مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1961 إلى آخر يناير سنة 1962) - صـ 237

(27)
جلسة 13 من يناير سنة 1962

برياسة السيد/ سيد إبراهيم الديواني نائب رئيس المجلس وعضوية السادة الدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل وعبد الفتاح نصار ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 977 لسنة 5 القضائية

( أ ) طعن - موطن - ميعاد مسافة - فكرة الموطن في القانون المدني - أنواعه - موطن أعمال الحرفة - تعلق دعوى التعويض عن الأضرار بسبب التراخي في منح ترخيص بفتح صيدلية كائنة بكفر الشيخ - إضافة ميعاد مسافة إلى ميعاد الطعن في الحكم الصادر فيها - أساس ذلك.
(ب) قرار إداري بسحب القرار الضمني - صيدلية - الموافقة الضمنية على منح الترخيص بفتحها المستفادة من مرور وقت معين على تقديم الطلب - مناطها كون الطلب مستوفياً الشروط الواردة بالقانون - تخلف أحدها لا يمنع الإدارة من سحب هذه الموافقة الضمنية فيما لو سلم جدلاً بقيامها وذلك خلال ميعاد الستين يوماً - أساس ذلك.
1 - إن القانون المدني تخطى فكرة وحدة الموطن، فصور الموطن تصويراً واقعياً يستجيب للحاجات العملية ويتفق مع المبادئ المقررة في الشريعة الإسلامية فجعل إلى جانب الموطن الذي يعينه الشخص باختياره من جراء إقامته المعتادة فيه ثلاثة أنواع من الموطن: موطناً لأعمال حرفته وموطناً حكمياً في حالة الحجز والغيبة وموطناً مختاراً لعمل قانوني معين. وبالنسبة لموطن الأعمال نصت المادة 41 من القانون المذكور على أن "يعتبر المكان الذي يباشر فيه الشخص تجارة أو حرفة موطناً بالنسبة إلى إدارة الأعمال المتعلقة بهذه التجارة أو الحرفة".
وتطبيقاً لما تقدم، فإنه إذا كان الثابت أن الدعوى التي صدر فيها الحكم المطعون فيه تتعلق بطلب تعويض عما لحق الطاعن من أضرار مادية وأدبية بسبب تراخي وزارة الصحة في منحه الترخيص بفتح صيدلية بكفر الشيخ، فهي إذن ترتبط بإدارة أعماله المتعلقة بهذه الصيدلية، ومن ثم فمن حق الطاعن بالتطبيق لنص المادة 41 المشار إليها أن تعتبر هذه الصيدلية الكائنة بكفر الشيخ موطناً بالنسبة لما يتخذ من إجراءات في هذه الدعوى، بغض النظر عن إقامته المعتادة في الجيزة وعن أن له صيدلة أخرى بالقاهرة، وإن كان ذلك فإن له بالتطبيق للمادة 21 من قانون المرافعات إضافة ميعاد مسافة قدره يومان إلى ميعاد الطعن في الحكم الصادر في الدعوى سالفة الذكر، فيكون آخر يوم في ميعاد الطعن هو يوم 15 من يونيه سنة 1959، ولما كان هذا اليوم هو أول يوم في عطلة عيد الأضحى فإن الميعاد يمتد إلى أول يوم عمل وهو يوم 20 من يونيه سنة 1959 وهو اليوم الذي قرر فيه الطاعن بالطعن.
2 - إن افتراض موافقة المصلحة بمرور ثلاثين يوماً على تقديم الطلب مستوفياً إلى إدارة الصيدليات دون الإجابة عليه مناطه أن يكون ذلك مستوفياً للشروط الواردة بالقانون رقم 127 لسنة 1955 في شأن مزاولة مهنة الصيدلة، أما إذا تبين من المعاينة أن هذه الشروط غير متوافرة أما لعدم مطابقة البيانات الواردة بالطلب للواقع أو لإغفال ذكر بعضها فإن هذه الموافقة الضمنية لا يمكن أن تقيد المصلحة، لأن الأمر يتعلق بسلطة مقيدة بشروط معينة في منح الرخص لا يمكن التحلل منها وحتى لو كانت هناك موافقة صريحة لا ضمنية أو افتراضية، ومع ذلك فلو سلم جدلاً بقيام هذا القرار الضمني بالموافقة فإنه مما لا شك فيه أن للمصلحة أن ترجع فيه وتسحبه خلال الستين يوماً التالية لصدوره.


