مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1961 إلى آخر يناير سنة 1962) - صـ 155

(19)
جلسة 23 من ديسمبر سنة 1961

برياسة السيد/ سيد إبراهيم الديواني نائب رئيس المجلس وعضوية السادة الدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل وحسن أيوب وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.

القضية رقم 977 لسنة 7 القضائية

( أ ) طعن - حكم الإلغاء - حجيته - الأشخاص الذين يجوز لهم الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا - منهم الغير الذي تعدى أثر الحكم إلى المساس بحقوقه ومصالحه ومراكزه القانونية المستقرة بطريقة مباشرة، وكان يتعين أن يكون طرفاً أصلياً في المنازعة، ولكن لم توجه إليه ولم يكن في مركز يسمح له بتوقعها أو العلم بها حتى يتدخل فيها في الوقت المناسب - تمكينه من الطعن في الحكم رفعاً لضرر تنفيذه عنه، ما دام قد استغلق عليه سبيل الطعن فيه أمام محكمة أخرى - حساب ميعاد الطعن في هذه الحالة من تاريخ علمه بالحكم - أساس ذلك - مثال بالنسبة لإجازة الطعن لصاحب صيدلية قضى بإلغاء قرار الترخيص بفتحها ولم يختصم ولم يتدخل في المنازعة أمام محكمة القضاء الإداري لعدم علمه بها.
(ب) قرار إداري - صدوره بناء على إرادة معيبة - بطلانه - أساس ذلك وأثره - مثال بالنسبة لترخيص بفتح صيدلية صادر بناء على غلط في الوقائع الجوهرية.
(جـ) صيدليات - الترخيص بإنشائها - اشتراط المادة 30 من القانون رقم 127 لسنة 1955 في شأن مزاولة مهنة الصيدلة ألا تقل المسافة بين الصيدلية المطلوب الترخيص بها وأقرب صيدلية مرخص فيها عن مائة متر - الحكمة منه.
1- إن الحكم الذي يصدر بالإلغاء يعتبر حجة على الكافة وليست حجيته نسبية تقتصر على طرفي الخصومة دون غيرهما وإنما حجيته مطلقة تتعدى إلى الغير أيضاً وذلك وفقاً لما حرصت على تأكيده جميع التشريعات المتتالية لمجلس الدولة، إلا أنه من الأصول المسلمة التي يقوم عليها حسن توزيع العدالة وكفالة تأدية الحقوق لأربابها ألا يحول دون ذلك صدور حكم حاز حجية الأمر المقضي بمقولة أن حكم الإلغاء يكتسب حجية عينية تسري على الكافة متى كان أثر هذا الحكم يتعدى أطراف الخصومة وهم ذوو الشأن الممثلون فيها الذين عناهم نص المادتين 15، 33 من القانون رقم 55 لسنة 1959 الخاص بمجلس الدولة بما تضمنه من تحديد ميعاد الطعن بالنسبة إليهم بستين يوماً من تاريخ صدور الحكم بحيث يمس بطريقة مباشرة حقوقاً ومصالح ومراكز قانونية مستقرة للغير الذي كان يتعين أن يكون أحد الطرفين الأصليين في المنازعة ومع ذلك لم توجه إليه ولم يكن مركزه يسمح له بتوقعها أو العلم بها حتى يتدخل فيها في الوقت المناسب - إذ لا مناص من رفع ضرر التنفيذ عن هذا الغير، الذي لم يكن طرفاً في المنازعة، وذلك بتمكينه من التداعي بالطعن في هذا الحكم من تاريخ علمه به حتى يجد له قاضياً يسمع دفاعه وينصفه إن كان ذا حق في ظلامته ما دام قد استغلق عليه سبيل الطعن في هذا الحكم أمام محكمة أخرى، وذلك كي لا يغلق عليه نهائياً وهو الحسن النية الأجنبي عن المنازعة التي صدر فيها الحكم سبيل الالتجاء إلى القضاء والقول بغير هذا فيه حرمان لصاحب المصلحة الحقيقية من حق اللجوء في القضاء تظلماً من حكم في منازعة لم يكن طرفاً فيها، ولم يعلم بها ومست آثار هذا الحكم حقوقاً له.
وبناء على ما تقدم يكون للطاعن مصلحة حقيقية في المنازعة باعتباره صاحب الصيدلية التي قضى بإلغاء القرار الصادر بالترخيص بفتحها، وهو لم يختصم ولم يتدخل أمام القضاء الإداري لعدم عمله بها وقتئذ ويتعدى أثر هذا الحكم إليه، فمن ثم، وتأسيساً على ما تقدم، يجوز له الطعن في الحكم المشار إليه خلال ستين يوماً من تاريخ عمله به.
2- إذا أبانت التحقيقات التي قام بها تفتيش صحة المديرية والنيابة الإدارية والنيابة العامة وما انتهت إليه هذه التحقيقات من محاكمة تأديبية أدانت الموظفين المتهمين، قد أبان ذلك كله بجلاء المدى الذي سلكه ذوو الشأن ممن يعنيهم أمر الحصول على الترخيص بصيدلية الأمانة وأوضح الأساليب والوسائل التي اتبعت للحصول على الترخيص وأسفر عن الظروف والملابسات التي في ظلها أصدرت الإدارة الترخيص مما يبين منه أن الإدارة أصدرت قرارها بناء على بيانات مزورة كما يكشف عن مقدار ما ينضح به سخطها لإصدار الترخيص تحت هذه الظروف والملابسات رغم عدم توافر شرط المسافة بين الصيدليتين ورغم عدم استيفاء الاشتراطات الصحية في صيدلية الطاعن وذلك بمساندة نفر من موظفيها خرجوا على مقتضى الواجب في أعمال وظائفهم وكان لهم شأن في انتزاع القرار بالترخيص دون سند من واقع أو قانون مما يدل على أن الإدارة عندما قدرت فأصدرت قرارها بالترخيص كانت إرادتها مشوبة لأنها لم تكن على بينة من الأمر لما وقعت فيه من غلط في الوقائع الجوهرية، كان الطاعن على علم بها والتي لها اعتبار بمقتضى القانون، فلم تصدر الإدارة القرار بالترخيص عن رضاء صحيح مما يعيب القرار ويبطله، إذ لا شبهة في أن الخطأ الذي وقعت فيه الإدارة خطأ قانوني شاب إرادتها ذلك بحسبان أن القرار الإداري بوصفه عملاً قانونياً من جانب واحد يجب أن يصدر عن رضاء صحيح فيبطله ما يبطل الرضا من عيوب ومنها الغلط أن توافرت عناصره وشروطه القانونية.
