مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1961 إلى آخر يناير سنة 1962) - صـ 226

(26)
جلسة 13 من يناير سنة 1962

برياسة السيد الأستاذ/ سيد إبراهيم الديواني نائب رئيس المجلس وعضوية السادة الدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل وحسن أيوب وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 301 لسنة 5 القضائية

موظف - فصل - الفصل بالتطبيق للمادة 112 من قانون الموظفين - قيامه على قرينة قانونية هي اعتبار الموظف مستقيلاً بانقطاعه عن العمل 15 يوماً متتالية وعدم تقديمه عذراً - انتفاء هذه القرينة بإبداء العذر من أول يوم انقطع فيه حتى ولو تبين فيما بعد عدم صحته - أثر ذلك - عدم صحة القرار الصادر بالفصل بالتطبيق لهذه المادة في هذه الحالة وجواز سحبه مع تعرض الموظف للمؤاخذة التأديبية.
إن فصل الموظف من الخدمة بالتطبيق للمادة 112 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بنظام موظفي الدولة إنما يقوم على قرينة قانونية هي اعتبار الموظف مستقيلاً إذا انقطع عن العمل مدة خمسة عشر يوماً متتالية ولم يقدم أعذاراً مقبولة خلال الخمسة عشر يوماً التالية، فإذا ما أبدى الموظف العذر من أول يوم انقطع فيه عن العمل، فقد انتفى القول بأن انقطاعه كان للاستقالة وبالتالي تنتفي القرينة القانونية التي رتبها القانون على هذا الانقطاع حتى ولو تبين فيما بعد أن الأعذار غير صحيحة وفي هذه الحالة قد يكون الموظف محلاً للمؤاخذة التأديبية بغير الفصل المنصوص عليه في المادة 112 المذكورة.
فإذا ثبت من الأوراق أن المدعي قد أخطر من أول يوم انقطع فيه عن العمل عن سبب انقطاعه وهو المرض وطلب توقيع الكشف الطبي عليه ثم تظلم فوراً من نتيجة الكشف وطالب بإعادة الكشف فأجيب إلى ذلك فتظلم لثاني مرة وفي ثاني يوم من توقيع الكشف عليه طلب بأن يكون الكشف بمعرفة القومسيون الطبي العام فأجيب أيضاً إلى طلبه وكشف عليه يوم 20/ 3/ 1954 وقرر القومسيون أن صحته طبيعية ويعود إلى عمله وقد عاد فعلاً اعتباراً من يوم 21/ 3/ 1954، فانتفت بذلك القرينة القانونية التي رتبها القانون على الانقطاع عن العمل لفترة معينة وبالتالي فلا يسري في شأن المدعي الحكم الذي أوردته المادة 112 المشار إليها ومن ثم يكون القرار الصادر في 25 من مارس سنة 1954 بفصل المدعي من الخدمة بالتطبيق لهذه المادة أو بالتنفيذ لها قد صدر على غير أساس من القانون وفي غير الأحوال الموجبة لذلك، وعلى هذا الأساس يكون القرار الصادر بتسوية المدة التي غابها المدعي واعتبارها غياباً بدون مرتب هو قرار صحيح من ناحية ما تضمنه من سحب لقرار 25 من مارس سنة 1954 بفصل المدعي من الخدمة والسحب في هذه الحالة مطلق من أي قيد زمني، كذلك القرار الصادر باعتبار خدمة المدعي منتهية اعتباراً من 1/ 1/ 1956 تأسيساً على ما أفتت به إدارة الفتوى التشريع من عدم جواز سحب القرار الصادر بالفصل بالاستناد إلى المادة 112 السالفة الذكر بحجة أن الفصل في هذه الحالة مصدره القانون وليس القرار الإداري الذي لا يعدو أن يكون كاشفاً عن مركز قانوني وجد فعلاً من قبل وما دام رأي هذه المحكمة قد انتهى إلى عدم انطباق الشروط المتطلبة في المادة 112 والتي من مقتضاها اعتبار المدعي مستقيلاً من الخدمة - فإنه لا معدى من اعتبار الفصل مبنياً على القرار الصادر في 25 من مارس سنة 1954 وليس القانون وعلى ذلك يكون جائزاً سحبه لمخالفته القانون وبالتالي تكون إجراءات السحب صحيحة ومنتجة لكافة آثارها القانونية وأن كل ما ترتب بعد ذلك من إنهاء لخدمة المدعي قد وقع على غير محل.


