البدء في تطبيق القانون رقم 493 لسنة 1955 الذي ما صدر إلا ليكفل شغل ما يخلو من الوظائف العليا بمصلحة الميكانيكا والكهرباء من بين الموظفين الأكفاء في الوظائف التالية في الأهمية والمسئولية طبقاً للترتيب الذي وضع لتلك الوظائف بغض النظر عن الأقدمية في الدرجة المالية الواحدة أو ما ورد في تقاريرهم من درجات في الكفاية. وبذلك يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون إذ اعتبر أن القرار المطعون فيه يتضمن تخطياً للمدعي في الترقية إلى وظيفة باشمهندس على أساس من التقارير الموضوعة عن سنتي 1955، 1956.
ومن حيث إن الطعن بني على سببين محصل أولهما خطأ الحكم المطعون فيه في تطبيق القانون عندما أضاف مواعيد مسافة إلى الميعاد الذي يجب أن ينتهي فيه تقديم التظلم الإداري وانبنى عن هذا الخطأ قبول الدعوى شكلاً وهو الأمر الذي يتنافى مع القانون، لأن ميعاد المسافة المقرر لا يكون إلا في حالة رفع الدعوى أمام القضاء، وباستبعاد ميعاد المسافة هذا يكون التظلم مقدماً بعد الميعاد على التفصيل الموضح آنفاً وبالتالي فإنه كان يتعين عدم قبول الدعوى شكلاً. ومحصل السبب الثاني إلى الوزارة لم تجر ترقية ما إلى وظائف معينة حتى يكون هناك مجال لإعمال قواعد الترقيات المنصوص عليها في قانون نظام موظفي الدولة كما ذهب إلى ذلك الحكم المطعون فيه، إذ أن الأمر في القرار المطعون فيه لا يعدو أن يكون قرار تسمية للوظائف التي يشغلها كل من الموظفين الفنيين بالمصلحة وبحسب العمل الفني الذي كان قائماً به عند صدور القانون رقم 493 لسنة 1955 وطبقاً للترتيب الذي وضع للوظائف المبينة في الجدول المرافق له، وقد منح المدعي لقب مساعد مدير أعمال من الدرجة الرابعة وهي الدرجة التي كان يشغلها ولم يسبق أن منح هو أو أحد من زملائه المطعون فيهم لقب مدير أعمال قبل صدور القانون المشار إليه.
ومن حيث إنه عن السبب الأول فالثابت من أوراق الدعوى أن القرار المطعون فيه صدر في 3 من إبريل سنة 1956 وأبلغ في نفس اليوم إلى مصلحة الميكانيكا والكهرباء بالقاهرة وأشر مدير المصلحة المذكورة على ذات القرار في 8 من إبريل سنة 1956 "باتخاذ اللازم ونشره على من يهمهم الأمر" وتنفيذاً لذلك قامت المصلحة بإبلاغ القرار إلى تفتيش المحطات والطلمبات العائمة التابعة لهندسة بلاد النوبة في 29 من يوليه سنة 1956 وهو التفتيش الذي كان يعمل به المدعي وقتذاك ولم يتبين من الأوراق وجود نشرة مصلحية شهرية تصدر بصفة منتظمة متضمنة القرارات الإدارية الصادرة، وحتى على فرض وجود مثل هذه النشرة أو اعتبار تأشيرة مدير المصلحة على القرار المطعون فيه بمثابة نشره، فإن ذلك كله لا يفيد في علم المدعي بالقرار المطعون فيه إلا من تاريخ إخطار الجهة التي يعمل بها الموظف بهذا القرار أو بتلك النشرة وثبوت وضعها تحت نظره وبالطريقة التي تمكنه من ذلك.