إجراءات الطعن

في 20 من يونيه سنة 1959 أودع الأستاذ أحمد زغلول المحامي سكرتيرية هذه المحكمة بالنيابة عن السيد/ نوار إبراهيم عريضة طعن في الحكم الصادر بتاريخ 14 من إبريل سنة 1959 من محكمة القضاء الإداري (هيئة منازعات الأفراد والهيئات) في الدعوى رقم 482 لسنة 11 القضائية المقامة من السيد/ نوار إبراهيم ضد وزارة الصحة والذي يقضي برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات وطلب الطاعن للأسباب المبينة بعريضة طعنه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام وزارة الصحة بأن تدفع للمدعي مبلغ عشرة آلاف جنيه مصري وفوائده القانونية من وقت المطالبة الرسمية حتى تمام الوفاء والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وأعلنت صحيفة الطعن إلى وزارة الصحة في 28 من يوليه سنة 1959. وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 23 من أكتوبر سنة 1960 وأبلغ الطرفان في 16 من أكتوبر سنة 1960 بميعاد هذه الجلسة. وتدوول الطعن في الجلسات حتى جلسة 23 من إبريل سنة 1961 وفيها قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة العليا بجلسة 10 من يونيه سنة 1961 وتدوول الطعن في الجلسات حتى 26 من نوفمبر سنة 1961 وفيها أرجئ النطق بالحكم لجلسة اليوم وفيها صدر الحكم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع إيضاحات ذوي الشأن وبعد المداولة.
من حيث إن هيئة مفوضي الدولة رأت في تقريرها المقدم في جلسة 26 من فبراير سنة 1961 الحكم بعدم قبول الطعن شكلاً، لأن الطاعن أودع تقريره بالطعن بتاريخ 20 من يونيه سنة 1959، هذا على حين أن الحكم المطعون فيه قد صدر في 14 من إبريل سنة 1959.
ومن حيث إن الطاعن رد على هذا الدفع بأنه كان مقيماً بكفر الشيخ وهي تبعد عن القاهرة بنحو 121 كيلو متر. وأنه لذلك يضاف ميعاد مسافة قدره يومان طبقاً للمادة 21 من قانون المرافعات فيكون آخر يوم في ميعاد الطعن هو يوم 15 من يونيه سنة 1959، وإذ كان هذا اليوم يوم عطلة وقفة عيد الأضحى، فإن الميعاد يمتد إلى يوم 20 من يونيه سنة 1959 أول يوم من أيام العمل بعد انتهاء عطلة العيد وهو اليوم الذي قرر فيه بالطعن. واستند في إثبات إقامته بكفر الشيخ إلى التوكيل المودع في الطعن والصادر في 20 من يونيه سنة 1959 للمرحوم الأستاذ أحمد زغلول المحامي وإلى عريضة الدعوى رقم 482 لسنة 11 القضائية وإلى عريضة تعديل الطلبات التي أعلنت بتاريخ 21 من ديسمبر سنة 1958. ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة عقبت على رد الطاعن في تقريرها المقدم في جلسة 23 من إبريل سنة 1961 فأشارت إلى أن التوكيل الصادر في 20 من يونيه سنة 1959 للمرحوم الأستاذ أحمد زغلول وثق بمكتب توثيق الجيزة وإن كان قد أشير فيه إلى بطاقة شخصية برقم 8166 لسنة 1958 صادرة من بندر كفر الشيخ وإلى أن عريضة تعديل الطلبات المعلنة في 21 من ديسمبر سنة 1958 ذكرت عند تناولها الأضرار المادية تأخير الطاعن في دفع إيجار الشقة بالجيزة (الهرم) وعند تناولها الأضرار الأدبية ذكرت أنه كان يقطن بالجيزة (الهرم) ووقع الحجز على منقولاته. وأشارت هيئة المفوضين إلى أن الطاعن أثبت في عريضة الدعوى رقم 482 لسنة 11 القضائية أن محل إقامته هو بصيدلية بشارع أحمد ماهر بكفر الشيخ، ثم أضافت هيئة المفوضين إلى ذلك أن الأوراق المقدمة من الطاعن في الدعوى تثبت بجلاء أنه يقيم فعلاً برقم 454 شارع الهرم بالجيزة. وأنه أيد إقامته بطلبه في 11 من إبريل سنة 1960 من سكرتيرية المحكمة الإدارية العليا بأن يكون إعلانه بعنوان "الدكتور نوار إبراهيم صاحب أجزاخانة الأزهار رقم 71 شارع نوبار بميدان الأزهار أمام وزارة الأوقاف" وانتهت هيئة المفوضين إلى أن الطاعن قد اتخذ لنفسه محلاً للإقامة في القاهرة والجيزة وكفر الشيخ وإن كانت إقامته بالقاهرة والجيزة أرجح من إقامته بكفر الشيخ.