فإذا بان من الأوراق أن القرار الصادر بالترخيص بصيدلية الأمانة قد وقع باطلاً فيكون والحالة هذه معدوم الأثر بحيث لا يجوز أن ينشئ حقاً وأن الإدارة إذ تقرر صواب الحكم المطعون فيه، فهي إنما تعلن عن انعدام أثر قرارها الصادر بالترخيص.
3 - إن المادة 30 من القانون رقم 127 لسنة 1955 في شأن مزاولة مهنة الصيدلة قد تضمنت شروط الترخيص لإنشاء الصيدليات ومن بين هذه الشروط ألا تقل المسافة بين الصيدلية المطلوب الترخيص بها وأقرب صيدلية مرخص بها عن مائة متر، والإدارة بتحقيق هذا الشرط إنما تستهدف ما يحقق المصلحة العامة ويساير الأغراض التي قصد قانون مزاولة مهنة الصيدلة تحقيقها، مستوحية في ذلك روح العدالة وصالح الجمهور مستهلك الدواء للتخفيف عن كاهله بقدر المستطاع، ومحافظة على صالح المزاولين لمهنة الصيدلة، حتى يتوفر للجمهور الدواء بأيسر الوسائل وأضمنها وبأرخص الأسعار وذلك كله في جو بعيد عن المنافسة غير المشروعة عن محيط التعامل في هذه المهنة ذات الطابع المتميز لارتباطها الوثيق بصحة الجمهور وحياة المرضى بنوع خاص، مراعية في ذلك اعتبار الصيدليات العامة أهم المؤسسات الصيدلية وأن لها مركز الصدارة بحسبان أنها المصدر الوحيد الذي يستوفى منه جمهور المرضى حاجته إلى الدواء وأن القانون أفسح مجال إنشاء الصيدليات وزيادة عددها وقيد ذلك بشروط، فبعد أن كان القانون رقم 5 لسنة 1941 يخصص لكل اثني عشر ألفاً من السكان صيدلية، جعل القانون القائم، رقم 127 لسنة 1955 في شأن مزاولة مهنة الصيدلة، حق فتح الصيدليات مباحاً مع مراعاة ألا تقل المسافة بين صيدلية وأخرى عن مائة متر.


إجراءات الطعن

في يوم الخميس 16 من مارس سنة 1961 أودع وديع صليب يوسف سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 22 من نوفمبر سنة 1960 في القضية رقم 417 لسنة 12 القضائية المرفوعة من حسن عبد المجيد المصري ضد وزارة الصحة والقاضي "بإلغاء القرار الصادر في 21 من نوفمبر سنة 1957 بالترخيص للصيدلي وديع صليب بفتح وإدارة صيدلية بميت غمر وألزمت الحكومة بالمصروفات وبمبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة" وطلب وديع صليب يوسف للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن، القضاء بإلغاء الحكم الصادر في الدعوى رقم 417 لسنة 12 القضائية فيما تضمنه من إلغاء الترخيص للطاعن بفتح وإدارة صيدلية بميت غمر مع إلزام المطعون ضده الأول بمصروفات الدعوى ومقابل أتعاب المحاماة. وقد أعلن الطعن لحسن عبد المجيد المصري في 30 من مارس سنة 1961 ولوزارة الصحة في 28 من مارس سنة 1961 وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص لطعون جلسة 7 من مايو سنة 1961 وأبلغت الحكومة والطاعن وحسن عبد المجيد المصري في 27، 29 من إبريل سنة 1961 بميعاد هذه الجلسة ثم قررت المحكمة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا وحددت لذلك جلسة 3 من يونيه سنة 1961 وفيها وفي الجلسات التالية سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه الموضح بمحضر الجلسة ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً في الدعوى حددت فيه وقائعها والمسائل القانونية التي أثارها النزاع وأبدت رأيها مسبباً انتهت فيه إلى أنها ترى عدم قبول الطعن شكلاً وإلزام الطاعن بالمصروفات.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن حسن عبد المجيد المصري أقام دعواه ضد وزارة الصحة بصحيفة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 20 من يناير سنة 1958 طالباً إلغاء القرار الصادر بالترخيص للدكتور وديع صليب بفتح وإدارة صيدلية بميت غمر بنفس الشارع الذي تقع فيه صيدلية الطالب وعلى بعد أقل من مائة متر وألزم الوزارة المدعى عليها المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. وقال شرحاً لدعواه أنه صاحب ومدير صيدلية المصري بشارع سعد زغلول بميت غمر وذلك بمقتضى ترخيص رسمي من وزارة الصحة من عدة سنوات ثم أصدرت الوزارة يوم 21 نوفمبر سنة 1957 ترخيصاً للدكتور وديع صليب بفتح وإدارة صيدلية في نفس الشارع وعلى بعد 60 متراً من صيدلية الطالب دون اتباع الإجراءات والاشتراطات القانونية السليمة التي نص عليها قانون الصيدليات رقم 127 لسنة 1955 والقوانين المعدلة له.
ويذكر الطالب أنه لجأ إلى الجهات المختصة لإلغاء هذا الترخيص المعيب وأجريت تحقيقات في الموضوع وقيست المسافة وظهر صدقه في شكواه إلا أن القرار الصادر بهذا الترخيص لا زال قائماً مما اضطره إلى الالتجاء إلى محكمة القضاء الإداري طالباً إلغاءه. وقالت الوزارة رداً على الدعوى بأن الصيدلي وديع صليب يوسف طلب في 24 أغسطس سنة 1957 الحصول على رخصة بفتح صيدلية باسم صيدلية الأمانة بميت غمر وبعد استيفاء الطلب أرسلت الرسومات الهندسية لتفتيش صحة مديرية الدقهلية لإجراء معاينة الصيدلية وقد وردت نتيجة المعاينة من تفتيش صحة المديرية بالموافقة على الموقع والاشتراطات الصحية وأن المسافة بين الصيدلية موضوع المعاينة وبين أقرب صيدلية مرخص بها هي أكثر من مائة متر وقد اعتمدت هذه المعاينة من تفتيش صحة المديرية في 24 من سبتمبر سنة 1957 ومن ثم صدرت الرخصة لهذه الصيدلية في 21 من نوفمبر سنة 1957 وسلمت لصاحبها عن طريق مكتب الصحة. وقد وردت شكوى من صاحب صيدلية المصري بميت غمر ضد صيدلية الأمانة المذكورة تتضمن عدم توافر الاشتراطات الصحية وعدم توافر شرط المسافة وبتحقيق هذه الشكوى اتضح أن المسافة 20 س 66 متراً أي أقل من مائة متر وهي المسافة المطلوبة بقانون الصيدلية كما أن طريقة التصريف غير متوفرة بخلاف ما ورد في محضر المعاينة الأولى. وتستطرد الوزارة قائلة، أن النيابة الإدارية قامت بتحقيق هذا الموضوع ورأت:
أ - إحالة الأوراق للنيابة العامة للاختصاص بالنسبة لجريمتي التزوير والرشوة.
