مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة والثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1989 إلى آخر فبراير سنة 1990) - صـ 113

(4)
جلسة 14 من إبريل سنة 1990

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد أنور محفوظ رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ محمد المهدي مليحي ومحمد أمين المهدي وصلاح عبد الفتاح سلامة وسعد الله محمد حنتيرة نواب رئيس مجلس الدولة ومن الشخصيات العامة: السادة الأساتذة خالد طاهر عبد الباري وكيل أول وزارة القوى العاملة وسيد محمد علي موسى رئيس مجلس إدارة هيئة تنشيط السياحة وعبد المنعم أحمد محمد البحيري نائب رئيس مجلس إدارة هيئة القطاع العام لتوزيع القوى الكهربائية والدكتور مراد عبد السلام يوسف مدير عام طب الأسنان بوزارة الصحة وإبراهيم الدسوقي محمد إبراهيم مستشار الرياضيات.

الطعن رقم 45 لسنة 35 القضائية

( أ ) أحزاب سياسية: تعدد الأحزاب السياسية:
دستور سنة 1971 - القانون رقم 40 لسنة 1977 - تعدد الأحزاب وحرية تكوينها هو الأصل الذي يتلاءم صدقاً وحقاً مع النظام الديمقراطي لاعتبارين أولهما: أن هذه الحرية تتفق ومبدأ حرية الرأي التي كفلها الدستور وثانيهما: أن وجود الأحزاب وتعددها يتصل أوثق الصلة بسير المؤسسات الدستورية وطريقة اضطلاعها بالاختصاصات المقررة لها بالدستور والقوانين - تطبيق [(1)].
(ب) أحزاب سياسية: تميز برنامج الحزب:
المادة الخامسة من الدستور - يتعين تفسير أحكام القانون رقم 40 لسنة 1977 بالاستهداء بحكم المادة 5 من الدستور التي أناطت بالمشرع تنظيم الأحزاب السياسية وبغيرها من الأحكام التي وردت بالدستور بشأن المقومات الأساسية للمجتمع والحقوق والواجبات العامة الدستورية - المشرع عندما يتصدى لتنظيم أمور الأحزاب السياسية تنفيذاً لتوجيه المشرع الدستوري إنما يلتزم بالأوضاع العامة والمبادئ الأصولية الواردة في الدستور - تلتزم الأحزاب جميعها سواء عند تكوينها أو ممارستها لعملها بالمقومات الأساسية للمجتمع المصري - القيود التي يكون قد تضمنها التشريع المنظم للأحزاب السياسية إنما يتعين تفسيرها بحسبانها تنظيماً للأصل العام الذي قرره الدستور - يلتزم التنظيم إطار الأصل العام المقرر كقاعدة أعلى في مدارج النصوص التشريعية - لا يجوز أن يخرج التنظيم عن الحدود المقررة له بالتطاول على الأصل الذي يستند إليه في قيامه سواء بالتوسعة فيه أو الانتقاص منه وتقييده - الدستور ومن بعده القانون رقم 40 لسنة 1977 تطلبا إلزاماً اتفاق الأحزاب في أمور غير مسموح في شأنها الاختلاف دستوراً وقانوناً - التميز لا يكون مسموحاً به أو جائزاً إلا في غير تلك الأمور مما يعد مجالاً للعمل السياسي للحزب - التماثل والتطابق مفترض في المقومات الأساسية - عدم التميز في هذا الشأن لا يمكن أن يكون مانعاً أو حائلاً من تأسيس الحزب - التميز لا يمكن أن يكون مقصوداً به أن يكون تميزاً عن كافة ما تقوم عليه برامج الأحزاب كلها - يتحقق التميز إذا توافر في الحزب طالب التأسيس الصفة التي تجعله متبايناً ومختلفاً ومنفرداً عن أي حزب منظوراً إليه على استقلال بحيث لا يكون هناك حزبان متفقان في البرامج - مناداة الحزب طالب التأسيس وقيام برنامجه على أساس تحقيق هدف الوحدة بين شطري وادي النيل يكون مما يتحقق معه تميز الحزب في دعامة من دعاماته الأساسية عما ورد ببرنامج الأحزاب الأخرى - تكفي هذه السمة سبباً للتميز ومدعاة للتفرد - تطبيق [(1)].


إجراءات الطعن

في يوم الأحد الموافق 16 من أكتوبر سنة 1988 أودع الأستاذ حلمي رجب المحامي عن الأستاذة/ زكية عاشور المحامية بصفتها وكيلة عن السيد/ محمد عبد المنعم إبراهيم ترك بصفته وكيلاً عن مؤسسي الحزب الاتحاد الديمقراطي، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 45 لسنة 35 القضائية (شئون أحزاب) في القرار الصادر من لجنة شئون الأحزاب بتاريخ 14 من سبتمبر سنة 1988 بالاعتراض على الطلب المقدم من السيد/ محمد عبد المنعم إبراهيم ترك لتأسيس حزب سياسي باسم الحزب الاتحادي الديمقراطي. وطلب الطاعن للأسباب المبينة تفصيلاً بتقرير الطعن، الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر بتاريخ 14 من سبتمبر سنة 1988 من لجنة شئون الأحزاب السياسية بالاعتراض على تأسيس الحزب الاتحادي الديمقراطي والحكم بالموافقة على قيام الحزب الديمقراطي مع كافة ما يتبع ذلك من آثار مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات.
وقد أعلن الطعن قانوناً، وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً.