ومن حيث إن المدعي قرر بأنه علم بالقرار المطعون فيه في 23 من إبريل سنة 1956 عن طريق هندسة بلاد النوبة بكتابها المصدر برقم 3163 بتاريخ 19/ 4/ 1956 والمعلن إليه في 23/ 4/ 1956 - أي قبل يوم 23 من يوليه سنة 1956 وهو التاريخ الذي أبلغت فيه الوزارة تفتيش الهندسة بالقرار المشار إليه، وقام بتقديم تظلم إلى السيد وزير الأشغال من تخطيه في القرار المطعون بتاريخ 14 من يونيه سنة 1956 وأبلغ برفض تظلمه في 28 من يوليه سنة 1956 فأقام دعواه أمام المحكمة في 22 من سبتمبر سنة 1956، ولم يثبت علمه به لأكثر من ستين يوماً سابقة على تقديم التظلم السالف الذكر، ومن ثم فإن الدعوى على هذا الوضع تكون قد استوفت أوضاعها الشكلية دون ما حاجة إلى إضافة مواعيد مسافة كما ذهب إلى ذلك الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إنه عن السبب الثاني فإن الترقيات بين موظفي الكادر الفني العالي بمصلحة الميكانيكا والكهرباء كانت تجرى قبل صدور القانون رقم 493 لسنة 1955 وفق القواعد المقررة في قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 والمنصوص عليها في المادتين 38، 40، ومن مقتضى هذه القواعد أن تكون الترقية بحسب الأقدمية في الدرجة المالية ومن الدرجة الأدنى إلى الأعلى فيها مباشرة وأن تجرى في بعض الدرجات بالاختيار بنسبة معينة وفق القواعد المقررة لذلك ولم تربط تلك القواعد الترقية بشغل وظيفة أو وظائف معينة، إلا أنه لاعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة رأى المشرع إفراد قواعد خاصة تجرى على أساسها ترقية بعض طوائف الموظفين على خلاف القواعد المشار إليها واستثناء منها فسن القانون رقم 493 لسنة 1955 في شأن ترتيب الأقدمية ونظام الترقية بين الموظفين الفنيين بمصلحة الميكانيكا والكهرباء بوزارة الأشغال العمومية، ونص في المادة الأولى منه على أنه "استثناء من أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 في شأن الترقية وترتيب الأقدمية في الدرجات، تكون الترقيات وترتيب الأقدمية في وظائف الكادر الفني العالي بمصلحة الميكانيكا والكهرباء بوزارة الأشغال العمومية على أساس أقدمية الترقية إلى الوظائف المبينة بالجدول المرفق وفقاً للترتيب الوارد به"، ونص في المادة الثانية على ما يأتي: "مع مراعاة أحكام المادة 38 من القانون المشار إليه، تكون الترقية بالاختيار من وظيفة لأخرى تعلوها في الأهمية في حدود الدرجة المالية ذاتها". وقد تضمنت المذكرة الإيضاحية لهذا القانون "أنه لما كانت الدرجة المالية الواحدة من درجات الكادر الفني العالي بالمصلحة المذكورة تدخل في نطاقها عدة وظائف يعلو بعضها البعض الآخر تبعاً لأهميتها، فإن مصلحة العمل تقتضي شغل ما يخلو من الوظائف العليا من بين الموظفين الأكفاء في الوظائف التالية في الترتيب الذي وضع لتلك الوظائف بغض النظر عن أقدميتهم في الدرجة المالية الواحدة، ولما كانت الأحكام الخاصة بالترقية وفقاً لأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 تقضي بأن تكون الترقية بالأقدمية أو بالاختيار ومن مقتضى ذلك أن تكون الترقية في الدرجة المالية هي الأساس في ترقية الموظفين، الأمر الذي يتعارض مع ما تتطلبه الوظائف الفنية من إسنادها لمن يشغل الوظيفة التي تليها في الأهمية والمسئولية، لذلك رأى وضع قواعد خاصة بالترقية وترتيب الأقدمية بين الموظفين الفنيين بمصلحة الميكانيكا والكهرباء على أساس الترقية إلى الوظائف حسب أهميتها". ويؤخذ مما تقدم أن القانون رقم 493 لسنة 1955 قد جاء باستثناء من قواعد الترقية وترتيب الأقدمية المنصوص عليها في قانون نظام موظفي الدولة