ب - إحالة السادة الذين ثبتت إدانتهم إلى مجلس تأديب.
جـ - حفظ التحقيق فيما عدا ذلك بالنسبة لمن لم يقم دليل على مسئوليتهم.
وبجلسة 22 من نوفمبر سنة 1960 حكمت محكمة القضاء الإداري بإلغاء القرار الصادر في 21 من نوفمبر سنة 1957 بالترخيص للصيدلي وديع صليب بفتح وإدارة صيدلية بميت غمر وألزمت الحكومة بالمصروفات وبمبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة، وأقامت المحكمة قضاءها على أنه استبان من الأوراق وخاصة ملف القضية التأديبية 53 لسنة 1 القضائية أن وديع صليب يوسف تقدم إلى قسم الرخص الصيدلية طالباً الترخيص له في فتح صيدلية بميت غمر باسم صيدلية الأمانة التي كان قد ألغى ترخيصها لعدم إدارتها مدة تجاوز العام بعد وفاة مالكها تادرس متري مطر وقد بحث هذا الطلب وتمت المعاينة وثبت من أقوال المختصين أن الصيدلية صالحة للترخيص وأن المسافة بينها وبين أقرب صيدلية تزيد على المائة متر وبذلك ووفق في 21 من نوفمبر سنة 1957 على الترخيص لوديع صليب يوسف في فتح صيدلية الأمانة سالفة الذكر، وأثر شكوى الدكتور حسن المصري مالك صيدلية المصري حققت الواقعة وتقرر إحالة المتهمين إلى المحاكمة التأديبية، وقد ثبتت إدانة هؤلاء المتهمين وحكم عليهم بالعقوبات الواردة في الحكم جزاء على ما اقترفوه من مخالفات، إذ ثبت أن المسافة بين صيدلية الأمانة وأقرب صيدلية لها وهي صيدلية المصري هي 66.20 متراً حسب خط السير، وأن طريقة الصرف غير مطابقة للمواصفات حيث إنها مشتركة مع محل الجزارة المجاور، كما أن المعاينة التي أجراها مهندس التنظيم بناء على تكليف النيابة العامة قد أثبتت أن المسافة بين الصيدليتين سالفتي الذكر هي 62 متراً فحسب، ويقول الحكم أنه لما كانت المادة 30 من القانون رقم 127 لسنة 1955 تنص على أنه يجب أن يراعى ألا تقل المسافة بين الصيدلية المطلوب الترخيص بها وأقرب صيدلية مرخص بها عن مائة متر، وأنه متى كان الثابت مما سبق بيانه أن الصيدلية المرخص بها وهي صيدلية الأمانة على مسافة تقل عن مائة متر فإن القرار الصادر بالترخيص بإدارة هذه الصيدلية يكون مخالفاً للقانون ويتعين إجابة المدعي إلى طلب إلغائه.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن وزارة الصحة رخصت في عام 1937 للدكتور عبد الرحمن حمودة بميت غمر بإنشاء وإدارة صيدلية الأمانة وذلك وفقاً للأوضاع التي كان معمولاً بها في ظل أحكام قانون الصيدلية الصادر في عام 1929 ثم انتقلت ملكية الصيدلية بطريق البيع إلى الصيدلي تادرس متري مطر وذلك في عام 1948 وظلت للأخير ملكية الصيدلية حتى توفى إلى رحمة الله في عام 1956 في ظلال القانون رقم 127 لسنة 1955 الخاص بمهنة الصيدلة، وهو يجيز لورثة الصيدلي المتوفى الاستمرار في تملك وإدارة الصيدلية لمدة عشر سنوات لاحقة على وفاة مورثهم، غير أن قوة قاهرة حالت دون الورثة والانتفاع بهذا الحكم الذي روعي فيه اعتبارات إنسانية خاصة بالورثة فلا يفاجأون بعد وفاة مورثهم بانقطاع مورد رزقهم دون مقدمات - إذ وضعت مصلحة الضرائب أختامها على الصيدلية محافظة على مالها من استحقاقات الضرائب المتأخرة واستمر الإغلاق مدة جاوزت سنة فكانت النتيجة أن مصلحة الصيدلية إعمالاً لنص المادة 14 من القانون المشار إليه ألغت ترخيص الصيدلية بدعوى أنه مضت مدة جاوزت سنة لم تدر خلالها الصيدلية والقانون يقضي بإلغاء الترخيص إذا أوقفت إدارة المؤسسة لمدة عام ولم تدخل مصلحة الصيدلية في الاعتبار أن وضع الأختام بمعرفة مصلحة الضرائب يعتبر بالنسبة للورثة من قبيل القوة القاهرة التي تقطع سريان المدة - ثم أعلنت مصلحة الضرائب عن بيع الصيدلية بالمزاد فتقدم الطاعن الصيدلي وديع صليب لشرائها دون أن يعلم بأمر إلغاء ترخيصها ولما شرع في إدارتها فوجئ باعتراض مصلحة الصيدلة وتكليفه بالحصول على رخصة جديدة لذات الصيدلية وفي ذات مكانها. تقدم الطاعن بطلبه حسبما كلفته بذلك مصلحة الصيدلة وسدد الرسم المقرر، وفي 21 من نوفمبر سنة 1957 صرفت إليه الرخصة وبدأ في مزاولة العمل حيث استأنفت الصيدلية نشاطها في خدمة جمهور المرضى، وفي 22 من يناير سنة 1961 فوجئ الطاعن بإخطار من مكتب صحة ميت غمر يفيد أن وزارة الصحة بصدد إلغاء الترخيص، إذ صدر حكم محكمة القضاء الإداري في دعوى أقامها صاحب الصيدلية المجاورة لصيدلية الأمانة وهو الصيدلي حسن عبد المجيد المصري صاحب صيدلية المصري ضد وزارة الصحة يطلب فيها إلغاء الترخيص الأخير الذي منحته الوزارة في 21 من نوفمبر سنة 1957 للطاعن بمقولة أن شرط المسافة غير متوافر وأن صرف الترخيص وقع باطلاً لهذا السبب. فلما قصد الطاعن محكمة القضاء الإداري يستطلع الأمر عن هذا النبأ علم في 23 من يناير سنة 1961 بأن الصيدلي حسن عبد المجيد المصري حصل على حكم من الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإداري بجلستها في 22 من نوفمبر سنة 1960 في الدعوى رقم 417 لسنة 12 القضائية ضد وزارة الصحة بإلغاء القرار