وقد تحدد لنظر الطعن أمام هذه المحكمة، المشكلة بالتطبيق لحكم المادة (8) من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية المعدلة بالقانونين رقمي 144 لسنة 1980، 114 لسنة 1983 جلسة 12 من نوفمبر سنة 1988 وبها تقرر تأجيل نظر الطعن لجلسة 31 من ديسمبر سنة 1988 لتقدم هيئة مفوضي الدولة تقريرها في الطعن وقررت المحكمة تكليف قلم الكتاب بإحالة المستندات المقدمة بالجلسة إلى هيئة مفوضي الدولة. وبالجلسة التي تحدد لنظر الطعن قررت المحكمة التأجيل لجلسة 18 من مارس سنة 1989 بناء على طلب الطرفين ثم لجلسة 13 من مايو سنة 1989 للقرار السابق. وتداول نظر الطعن بالجلسات على النحو المبين تفصيلاً بالمحاضر، حتى قررت بجلسة 30 من ديسمبر سنة 89 إصدار الحكم بجلسة 27 من مارس سنة 1990 وصرحت بالاطلاع وتقديم مذكرات خلال عشرين يوماً والمدة مناصفة تبدأ بالطاعن وخلال الأجل المصرح به أودع كل من الطاعن والمطعون ضده مذكرة ختامية ضمنها طلباته وأوجه دفوعه ودفاعه وبتلك الجلسة قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم وبها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن لجنة شئون الأحزاب المنصوص عليها بالمادة (8) من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية المعدلة بالقانونين رقمي 144 لسنة 1980، 114 لسنة 1983 أصدرت قرارها المطعون فيه بالطعن الماثل، بالاعتراض على تأسيس الحزب الاتحادي الديمقراطي بتاريخ 18 من سبتمبر سنة 1988، وتم إخطار وكيل المؤسسين بالقرار بتاريخ 18 من سبتمبر سنة 1988 على ما أبداه بتقرير الطعن، ولم يجادل فيه المطعون ضده، وعلى ذلك ومتى كانت الأوراق خلواً مما يفيد نشر القرار بالجريدة الرسمية في تاريخ سابق على تاريخ علم الطاعن بالقرار المطعون فيه، فإن الطعن الماثل وقد أقيم بإيداع عريضته قلم كتاب هذه المحكمة في 16 من أكتوبر سنة 1988 فإنه يكون قد أقيم في الميعاد المنصوص عليه بالمادة 8 من القانون رقم 40 لسنة 1977 المشار إليه، وبالترتيب على ذلك ومتى كان الطعن قد استوفى سائر إجراءاته وأوضاعه الشكلية فيتعين قبوله شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل، حسبما يبين من الأوراق، في أن الطاعن السيد/ محمد عبد المنعم إبراهيم ترك، أقام الطعن الماثل بصفته وكيلاً عن مؤسسي الحزب الاتحادي الديمقراطي وطلب في عريضة الطعن، الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر بتاريخ 14 من سبتمبر سنة 1988 من لجنة شئون الأحزاب السياسية بالاعتراض على تأسيس الحزب الاتحادي الديمقراطي والحكم بالموافقة على قيام الحزب الاتحادي الديمقراطي مع كافة ما يتبع ذلك من آثار مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات. وقال الطاعن شرحاً لطعنه، أنه كان قد تقدم بتاريخ 4 من يونيه سنة 1988 بصفته وكيلاً للمؤسسين، بطلب مستوف كل الشروط إلى لجنة شئون الأحزاب السياسية بقصد إنشاء حزب جديد باسم "الحزب الاتحادي الديمقراطي" فقامت اللجنة بدراسة الطلب وأصدرت بتاريخ 14 من سبتمبر سنة 1988 قرارها بالاعتراض على قيام الحزب لعدم توافر الشروط التي يتطلبها قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977. وأقامت اللجنة قرارها على أسباب تنحصر فيما يلي: أولاً: عدم تميز برنامج الحزب وسياساته تميزاً ظاهراً عن برامج الأحزاب الأخرى، ثانياً: عدم حفاظ برنامج الحزب على بعض المكاسب الاشتراكية، ثالثاً: مخالفة الفقرة الثالثة من المادة (4) من القانون، رابعاً: مخالفة الفقرة خامساً من المادة (4) من القانون، خامساً: عدم التجديد والنقص والقصور في بعض جوانب برنامج الحزب وينعى الطاعن على قرار اللجنة مفنداً الأسباب التي قام عليها القرار بما محصلته ما يأتي:
أولاً: عن عدم تميز برنامج الحزب وسياساته تميزاً ظاهراً عن برامج الأحزاب الأخرى يقول الطاعن أنه مع تسليمه بوجود أهداف وبرامج متشابهة بين برنامج الحزب وبرامج الأحزاب الأخرى فقد تخيرت اللجنة ما تشابه منها وأغفلت تلك التي يتميز بها الحزب طالب التأسيس وتخلو منها أهداف وبرامج الأحزاب الأخرى ويوضح الطاعن أنه لا يعقل أن يتميز كل حزب عن الآخر في كل صغيرة وكبيرة فثمة أمور تلتقي عندها وتنطوي تحت لوائها أهداف وبرامج كافة الأحزاب وعما ينفرد به الحزب طالب التأسيس على سبيل المثال ما تعلق بانتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الانتخاب المباشر، وما يتعلق بتدعيم الفصل بين السلطات أو النهوض بغزو الصحراء أو تجريم تجريف الأراضي الزراعية، ويقول الطاعن أن برنامج الحزب يزخر بالعديد من أوجه التفرد الأمر الذي يكفل له صفة التميز ومن ذلك:
1 - أن ما يعتبره المؤسسون هدفهم الأول هو الدعوة إلى الوحدة مع السودان بحسبان أنه ما كان يجوز قبول انفصال السودان عن مصر أساساً الأمر الذي ترتب عليه انفصام عرى الرابطة للوطن الواحد مصره وسدانه، وأنه ولئن كان ذلك مرده إلى ظروف سياسية أدت إليه وأنتجته إلا أنه تبقى وحدة الوطن، مصر والسودان ووحدة الشعب عقيدة من الجدير اعتناقها والعمل على تحقيقها وهو ما يهدف إليه الحزب طالب التأسيس. ويقول الطاعن أن إبراز هذا الهدف حقيق في حد ذاته، لإسباغ صفة التميز في برنامج الحزب.