وحصر هذه الاستثناءات في أن جعل معيار الترقية هو شغل الوظيفة لا الدرجة المالية، بمعنى أن الترقية تجرى إلى الوظائف بحسب الترتيب الموضوع لها في الجدول المرفق للقانون المذكور وأن تكون الترقية من وظيفة لأخرى تعلوها في الأهمية وفي نفس الدرجة المالية كلها تتم بالاختيار، وأما الترقية لوظيفة تعلو في الأهمية وفي درجة مالية أعلى من درجة الوظيفة التالية لها في الأهمية فيتبع في شأنها قواعد الترقية العادية المنصوص عليها في قانون نظام موظفي الدولة من ناحية الترقية بالأقدمية وبالاختيار. ومن ذلك يتضح أن القانون رقم 493 لسنة 1955 وأن جعل الأقدمية في الوظيفة هي الأساس للترقية إلى الوظيفة التي تعلوها مباشرة في الأهمية وفي الحصول على الدرجة المالية المقررة لها إلا أنه أبقى على المعيار الذي قرره قانون نظام الموظفين عند الترقية بالاختيار وقد كان عند صدور ذلك القانون مجموع درجات الكفاية في العامين السابقين على حركة الترقية بالاختيار. ولما كان القانون 493 لسنة 1955 هو استثناء من الأصل العام فيجب عدم التوسع فيه بل يجب التقيد بما أورده من استثناءات على سبيل الحصر وعدم تعديه إلى قواعد الترقيات الأخرى التي تظل قائمة ونافذة.
ومن حيث إن بالاطلاع على ميزانية مصلحة الميكانيكا والكهرباء 55/ 1956 تبين أن الدرجة الرابعة الفنية العالية كانت مخصصة لوظائف مديري أعمال ووكلاء إدارات، والمدعي وإن كان بالدرجة الرابعة الفنية العالية في ظل هذه الميزانية إلا أنه لم يصدر في شأنه قرار بمنحه أياً من اللقبين المشار إليهما وظل كذلك حتى صدر القانون رقم 493 لسنة 1955 في 12 من أكتوبر سنة 1955 مرتباً آثاراً قانونية على منح الألقاب بأن جعل الترقيات وترتيب الأقدمية في الدرجات المالية أساسها أقدمية الترقية إلى الوظائف المبينة بالجدول المرافق له ووفقاً للترتيب الوارد به وهذا خلافاً لما كان متبعاً من قبل صدور القانون المذكور على النحو السالف ذكره، ويبين من جدول الوظائف المرافق لهذا القانون أن بعضها يعلو البعض الآخر حسب أهميتها وقد خصصت الدرجة الرابعة لوظيفة باشمهندس ومساعد مدير أعمال، الأولى تعلو الثانية في الأهمية، وطبقاً لترتيب الوظائف كما هو مبين في الجدول أن التي تعلو وظيفة الباشمهندس في الأهمية هي وظيفة وكيل تفتيش ثم مدير أعمال ثم باشمهندس وكلها وظائف في الدرجة الثالثة بمعنى أن الموظف لا يرقى إلى الدرجة الثالثة إلا إذا شغل وظيفة باشمهندس من الدرجة الرابعة بحسب أقدميته فيها لا أقدميته في الدرجة المالية، وعلى مقتضى ذلك أصبح لا انفصام بين الوظيفة والترقيات إلى الدرجات المالية المختلفة.
ومن حيث إن الحكومة وهي في صدد شغل الوظائف المبينة في الجدول المرافق للقانون رقم 493 لسنة 1955 وبالترتيب الموضوع لها قد أعملت سلطتها التقديرية بالنسبة لموظفي الدرجة الرابعة بأن وضعت البعض منهم في وظائف الباشمهندس والبعض الآخر في وظائف مساعدي مدير الأعمال الأقل أهمية من الأولى ولم يكن الأمر في ذلك مجرد تلقيب بل عمدت بهذا الوضع إلى إحداث الأثر القانوني المترتب على ذلك، وبهذه المثابة فإن شغل وظيفة الباشمهندس من الدرجة الرابعة بفريق دون الآخر من بين مهندسي الدرجة الرابعة هو ترقية لهذا الفريق وهي وإن كانت في الظاهر ترقية إلى وظيفة إلا أنها في حقيقتها تنطوي على ترقية مالية مآلاً، لأنه سيترتب عليها الأسبقية في الترقية إلى الدرجة المالية، وما دام الأمر موضوع ترقية فإنه يتعين على جهة الإدارة أن تلتزم القواعد المنصوص عليها في قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 والتي لم يستثنها القانون رقم 493 لسنة 1955.