ومن حيث إن القانون المدني تخطى فكرة وحدة الموطن، فصور الموطن تصويراً واقعياً يستجيب للحاجات العملية ويتفق مع المبادئ المقررة في الشريعة الإسلامية فجعل إلى جانب الموطن الذي يعينه الشخص باختياره من جراء إقامته المعتادة فيه ثلاثة أنواع من الموطن: موطناً لأعمال حرفته وموطناً حكمياً في حالة الحجز والغيبة وموطناً مختاراً لعمل قانوني معين. وبالنسبة لموطن الأعمال نصت المادة 41 من القانون المذكور على أن "يعتبر المكان الذي يباشر فيه الشخص تجارة أو حرفة موطناً بالنسبة إلى إدارة الأعمال المتعلقة بهذه التجارة أو الحرفة".
ومن حيث إن الدعوى التي صدر فيها الحكم المطعون فيه تتعلق بطلب تعويض عما لحق بالطاعن من أضرار مادية وأدبية بسبب تراخي وزارة الصحة في منحه الترخيص بفتح صيدلية بكفر الشيخ، فهي إذن ترتبط بإدارة أعماله المتعلقة بهذه الصيدلية، ومن ثم فمن حق الطاعن بالتطبيق لنص المادة 41 المشار إليها أن تعتبر هذه الصيدلية الكائنة بكفر الشيخ موطناً بالنسبة لما يتخذ من إجراءات في هذه الدعوى، بغض النظر عن أن إقامته المعتادة في الجيزة وعن أن له صيدلة أخرى بالقاهرة، وإذا كان ذلك فإن له بالتطبيق للمادة 21 من قانون المرافعات إضافة ميعاد مسافة قدره يومان إلى ميعاد الطعن في الحكم الصادر في الدعوى سالفة الذكر، فيكون آخر يوم في ميعاد الطعن هو يوم 15 من يونيه سنة 1959، ولما كان هذا اليوم هو أول يوم في عطلة عيد الأضحى فإن الميعاد يمتد إلى أول يوم عمل وهو يوم 20 من يونيه سنة 1959 وهو اليوم الذي قرر فيه الطاعن بالطعن.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 482 لسنة 11 القضائية ضد وزارة الصحة بصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري بتاريخ 24 من يناير سنة 1957 بطلب الحكم أولاً - بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار السلبي بالامتناع عن صرف رخصة الصيدلية الجديدة بكفر الشيخ - ثانياً - وفي الموضوع بإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن صرف رخصة الصيدلية المذكورة. وقال بياناً لدعواه أنه تقدم إلى وزارة الصحة بطلب للحصول على ترخيص بفتح صيدلية بكفر الشيخ باسم الصيدلية الجديدة وقد تلقت الوزارة طلبه في 15 من مارس سنة 1956 وكان وافياً على النحو المنصوص عليه في المادة 12 من القانون رقم 127 سنة 1955 ثم مضى ما يزيد على الثلاثين يوماً دون أن يتلقى رداً وهو ما يستفاد منه طبقاً للمادة المذكورة أن الوزارة وافقت ضمناً على الترخيص فسار في سبيل إتمام الاشتراطات الصحية التي نص عليها القرار الوزاري الصادر في 5 من مايو سنة 1955. غير أنه فوجئ في 18 من إبريل سنة 1956 بعد فوات 30 يوماً من تاريخ تقديم طلبه بكتاب من مصلحة الصيدليات تخطره فيه برفض الموقع، مع أن الوزارة كانت قد عاينت الموقع في 4 من إبريل سنة 1956 وأعلنته ببعض الاشتراطات الصحية الناقصة ومنحته مهلة قدرها 30 يوماً لإتمامها. ولما أتم الاشتراطات الصحية المطلوبة أنذر الوزارة في 22 من مايو سنة 1956. ولكنها توقفت عن صرف الرخصة. وعرض الأمر على إدارة الفتوى والتشريع بمجلس الدولة فأفتى في 9 من أغسطس سنة 1956 