2 - وبالنسبة للجانب الاقتصادي في برنامج الحزب فهو ظاهر التميز أيضاً إذ ينطوي على تحليل شامل للمشكلة الاقتصادية لم يرد في برامج أي حزب آخر فضلاً عن أنه يتضمن الأخذ بأساليب ومناهج جديدة للتنمية الاقتصادية: من ذلك ما تضمنه برنامج الحزب من تحليل غير مسبوق، للمشكلة الاقتصادية وبيان أسبابها والكشف عن أساس الخلل الذي أدى إليها وأنتجها، وأهم تلك الأسباب على ما ورد بتحليل برنامج الحزب للمشكلة الاقتصادية يتحصل في خلل هيكل القوى العاملة بحيث إن العمالة المنتجة لا تمثل إلا نسبة ضئيلة من القوى العاملة مما يؤثر سلبياً على الإنتاجية وانطلاقاً من هذا التحليل غير المسبوق على ما يقول الطاعن، فقد قدم برنامج الحزب الاقتراحات الكفيلة بالقضاء على أساس الخلل في توزيع القوى العاملة، بأن يهتم الشعب باقتصاديات الوطن بما يضمن سلامة القرارات الاقتصادية، وبأن يكون العمل الاقتصادي من خلال - إستراتيجية واضحة تقوم على فكر يؤمن به الشعب فلا تكون الإستراتيجية على أساس المنتج الرأسمالي ثم تأتي التطبيقات والمناهج وفق الأسلوب الاشتراكي. وعلى ذلك فقد اختار الحزب الاقتصادي الحر أساساً لإدارة الاقتصاد المصري موضحاً الأسباب التي تدعوه إلى هذا الاختيار بصورة لم يسبق أن أبرزها برنامج أي حزب آخر.
3 - ومن السياسات والمناهج التطبيقية أورد الطاعن أن الحزب أتى بشأنها بأفكار وسياسات جديدة منها منهج تطوير الزراعة بالمحافظات على الأراضي مع وقف التوسع في الإنشاءات على جانبي الطريق الزراعي ومع الأخذ بنمط المباني متعددة الطوابق بالمدن والقرى في أرض الوادي والدلتا. كما يقدم الحزب أفكاراً جديدة بشأن إصلاح هيكل القوى العاملة بحيث يزداد عدد الأفراد المنتجين والتفكير في نشر الزراعات الخفيفة في أواني بالأسطح والشرفات وعلى نشر طرق تربية الحيوانات بطرق ميسرة تقوم أجهزة الإعلام بتوعية المواطنين بشأنها وإرشادهم وتوجيههم كما قدم الحزب أسس برنامج لاقتحام الصحراء وزراعتها بتقسيمها إلى مساحات صغيرة لا تتجاوز خمسة أو عشرة أفدنة تعطى كل منها لشاب يقوم بزراعتها ويستقر وأسرته عليها مما يوفر لمصر إنتاجاً ويوفر للشباب فرص عمل وحياة جديدة، ويخلص الطاعن أنه لما تقدم من أمثلة، يكون اعتراض اللجنة على تشكيل الحزب بمقولة عدم تميزه اعتراضاً بعيداً عن الصحة. وثانياً عن عدم حفاظ برنامج الحزب على بعض المكاسب الاشتراكية يقول الطاعن أن اللجنة أقامت اعتراضها في هذا الشأن تأسيساً على ما جاء ببرنامج الحزب متعلقاً بالتعليم حيث يري الحزب رفعاً لمستوى التعليم، أن تقتصر المجانية على التعليم الابتدائي والإعدادي وأن يكون التعليم بعد تلك المراحل مجانياً بالكامل بالنسبة للتعليم الفني، وتقتصر المجانية على نصف الطلاب بالتعليم الثانوي والدراسة الجامعية بحيث تمنح المجانية لأكثر الطلبة تفوقاً ويكون على الباقين، وهم النصف الآخر تأدية المصروفات وأنه لما كانت اللجنة قد ارتأت في ذلك مساساً بأحد المكاسب الاشتراكية على ما يقول الطاعن إلا أن ذلك ليس صحيحاً إذ أن ما ينادي به الحزب في هذا الشأن إن هو إلا تنظيم وتقنين لوضع قائم فعلاً، وفضلاً عن ذلك فإن الحزب لا يذهب إلى منع المجانية، بل هو يقررها في جميع مراحل التعليم، إنما كل ما يهدف إليه هو أن تكون المجانية في مرحلة الثانوية العامة والجامعية للمجتهدين والراغبين حقيقة في العلم. ويدلل الطاعن على أن ما ورد بالبرنامج لا يتنافر مع ما هو مطبق فعلاً ببيان أن وزارة التعليم لا تتيح فرص الالتحاق بالتعليم الثانوي إلا للمتفوقين من الحاصلين على الشهادة الإعدادية ويلتحق من عداهم بالتعليم الثانوي بالمصروفات بالمدارس الثانوية الخاصة الخاضعة لإشراف الوزارة كما أنه لا يقبل جميع الحاصلين على الثانوية العامة بالجامعات فيقتصر القبول على أعلاهم مجموعاً في الثانوية العامة أما الباقون فيلتحقون، تحت سمع وبصر وزارة التعليم، بل وبإشرافها، بجامعة بيروت حيث يؤدون المصروفات بالعملات الأجنبية، وتصل إلى خمسمائة دولار سنوياً، ويمتحنون بجامعة الإسكندرية ثم ينتقل منهم من يريد بعد ذلك إلى إحدى الجامعات المصرية. وثالثاً: عن مخالفة أحكام الفقرة ثالثاً من المادة (4) من القانون يقول الطاعن أنه ليس صحيحاً ما بررت به اللجنة اعتراضها من أن الحزب ذو طابع محلي وليس له انتشار جغرافي تأسيساً عل أن أغلبية المؤسسين من الإسكندرية ذلك أن مؤسسي الحزب وإن كانت أغلبيتهم من الإسكندرية إلا أنهم حققوا انتشاراً لا بأس به في بداية الدعوة حيث يبين من مذكرة اللجنة ذاتها أن المؤسسين ينتشرون بثماني محافظات، كما أنه ليس صحيحاً أيضاً ما تقول به اللجنة من أن الحزب ذو طابع محلي فلا يوجد في البرامج أو بأوراق الحزب ما يقيم هذا الادعاء، ويؤكد الطاعن أن فكر المؤسسين إنما يصدر عن مشاعر قومية ملؤها الحب الحقيقي للوطن ورابعاً: عن مخالفة أحكام الفقرة خامساً من ذات المادة (4) من القانون، حيث تدعي اللجنة مخالفة الحزب للنهي الوارد بالنص المشار إليه، عن قيام الحزب كفرع لحزب أو تنظيم سياسي في الخارج وتأسيساً على ما ورد بمقدمة برنامج الحزب من أن روح الوحدة وروابط الإخوة كيان موجود وكائن يعم الوادي، ولقد كان إخوتنا في السودان سباقين في إبراز هذه الوحدة فأقاموا لهذا الكيان جناحاً عظيماً بالسودان هو الحزب الاتحادي الديمقراطي بالسودان الذي ولد ونما منذ أكثر من خمسين عاماً. وإذا كان قد ولد جناح في السودان منذ ما يزيد على نصف قرن فلا شك أنه قد آن الأوان لأن يقوم للوحدة جناح آخر في مصر ليعلو طائرها ويحلق بإذن الله تعالى ويقول الطاعن أن ادعاء اللجنة في هذا الصدد غير صحيح إذ أن الحزب المطلوب تأسيسه ليس فرعاً للحزب الديمقراطي السوداني كما أنه ليس ثمة ترتيبات أو خطط تجمع بين الحزب السوداني والحزب المطلوب تأسيسه. وكل ما يقصده الحزب على ما يقول الطاعن، هو أن روح الوحدة وروابط الأخوة كيان موجود وقائم يعم الوادي.. فإذا قيل بأن جناحاً للوحدة قام بالسودان، وأنه قد آن أوان الجناح الآخر بمصر، فليس مؤدى ذلك أو مفاده أن الحزب المطلوب إنشاؤه هو فرع للحزب القائم بالسودان. ونفى الطاعن أن يكون للحزب أية علاقة بالحزب أية علاقة بالحزب السوداني وأنهما إنما يلتقيان في وحدة الهدف. وخامساً عن عدم التحديد والنقص والقصور في بعض جوانب برنامج الحزب، يقول الطاعن أن اللجنة أسندت ما قالت به في هذا الصدد إلى حكم المادة (6) من قانون الأحزاب السياسية، إلا أن ما قالت به لا يتفق والحقيقة. مثال ذلك أن اللجنة أدعت أن برنامج الحزب اكتفى، بصدد تعرضه للسد العالي، بالقول بضرورة البدء بإجراء دراسات شاملة وجادة حول السد العالي وآثاره الجانبية، وأنه بنى ما أورده على شائعات واحتمالات مما خلصت منه اللجنة إلى القول بأن ذلك يعد قصوراً إذ لا تبنى البرامج إلا على اليقين، ويعقب الطاعن على ذلك بالقول بأنه فضلاً عن أن ما ورد بالبرنامج بخصوص السد العالي لا يمثل إلا جزئية، فإن موضوع السد العالي موضوع جد خطير إذ أن سلبياته لم تعرض على الشعب بوضوح بل البادي أن ثمة محاولات لإخفائها والتمويه عليها: وهذه المحاولات تحول دون الوصول إلى حقيقة الأوضاع، الأمر الذي يتعين معه بألا يقل إعطاء الموضوع أهمية في الدراسة، حتى يمكن الإسراع بعلاج أية سلبيات قبل فوات الأوان. وإذ كان الحزب يرى الاستعانة في دراسة كافة جوانب السد العالي بخبراء عالميين متخصصين فلا تثريب عليه في هذا الشأن، إذ الأمر يتعلق بمستقبل الحياة في مصر كلها، ومطالبة المؤسسين بدراسة الموضوع لا يمكن الاستدلال منها على أنه يبني رأياً أو ينتهج منهجاً يقوم على الاحتمال والظن والأقاويل. أما عما أوردته اللجنة من أن الحزب أهمل أموراً هامة مثل الديون الخارجية والدعم واستخدام الطاقة النووية في الأغراض السلمية، يقول الطاعن أن تلك الأمور يعتبرها الحزب أموراً مرحلية، إذ أن الديون الخارجية إن هي إلا نتاج سياسات اقتصادية خاطئة أشار إليها الحزب في مستهل الحديث عن الأمور الاقتصادية وقد وضع الحزب الحلول الكفيلة بالنهوض باقتصاديات البلاد فإذا تم انتهاجها نهضت البلاد وتخلصت من ديونها والدعم أيضاً هو تطبيق لسياسة مرحلية، بحيث إذا زاد متوسط الدخل قل الدعم. وأما عن استخدامات الطاقة النووية في الأغراض السلمية، فإن الالتجاء إلى ذلك أو عدم الالتجاء إليه إنما شرطه تحقق المتخصصين من وجود وفر نتيجة هذا الاستخدام، مع ضمان توفير سبل الأمان اللازمة وكل ذلك أمور بديهية المنطق، وتتصرف بشأنها الحكومات وفق ما تقتنع به تبعاً للظروف. وانتهى الطاعن إلى الطلبات المشار إليها.
ومن حيث إن دفاع هيئة قضايا الدولة باعتبارها نائبة عن المطعون ضده بصفته، يتحصل في أن الأسباب التي ساقها الطاعن تفتقر إلى السند القانوني الصحيح في ضوء الشروط التي تتطلبها التشريعات القائمة لقيام أي حزب أو استمراره وهي:
1 - أن يكون سائراً في فلك تعدد الأحزاب كأساس للنظام السياسي.
2 - ألا يخرج عن المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري.
3 - أن يراعى أن الدستور هو الوثيقة الوحيدة التي يعتمد عليها نظام الدولة.
4 - ألا يكون ثمة تعارض بين مقومات الحزب أو مبادئه أو أهدافه أو برامجه أو سياساته أو أساليبه في ممارسة نشاطه وبين مبادئ ثورتي 23 يوليو سنة 1952 و15 مايو سنة 1971 والحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والنظام الاشتراكي الديمقراطي والمكاسب الاشتراكية - وأحكام القانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي، وألا يكون قائماً على أساس طبقي أو طائفي أو فئوي أو جغرافي أو على أساس التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو الدين أو العقيدة أو انطواء وسائله على إقامة أية تشكيلات عسكرية.
5 - عدم قيام الحزب كفرع لحزب وتنظيم سياسي في الخارج.