إجراءات الطعن

بتاريخ 14 من فبراير سنة 1959 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية هذه المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 17 من ديسمبر سنة 1958 في الدعوى رقم 251 لسنة 11 ق المقامة من السيد/ نظمي فؤاد غبريال ضد وزارة التربية والتعليم والقاضي برفض دعواه وإلزامه بمصاريفها. وطلب السيد/ رئيس هيئة مفوضي الدولة للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلغاء القرار الصادر في 1/ 7/ 1956 بفصل المدعي وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة المصروفات، وقد أعلن هذا الطعن إلى الحكومة في 2 من مارس سنة 1959 وإلى الخصم في 24 من فبراير سنة 1959 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 28 من فبراير سنة 1960 حيث أحيل إلى المحكمة الإدارية العليا لجلسة 30 من إبريل سنة 1960، ثم أرجئ إصدار الحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعي أقام دعواه طالباً الحكم بإلغاء قرار الفصل الصادر في 1/ 7/ 1956 بإنهاء خدمته اعتباراً من أول يونيه سنة 1956 مع ما يترتب على ذلك من آثار وعلى وجه الخصوص صرف مرتبه ابتداء من أول يوليه سنة 1956 وإلزام الوزارة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة..
وقال المدعي شرحاً لدعواه أنه بعد أن حصل على دبلوم كلية الفنون الجميلة في سنة 1951 عين في وزارة التربية والتعليم بتاريخ 25/ 10/ 1951 بوظيفة مدرس رسم من الدرجة السادسة الفنية، وظل يؤدي أعمال وظيفته دون انقطاع، وفي 9/ 1/ 1954 مرض بالروماتزم الحاد مع ضعف عام ولزم بيته وطالب بتوقيع الكشف الطبي عليه لتقرير حالته ومنحه الإجازة المرضية اللازمة، وبعد الكشف عليه بمعرفة طبيب الوزارة المختص لم ير هذا الطبيب وجود حالة مرضية به تستلزم منحه إجازة فطلب المدعي إعادة توقيع الكشف الطبي عليه بمعرفة القومسيون الطبي، وقد استجابت الوزارة لهذا الطلب، إلا أن الذي كشف عليه هو نفس الطبيب الذي كشف عليه أول مرة فلم يقره على مرضه لأسباب لا محل لذكرها وإزاء ذلك لم يجد المدعي مناصاً من مباشرة عمله اعتباراً من 21/ 3/ 1954 وسوت الوزارة مدة انقطاعه عن العمل بوصفها مدة غياب دون أجر، وقبل المدعي هذه التسوية رغم ثبوت مرضه فترة انقطاعه بمعرفة مستشفى المنيل الجامعي بعد الكشف عليه أثر شكاوى عديدة قدمها لرئاسة الجمهورية والعيادة العامة ثم فوجئ المدعي بخطاب صادر من مراقبة المستخدمين بالوزارة مؤرخ 4/ 8/ 1956 متضمناً إنهاء خدمته اعتباراً من 1/ 7/ 1956 وتلاه خطاب ثان بأن فصل المدعي يعتبر من 25/ 3 سنة 1954 وأن إعادة تعيينه في 21/ 3/ 1954 غير منتج ومخالف للقانون. وخطاب ثالث بتاريخ 14/ 8/ 1956 برفع اسم المدعي من عداد موظفي الوزارة اعتباراً من 9/ 1/ 1954، وقد تولى المدعي الرد على ما تضمنته الخطابات الثلاثة المذكورة معلناً تمسكه بحقه واعتراضه على فصله غير القانوني وكان آخر هذه التظلمات بتاريخ 14/ 10/ 1956 - ويقول المدعي أنه عاد إلى عمله في 21/ 3/ 1954 بعد الكشف عليه ثاني مرة في 20/ 3/ 1954 وقد اكتسب المدعي مركزاً قانونياً لا يجوز المساس به بمضي أكثر من ستين يوماً على صدور قرار وكيل الوزارة في 31/ 7/ 1954 بالموافقة على إعادته لعمله واحتساب مدة الغياب بدون أجر وهذا فضلاً عن أن الوزارة لم تقدم أصل قرار الفصل للتأكد من وجوده وصحته، والمبلغ إليه في 24/ 7/ 1956.