الصادر في 21 من نوفمبر سنة 1957 بالترخيص للصيدلي وديع صليب بفتح وإدارة صيدلية بميت غمر وألزمت الحكومة بالمصروفات ومبلغ خمسمائة قرش أتعاب محاماة فتوفر له العلم بيقين من هذا التاريخ أي من 23 من يناير سنة 1961 بصدور حكم بإلغاء الترخيص الممنوح إليه وأنه صدر في دعوى لم يكن هو من أطرافها إذ لم يدخله أحد خصميها كما لم تدخله المحكمة - والحكم يعتبر حجة عليه وهو الذي يتحمل الآثار المباشرة لتنفيذه حيث اتجهت الوزارة فور صدور الحكم إلى إلغاء الترخيص - ثم بالتالي إغلاق الصيدلية التي رخصت هي بها لأول مرة عام 1932 ثم لثاني مرة عام 1937 على نحو ما سلف، فضلاً عن قرار أصدرته لصالح الطاعن في 3 من يوليه سنة 1958 حيث ختمت له سجلات قيد التذاكر الطبية وصرحت له بمزاولة المهنة من صرف أدوية جاهزة ومركبة على السواء. فلجأ الطالب فوراً إلى إقامة دعوى أمام نفس الدائرة يعترض فيها على الحكم للأسباب التي بينها في عريضة الدعوى رقم 360 لسنة 15 القضائية وطلب فيها وقف تنفيذ الحكم بصفة مؤقتة إلى أن يعاد طرح الخصومة من جديد عملاً بالأحكام الواردة في المواد 450 - 456 من قانون المرافعات والواردة في الباب الثالث عشر تحت عنوان "في اعتراض الخارج عن الخصومة على الحكم الصادر فيها وفي الموضوع بإلغائه مع إلزام وزارة الصحة والدكتور حسن عبد المجيد المصري بالمصروفات غير أن المحكمة قضت برفض الطلب بجلستها في 7 من مارس سنة
1961 قائلة في حكمها أن أحكام القضاء الإداري الصادرة في طلبات الإلغاء حجة على الكافة - كما نظمت تشريعات مجلس الدولة طرق الطعن في الأحكام الصادرة من هذه المحكمة ولم تتركها لقانون المرافعات وأضافت المحكمة أنه تأسيساً على ذلك فإنه لا يجوز في مجال القضاء الإداري قبول طريق اعتراض الخارج عن الخصومة لأنه طريق قائم على افتراض الحجية النسبية - وخلصت المحكمة من ذلك إلى القضاء برفض الطلب المستعجل - ومن مفاد ذلك أنها ترى سلوك طريق الطعن أمام المحكمة العليا حتى ولو كان الطاعن من غير طرفي الخصومة باعتباره صاحب شأن ممن قصدتهم المادة 15 من القانون رقم 55 لسنة 1959 الذين يحق لهم الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا خلال ستين يوماً من تاريخ الحكم، ومجال الطعن خلال هذه المدة يتطلب العلم بالحكم والطاعن لم يصل إلى علمه أمر هذا الحكم إلا عن طريق الإخطار الذي أبلغه به مفتش صحة ميت غمر في 22 من يناير سنة 1961 ومن هذا التاريخ يبدأ حساب مدة الطعن التي يتطلبها القانون وذلك بالنسبة للطاعن الذي لم يكن طرفاً في الخصومة وهو من ذوي الشأن ويحق له اتباع طريق الطعن المعتاد وهو ما لم تنكره عليه محكمة القضاء الإداري في حكمها الذي رفضت فيه دعواه بالاعتراض من الخارج على الخصومة مع علمها بأن الطاعن لم يعلم بالحكم إلا بعد فوات ميعاد الطعن بالنسبة لأطراف الخصومة في تلك الدعوى وهو ستون يوماً من تاريخ الحكم الصادر فيها، ومن ثم فإن هذا الطعن يكون مقدماً في الميعاد وتكون الدعوى مقبولة شكلاً.
أما عن الموضوع فإن محصل الوقائع أن الطاعن تقدم بعد شراء صيدلية الأمانة من مصلحة الضرائب بطلب لوزارة الصحة يلتمس فيه تجديد الترخيص للصيدلية التي قالت المصلحة أن رخصتها ألغيت بسبب إبطال إدارتها لمدة تجاوز سنة طبقاً للمادة 14 من قانون الصيدلة دون أن تدخل في حسابها توافر أركان القوة القاهرة في هذا المجال وبعبارة أخرى تقدم يلتمس صرف ترخيص جديد بصيدلية الأمانة وفي ذات مكانها - فقام مكتب الصحة بملء خانات التقرير التي من بينها خانة توضح المسافة بينها وبين أقرب صيدلية مرخص بها وهي صيدلية المصري المملوكة للمطعون ضده الأول وبالنظر إلى سابقة قيام الصيدليتين في مكانهما الحالي لسنوات عدة سابقة على تقديم الطاعن لطلبه الأخير، فقد تحرر في خانة المسافة ما يفيد أنها قانونية فضلاً عن توافر باقي الشروط الأخرى مما استتبع صرف الترخيص للطاعن بالقرار الصادر في 21 من نوفمبر سنة 1957 غير أن المطعون ضده الأول شكا للجهات المسئولة من وقوع خطأ في قياس المسافة إذ أنها أقل من مائة متر - وأن صيدليته حين صرف لها الترخيص أثناء قيام صيدلية الأمانة كان القانون رقم 5 لسنة 1941 لا يتطلب سوى خمسين متراً بين الصيدلية والأخرى وأن الترخيص الجديد جرى صرفه في ظل القانون رقم 127 لسنة 1955 الذي ينص على مراعاة أن تكون المسافة مائة متر بدلاً من خمسين متراً. فلما أجري تحقيق في الشكوى ثبت أن المسافة فعلاً تقل عن المائة متر وأنها 66 متراً وأن الموظفين المختصين ارتكبوا بعض الأخطاء ورأت الوزارة إحالتهم للمحاكمة التأديبية فانتهز المطعون ضده الأول هذه الفرصة ولجأ للقضاء الإداري يطلب الحكم بإلغاء الترخيص الذي منحته الوزارة للطاعن وأقام الدعوى رقم 417 لسنة 12 القضائية حيث قضت المحكمة فيها بجلسة 22 من نوفمبر سنة 1960 بإلغاء القرار الصادر في 21 من نوفمبر سنة 1957 بالترخيص للصيدلي وديع صليب يوسف بفتح وإدارة صيدلية بميت غمر.
