مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1961 إلى آخر يناير سنة 1962) - صـ 243

(28)
جلسة 13 من يناير سنة 1962

برياسة السيد/ سيد إبراهيم الديواني نائب رئيس المجلس وعضوية السادة الدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل وعبد الفتاح نصار ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 859 لسنة 7 القضائية

( أ ) اختصاص - قرارات نقل الموظف - مدى اختصاص القضاء الإداري بطلبات إلغائها - ثبوت اختصاصه بالنسبة لقرار النقل إلى وظيفة درجتها أدنى أو إلى كادر أدنى أو أقل مزايا، وقرار النقل الذي يفوت الدور في الترقية بالأقدمية في الجهة المنقول منها، وذلك الذي ينطوي على جزاء مقنع - مرد الاختصاص بإلغاء هذه القرارات - العبرة في ذلك بتكييف المدعي لدعواه - مثال.
(ب) جامعات - نقل أعضاء هيئة التدريس إلى كلية أخرى بالجامعة ذاتها أو بغيرها أو إلى وظيفة عامة أخرى - المادة 98 من القانون رقم 508 لسنة 1954 بإعادة تنظيم الجامعات المصرية - القيد الزمني الذي حددته هذه المادة بمدة سنة - اقترانه بالتوصية بالنقل ذاتها وموافقة وزير التربية والتعليم عليها - جواز إجراء النقل بعد انقضاء السنة المذكورة في هذه الحالة - أساس ذلك.
(جـ) جامعات - نقل أعضاء هيئة التدريس وفقاً لنص المادة 98 من القانون رقم 508 لسنة 1954 - ترخص الجامعة في هذا النقل وفق مقتضيات المصلحة العامة - مدى رقابة القضاء الإداري على القرارات الصادرة في هذا الشأن - وقوفها عند حد المشروعية فلا تجاوزها إلى مناسبات إصدارها.
1 - إن ما أثاره مفوض الدولة في تقريره بشأن عدم اختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى استناداً إلى أن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري معقود بما نص عليه في المادة 8 من قانون تنظيمه وليس منها قرارات النقل والندب، مردود بأن من بين القرارات الموصوفة بأنها قرارات نقل ما يتعين على محكمة القضاء الإداري أن تقول كلمتها حيالها منها القرار الذي يقضي بنقل موظف إلى وظيفة تقل درجتها عن درجته أو كادر تقل مزاياه عن مزايا الكادر الذي ينتمي إليه وذلك الذي يتسبب عنه تفويت دور الموظف المنقول في الترقية بالأقدمية في الجهة المنقول منها والآخر الذي ينطوي على جزاء مقنع ومرد الاختصاص في شأن هذه القرارات يرجع إلى ما يعيبها سواء لمخالفتها نص المادة 47 من قانون التوظف أو بصدورها مشوبة بالانحراف بالسلطة وتنكب وجه المصلحة العامة بإعطاء أسباب ظاهرية للنقل حالة أنها تخفي في الواقع هدفاً غير مشروع. والعبرة في تعيين اختصاص المحكمة بالنزاع هي بتكييف المدعي لدعواه وهو في الدعوى الحالية يشخص دعواه على أن القرار المطعون فيه إذ قضى بنقله من وظيفة أستاذ مساعد بجامعة القاهرة إلى وظيفة أخصائي بوزارة الصحة قد ترتب عليه تنزيله من كادر له مزايا خاصة إلى كادر أدنى وذلك بالمخالفة للقانون، فضلاً عما يشوبه من إساءة استعمال السلطة.
2 - تنص المادة 98 من القانون رقم 508 لسنة 1954 بإعادة تنظيم الجامعات المصرية على أنه "استثناء من أحكام هذا القانون يجوز للمجلس الأعلى للجامعات خلال سنة من تاريخ العمل به أن يوصى بنقل أعضاء هيئة التدريس من كلية لأخرى بالجامعات ذاتها أو بغيرها أو إلى وظيفة عامة أخرى.