تميز برنامج الحزب وسياساته وأساليبه في تحقيق هذا البرنامج تميزاً ظاهراً عن الأحزاب الأخرى. وفصلت هيئة قضايا الدولة ما تقول به على النحو الآتي: فعن السبب الأول الذي قام عليه قرار اللجنة تؤكد بأنه لا صحة لما يقول به الطاعن من تميز برنامج الحزب تميزاً ظاهراً عن برامج الأحزاب الأخرى، وتنفي الهيئة ما يدعيه الطاعن من أن لجنة شئون الأحزاب تطلبت أن يكون الاختلاف بين برنامج الحزب وبرامج الأحزاب الأخرى في كل صغيرة وكبيرة فقد حرصت اللجنة على إيراد أنه وحيث إنه يخلص من الاستعراض السابق لبرنامج الحزب الاتحادي الديمقراطي تحت التأسيس مقارناً ببرامج الأحزاب الأخرى أن جوهر هذا البرنامج وأساسياته ليس فيه جديد يعول عليه وأنه جاء مطابقاً لبرامج بعض الأحزاب ومشابهاً في شق آخر لبرامج البعض الآخر ومن ثم فإنه لا يعدو أن يكون تكراراً لمقتطفات متفرقة من جزئيات تضمنتها برامج الأحزاب القائمة وتجميعاً لخليط منها أفقد هذا البرنامج قوامه المتكامل وذاتية تميزه تميزاً ظاهراً عن غيره من الأحزاب القائمة بالمعنى الذي عناه المشرع في البند ثانياً من المادة (4) من القانون رقم 40 لسنة 1977 وتؤكد مذكرة هيئة قضايا الدولة على أن مفهوم اللجنة لمعنى التميز الوارد بالمادة (4) المشار إليها يتفق وحكم المحكمة الدستورية العليا الذي ذهب إلى أنه ضماناً للجدية وحتى يكون للحزب قاعدة جماهيرية حقيقية تسانده وأن يكون في وجود الحزب إضافة جديدة للعمل السياسي ببرامج وسياسات متميزة عن الأحزاب الأخرى إثراء للعمل الوطني ودعماً للممارسة الديمقراطية تبعاً لاختلاف البرامج والاتجاهات المتعلقة بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية توسعة لنطاق المفاضلة بينها واختيار أصلح الحلول وأنسبها. (الحكم الصادر بجلسة 7 من مايو سنة 1988 في القضية رقم 44 لسنة 7 ق) وتضيف هيئة قضايا الدولة بأن مرحلة التحول التي تجتازها مصر مليئة بالأخطار وبالتالي فإنها، شأنها في ذلك شأن غيرها من الشعوب النامية، في حاجة إلى توقي هذه الأخطار، وبأن تعدد الأحزاب ذات البرامج المتماثلة يؤدي إلى بلبلة الرأي العام وتشتيت كتلة الناخبين وتفتيتها بين العديد من الأحزاب بما يؤدي إلى الصراع بينها على السلطة، وتهديد الوحدة الوطنية وزعزعة استقرار المجتمع وهذه كلها حقائق ظهرت في مراحل تطور بعض البلاد المتقدمة ومنها فرنسا خلال الجمهورية الثالثة والجمهورية الرابعة. والنص على ضرورة أن يكون برنامج الحزب متميزاً تميزاً ظاهراً يعكس حرص المشرع على تفادي المخاطر المشار إليها التزاماً منه بالديمقراطية السليمة كإحدى الأسس التي يقوم عليها البنيان الاجتماعي. ويكون المقصود بالتميز هو التميز الجاد الذي يقوم على التباين الحقيقي بين الاتجاهات بلا شبهة تماثل أو تقارب وأن يقع هذا التباين في المبادئ والأهداف والسياسات أي في الأمور الأساسية التي لها سمة الثبات وتدور حولها مساعي الحزب لتحقيقها والأساليب الأساسية التي تحدد النظام المعتمد لذلك. أما ما عدا ذلك فلا يندرج تحت مدلول التميز الظاهر لمجرد الاختلاف في الأمور الفرعية أو في الإجراءات المرحلية التي تتسم بطبيعتها بعدم الثبات وعن القول بوجود أمور لا تحتمل الاختلاف عليها، يقول الدفاع بأن هذا القول وإن كان صحيحاً إلا أنه يجب أن يكون مقتصراً على الفرعيات لا في الأساسيات فطريقة اختيار رئيس الجمهورية مثلاً قد تكون عن طريق الاستفتاء أو الانتخاب المباشر أو عن طريق المجلس النيابي وبذلك فليس طريق الانتخاب المباشر هو الطريق الوحيد أو الأسلوب المفرد لاختيار رئيس الدولة. وعما ورد بالطعن بشأن الوحدة مع السودان، تقول مذكرة الدفاع بأن ذلك لا يصلح سبباً لتوافر صفة التميز في الحزب طالب التأسيس: ذلك أن الشعوب العربية تنادي بالوحدة الشاملة بينها وتشمل فيما تشمل السودان. والوحدة بشكلها الدستوري هي آخر مراحل الوحدة بعد أن تتهيأ لها ظروف نجاحها من وحدة في الشئون الخارجية والدفاعية، فضلاً عن أن مصر تعمل على قيام الوحدة مع السودان بصورة متدرجة وميثاق التكامل ومن بعده ميثاق الإخاء دليل ذلك. ويكون مفاد ما تقدم أنه ليس في الدعوة إلى الوحدة مع السودان من جديد أو تميز ينفرد به برنامج الحزب طالب التأسيس، وعن التحليل الاقتصادي الذي تضمنه برنامج الحزب والحلول التي اقترحها فليس في كل ذلك ما هو جديد ومتميز - وعن السبب الثاني تقول هيئة قضايا الدولة بأن ما أوردته اللجنة بأسباب قرارها من أن برنامج الحزب الاتحادي الديمقراطي إذ قصر الحق في التعليم المجاني على المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوي الفني، أما بالنسبة إلى التعليم الثانوي العام والتعليم الجامعي فقد قصر المجانية فيهما على النصف فقط وجعل النصف الآخر بمصروفات فإنه يكون بذلك قد قرر لهذا النصف ميزة استثنائية