أسباب الطعن:
استعرضت المحكمة في حكمها المشار إليه وقائع الموضوع فأشارت إلى ظروف صرف الترخيص. وأنه أجريت محاكمات تأديبية للموظفين المسئولين عن صرفه حكم فيها بالعقوبات التي وردت في القضية التأديبية رقم 53 لسنة 1 القضائية، ثم أضاف الحكم قائلاً ومن حيث إن المادة 30 من القانون رقم 127 لسنة 1955 تنص على أنه يجب أن يراعى ألا تقل المسافة بين الصيدلية المطلوب الترخيص بها وأقرب صيدلية مرخص بها - وهي صيدلية الأمانة - عن مائة متر، فإن القرار الصادر بالترخيص بإدارة هذه الصيدلية يكون مخالفاً للقانون ويتعين إجابة المدعي إلى طلب الإلغاء، وهذا السبب من أسباب القضاء ببطلان الترخيص وقع مخالفاً للقانون في نصه وروحه فنص المادة 30 من قانون الصيدلة يختلف تماماً عما ذكرته المحكمة فالنص لا يتضمن عبارة يجب أن يراعى فهي عبارة أدخلها الحكم على النص القانوني دون أن يكون لها في حكم الواقع وجود، فالنص الحقيقي للمادة 30 فقرة ثانية هو "يراعى ألا تقل المسافة بين الصيدلية المطلوب الترخيص بها وأقرب صيدلية مرخص بها عن مائة متر" فصيغة الوجوب لم ترد في نص القانون كما جاء في الحكم فيكون الحكم قد خالف القانون حين استند في القول ببطلان قرار الترخيص إلى مخالفة حكم المادة 30 إذ ثمة فارق كبير بين عبارة يجب أن يراعى وبين لفظ يراعى فقط. ويذكر الطعن أن الحكم المطعون فيه جاء مخالفاً لما استقر عليه رأي القسم الاستشاري بهيئته مجتمعة في خصوص حالة مماثلة، فقد قال الحكم ببطلان الترخيص وإلغائه لأن الوزارة لم تراع شرط المسافة التي أوجب القانون أن تراعى بين الصيدلية والأخرى وقالت الوزارة أن القانون لم يرد فيه النص بمعنى الوجوب - وإنما للتوجيه والإرشاد واستندت إلى النص الصحيح كما ورد في القانون وخلصت من ذلك إلى القول بأن عدم مراعاة هذا الشرط لا يترتب عليه بطلان الترخيص، وهذا النظر الذي ذهب إليه الحكم فيه خطأ جوهري يصمه بالعيب والبطلان فالمشرع لم يستهدف لوضع هذا النص سوى رعاية مصلحة خاصة للصيادلة بإفساح المسافة بين الصيدلية والأخرى حتى لا يكثر عدد الصيدليات فتزداد المنافسة بينهم - ولكن في حالتنا المعروضة كانت الصيدلية التي قضى الحكم بإلغائها قائمة من عام 1932 وحصل المطعون ضده الأول على ترخيص بصيدلية المصري على مسافة 66 متراً منها وظلت الصيدليتان في خدمة جمهور المرضى تقومان بها متجاورتين سنوات عدة حتى وضعت مصلحة الضرائب أختامها على صيدلية الأمانة مدة جاوزت سنة. فقالت مصلحة الصيدلة بأن الترخيص أصبح لاغياً ولا بد من رخصة جديدة فأي ضرر يلحق بصيدلية المطعون ضده الأول من إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل إجراءات مصلحة الضرائب. قطعاً لا ضرر هناك لا على المصلحة العامة ولا على المصلحة الخاصة لأن الوضع مستقر هكذا من سنوات والأصل أن المنافسة بدأت من جانب المطعون ضده الأول حين اقترب من صيدلية الطاعن وعلى مسافة 66 متراً وأنشأ صيدلية المصري عام 1955 قبل العمل بقانون الصيدلة الحالي ببضعة أيام وتمكن من الاستفادة بالقانون رقم 5 لسنة 1941 الذي كان يكتفي بمسافة 50 متراً بدلاً من مائة متر فضلاً عن وجود ثماني صيدليات أخرى بذات المدينة وكلها تقع في منطقة متقاربة هذا عن شرط المسافة أما عن العيب الآخر في إجراءات الترخيص وهو اشتراك الصيدلية مع محل الجزارة في ماسورة تهوية واحدة بخزان الصرف فهذه الملاحظة التي ساقها أحد مفتشي الوزارة وأخذتها سنداً للقول بأن صحة ميت غمر أهملت في أداء المعاينة على الوجه السليم هذه الملاحظة تخالف الأصول العملية في مجال علم الصحة العامة وتخالف ما استقر عليه العمل في جميع دول العالم من قبول مثل هذا الاشتراك بين محليين متجاورين لأن ماسورة التهوية عبارة عن ماسورة من الزهر تثبت على مواسير الصرف للتهوية فإذا اشتركت الصيدلية مع محل لها في ماسورة تهوية واحدة تخدم طريقتي الصرف لكل من المحلين فإن هذا لا يصم الاشتراطات الصحية بالنقص أو العيب، والحكم أخطأ حين قال فيه هذا الخصوص "وحيث إن طريقة الصرف غير مطابقة للمواصفات حيث إنها مشتركة مع محل الجزارة المجاور لها" وهو قول لا يمثل الحقيقة إذ الثابت في الأوراق أن للصيدلية طريقة صرف مستقلة عن محل الجزارة - والاشتراك هو وجود ماسورة تهوية مشتركة لمواد صرف متخلفات الصيدلية ومحل الجزارة بسبب وجود شرفة بأعلا مبنى الصيدلية تمنع إعداد ماسورة تهوية مستقلة صاعدة إلى السطوح بالنسبة للصيدلية فاتخذت الإجراءات لجعل ماسورة التهوية للمحلين المتجاورين واحدة وهو إجراء قائم منذ عام 1932 وسليم من الناحية الفنية أجازته الكتب العلمية وفيها يجيز علم الصحة العامة اشتراك أكثر من محل في طريقة صرف واحدة وبماسورة تهوية مشتركة ولا يعيب طريقة الصرف ولا يعد نقصاً في الاشتراطات فما بالنا والحكم قد أورد على خلاف الحقيقة أن طريقة الصرف مشتركة بين الصيدلية ومحل الجزارة مع أن الاشتراك لا يعدو ماسورة التهوية دون مواسير الصرف كما جاء بالحكم. ولما كان الحكم قد خرج على القانون في أكثر من موضع فاستند في القول بمخالفة الترخيص للقانون إلى نص لم يرد ضمن أحكام القانون وانتهى