ويكون النقل في هذه الحالة بقرار من وزير التربية والتعليم. ويصدر القرار بالنسبة إلى من يتقرر نقلهم خارج الجامعة بعد الاتفاق مع الجهات التي ينقلون إليها" ويستفاد من هذا النص أن القيد الزمني الذي حدده بمدة سنة إنما اقترن بتوصية المجلس الأعلى للجامعات ذاتها وموافقة وزير التربية والتعليم عليها ومن ثم فهو مقصور عليها ولا يتعدى إلى إجراء النقل الذي يصدر تنفيذاً لها والذي لم يقيده الشارع بأي قيد اللهم إلا أن يصدر بقرار من وزير التربية والتعليم، وبعد الاتفاق مع الجهات التي يتم النقل إليها بالنسبة لمن ينقلون خارج الجامعة. ومن الواضح أن القول بغير ذلك واشتراط صدور التوصية وكذلك إجراء النقل خلال السنة التي حددها النص المشار إليه من قبيل لزوم ما لم يستلزمه النص ذاته، خاصة وأنه يتنافى مع ما ارتآه الشارع من تعليق إجراء هذا النقل على الاتفاق مع الجهات التي تم النقل إليها وهذا الإجراء على هذا النحو لا شك مرهون باعتبارات تخرج عن سلطان الجامعة نفسها، فضلاً عن أن النقل لا يعدو أن يكون عملاً تنفيذياً لا يغير من طبيعة انعقاد التوصية في شأنهم بصفة نهائية محددة للمركز القانوني بالنسبة لأعضاء هيئة التدريس الذين أوصت الجامعة بنقلهم ووافق وزير التربية والتعليم على نقلهم فعلاً إلى وظائف أخرى خارج الجامعات.
3 - إن المادة 98 من القانون رقم 508 لسنة 1954 بإعادة تنظيم الجامعات المصرية انطوت على تخويل جهة الإدارة بالجامعة رخصة بنقل أعضاء هيئة التدريس من كلية لأخرى بالجامعة ذاتها أو بغيرها أو إلى وظيفة عامة أخرى.
وهذه الرخصة من الملاءمات المتروكة لجهة الإدارة القائمة في الجامعة تمارسها وفق مقتضيات المصلحة العامة، وغني عن القول أن نشاط القضاء الإداري في وزنه للقرارات الإدارية الصادرة في هذا الشأن ينبغي أن يقف عند المشروعية أو عدمها في نطاق الرقابة القانونية فلا يجاوزها إلى مناسبات إصدار هذه القرارات وغير ذلك مما يدخل في نطاق الملاءمة التقديرية التي تملكها الإدارة بغير معقب عليها ما دامت متسمة بإساءة استعمال السلطة.


إجراءات الطعن

بتاريخ 19 من فبراير سنة 1961 أودع السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري هيئة الفصل بغير الطريق التأديبي بجلسة 21/ 12/ 1960 في الدعوى رقم 1494 لسنة 10 القضائية المرفوعة من الدكتور محمد حلمي المنجوري ضد وزارة التربية والتعليم وجامعة القاهرة القاضي "بإلغاء القرار المطعون فيه فيما قضى به من نقل المدعي من وظيفته بهيئة التدريس بجامعة القاهرة إلى وظيفة أخصائي بوزارة الصحة بما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الجامعة عليها مصاريف الدعوى ومبلغ خمسمائة قرشاً مقابل أتعاب المدعي. وطلبت إدارة قضايا الحكومة للأسباب التي استند إليها في صحيفة الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقد أعلن الطعن إلى المدعي في 14/ 3/ 1961، وعين لنظره جلسة 25/ 6/ 1961 أمام دائرة فحص الطعون وبعد أن تدوولت الدعوى بالجلسات التالية قررت المحكمة إحالتها إلى المحكمة الإدارية العليا وحددت لذلك جلسات 18/ 11/ 1961 وفيها سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من ملاحظات ذوي الشأن، ثم أرجأت إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن المدعي أقام دعواه طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من وزير التربية والتعليم بندبه من جامعة القاهرة إلى وزارة الصحة، ثم عدل طلباته أثناء سير الدعوى إلى طلب إلغاء نقله إلى وزارة الصحة الصادر به قرار بتاريخ 24/ 3/ 1957. وقال في بيان ذلك أنه تخرج من مدرسة طب الأسنان سنة 1929 وعين معيداً بها ثم أوفد في بعثة للخارج للحصول على دبلوم جراحة وطب الأسنان، ولما عاد إلى مصر في يونيه سنة 1933 بعد حصوله على هذا الدبلوم واصل عمله بالتدريس بالجامعة وظل يتدرج في وظائفها حتى عين أستاذاً مساعداً في 21/ 12/ 1949 وفي 7/ 12/ 1955 أخطرته كلية طب القصر العيني بأن جامعة القاهرة قررت في 26/ 11/ 1955 إخلاء طرفه حيث وافق وزير التربية والتعليم على ندبه للعمل بوزارة الصحة، وإذ كان المدعي يرى أن قرار الندب المشار إليه مقدمة لنقله نهائياً من الكلية فإنه ينعى عليه بطلانه لمخالفته المادة 64 من القانون رقم 508 لسنة 1954 لعدم أخذ رأي مجلس الكلية وكذلك بصدوره مشوباً بإساءة استعمال السلطة إذ يحرمه بغير مبرر من مزايا تطبيق كادر هيئة التدريس ويضعه في الكادر العادي فضلاً عن أن هذا القرار لم يقصد به وجه المصلحة العامة ما دام أن السبب الذي بني عليه الندب وهو عدم حصوله على درجة دكتوراه لا يصلح لتبريره طالما أنه لا يزال بالجامعة زملاء له لم يحصلوا على هذه الدرجة. ثم استند في طلب إلغاء القرار الصادر بنقله إلى أن النقل تم بغير قبوله وأنه من قبيل النقل النوعي بالنظر إلى نقله لوظيفة تختلف شروط التعيين فيها والمؤهلات وأسس الترقي عنها في وظائف أعضاء هيئة التدريس بالجامعة كما أنه علاوة على ذلك فإن هذا النقل مشوب بإساءة استعمال السلطة حيث لم يكن المقصود من إخراجه من الجامعة سوى ترقية طبيب آخر على درجته وآية ذلك ما ورد بخطابات الجامعة التي تطلب فيها إخلاء مكانه بتدبير درجة له في ميزانية وزارة الصحة لحاجة الجامعة لشغل درجته وكل ذلك في الوقت الذي استبقت الجامعة في هيئة التدريس أعضاء لم يحصلوا على درجة الدكتوراه وهم دونه كفاية وأحدث منه تخرجاً وتعييناً في الوظيفة والذي يؤكد تميزه عنهم في الكفاية شهادة الخبراء الأجانب وأن جامعة الإسكندرية قد ندبته دونهم للتدريس بها سنة 1953 زيادة على عمله في جامعة القاهرة.