وأجابت الوزارة على الدعوى بأن المدعي أرسل خطاباً مسجلاً في 8/ 1/ 1954 إلى ناظر مدرسة فاقوس الثانوية التي يعمل بها وقتئذ يطلب توقيع الكشف الطبي عليه بعنوانه بالجيزة وورد هذا الخطاب إلى المدرسة في 11/ 1/ 1954 وقامت المدرسة بإحالته إلى الإدارة الصحية بمنطقة الجيزة بكتابها رقم 600 في 11/ 1/ 1954 لتوقيع الكشف عليه وقامت الإدارة الأخيرة باستدعائه بخطاب مؤرخ 13/ 1/ 1954 وكشف عليه في 16/ 1/ 1954 فلم يوجد به أعراض إكلينيكية مرضية وقرر الطبيب عودته إلى عمله ووقع المدعي على هذا القرار بما يفيد العلم به. ولكن لم يعد إلى عمله وأرسل برقية في 18/ 1/ 1954 إلى ناظر المدرسة يطلب فيها الكشف عليه بالمنزل بواسطة قومسيون طبي الجيزة، فطلبت إليه المدرسة بكتابها رقم 613 في 18/ 1/ 1954 ضرورة التوجه إلى الإدارة الصحية بالجيزة لتوقيع الكشف الطبي عليه فأرسل خطاباً للمدرسة بتاريخ 21/ 1/ 1954 رداً على كتابها سالف الذكر بأنه في انتظار القومسيون الطبي بمنزله، فطلبت المدرسة بتاريخ 6/ 2/ 1954 إلى الإدارة الصحية ذلك فأرسلت إليه الأخيرة تستدعيه الحضور لمقر الإدارة لتوقيع الكشف عليه. وكشف عليه فعلاً بمعرفة القومسيون في 13/ 2/ 1954 وتقرر عدم وجود أعراض إكلينيكية مرضية عليه وبالتالي يعود إلى عمله إلا أنه لم يعد إلى عمله وطعن في صحة القرارين السابقين وطلب توقيع الكشف عليه بمعرفة القومسيون الطبي العام فأجيب إلى طلبه وقرر هذا القومسيون في 20/ 3/ 1954 أن صحة المدعي طبيعية وعليه أن يعود إلى عمله اعتباراً من 21/ 3/ 1954 مع احتساب يوم 20/ 3 سنة 1954 يوم عمل لأنه كان فيه تحت تصرف القومسيون، وقد عاد المدعي بالفعل إلى عمله بالمدرسة في 21/ 3/ 1954 بعد أن بلغت مدة انقطاعه اثنين وسبعين يوماً. وكانت المدرسة قد أرسلت في 3/ 3/ 1954 مذكرة إلى الإدارة العامة للتعليم الثانوي تخبرها بعدم عودة المدعي إلى عمله، فتقدمت تلك الإدارة بمذكرة إلى السيد وكيل الوزارة في 23/ 3/ 1954 تطلب فيها الموافقة على اعتبار المدعي مفصولاً من عمله من تاريخ انقطاعه عن العمل وتكليفه رد ما سبق أن صرف إليه من مرتب دون وجه حق، وقد وافق السيد وكيل الوزارة على ذلك بتاريخ 25/ 3/ 1954 وأحيلت الأوراق إلى المراقبة العامة للمستخدمين لتنفيذ هذا القرار وأبلغت المنطقة به في 10/ 4/ 1954 مع الإفادة بتاريخ الانقطاع حتى يتسنى إصدار قرار فصله وقد أجابت المنطقة بأن المدعي عاد إلى عمله يوم 21/ 3/ 1954 وإزاء ذلك تقدمت المراقبة العامة للمستخدمين بمذكرة للوزارة طالبة اعتبار المدة التي انقطعها المدعي عن العمل وهي من 8/ 1/ 1954 لغاية 20/ 3/ 1954 مدة غياب بدون أجر فوافق السيد/ وكيل الوزارة على ذلك في 31/ 7/ 1954 إلا أنه بعد أن رأت إدارة الفتوى والتشريع للوزارة بمجلس الدولة أن مثل هذا الموظف يعتبر مستقيلاً من تاريخ انقطاعه عن العمل طبقاً للمادة (112) من قانون نظام الموظفين وأن القرار الذي أصدره وكيل الوزارة في 31/ 7/ 1954 باحتساب مدة انقطاع المدعي غياباً بدون ماهية لا يعتبر سحباً للقرار الأول القاضي بفصله من الخدمة والذي يعتبر كاشفاً عن مركز قانوني تقرر بحكم القانون وهو اعتبار الموظف مستقيلاً، فلا يجوز للإدارة سحبه لأنه قرار صحيح وإنما يعتبر قراراً بإعادة تعيين المدعي يراعى فيه كافة الشروط المتطلبة للتعيين وهي غير متوافرة في حقه لأن إعادة تعيينه في الوظيفة كانت تستلزم نجاحه في امتحان المسابقة الذي