بذلك إلى القضاء بإلغاء الترخيص استناداً إلى مخالفة الترخيص لما استوجبه القانون دون أن تدخل المحكمة في تقديرها أن النص بصورته الواردة في القانون هو لمجرد التوجيه والإرشاد فيكون الحكم قد صدر مخالفاً للقانون في نصه وروحه مما يتعين معه القضاء بإلغائه والحكم برفض دعوى المطعون ضده الأول التي أقامها يطلب فيها إلغاء قرار الترخيص للطاعن بفتح وإدارة صيدلية عامة بميت غمر. وجاء بعريضة الدعوى رقم 360 لسنة 15 القضائية المرفوعة من الطاعن أمام محكمة القضاء الإداري ضد حسن عبد المجيد المصري ووزارة الصحة، إن الوزارة أهملت حق الطالب والدفاع عنه كما لم تطلب إدخاله خصماً ثالثاً في الدعوى وأخفت عنه موضوعها ثم حين تلقت إخطاراً من إدارة القضايا بمضمون الحكم والسؤال عما إذا كان لديها أسباب للطعن فيه أجابت المصلحة أنه ليس لديها أسباب للطعن وقبل إعلانها رسمياً بصورته التنفيذية عجلت بالاتصال بالسلطات المختصة بمحافظة الدقهلية تطلب رسمياً إلغاء الترخيص واتخاذ اللازم ضد الطالب (كتاب الإدارة العامة للصيدلة للمنطقة الطبية بالدقهلية في 14 من يناير سنة 1961 بطلب سرعة اتخاذ اللازم نحو إلغاء ترخيص صيدلية الصيدلي وديع صليب) أي أن الوزارة إمعاناً منها للكيد للطالب مما قد يرقى إلى مرتبة المساندة للمدعي في دعواه ضدها - راحت تنفذ الحكم قبل أن يصبح صالحاً للتنفيذ لفوات مواعيد الطعن فيه - وأمرت هي تطوعاً بتنفيذه في مواجهة الطالب قبل انتهاء الفترة المحددة لجواز الطعن فيه أمام المحكمة العليا. وأقامت محكمة القضاء الإداري (هيئة منازعات الأفراد والهيئات) حكمها في الدعوى رقم 360 لسنة 15 قضائية المشار إليها، والصادر بجلسة 7 من مارس سنة 1961 التي قضت فيها برفض طلب وقف التنفيذ، على أن التشريعات المتتالية الخاصة بمجلس الدولة قد حرصت على تأكيد قاعدة أصولية مفادها أن أحكام محكمة القضاء الإداري الصادرة في طلبات الإلغاء حجة على الكافة كما نظمت هذه التشريعات طرق الطعن في الأحكام الصادرة من هذه المحكمة ولم تتركها لقانون المرافعات، وتأسيساً على ذلك فإنه لا يجوز في مجال القضاء الإداري قبول طريق اعتراض الخارج عن الخصومة لأنه طريق قائم على افتراض الحجية النسبية للأحكام.
طعن الخارج عن الخصومة في الحكم الصادر فيها:
من حيث إنه يبين من الأوراق أن الطاعن لم يحط علماً بالدعوى أو بإجراءات التداعي أو بالحكم الصادر فيها، المطعون فيه، إلا في 22 من يناير سنة 1961 عندما أخطره مكتب صحة ميت غمر بمضمون هذا الحكم لتنفيذ مقتضاه فأقام الدعوى رقم 360 لسنة 15 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري (أولاً) بطلب وقف تنفيذ الحكم بصفة مؤقتة إلى أن يعاد طرح الخصومة من جديد عملاً بالأحكام الواردة في المواد 450 - 456 من قانون المرافعات المدنية والتجارية والخاصة باعتراض الخارج عن الخصومة على الحكم الصادر فيها، (ثانياً) وفي الموضوع بإلغاء هذا الحكم، فقضت المحكمة برفض طلب وقف التنفيذ في تلك الدعوى بجلستها المنعقدة في 7 من مارس سنة 1961، وأقامت قضاءها على أن أحكام القضاء الإداري الصادرة في طلبات الإلغاء حجة على الكافة فلا يجوز في مجال القضاء الإداري قبول طريق اعتراض الخارج عن الخصومة لأنه طريق قائم على افتراض الحجية النسبية، فلم يجد الطاعن مناصاً من الطعن في الحكم بتقرير أودعه قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا في 16 مارس سنة 1961.
ومن حيث إن الحكم الذي يصدر بالإلغاء يعتبر حجة على الكافة وليست حجيته نسبية تقتصر على طرفي الخصومة دون غيرهما، وإنما حجيته مطلقة تتعدى إلى الغير أيضاً وذلك وفقاً لما حرصت على تأكيده جميع التشريعات المتتالية لمجلس الدولة، إلا أنه من الأصول المسلمة التي يقوم عليها حسن توزيع العدالة وكفالة تأدية الحقوق لأربابها ألا يحول دون ذلك صدور حكم حاز حجية الأمر المقضي بمقولة أن حكم الإلغاء يكتسب حجية عينية تسري على الكافة متى كان أثر هذا الحكم يتعدى أطراف الخصومة وهم ذوو الشأن الممثلون فيها الذين عناهم نص المادتين 15، 33 من القانون رقم 55 لسنة 1959 الخاص بمجلس الدولة بما تضمنه من تحديد ميعاد الطعن بالنسبة إليهم بستين يوماً من تاريخ صدور الحكم بحيث يمس بطريقة مباشرة حقوقاً ومصالح ومراكز قانونية مستقرة للغير الذي كان يتعين أن يكون أحد الطرفين الأصليين في المنازعة ومع ذلك لم توجه إليه ولم يكن مركزه يسمح له بتوقعها أو العلم بها حتى يتدخل فيها في الوقت المناسب - إذ لا مناص من رفع ضرر التنفيذ عن هذا الغير، الذي لم يكن طرفاً في المنازعة، وذلك بتمكينه من التداعي بالطعن في هذا الحكم من تاريخ علمه به حتى يجد له قاضياً يسمع دفاعه وينصفه إن كان ذا حق في ظلامته ما دام قد استغلق عليه سبيل الطعن في هذا الحكم أمام محكمة أخرى، وذلك كي لا يغلق عليه نهائياً - وهو حسن النية الأجنبي عن المنازعة التي صدر فيها الحكم - سبيل الالتجاء إلى القضاء والقول بغير هذا فيه حرمان لصاحب المصلحة الحقيقية من حق اللجوء في القضاء تظلماً من حكم في منازعة لم يكن طرفاً فيها، ولم يعلم بها وتمس آثار هذا الحكم حقوقاً له.