ومن حيث إن القرار المطعون فيه قد جرى على اختيار بعض المهندسين لوظائف باشمهندسين تأسيساً - كما تقول الحكومة - على ما ارتأته لجنة شئون الموظفين من استعداد كل مهندس لشغل الوظيفة التي تناسبه ومفهوم ذلك أن الإدارة قامت بترقية بعض المهندسين بالاختيار من وظيفة مساعد مدير أعمال وهي أدنى وظائف الدرجة الرابعة الواردة بالجدول الملحق بالقانون رقم 493 لسنة 1955 وطبقاً لأحكام هذا القانون.
ومن حيث إن القانون رقم 493 لسنة 1955 المشار إليه قد نص على الترقية إلى الوظائف وجعلها الأساس في الترقية إلى الدرجات المالية وبذلك يكون قد وحد الحكم في الحالتين وكل ما وضعه من قيود على الترقيات أن تكون كلها بالاختيار إذا كانت من وظيفة إلى أخرى تعلوها في الأهمية وفي نفس الدرجة المالية وبالأقدمية وبالاختيار إذا كانت الترقية من وظيفة لأخرى تعلوها في الأهمية وفي درجة مالية أعلى ولم يتضمن القانون المذكور أي نص آخر ينظم الترقية بالاختيار بل ترك الأمر في ذلك لقواعد الترقية المنصوص عليها في قانون نظام موظفي الدولة.
ومن حيث إن القرار المطعون فيه قد صدر في ظل قواعد كانت توجب أن يكون الاختيار حسب مجموع درجات الكفاية في العامين السابقين على إجراء الترقية وما كانت السلطة الإدارية تملك إغفال هذا المعيار حتى الترقية إلى الدرجة الثانية وبالتالي الترقية إلى الوظائف المختلفة التي هي دون الدرجة الثانية، لأنها بوضع التقارير قد استنفدت كل سلطة لها في التقدير عند الترقية بالاختيار أي أن سلطتها في الترقية بالاختيار لغاية الدرجة الثانية إنما هي سلطة مقيدة بالتقارير وليست مطلقة كما تقول الحكومة في أسباب الطعن.
ومن حيث إنه تأسيساً على ما تقدم فإنه كان يتعين على الإدارة وقد كانت بصدد شغل وظيفتين خاليتين إحداهما تعلو الأخرى وفي درجة مالية واحدة هي الدرجة الرابعة أعمال المفاضلة بين المرشحين على الأسس المقررة للاختيار في قانون نظام موظفي الدولة، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى وظيفة الباشمهندس بالاختيار على أساس من تقريري درجة الكفاية في عامي 1955، 1956 وفق القاعدة التي كانت مقررة وقتذاك في قانون نظام موظفي الدولة، أصاب الحق في قضائه، ويكون الطعن غير مستند إلى أساس سليم من القانون حقيقاً بالرفض. ولما كان الثابت من الأوراق أن المدعي قد رقي إلى وظيفة الباشمهندس اعتباراً من 6/ 6/ 1959 فيتعين رد أقدميته في هذه الوظيفة إلى 12 من أكتوبر سنة 1955 وهو التاريخ الذي ردت إليه أقدمية من شملهم القرار المطعون فيه بمقتضى القرار الوزاري الصادر في 7 من فبراير سنة 1957 مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بتعديل الحكم المطعون فيه وبرد أقدمية المدعي في وظيفة باشمهندس في الدرجة الرابعة إلى 12 من أكتوبر سنة 1955 مع ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الحكومة المصروفات.