يعقد لشغلها بوصفه حاصلاً فقط على دبلوم كلية الفنون الجميلة سنة 1951 وهو مؤهل غير تربوي ومدة خدمته أقل من ثلاث سنوات إذ دخل الخدمة في 27/ 10/ 1951 واعتبر مفصولاً من 9/ 1/ 1954 لتغييبه عن عمله أكثر من خمسة عشر يوماً بدون عذر إذ تبين عدم صحة ما كان يدعيه من مرض بعد الكشف عليه مرتين بمعرفة الإدارة الصحية بمنطقة الجيزة في 16/ 1/ 1954 و13/ 2/ 1954 ومرة بمعرفة القومسيون الطبي العام في 20/ 3/ 1954 - إزاء ذلك كله اضطرت الوزارة أن تنهي عمله بها من 1/ 7/ 1956 واعتبرت المدة التي قام بها بالعمل من 21/ 3/ 1954 لغاية 30/ 6/ 1956 بأجر يعادل ماهيته ثم خلصت الوزارة من ردها إلى طلب الحكم برفض الدعوى لأنها على غير حق.
وبجلسة 17 من ديسمبر سنة 1958 حكمت المحكمة "برفض الدعوى وألزمت المدعي مصاريفها" وأسست قضاءها على أن الوزارة قد أصدرت قراراً في 25 من مارس سنة 1954 بفصل المدعي تطبيقاً لحكم المادة 112 من قانون نظام الموظفين واعتباره مستقيلاً لانقطاعه عن عمله أكثر من خمسة عشر يوماً بغير إذن أو عذر مقبول ولم يستطيع المدعي إثبات عذر المرض الذي تذرع به بالرغم من أن الوزارة قد أفسحت صدرها ومكنته بشتى الوسائل فسمحت بإعادة الكشف عليه مراراً ومن ثم يكون قرار فصله قد صدر مطابقاً للقانون ولا يؤثر على قيامه أن الوزارة عادت في 31/ 7/ 1954 فأصدرت قراراً باحتساب مدة انقطاع المدعي عن عمله أجازة بغير راتب لحاجة المدرسة لخدماته فلا أثر لذلك لأن هذا القرار لا يعتبر سحباً للقرار الأول الصادر بالفصل والذي لا يعدو أن يكون كشفاً عن مركز قانوني تقرر بحكم القانون وهو اعتبار المدعي مستقيلاً من بدء انقطاعه عن العمل فإذا ما رأت الوزارة إعادة المدعي بعد ذلك فإنها مقيدة بمراعاة حكم المادة 15 من قانون التوظف وهي تستلزم نجاح المدعي في امتحان مسابقة يعقده ديوان الموظفين.....
ومن حيث إن الطعن في الحكم يقوم على أن الوزارة قد اتجهت نيتها إلى الإبقاء على المدعي والعدول عن فصله لتمسك المدرسة والمنطقة به ومذكرة المراقبة العامة للمستخدمين وموافقة وكيل الوزارة على ما جاء فيها من اعتبار المدة التي انقطعها المدعي من 18/ 1/ 1954 غياباً بدون ماهية مما يدل على أن قرار فصل المدعي لغيابه من 18/ 1/ 1954 إلى 31/ 3/ 1954 قد سحب فعلاً، يضاف إلى ذلك أن هذه الوقائع لم تكن محلاً للبحث لمدة طويلة حتى صدر القرار المطعون فيه في 1/ 7/ 1956 أي بعد سنتين استمر فيهما المدعي في العمل وهي مدة كافية لاستقرار وضعه وبالتالي يكون قرار الفصل المذكور قد اعتدى على مركز قانوني للمدعي واستقر وأصبح حصيناً من الإلغاء وهو الأمر الذي لا يجوز ويجعل القرار المطعون فيه باطلاً لمخالفته القانون.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعي انقطع عن عمله من 18/ 1 سنة 1954 وطلب إحالته على الكشف الطبي بعنوانه الموضح في الطلب، وبالكشف عليه بمعرفة الصحة المدرسية بالجيزة في 16/ 1/ 1954 تقرر عدم وجود أعراض إكلينيكية مرضية وعليه أن يعود لعمله. وفي 18/ 1/ 1954 أرسل المدعي برقية بالتماس الكشف عليه في منزله بمعرفة قومسيون طبي مديرية الجيزة فأحيل طلبه هذا للصحة المدرسية بالجيزة التي استدعته ووقعت الكشف عليه في 13/ 2/ 1954 بمعرفة ذات الطبيب الذي كشف عليه أول مرة وانتهى إلى نفس النتيجة فعاود المدعي الشكوى وطالب بأن يكون الكشف عليه بمعرفة القومسيون الطبي العام للأسباب التي أبداها في شكواه المؤرخة 