وأجابت الجهة الإدارية على الدعوى بأن قرار ندب المدعي من الجامعة بوزارة الصحة صحيح من حيث الشكل والموضوع إذ صدر استناداً إلى المادة 98 من القانون رقم 508 لسنة 1954 التي أعطت المجلس الأعلى للجامعات الحق في التوصية بنقل أعضاء هيئة التدريس في كلية إلى أخرى بالجامعة ذاتها أو بغيرها أو إلى وظيفة عامة أخرى وذلك خلال سنة من تاريخ العمل بالقانون المذكور، وهو صحيح في الموضوع لأن المجلس الأعلى للجامعات بحث بجلسته المنعقدة في 21/ 7/ 1955 حالة أعضاء هيئة التدريس بمدرسة طب الأسنان بمناسبة التفكير في تحويلها إلى كلية فعرضت حالة كل من المدعي وزملائه الأساتذة المساعدين الدكتور محمد عبد الحميد والدكتور محمد سعيد برادة، وأثبت في محضر الجلسة أن الدكتور حندوسة عميد كلية الطب وقتئذ أجاب عن مؤهلات المدعي بأنه كزميليه الآخرين غير حاصل على مؤهل جامعي عال وأشار إلى عدم استعداد الدكتور محمد عبد الحميد للانسجام مع زملائه وأضاف الدكتور حندوسة بأنه يمكن استبدال المدعي الدكتور حلمي المنجوري ومحمد عبد الحميد بعضوين آخرين من جامعة الإسكندرية غير منسجمين مع زملائهما هناك وعندئذ اعترض الدكتور السعيد مصطفى على هذا الطلب، ثم دارت مناقشات حول شخصيتهم واستعدادهم وبعد المناقشة أوصى المجلس بنقل كل من الأساتذة المساعدين الدكتور حلمي المنجوري المدعي والدكتور محمد عبد الحميد والدكتور سعيد برادة إلى وظيفة خارج الجامعة. وفي 21/ 8/ 1955 وافق وزير التربية والتعليم على توصية المجلس الأعلى للجامعات سالفة الذكر في شأن المدعي وزملائه من أعضاء هيئة التدريس. ثم صدر قرار بندب المدعي إلى وظيفة بوزارة الصحة في 16/ 10/ 1955 تمهيداً لنقله إليها. وبتاريخ 21/ 8/ 1956 وافق وزير التربية والتعليم على نقل المدعي ثم صدر قرار السيد رئيس الجمهورية رقم 237 لسنة 1957 بفتح اعتماد إضافي في ميزانية السنة المالية 1956/ 1957 لوزارة الصحة لمواجهة تكاليف إنشاء وظائف أطباء أسنان من الدرجة الثانية بالكادر الفني العالي وبناء على ذلك صدر قرار مدير الجامعة بتاريخ 20/ 4/ 1957 بتنفيذ قرار نقل الدكتور المنجوري إلى وزارة الصحة اعتباراً من 1/ 2/ 1957، وبذلك تكون التوصية بنقل المدعي صادرة ممن يملكها بالتطبيق للمادة 508 لسنة 1954 في غضون المدة المحددة بموجب الحكم الوقتي الذي جرت به المادة 98 من القانون المذكور ومستهدفة المصلحة العامة في استيفاء ذوي المؤهلات الجامعية العالية في هيئة التدريس.
وبجلسة 21/ 12/ 1960 قضت المحكمة بإلغاء القرار المطعون فيه فيما قضى به من نقل المدعي من وظيفته بهيئة التدريس بجامعة القاهرة إلى وظيفة أخصائي بوزارة الصحة بما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الجامعة المدعى عليها مصاريف الدعوى ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب محامي المدعي. وأقامت المحكمة قضاءها على ما أثاره مفوض الدولة في تقريره بشأن عدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى استناداً إلى أن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري معقود بما نص عليه في المادة 8 من قانون تنظيمه وليس منها قرارات النقل والندب مردود بأن من بين القرارات الموصوفة بأنها قرارات نقل ما يتعين على محكمة القضاء الإداري أن تقول كلمتها حيالها منها القرار الذي يقضي بنقل موظف إلى وظيفة تقل درجتها عن درجته أو كادر تقل مزاياه عن مزايا الكادر الذي ينتمي إليه وذلك الذي يتسبب عنه تفويت دور الموظف المنقول في الترقية بالأقدمية في الجهة المنقول منها والآخر الذي ينطوي على جزاء مقنع. ومرد الاختصاص في شأن هذه القرارات يرجع إلى ما يعيبها سواء لمخالفتها نص المادة 47 من قانون التوظف