بأنه اكتسب حق الموافقة على الموقع وله الحق في إتمام السير في إجراءات الترخيص. ومع ذلك فقد أصرت الوزارة على موقفها وأجابت الوزارة على الدعوى بأن نتيجة المعاينة لم ترد لها إلا بتاريخ 14 من إبريل سنة 1956 وتبين منها أن المسافة غير قانونية إذ يحتم القانون ألا تقل المسافة بين أقرب صيدلية عن 200 متر على حين أن المسافة بين الموقع الذي اختاره الطاعن وبين أقرب صيدلية هي 25 متراً. وبجلسة 12 من مارس سنة 1957 قضت محكمة القضاء الإداري برفض طلب وقف التنفيذ. وأقامت قضاءها على أن افتراض موافقة المصلحة بمرور ثلاثين يوماً على تقديم الطلب مستوفياً إلى إدارة الصيدليات دون الإجابة عليه مناطه أن يكون ذلك مستوفياً للشروط الواردة بالقانون. أما إذا تبين من المعاينة أن هذه الشروط غير متوافرة أما لعدم مطابقة البيانات الواردة بالطلب للواقع أو لإغفال ذكر بعضها فإن هذه الموافقة الضمنية لا يمكن أن تقيد المصلحة، لأن الأمر يتعلق بسلطة مقيدة بشروط معينة في منح الرخص لا يمكن التحلل منها وحتى لو كانت هناك موافقة صريحة لا ضمنية أو افتراضية، ومع ذلك فلو سلم جدلاً بقيام هذا القرار الضمني بالموافقة فإنه مما لا شك فيه أن للمصلحة أن ترجع فيه وتسحبه خلال الستين يوماً التالية لصدوره. ثم عينت جلسة 7 من يناير سنة 1958 لنظر الموضوع وفيها قرر الطاعن أن الوزارة منحته الترخيص المطلوب. وبصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري بتاريخ 20 من ديسمبر سنة 1958 عدل الطاعن طلباته إلى الحكم له بتعويض قدره عشرة آلاف جنيه والفوائد عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقته من تراخي الوزارة في منحه الترخيص من تاريخ مضي ثلاثين يوماً على تقديم طلبه إلى 9 من سبتمبر سنة 1957 تاريخ تسليمه الترخيص وأجابت الوزارة على طلب التعويض بأنها لم ترتكب خطأ عندما رفضت الترخيص للطاعن بفتح الصيدلية فلا تجوز مطالبتها بتعويض عن ذلك وأن منح الطاعن الترخيص بعد ذلك كان تنفيذاً لما أفتت به إدارة الفتوى والتشريع بمجلس الدولة وهو بذاته لا يصح أن يكون أساساً لدعوى المسئولية، وبجلسة 14 من إبريل سنة 1959 قضت محكمة القضاء الإداري برفض الدعوى وأقامت قضاءها على ما سبق أن أقامت به قضاءها برفض طلب وقف التنفيذ وأضافت أن قيام الجهة الإدارية فيما بعد بالترخيص للطاعن بفتح الصيدلية لم يكن لظهور عيب شاب القرار الصادر منها برفض الترخيص له وإنما كان مرد ذلك امتثالها لفتوى إدارة الفتوى والتشريع بمجلس الدولة تستند فيها إلى أن مضى الثلاثين يوماً دون الإجابة يعتبر موافقة ضمنية على الترخيص.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن نص المادة 12 من القانون رقم 127 لسنة 1955 نص صريح لا يحتاج إلى تأويل أو اجتهاد وأن ميعاد الثلاثين يوماً ميعاد حتمي.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه صحيح للأسباب التي بني عليها والتي تأخذ بها هذه المحكمة وفي هذه الأسباب الغناء في الرد على أوجه الطعن، ويتعين لذلك القضاء برفض الطعن موضوعاً وإلزام المدعي المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً وألزمت المدعي المصروفات.