تقوم على القدرة المالية على تحمل المصروفات الأمر الذي ينطوي على المساس بأحد المكاسب الاشتراكية وهذا الذي أوردته اللجنة يقوم سنداً صحيحاً للقرار بالاعتراض على تأسيس الحزب لمخالفة حكم البند (3) من أولاً من المادة (4) من قانون نظام الأحزاب السياسية التي تتطلب فيما تتطلب عدم مساس برنامج الحزب بالمكاسب الاشتراكية، وعن السبب الثالث ومحصلته أن الحزب إن هو إلا تجمع لمواطنين يقيمون بمدينة الإسكندرية وينادون بقيام حزب ذي طابع محلي ليس له انتشار جغرافي فقد ضمنت اللجنة قرراها هذا السبب نظراً لما استبان لها من أن طالبي تأسيس الحزب بلغ عددهم بعد استبعاد استقال منهم، ستة وخمسين عضواً منهم سبعة وأربعون يقيمون بمدينة الإسكندرية وثلاثة بمحافظة كفر الشيخ واثنان بمحافظة البحيرة وعضواً واحداً في كل من محافظات القاهرة والجيزة والمنوفية وأسوان. مفاد ذلك أن مؤسسي الحزب يتمركزون أساساً بمدينة الإسكندرية فانتهت اللجنة إلى أنه من ثم فإن طالبي التأسيس ليسوا سوى مجرد تجميع لمواطنين تمركزوا في مدينة الإسكندرية ونادوا بقيام حزب ذي طابع محلي ليس له انتشار جغرافي، الأمر الذي يتعارض مع ما تقضي به الفقرة ثالثاً من المادة (4) من القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية. وتقول مذكرة الدفاع أن استخلاص اللجنة للنتيجة التي انتهت إليها هو استخلاص سائغ ومقبول. وعن السبب الرابع تقول أن اللجنة أوردت بأسباب اعتراضها أن ما ورد ببرنامج الحزب من عبارات عن الرابطة التي تربطه بالحزب الاتحادي الديمقراطي بالسودان تعني أن الحزب المطلوب تأسيسه فرع لحزب قائم في الخارج هو الحزب الاتحادي الديمقراطي السوداني مما تحظره المادة (4) خامساً من قانون الأحزاب السياسية ويكون ولا عبرة بما ورد بذات مقدمة البرنامج من أن الحزب هو حزب نشأ على أرض مصر وفقاً للدستور والقوانين المصرية وليس له أي صلة أو ارتباط مع أي حزب أو هيئة أخرى داخل مصر أو خارجها لا عبرة بذلك إذ أن ما أفصح عنه الحزب صراحة هو أنه الجناح الآخر لحزب سياسي في الخارج هو الحزب الاتحادي الديمقراطي في السودان. وتؤكد مذكرة الدفاع على أن استخلاص اللجنة في هذا الشأن هو استخلاص سائغ من واقع يؤدي إليه وينتجه واقعاً وقانوناً. وعن السبب الخامس تؤكد مذكرة الدفاع على أن اللجنة لم تقم اعتراضها في هذا الصدد من فراغ، فقد شاب برنامج الحزب عدم التحديد والنقص والقصور، وتؤكد مذكرة الدفاع أن استخلاص اللجنة في هذا الشأن استخلاص سائغ يتفق وحكم المادة (2) من قانون الأحزاب السياسية التي تصف الحزب بأنه يقصد به كل جماعة منظمة تؤسس طبقاً لأحكام القانون وتقوم على مبادئ وأهداف مشتركة وتعمل بالوسائل الديمقراطية لتحقيق برامج محددة تتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة عن طريق المشاركة في مسئوليات الحكم - وانتهت مذكرة الدفاع إلى طلب رفض الطعن وإلزام الطاعن بالمصروفات.
ومن حيث إن الطاعن قد عقب على ما ورد بتقرير هيئة مفوضي الدولة بمذكرته المقدمة لهذه المحكمة بجلسة 18 من مارس سنة 1989، كما أودع مذكرة ختامية بتاريخ 6 من يناير سنة 1990، وفي فترة حجز الطعن للحكم وخلال الأجل المصرح به. ويتحصل ما أبداه بالمذكرتين المشار إليهما في التأكيد على ما يأتي: أولاً: أنه ليس صحيحاً القول بعدم تميز برنامج الحزب، وفي هذا الشأن أوضح الطاعن بأن النص الذي يستلزم التميز هو نص مقيد لحرية الأفراد في تكوين الأحزاب وعلى ذلك فلا يتوسع في تفسيره ويكفي بالتالي وجود التميز الظاهر بأي صورة من الصور في البرامج والسياسات أو الأساليب حتى يتوافر الشرط المتطلب قانوناً. ويؤكد الطاعن على أن هدف الحزب الأساسي إذ كان الدعوة والعمل من أجل تحقيق وحدة بمصر والسودان فإن هذا مما يسبغ عليه صفة التميز - وفضلاً عن ذلك فإن سياسات الحزب الأخرى وأساليبه تتضمن الكثير من السياسات المتميزة تميزاً ظاهراً والتي من شأن تطبيقها النهوض بمختلف النواحي. ومن ذلك ما ورد ببرنامج الحزب من رؤية لتنظيم الصحافة بحيث يتحقق عدم خضوع مجالس إدارة الصحف للسلطة التنفيذية الأمر الذي يكفل أن تكون الصحافة مرآة حقيقية لضمير الشعب، وأيضاً ما ورد بسياسة الحزب من تنظيم العلاقة بين السلطة التنفيذية وكل من جهازي القوات المسلحة والشرطة لضمان استقلال هذين الجهازين عن تأثير التيارات الحزبية وبما يكفل عدم استخدام السلطة التنفيذية لهذين الجهازين لتقوية نفوذها. وثانياً: ينفي الطاعن القول بأن برنامج الحزب يتضمن مساساً بمكاسب اشتراكية بصدد مجانية التعليم، بل إن ما أتى به هو تنظيم للعملية التعليمية بتوجيه قليل القدرات إلى التعليم الفني والعمل المنتج، والحد من ظاهرة التحايل على النظم المتبعة بإلحاق الطلبة بجامعة بيروت وغيرها بالخارج بمصاريف باهظة بالعملات الأجنبية الأمر الذي