14/ 2/ 1954، وأخيراً أحالته الإدارة العامة للصحة المدرسية إلى القومسيون الطبي العام الذي قرر بجلسة 20/ 3/ 1954 أن صحته طبيعية ويعود لعمله يوم 21/ 3/ 1954 وقد عاد المدعي فعلاً وتسلم عمله في المدرسة في 21/ 3/ 1954 وظل مواظباً عليه وفي 24/ 3/ 1954 كتبت مذكرة من المدير العام للإدارة العامة للتعليم الثانوي تضمنت أن مدرسة فاقوس الإعدادية أفادت أن الأستاذ نظمي فؤاد غبريال مدرس الرسم بها قد تغيب عنها منذ 9/ 1/ 1954 وطلب إحالته إلى الكشف الطبي وكشف عليه مرتين تقرر في كلتيهما عودته إلى عمله، مما يقطع بعدم مرضه ولكنه رغم ذلك لم يعد إلى المدرسة ولم يباشر عمله بها منذ انقطاعه عنها في 9/ 1/ 1954، ولما كان انقطاع المدرس المذكور عن المدرسة طوال المدة المشار إليها يدل على عدم رغبته في العودة إليها، ولما كان هذا الانقطاع في الوقت نفسه يعد تغيباً بدون عذر، وقد تجاوز الخمسة عشر يوماً التي يجيز القانون بعدها فصله من وظيفته. لهذا ترى الإدارة العامة الموافقة على اعتبار المدرس المذكور مفصولاً عن عمله من تاريخ انقطاعه عن المدرسة وتكليفه رد ما يكون قد صرف إليه من مرتب خلال تلك المدة لعدم استحقاقه إياه، وقد أشر السيد وكيل الوزارة المساعد على هذه المذكرة في 25/ 3/ 1954 بالعبارة الآتية: "أوافق فلا مناص من ذلك" ويلي هذه التأشيرة تأشيرة السيد/ المدير العام في 25/ 3/ 1954 بأن "ينفذ الفصل من يوم انقطاعه الأول" ولم يصل هذا القرار إلى منطقة الزقازيق التعليمية التي يعمل بها المدعي إلا في 12/ 4/ 1954 ونظراً لحاجة المدرسة إلى المدعي ولقرب انتهاء العام الدراسي كتبت المنطقة في 19/ 4/ 1954 إلى مراقب عام المستخدمين بالوزارة بطلب اعتبار المدة التي تغيب فيها المدعي زيادة عما يستحقه من أجازة اعتيادية مدة غياب بدون ماهية مع رجاء عرض الأمر على السيد/ وكيل الوزارة للموافقة على وجهة نظر المنطقة - وقد أشر مدير المستخدمين على هذه المذكرة في 10/ 5/ 1954 بالإحالة للتعليم الثانوي "رجاء بعد الاطلاع الإفادة بالرأي علماً بأن قرار فصله لم يصدر بعد" ثم أعيدت الأوراق للمستخدمين في 25/ 5/ 1954 بتنفيذ إجراءات الفصل بتأشيرة من المدير العام إلا أنه في النهاية وافقت الوزارة في 31/ 7/ 1954 على احتساب المدة التي تغيبها المدعي من 8/ 1/ 1954 لغاية 20/ 3/ 1954 غياباً بدون ماهية.." وبعرض الموضوع على إدارة الفتوى والتشريع بمجلس الدولة أفادت "بأن قرار فصل المدعي الصادر في 25/ 3/ 1954 بالتطبيق للمادة (112) من القانون رقم 210 لسنة 1951 وذلك لانقطاعه عن العمل بدون إذن أكثر من خمسة عشر يوماً متتالية إنما هو قرار صحيح قائم على أساس سليم من القانون ولا يجوز للإدارة سحبه لأنه قرار كاشف عن مركز قانوني تقرر بحكم القانون، أما موافقة السيد/ وكيل الوزارة على إعادة المدعي للعمل من 21/ 3/ 1954 فإنه لا يعدو أن يكون قرار تعيين مع مراعاة نص المادة 23 من قانون التوظف المشار إليه" وتقول الوزارة في خطابها المتضمن هذه الفتوى والموجهة للمدعي "بأنه يتعذر إعادة تعيينكم وإعفائكم من امتحان المسابقة المخصص لشغل الوظيفة لأن مدة خدمتكم السابقة تقل عن ثلاث سنوات وهو ما نصت عليه المادة 18 من القانون سالف الذكر وأفتى به ديوان الموظفين بكتابه رقم 40 - 1/ 6 م في 9/ 5/ 1956 لذلك وافقت الوزارة على إنهاء خدمتكم اعتباراً من 1/ 7/ 1956 لأنكم معتبرون بأجر في المدة من 21/ 3/ 1954 لغاية 30/ 6/ 1956".