ومن حيث إن الطاعن له مصلحة حقيقية في المنازعة باعتباره صاحب الصيدلية التي قضى بإلغاء القرار الصادر بالترخيص بفتحها. وهو لم يختصم ولم يتدخل أمام القضاء الإداري لعدم علمه بها وقتئذ ويتعدى أثر هذا الحكم إليه، فمن ثم، وتأسيساً على ما تقدم، يجوز له الطعن في الحكم المشار إليه خلال ستين يوماً من تاريخ علمه به.
ومن حيث إنه لم يثبت علم الطاعن بالحكم المطعون فيه إلا من الوقت الذي أخطره فيه مكتب صحة ميت غمر في 22 من يناير سنة 1961 بمضمون هذا الحكم لتنفيذ مقتضاه.
ومن حيث إن تقرير هذا الطعن قد أودع قلم كتاب هذه المحكمة في 16 من مارس سنة 1961 لذلك يكون الطعن، والحالة هذه، قد قدم خلال الستين يوماً محسوبة من تاريخ علم الطاعن بالحكم المطعون فيه، وقد استوفى أوضاعه الشكلية.
عن الموضوع:
ومن حيث إنه يبين من مطالعة الأوراق أنه بتاريخ 24 من أغسطس سنة 1957 تقدم الطاعن إلى قسم الرخص الصيدلية طالباً الترخيص له في فتح صيدلية بميت غمر باسم صيدلية الأمانة وبعد استيفاء الأوراق أرسلت الرسومات الهندسية لتفتيش صحة مديرية الدقهلية لإجراء معاينة محل الصيدلية وقد وردت المعاينة من تفتيش صحة المديرية بالموافقة على الموقع وعلى الاشتراطات الصحية وأن المسافة بين الصيدلية موضوع المعاينة وأقرب صيدلية مرخص بها تجاوز مائة متر (البند السابع من محضر المعاينة) وقد اعتمدت هذه المعاينة من تفتيش صحة المديرية في 24 من سبتمبر سنة 1957 ومن ثم صرفت الرخصة لهذه الصيدلية في 21 من نوفمبر سنة 1957، ثم تقدم حسن عبد المجيد المصري مالك صيدلية المصري بميت غمر بشكوى أبان فيها أن الصيدلي وديع صليب قد حصل على ترخيص لصيدلية بميت غمر وهي صيدلية الأمانة وذلك خلافاً لأحكام القانون رقم 127 لسنة 1955 في شأن مزاولة مهنة الصيدلة إذ فضلاً عن أن الاشتراطات الصحية غير متوافرة في هذه الصيدلية فإن المسافة بينها وبين أقرب صيدلية مرخص لها وهي الصيدلية المملوكة للشاكي تقل عن مائة متر فقام تفتيش صحة المديرية بتحقيق هذه الشكوى وناط بهذه المهمة الدكتور نصيف غبريال مفتش صحة الدقهلية الوقائي الذي قام بمعاينة الصيدلية محل الشكوى وقدم مذكرة أشار فيها إلى أن المسافة بين صيدليتي المصري والأمانة المشار إليهما تبلغ 66 متراً وأن الذي أجرى المعاينة وقياس المسافة بمناسبة الترخيص للصيدلية الأخيرة هو محمد حسن زعبل معاون صحة ميت غمر أول، وفي الوقت ذاته أجرت النيابة الإدارية تحقيقاً انتهت فيه إلى مساءلة (1) محمد حسن زعبل معاون صحة بتفتيش صحة مركز ميت غمر أول (2) الدكتور جمال عبد العزيز الذي كان منتدباً للعمل بصحة ميت غمر ثان (3) الدكتور عبد العظيم محمد مفتش صحة ميت غمر أول، وذلك لما كشف عنه التحقيق من أن الأول قام بعمل ليس من اختصاصه وقرر غير الحقيقة في محضر معاينة صيدلية الأمانة وصورة ذلك المحضر واعتمد الأوراق من غير مختص الأمر الذي ترتب عليه صرف رخصة الصيدلية بناء على بيانات غير سليمة. وأن الثاني قام بتوقيع أوراق لا تدخل في دائرة عمله وأشر بأن موقع الصيدلية المشار إليها موافق والاشتراطات تامة ووافق على صرف الرخصة واتضح من التحقيق أن هذه البيانات غير صحيحة وأن الثالث كلف المعلنين بتحرير الاستيفاء على الأوراق دون الذهاب للمعاينة وقد اتضح أن الاستيفاء المؤشر عليه غير مطابق للحقيقة وبناء عليه صرفت الرخصة للصيدلية. وأوصت النيابة الإدارية بإحالة المتهمين المشار إليهم إلى المحاكمة التأديبية وإبلاغ النيابة العامة عن واقعتي التزوير والرشوة وإذ تلقت النيابة العامة الأوراق أجرت بدورها تحقيقاً انتهت فيه إلى مساءلة المتهمين آنفى الذكر لذات الأسباب المتقدمة وأضافت إليهم عبد العزيز الشهابي لما ثبت عن إهماله في أداء عمله وارتأت للأسباب التي فصلتها إحالة الأوراق إلى جهة الإدارة المختصة لمجازاة المتهمين إدارياً ثم حفظ الأوراق اكتفاء بالجزاء الإداري، وترتيباً على ذلك أقامت النيابة الإدارية الدعوى التأديبية برقم 53 لسنة 1 القضائية وبجلسة 4 من أكتوبر سنة 1960 حكمت المحكمة التأديبية المختصة بمحاكمة موظفي وزارة الصحة بمجازاة (1) محمد حسين زعبل بالخصم من مرتبه لمدة شهر لقيامه بعمل ليس من اختصاصه بأن عاين صيدلية الأمانة المنوه عنها دون أن يكون مختصاً بذلك وقرر غير الحقيقة في محضر المعاينة الذي حرره بخطه وذلك بأن أثبت في البند السابع منه أن المسافة بين هذه الصيدلية وأقرب صيدلية مرخص بها تجاوز مائة متر في حين أنها لا تجاوز طبقاً للطبيعة 66.20 متراً كما أغفل في البند 14 من ذلك المحضر بيان أن ماسورة التهوية ليست خاصة بهذه الصيدلية بل مشتركة بينها وبين محل الجزارة المجاور لها.
(2) وبمجازاة الدكتور جمال عبد العزيز بالخصم من مرتبه لمدة خمسة عشر يوماً لتوقيعه أوراقاً لا تدخل في دائرة عمله وهي محضر معاينة صيدلية الأمانة وصورتي الرسم الهندسي المرافقة له وأن هذا المحضر قد تضمن بيانات مغايرة للحقيقة.