يسبب للطلاب وذويهم الكثير من المشقة. وثالثاً: يؤكد الطاعن على عدم صحة الزعم بقيام الحزب على أساس جغرافي ورابعاً: وعن الادعاء بأن الحزب هو في الحقيقة فرع للحزب الاتحادي الديمقراطي بالسودان، ينفي الطاعن ذلك وينعى على هذا القول بأنه من قبيل التخمين والتخيل، كما ينفي الطاعن وجود أي صلة أو ارتباط بين الحزب وبين مثيلة السوداني ويقطع بعدم حدوث أي اجتماع أو اتفاق أو قيام أية علاقة بينهما. ويؤكد الطاعن على أن تشابه الأسماء لا يفيد المعنى الذي افترضت اللجنة قيامه وتحققه وخامساً: وعن الادعاء بأن برنامج الحزب يشوبه النقص والقصور وعدم التحديد، يشير الطاعن إلى أن ما تضمنه برنامج الحزب من ضرورة دراسة الجوانب السلبية للسد العالي للوقوف على حقيقة ما يشاع من أن انقطاع ورود الطمي يؤدي إلى إضعاف التربة بمصر كما يؤدي إلى تآكلها بالنحر وكذلك تراكم الطمي خلف السد سوف يكون خلال خمسين سنة سداً هائلاً من الطمي يمنع وصول النيل نهائياً إلى مصر. وإزاء ذلك فقد طالب الحزب بدراسة جادة لهذا الموضوع. وقدم الطاعن تدليلاً على احتمال قيام الخطورة نسخة من كتاب النيل والمستقبل الصادر عن دار الأهرام وأخطر ما ورد به، على ما يقول الطاعن، أن الطمي سوف لا يملأ كامل بحيرة السد لأن الطمي يترسب بكامله في أحباسها العليا داخل السودان، كما ورد بالكتاب المشار إليه بيان انقطاع ورود الطمي على تآكل الشاطئ الشمالي. وعن ترسب الطمي داخل السودان فقد أشار إلى ذلك حديث صحفي أجرى مع مدير معهد الآثار الجانبية للسد العالي السيد/ محمد المعتصم القطب ومنشور بجريدة الأهرام بعددها الصادر بتاريخ 30 من نوفمبر سنة 1988، كما قدم الطاعن عدد جريدة الأخبار الصادر بتاريخ 15 من أكتوبر سنة 1988 حيث تضمن موضوعاً بعنوان "تحذير من أربعين عالم دولي: البحر المتوسط سيأكل دلتا النيل" كل ذلك مما يكشف خطورة الموضوع، حيث تكونت دلتا جديدة داخل السودان على بعد حوالي 150 كيلو متراً من الحدود المصرية وتكونت أفرع جديدة للنيل ربما تتجه إلى الصحراء أو البحر الأحمر، مما يتعين معه موالاة الموضوع بالاهتمام اللازم، وهو ما أورده الحزب طالب التأسيس وأما عن عدم تناول برنامج الحزب أمور الدعم والديون الخارجية واستخدامات الطاقة النووية في الأغراض السلمية، فهذا ادعاء لا يصلح سنداً للاعتراض على تأسيس الحزب إذ لا يمكن بحال أن يتناول البرنامج كل الموضوعات التفصيلية أو المرحلية التي قد تعرض في الواقع مرحلياً، ورداً على ما أبدته هيئة قضايا الدولة بمرافعتها من تساؤل عن دور الحزب إذ تعذر قيام الوحدة التي يهدف إليها، يقول الطاعن بأنه إذا لم تقم الوحدة فإن الحزب سوف يظل يدعو ويعمل على تحقيقها بلا يأس ولا كلل ومهما طال الأمر وأن الحزب على يقين من أن جهوده في هذا السبيل ستكلل بالنجاح وتجمع الوحدة بين مصر والسودان في دولة عظيمة، وانتهى الطاعن إلى التأكيد على طلباته.
ومن حيث إن هيئة قضايا الحكومة ضمنت مذكرتها المودعة بتاريخ 18 من يناير سنة 1990، في فترة حجز الطعن للحكم وخلال الأجل المصرح به، التأكيد على صحة القرار الصادر بالاعتراض على تأسيس الحزب وأبدت بأنه ليس صحيحاً القول بأن لجنة الأحزاب تميل إلى وأد كل حزب جديد، ولا يعدو هذا القول أن يكون استخلاصاً غير صحيح. وأن تحقيق شرط التميز وحسب مفاد حكم المحكمة الدستورية العليا، يقتضي تميزاً ظاهراً في أمرين معاً: برنامج الحزب ذاته وسياسات الحزب أو أساليبه في تحقيق هذا البرنامج. وظهور التميز يعني الوضوح الملموس دون حاجة إلى البحث والتعمق بحسبان أن البرنامج يخاطب عامة الناس لا فئة معينة منهم. والأقرب إلى الدقة القول بظهور التميز، لذلك فهو المعنى المقصود بعبارة النص، مما يستتبع حتمية انسحاب التميز على الأساسيات والركائز لا الفرعيات والتفاصيل التي قد تتلاقى مع العديد من برامج الأحزاب الأخرى وتستطرد المذكرة بيان أن التجارب الإنسانية أثبتت أن تعدد البرامج المتماثلة يعد مسخاً مكرراً ويؤدي إلى بلبلة الرأي العام وتشتيت كتلة الناخبين مما يؤدي إلى الصراع بينها على السلطة وتهديد كيان المجتمع، وتفادياً لذلك حرص المشرع، التزاماً بالديمقراطية على إيراد شرط التميز واضعاً في حسبانه أن مرحلة التحول التي تجتازها الشعوب النامية ومنها مصر مليئة بالأخطار ومن ثم فحاجتها إلى توقي هذه الأخطار أكبر من حاجة غيرها من الشعوب الأمر الذي يستوجب الالتزام بالجدية البناءة في البرامج للمساهمة في تكوين رأي عام مستقر لا يحول دون تكاتف وتنمية البلاد لا أن يؤدي إلى الصراعات والبلبلة والتشتيت لفئات هذا المجتمع الواحد ويحول دون استقراره. وفضلاً عن ذلك - على ما جاء بالمذكرة المشار إليها - فإن إبراز الوحدة مع السودان كهدف للحزب طالب التأسيس ليس أمراً جديداً إذ تنادي جميع الشعوب العربية بالوحدة