ومن حيث إنه يؤخذ مما تقدم أن المدعي فصل من الخدمة في 25 من مارس سنة 1954 بقرار صادر من مختص لغيابه أكثر من خمسة عشر يوماً متصلة بدون إذن أو عذر مقبول وذلك بالتطبيق للمادة (112) من قانون نظام الموظفين رقم 210 لسنة 1951 ولم ينفذ قرار الفصل هذا في حينه لأن النية كانت قد اتجهت إلى العدول عنه نظراً للظروف التي لابسته وهي عودة المدعي إلى عمله ومباشرته فعلاً من 21/ 3/ 1954 وتمسك المدرسة به مما حدا بالوزارة إلى أن تقرر عودته للعمل واحتساب مدة الغياب غياباً بدون ماهية، إلا أنه رئي من الناحية القانونية أن الفصل قد تم تنفيذاً لحكم القانون والقرار الصادر به ليس منشئاً له وإنما هو قرار منفذ أي كاشف عن حالة قانونية واقعة من قبل وبالتالي فمثل هذا القرار مما لا يجوز سحبه ويكون القرار الصادر بعد ذلك متضمناً إعادة المدعي إلى عمله وتسوية المدة التي انقطع فيها عن العمل لا أثر له على الفصل الذي نشأ بالقانون وليس بقرار 25 من مارس سنة 1954 كما تقول الوزارة).
ومن حيث إن نقطة البحث في هذه المنازعة تنحصر في مدى انطباق الحكم الذي أوردته المادة (112) من قانون التوظف على الواقعة المطروحة.
ومن حيث إن المادة (112) من القانون رقم 210 لسنة 1951 تنص على أن الموظف يعتبر مستقيلاً حالتين: (1) إذا انقطع عن عمله بدون إذن خمسة عشر يوماً متتالية ولو كان الانقطاع عقب أجازة مرخص له بها ما لم يقدم خلال الخمسة عشر يوماً التالية ما يثبت أن انقطاعه كان لعذر مقبول، وفي هذه الحالة يجوز لوكيل الوزارة المختص أن يقرر عدم حرمانه من مرتبه عن مدة الانقطاع.... (2) وفي الحالة الأولى إذا لم يقدم الموظف أسباباً تبرر الانقطاع أو قدم هذه الأسباب ورفضت اعتبرت خدمته منتهية من تاريخ انقطاعه عن العمل.
ومن حيث إن مفهوم هذا النص أن الشارع قد اعتبر غياب الموظف عن عمله مدة خمسة عشر يوماً متتالية دون إذن سابق قرينة قانونية على الاستقالة وأن هذه القرينة يمكن دحضها إذا قدم الموظف خلال الخمسة عشر يوماً التالية للخمسة عشر يوماً الأولى ما يثبت انقطاعه عن العمل كان لعذر مقبول.