أو بصدورها مشوبة بالانحراف بالسلطة وتنكب وجه المصلحة العامة بإعطاء أسباب ظاهرية للنقل حالة أنها تخفي في الواقع هدفاً غير مشروع. والعبرة في تعيين اختصاص المحكمة بالنزاع هي بتكييف المدعي لدعواه وهو في الدعوى الحالية يشخص دعواه على أن القرار المطعون فيه إذ قضى بنقله من وظيفة أستاذ مساعد بجامعة القاهرة إلى وظيفة أخصائي بوزارة الصحة قد ترتب عليه تنزيله من كادر له مزايا خاصة إلى كادر أدنى وذلك بالمخالفة للقانون فضلاً عما يشوبه من إساءة استعمال السلطة. وفيما يتعلق بموضوع الدعوى أسست المحكمة قضاءها على أن المادة 98 من القانون رقم 508 لسنة 1954 جرى حكمها الوقتي استثناء من أحكام القانون الخاصة بالنقل الواردة في المادة 63 مشترطة أن يتم النقل خلال سنة من تاريخ العمل بالقانون وهذه السنة كانت تنتهي في 13/ 9/ 1955 وأنه وإن كان الثابت أن توصية المجلس الأعلى للجامعات وموافقة وزير التربية والتعليم على هذه التوصية تمت كلتاهما خلال السنة إلا أن المقصود من النص المشار إليه أن يتم النقل من الجامعة إلى الوظيفة الأخرى خلال هذه السنة، وإذ كان الواضح أن المدعي إنما ندب إلى وزارة الصحة تمهيداً لنقله إليها في 26/ 10/ 1955 ولم ينقل نهائياً إلا في مارس سنة 1957، فإنه يتضح من هذا أن الندب والنقل قد وقع كلاهما بعد انقضاء الفترة المحددة بالمادة 98 من القانون المشار إليه، ومن ثم كان يتعين الرجوع إلى القاعدة العامة في نقل عضو هيئة التدريس وهي المقررة بالمادة 63 والتي توجب عرض الأمر على مجلس الجامعة ثم موافقة المجلس الأعلى للجامعات وما دام لم يتم هذا العرض فإن النقل يكون قد وقع مخالفاً للقانون. وفي ذات الوقت فإن القرار المطعون فيه صدر مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة ذلك أنه وإن كان السبب الذي يبدو أن الجامعة استندت إليه في إخراج المدعي من وظائف هيئة التدريس هو فيما يظهر أنه لم يحصل على درجة الدكتوراه إلا أن الواضح من مناقشات المجلس الأعلى للجامعات أن السبب الحقيقي ليس هو عدم أهلية المدعي لشغل وظيفة أستاذ مساعد لمجرد عدم حصوله على الدكتوراه وإنما هو القول بفقدان الانسجام بينه وبين بعض زملائه بالكلية ولم تكن قاعدة الحصول على الدكتوراه شرطاً وضعه المجلس الأعلى للجامعات بدليل أنه استبقى أعضاء بهيئة التدريس غير حاصلين على هذه الدرجة ولم يوص بنقلهم، يضاف إلى ذلك أن المشرع نفسه في القانون رقم 345 لسنة 1956 الذي حل محل القانون رقم 508 لسنة 1954 لم يرد حرمان الأساتذة المساعدين غير الحاصلين على درجة الدكتوراه من الترقية إلى درجة أستاذ بشروط نصت عليها المادة 192، وقد صدر القانون المذكور ولم يكن المدعي قد تم نقله بعد بصفة نهائية إلى وزارة الصحة.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أنه مع تسليم الجامعة بما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالطلبات المقدمة لإلغاء قرارات ندب ونقل الموظفين في الحالات التي عددها، إلا أنه يتعين عند ما يثبت عدم صحة ما ينسبه المدعي إلى القرار من عيوب أن تحكم بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، كما أن الحكم المطعون أغفل التعرض لبحث مواعيد التظلم ورفع الدعوى للتأكد من إتمام الإجراءات في المواعيد، وبني الطعن من حيث الموضوع على أن المحكمة أسست حكمها على أن كلاً من قراري الندب والنقل صدرا بعد 13/ 9/ 1955 تاريخ انتهاء السنة التي حددها الحكم الوقتي الوارد بالمادة 98 من القانون رقم 508 لسنة 1954، وهذا التفسير لا يتفق ومفاد النص الذي ينصب فقط على سلطة المجلس الأعلى للجامعات في أن تتم التوصية في خلال السنة من تاريخ صدور القانون المذكور. أما النقل فليس