(3) وبمجازاة الدكتور عبد العظيم محمد بالحرمان من المعاش لمدة خمسة عشر يوماً لإملائه عبارة (حوض غسيل أسفله سيفون ومتصل رأساً بجلتراب ومنه إلى خزان الصرف بشارع سعد زغلول وماسورة التهوية مرتفعة الارتفاع المطلوب) على محمد حسين زعبل معاون صحة ميت غمر (المتهم الأول) الذي أضافها بخطه أمام البند الرابع عشر من محضر صيدلية الأمانة وأنه كلف المعاون المشار إليه إضافة هذه العبارة على محضر المعاينة دون أن يجرى معاينة لتلك الصيدلية وإنما بناء على معلوماته الشخصية عنها.
(4) وبمجازاة عبد العزيز محمد الشهابي بالخصم من مرتبه لمدة عشرة أيام لعرضه الأوراق الخاصة بالصيدلية المتقدمة على الدكتور جمال عبد العزيز (المتهم الثاني) واعتمدها منه رغم كونه غير مختص بذلك قانوناً، وأضافت المحكمة التأديبية إلى ذلك بأنه لا مراء في أن سلوك المتهمين على النحو السالف إيضاحه ينطوي على خروج على مقتضى الواجب في أعمال وظائفهم ويحمل بين أعطافه دلائل عدم التزام الدقة في أداء واجبهم الأمر الذي يرتب مساءلتهم بالقدر الذي فرط كل منهم في واجبه وعقابهم في الحدود المتقدمة.
ومن حيث إنه يتضح من ذلك أن هذه التحقيقات التي قام بها تفتيش صحة المديرية والنيابة الإدارية والنيابة العامة وما انتهت إليه هذه التحقيقات من محاكمة تأديبية أدانت الموظفين المتهمين، قد أبان ذلك كله بجلاء المدى الذي سلكه ذوو الشأن ممن يعنيهم أمر الحصول على الترخيص بصيدلية الأمانة وأوضح الأساليب والوسائل التي اتبعت للحصول على الترخيص وأسفر عن الظروف والملابسات التي في ظلها أصدرت الإدارة الترخيص مما يبين منه إن الإدارة أصدرت قرارها بناء على بيانات مزورة كما يكشف عن مقدار ما ينضح به سخطها لإصدار الترخيص تحت هذه الظروف والملابسات رغم عدم توافر شرط المسافة بين الصيدليتين ورغم عدم استيفاء الاشتراطات الصحية في صيدلية الطاعن وذلك بمساندة نفر من موظفيها خرجوا على مقتضى الواجب في أعمال وظائفهم وكان لهم شأن في انتزاع القرار بالترخيص دون سند من واقع أو قانون مما يدل على أن الإدارة عندما قدرت فأصدرت قرارها بالترخيص كانت إرادتها مشوبة لأنها لم تكن على بينة من الأمر لما وقعت فيه من غلط في الوقائع الجوهرية، كان الطاعن على علم بها، والتي لها اعتبار بمقتضى القانون، فلم تصدر الإدارة القرار بالترخيص عن رضاء صحيح مما يعيب القرار ويبطله، إذ لا شبهة في أن الخطأ الذي وقعت فيه الإدارة خطأ قانوني شاب إرادتها، ذلك بحسبان أن القرار الإداري بوصفه عملاً قانونياً من جانب واحد يجب أن يصدر عن رضاء صحيح فيبطله ما يبطل الرضا من عيوب ومنها الغلط أن توافرت عناصره وشروطه القانونية.
ومن حيث إنه قد بان أن القرار الصادر بالترخيص بصيدلية الأمانة قد وقع باطلاً فيكون والحالة هذه معدوم الأثر بحيث لا يجوز أن ينشئ حقاً وأن الإدارة إذ تقرر صواب الحكم المطعون فيه، فهي إنما تعلن عن انعدام أثر قرارها الصادر بالترخيص.
ومن حيث إن المادة 30 من القانون رقم 127 لسنة 1955 في شأن مزاولة مهنة الصيدلة تنص على أنه: "لا يمنح الترخيص بإنشاء صيدلية إلا لصيدلي مرخص له في مزاولة مهنته يكون قد مضى على تخرجه سنة على الأقل قضاها في مزاولة المهنة في مؤسسة حكومية أو أهلية ويعفى من شرط قضاء هذه المدة للصيدلي الذي تؤول إليه الملكية بطريق الميراث أو الوصية. ولا يجوز للصيدلي أن يكون مالكاً أو شريكاً في أكثر من صيدليتين. ويراعى ألا تقل المسافة بين الصيدلية المطلوب الترخيص بها وأقرب صيدلية مرخص بها عن مائة متر". وظاهر من هذا النص أن هذه المادة قد تضمنت شروط الترخيص لإنشاء الصيدليات ومن بين هذه الشروط ألا تقل المسافة بين الصيدلية المطلوب الترخيص بها وأقرب صيدلية مرخص بها عن مائة متر، والإدارة بتحقيق هذا الشرط إنما تستهدف ما يحقق المصلحة العامة ويساير الأغراض التي قصد قانون مزاولة مهنة الصيدلة تحقيقها، مستوحية في ذلك روح العدالة وصالح الجمهور، مستهلك الدواء للتخفيف عن كاهله بقدر المستطاع، ومحافظة على صالح المزاولين لمهنة الصيدلة، حتى يتوفر للجمهور الدواء بأيسر الوسائل وأضمنها وبأرخص الأسعار وذلك كله في جو بعيد عن المنافسة غير المشروعة عن محيط التعامل في هذه المهنة ذات الطابع المتميز لارتباطها الوثيق بصحة الجمهور وحياة المرضى بنوع خاص، مراعية في ذلك اعتبار الصيدليات العامة هم المؤسسات الصيدلية وإن لها مركز الصدارة بحسبان أنها المصدر الوحيد الذي يستوفى منه جمهور المرضى حاجته إلى الدواء، وأن القانون أفسح مجال إنشاء الصيدليات وزيادة عددها وقيد ذلك بشروط، فبعد أن كان القانون رقم 5 لسنة 1941 يخصص لكل اثني عشر ألفاً من السكان صيدلية، جعل القانون القائم، رقم 127 لسنة 1955 في شأن مزاولة مهنة الصيدلة، حق فتح الصيدليات مباحاً مع مراعاة ألا تقل المسافة بين صيدلية وأخرى عن مائة متر.
ومن حيث إنه يبين من كل ما تقدم أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلغاء القرار الصادر في 21 من نوفمبر سنة 1957 بالترخيص للطاعن بفتح وإدارة صيدلية بميت غمر، يكون قد صادف الحق في قضائه ويكون الطعن والحالة هذه غير قائم على أساس سليم من القانون ويتعين من أجل ذلك رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الطاعن المصروفات.