ومن حيث إن واقعة الدعوى الحالية على النحو السالف الذكر ليس فيها انقطاع عن العمل مدة خمسة عشر يوماً متتالية بدون إذن، إذ الثابت منها أن المدعي بمجرد أن تغيب عن عمله في يوم 8 من يناير سنة 1954 أخطر المدرسة التي يعمل بها بأنه مريض وطالب بتوقيع الكشف الطبي عليه بالجيزة محل إقامته فأجيب إلى طلبه وكشف عليه فعلاً في يوم 16 من يناير سنة 1954 ولم يوجد به أعراض إكلينيكية مرضية وتقرر عودته إلى عمله. عارض المدعي في هذه النتيجة وطالب بإعادة الكشف عليه بمعرفة قومسيون طبي مديرية الجيزة حيث يقيم وذلك ببرقية أرسلها إلى المدرسة بفاقوس بتاريخ 18 من يناير سنة 1954 فأجيب إلى طلب وأخطرت الصحة المدرسية بالجيزة لإعادة توقيع الكشف الطبي عليه وقد تولاه نفس الطبيب الذي كشف عليه أول مرة وقرر في 13 من فبراير سنة 1954 مثل ما قرره في الكشف الأول، تظلم المدعي في شكواه المؤرخة 14 من فبراير سنة 1954 من النتيجة في الحالتين للأسباب التي أوردها وطالب بعرضه على القومسيون الطبي العام ولأسباب لا دخل للمدعي فيها تأخر النظر في هذا الطلب وأخيراً أجيب إليه وكشف عليه بمعرفة القومسيون الطبي العام في 20 من مارس سنة 1954 الذي قرر بأن صحة المدعي طبيعية ويعود إلى عمله فعاد واستلم عمله في المدرسة بفاقوس يوم 21 من مارس سنة 1954، وأثناء قيامه بواجبات وظيفته صدر قرار من وكيل الوزارة المساعد في 25 من مارس سنة 1954 بفصله من وظيفته لغيابه أكثر من خمسة عشر يوماً متتالية دون إذن وذلك بالتطبيق للمادة (112) من قانون التوظف السابق الإشارة إليه ثم ولما تبين للوزارة من المكاتبات التي دارت بينها وبين المنطقة التعليمية بالزقازيق التابع لها المدعي أنه قائم بعمله في المدرسة منذ 21 من مارس سنة 1954 وأن الحاجة ماسة له اقترح العدول عن فصله والإبقاء عليه مع اعتبار المدة التي انقطعها عن العمل بدون أجر، وسوى الأمر على هذا الأساس وباستطلاع رأي إدارة الفتوى والتشريع بمجلس الدولة عن هذه التسوية ومدى مطابقتها للقانون من عدمه. أفتت بأن فصل المدعي من الخدمة قد تم ووقع بحكم القانون وأن القرار الصادر في 25 من مارس سنة 1954 بفصله من الخدمة إن هو إلا قرار كاشف عن حالة واقعية تمت من قبل وهي انقطاعه عن العمل مدة خمسة عشر يوماً وعدم إبدائه أعذاراً مقبولة خلال الخمسة العشر يوماً التالية وبالتالي فإن إعادته إلى الخدمة بالتسوية التي أجريت والسابق الإشارة إليها إنما هي من قبيل التعيين المبتدأ الذي لم يستوف الشروط المتطلبة قانوناً. وبناء على هذه الفتوى أنهيت خدمة المدعي اعتباراً من 1/ 7/ 1956.
ومن حيث إن فصل الموظف من الخدمة بالتطبيق للمادة (112) السالفة الذكر إنما يقوم على قرينة قانونية هي اعتبار الموظف مستقيلاً إذا انقطع عن العمل مدة خمسة عشر يوماً متتالية ولم يقدم أعذاراً مقبولة خلال الخمسة عشر يوماً التالية، فإذا ما أبدى الموظف العذر من أول يوم انقطع فيه عن العمل فقد انتفى القول بأن انقطاعه كان للاستقالة وبالتالي تنتفي القرينة القانونية التي رتبها القانون على هذا الانقطاع حتى ولو تبين فيما بعد أن الأعذار غير صحيحة وفي هذه الحالة قد يكون الموظف محلاً للمؤاخذة التأديبية غير الفصل المنصوص عليه في المادة (112) المذكورة.