له قيد زمني خاصة إذا كان النقل خارج الجامعة يتم بعد الاتفاق مع الجهات المنقول إليها عضو هيئة التدريس فهي مسألة إجراءات تستلزم البحث عن وجود اعتمادات بالميزانيات المنقولين إليها أو طلب فتح اعتماد جديد وهو ما حدث بالنسبة للمدعي. وأما عن القول بأن عدم الانسجام بين المدعي وبين باقي أعضاء هيئة التدريس هو السبب الحقيقي لنقله طبقاً لما جاء بمحضر المجلس الأعلى للجامعات، فإنه يرد على ذلك بأن ما جاء بأقوال العميد بالمحضر من عدم الانسجام إنما كان منسوباً للدكتور عبد الحميد وعضوي هيئة التدريس بجامعة الإسكندرية، ومن ثم فإن المدعي لم يوصف على الإطلاق بأنه غير منسجم مع زملائه، وفضلاً عن ذلك فإن المجلس الأعلى للجامعات لم يأخذ أقوال العميد قضية مسلمة، إذ الثابت أن الدكتور السعيد مصطفى اعترض على أقوال العميد، وترتيباً على ذلك يكون ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه فيما يتعلق بأسباب القرار أو الغاية منه غير صحيح على الإطلاق.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه أصاب الحق في قضائه باختصاص المحكمة بنظر الدعوى للأسباب التي قام عليها والسابق الإشارة إليها والتي تأخذ بها هذه المحكمة.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بمواعيد التظلم ورفع الدعوى التي نوه عنها الطعن، فإنه لم يثبت من الأوراق توفر علم المدعي سواء بقرار الندب أو بقرار النقل موضوع الدعوى علماً يقينياً يحدد مركزه القانوني حيالهما في تاريخ معين يعتمد مبدأ لجريان الميعاد الذي شرطه القانون لذلك، ومن ثم فإن الدعوى تكون قد رفعت في الميعاد مستوفية أوضاعها القانونية ويتعين قبولها شكلاً.
ومن حيث إنه بالنسبة لما قضى به الحكم المطعون فيه في موضوع الدعوى من اشتراط أن تصدر توصية المجلس الأعلى للجامعات بنقل أعضاء هيئة التدريس من كلية لأخرى أو إلى وظيفة عامة أخرى وأن يتم هذا النقل أيضاً في خلال السنة التي حددها القانون رقم 508 لسنة 1954 بإعادة تنظيم الجامعات المصرية، فإن هذا الذي انتهى إليه الحكم المطعون فيه لا يجد له سنداً من صريح نص المادة 98 من القانون المذكور وذلك أن هذا النص وقد جرى بالوضع التالي "استثناء من أحكام هذا القانون يجوز للمجلس الأعلى للجامعات خلال سنة من تاريخ العمل به أن يوصى بنقل أعضاء هيئة التدريس من كلية لأخرى بالجامعة ذاتها أو بغيرها أو إلى وظيفة عامة أخرى.
ويكون النقل في هذه الحالة بقرار من وزير التربية والتعليم.
ويصدر القرار بالنسبة إلى من يتقرر نقلهم خارج الجامعة بعد الاتفاق مع الجهات التي ينقلون إليها" فإن هذا القيد الزمني الذي حدده النص بمدة سنة، إنما اقترن بالتوصية ذاتها وموافقة وزير التربية والتعليم عليها ومن ثم فهو مقصود عليها ولا يتعدى إلى إجراء النقل الذي يصدر تنفيذاً لها والذي لم يقيده الشارع بأي قيد اللهم إلا أن يصدر بقرار من وزير التربية والتعليم وبعد الاتفاق مع الجهات التي يتم النقل إليها بالنسبة لمن ينقلون خارج الجامعة. ومن الواضح أن القول بغير ذلك واشتراط صدور التوصية وكذلك إجراء النقل خلال السنة التي حددها النص المشار إليه من قبيل لزوم ما لم يستلزمه النص ذاته، خاصة وأنه يتنافى مع ما ارتآه الشارع من تعليق إجراء هذا النقل على الاتفاق مع الجهات التي تم النقل إليها وهذا الإجراء على هذا النحو لا شك مرهون باعتبارات تخرج عن سلطان الجامعة نفسها، فضلاً عن أن النقل لا يعدو أن يكون عملاً تنفيذياً لا يغير من طبيعة انعقاد التوصية في شأنهم بصفة نهائية محددة للمركز القانوني بالنسبة لأعضاء هيئة التدريس الذين أوصت الجامعة بنقلهم ووافق وزير التربية والتعليم على نقلهم فعلاً إلى وظائف أخرى خارج الجامعة.