ومن حيث إن المدعي قد أخطر من أول يوم انقطع فيه عن العمل عن سبب انقطاعه وهو المرض وطلب توقيع الكشف الطبي عليه ثم تظلم فوراً من نتيجة الكشف وطالب بإعادة الكشف فأجيب إلى ذلك فتظلم لثاني مرة وفي ثاني يوم من توقيع الكشف عليه وطلب بأن يكون الكشف بمعرفة القومسيون الطبي العام فأجيب أيضاً إلى طلبه وكشف عليه يوم 20/ 3 سنة 1954 وقرر القومسيون بأن صحته طبيعية ويعود إلى عمله وقد عاد فعلاً اعتباراً من يوم 21/ 3/ 1954 وبذلك فقد انتفت القرينة القانونية التي رتبها القانون على الانقطاع عن العمل لفترة معينة وبالتالي فلا يسري في شأن المدعي الحكم الذي أوردته المادة (112) المشار إليها، ومن ثم يكون القرار الصادر في 25 من مارس سنة 1954 بفصل المدعي من الخدمة بالتطبيق لهذه المادة أو بالتنفيذ لها قد صدر على غير أساس من القانون وفي غير الأحوال الموجبة لذلك، وعلى هذا الأساس يكون القرار الصادر بتسوية المدة التي غابها المدعي واعتبارها غياباً بدون مرتب هو قرار صحيح من ناحية ما تضمنه من سحب لقرار 25 من مارس سنة 1954 بفصل المدعي من الخدمة والسحب في هذه الحالة مطلق من أي قيد زمني، كذلك القرار الصادر باعتبار خدمة المدعي منتهية اعتباراً من 1/ 7/ 1956 فإنه قد صدر تأسيساً على ما أفتت به إدارة الفتوى والتشريع من عدم جواز سحب القرار الصادر بالفصل بالاستناد إلى المادة 112 السالفة الذكر بحجة أن الفصل في هذه الحالة مصدره القانون وليس القرار الإداري الذي لا يعدو أن يكون كاشفاً عن مركز قانوني وجد فعلاً من قبل، وما دام رأي هذه المحكمة قد انتهى إلى عدم انطباق الشروط المتطلبة في المادة (112) والتي من مقتضاها اعتبار المدعي مستقيلاً من الخدمة - فإنه لا معدى من اعتبار الفصل مبنياً على القرار الصادر في 25 من مارس سنة 1954 وليس القانون وعلى ذلك يكون جائزاً سحبه لمخالفته القانون وبالتالي تكون إجراءات السحب صحيحة ومنتجة لكافة آثارها القانونية وأن كل ما ترتب بعد ذلك من إنهاء لخدمة المدعي قد وقع على غير محل.
ومن حيث إن المدعي وإن حصر طلباته في إلغاء القرار الصادر في 7/ 6 سنة 1956 بإنهاء خدمته اعتباراً من أول يوليه سنة 1956 فإنه لا جدال في أن هذا القرار قد صدر تأسيساً على قيام الفصل الصادر في 15 من مارس سنة 1954 والذي سحبته الجهة الإدارية على النحو السالف بيانه ثم ولما لم تقرها الجهة القانونية على هذا التصرف عادت وأنهت مدة خدمة المدعي بالقرار الصادر في 7/ 6/ 1956، وعلى ذلك فإن طعن المدعي في هذا القرار إنما يتضمن الطعن في قرار 25 من مارس سنة 1954 الذي بني عليه القرار المطعون فيه والذي لا يعدو أن يكون صادراً تنفيذاً لقرار الفصل الصادر في 25 من مارس سنة 1954.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون المدعي على حق في طلب إلغاء قرار فصله من الخدمة وهو الصادر في 25 من مارس سنة 1954 وما تلاه من قرار بإنهاء خدمته تنفيذاً للقرار الأول.
ومن حيث إن إلغاء قرار الفصل من مقتضاه أن يعود المدعي إلى وظيفته وما يترتب على ذلك من الآثار التي تعتبر من مقتضى حكم الإلغاء.
ومن حيث إن المدعي يطلب الحكم له بمرتبه عن مدة الفصل بدعوى أن ذلك المرتب أثر من الآثار الحتمية المترتبة على إلغاء قرار الفصل.
ومن حيث إن المرتب إنما يمنح مقابل العمل فقد يصدر قرار بالتعيين في الوظيفة ومن ذلك فلا يحتسب الأجر إلا من تاريخ تسلم العمل وليس من تاريخ صدور قرار التعيين وقد تطول الفترة بينهما، ولا تفيد المحاجة بأن الحكم إذ قضى بإلغاء قرار الفصل فإن معناه عدم مشروعية القرار المذكور وأن المدعي منع من مباشرة عمله نتيجة لهذا القرار المخالف للقانون ويكون من حقه إذن أن يتقاضى مرتبه كاملاً عن مدة فصله لأن امتناعه كان لسبب خارج عن إرادته، لا حجية في ذلك القول لأن العمل غير المشروع أو المخالف للقانون إنما تسأل عنه الإدارة بدعوى تعويض متى توافرت عناصرها ومقوماتها التي توجب المسئولية وهذا الأمر متروك للمدعي ومن حقه إذا شاء أن يلج هذا الباب.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرار الصادر في 25 من مارس سنة 1954 بفصل المدعي من الخدمة وذلك على الوجه المبين بالأسباب وألزمت الحكومة المصروفات.