ومن حيث إن المادة 98 من القانون رقم 508 لسنة 1954 سالفة الذكر انطوت على تخويل جهة الإدارة بالجامعة رخصة بنقل أعضاء هيئة التدريس من كلية لأخرى بالجامعة ذاتها أو بغيرها أو إلى وظيفة عامة أخرى، وهذه الرخصة من الملاءمات المتروكة لجهة الإدارة القائمة في الجامعة تمارسها وفق مقتضيات المصلحة العامة، وغني عن القول أن نشاط القضاء الإداري في وزنه للقرارات الإدارية الصادرة في هذا الشأن ينبغي أن يقف عند حد المشروعية أو عدمها في نطاق الرقابة القانونية فلا يجاوزها إلى مناسبات إصدار هذه القرارات وغير ذلك مما يدخل في نطاق الملاءمة التقديرية التي تملكها الإدارة بغير معقب عليها ما دامت غير متسمة بإساءة استعمال السلطة.
ومن حيث إنه بالرجوع إلى أوراق الدعوى يبين أن المجلس الأعلى للجامعات قد قرر بجلسته المنعقدة في 21/ 7/ 1955 التوصية بنقل المدعي وعدد من زملائه إلى وظيفة خارج الجامعة وبتاريخ 21/ 8/ 1955 وافق وزير التربية والتعليم على هذه التوصية على أن تستمر الجامعة في صرف مرتباتهم حتى تحدد لهم الأماكن المناسبة، وإذ كان الثابت مما دون بمحضر الجلسة المشار إليها أن أعضاء المجلس بعد أن استعرضوا المؤهلات والدرجات العلمية التي يحملها هؤلاء الأعضاء تناقشوا فيما يتعلق بشخصهم واستعدادهم وعندئذ أصدروا توصيتهم بنقلهم مستندة إلى هذه الاعتبارات جميعاً، فإنه تأسيساً على ذلك تكون التوصية بنقل المدعي إلى وظيفة خارج الجامعة لوحظ فيها علاوة على مؤهله شخصيته واستعداده، وبهذه المثابة يكون عدم حصوله على مؤهل جامعي عال (دكتوراه) هو مجرد عنصر من العناصر لا كلها. كما أنه ليس بصحيح ما يذهب إليه المدعي والحكم المطعون فيه أيضاً من أن السبب الثاني هو عدم انسجامه مع زملائه طالما أن الواضح من محضر الجلسة ذاتها أن عدم الانسجام كان مسنداً إلى الدكتور محمد عبد الحميد، وترتيباً على ذلك تكون الجامعة قد أعملت الرخصة المخولة لها بالنسبة للمدعي في خلال المدة التي شرطها القانون وأصدرت قرارها في شأنه بسلطتها التقديرية للاعتبارات المنوه عنها ووافق وزير التربية والتعليم عليه في 21 من أغسطس سنة 1955، كما سلف إيضاحه، وما دام لم يقم دليل على أن هذا العمل قد شابه عيب إساءة استعمال السلطة، فإن قرار الجهة الإدارية في شأنه يكون سليماً متفقاً مع أحكام القانون ولا مطعن عليه.
ومن حيث إنه لما تقدم فإن الحكم المطعون فيه، وقد ذهب على غير سند من الواقع أو القانون إلى خلاف ذلك، فإنه يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه ويتعين القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى مع إلزام رافعها المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.