الشاملة ومن بينها السودان. والوحدة بشكلها الدستوري هي آخر مراحل الوحدة. وتكون بعدما تتهيأ لها ظروف نجاحها من وحدة في الشئون الخارجية والدفاعية. فضلاً عن أن مصر تعمل على قيام الوحدة مع السودان بصورة متدرجة ومدروسة ودليل ذلك ميثاق التكامل - ميثاق الإخاء - مما لا يجعل من هدف تحقيق هذه الوحدة على ما جاء ببرنامج الحزب طالب التأسيس، أمراً يتميز به الحزب. وعن تنظيم العلاقة بين السلطة التنفيذية وجهازي القوات المسلحة والشرطة، فما أورده الحزب طالب التأسيس لا يعدو أن يكون جزئية، وليس عنصر تميز، وهو يعد تنظيماً ورد مثله ببرنامج حزب العمل وحزب الوفد الجديد، وعن تنظيم إدارة الصحف القومية فما ورد ببرنامج الحزب في هذا الشأن، تضمنته برامج حزبي الوفد الجديد والعمل الاشتراكي وفضلاً عن ذلك فما ورد ببرنامج الحزب طالب التأسيس بشأن اتباع أنماط معينة للمباني فقد تناوله برنامج الحزب الوطني الديمقراطي والوفد الجديد والعمل الاشتراكي وعن توظيف جهود موظفي الدولة بجانب أعمالهم، مما يدخل في مجال التنمية الاقتصادية، فقد ورد ببرنامج الحزب الوطني والوفد الجديد والعمل - وعن التخفيف من القيود على النقد الأجنبي فقد ورد مثله ببرامج الحزب الوطني والوفد الجديد والأحرار، وعن تبسيط إجراءات حصول المصانع على التراخيص، فيتشابه مع برنامج حزب الأحرار الاشتراكيين. وتخلص المذكرة إلى أن كل ذلك يكشف عن أن برنامج الحزب يتشابه أو يكاد يتماثل مع برامج الأحزاب الأخرى في كافة النواحي الكليات منها والجزئيات ومن ثم يتخلف بشأنه شرط التميز الظاهر بكل ضوابطه الواردة بنص القانون. وعن عدم الحفاظ على بعض المكاسب الاشتراكية، تقول المذكرة أن الأوراق تثبت ذلك بصفة قاطعة فالبرنامج يرى أن تقتصر المجانية على التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي الفني ونصف الثانوي العام ونصف الجامعي، الأمر الذي يخالف نصاً دستورياً قرر مجانية التعليم في مؤسسات الدولة التعليمية في مراحله المختلفة واعتبر مجانية التعليم من المكاسب الاشتراكية كما أكدت المذكرة على أن الحزب قام على أساس جغرافي ذلك أن تسعين في المائة من مؤسسيه يقيمون بمدينة الإسكندرية كما أن مما يقطع بمخالفة الحزب لحكم البند (خامساً) من المادة (4) من قانون الأحزاب ما قرره الطاعن بصفته أمام لجنة شئون الأحزاب، على النحو الثابت بمحضر اجتماعها بتاريخ 29 من أغسطس سنة 1988، من أنه تم الالتقاء ببعض الأخوة السودانيين حيث شرحت لهم مبادئ الحزب وأنه إذا تمت الوحدة فسوف يندمج الحزبان في حزب واحد. وأخيراً تناولت بيان أن برنامج الحزب مشوب بعدم التحديد والقصور في بعض الجوانب، وأوردت أن مقتضيات تأسيس حزب جديد يجب أن تنبثق من الرغبة في تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ولازم ذلك أن يتناول البرنامج أو ما يتناول السياسات والأساليب لمعالجة المشاكل العامة والمعاصرة التي يعاني منها المواطن ويكون إغفال ذلك مخلاً بأصل حكمة تقرير تعدد الأحزاب. ولا يكون مستساغاً القول بعدم اشتراط شمول البرامج لمجالات محددة بعينها لأن هذا القول إذا أخذ به، من شأنه إجازة انطواء برامج الأحزاب على أمور تلهي المواطنين عن أهم قضاياهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى غيرها من الأمور غير الجادة. وانتهت المذكرة إلى طلب الحكم برفض الطعن مع إلزام الطاعن بالمصروفات.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن لجنة شئون الأحزاب قد أصدرت بتاريخ 14 من سبتمبر سنة 1988 قراراً بالاعتراض على الطلب المقدم لتأسيس حزب سياسي باسم الحزب الاتحادي الديمقراطي" وبالاطلاع على قرار اللجنة بالاعتراض يبين أنه قام على أساس عدم توافر الشروط التي يتطلبها قانون الأحزاب السياسية في طلب التأسيس المقدم إليها: وتتحصل أسباب الاعتراض، على نحو ما أوردته اللجنة بقرارها بالاعتراض في الأمور الآتية: أولاً: عدم تميز برنامج الحزب وسياساته تميزاً ظاهراً عن برامج الأحزاب الأخرى بمقولة أن برنامج الحزب يكاد أن يكون مشابهاً لبرامج العديد من الأحزاب القائمة في الأساسيات التي تقوم عليها ومردداً لذات الأفكار والاتجاهات التي تضمنتها هذه البرامج" وثانياً أن برنامج الحزب يتعارض مع الحفاظ على مكاسب اشتراكية مما يخالف حكم البند (3) من (أولاً) من المادة (4) من قانون الأحزاب. وثالثاً: أن الحزب ذو طابع محلي وليس له انتشار جغرافي الأمر الذي يتعارض مع حكم الفقرة (ثالثاً) من المادة (4) المشار إليها، ورابعاً: مخالفة حكم الفقرة (خامساً) من المادة (4) بدليل ما أفصح عنه الحزب من أنه الجناح الآخر لحزب سياسي في الخارج هو الحزب الاتحادي الديمقراطي في السودان. وخامساً: ما اعتور البرنامج من عدم التحديد والنقص والقصور في بعض جوانبه ومثال ذلك إغفال تحديد وجهة نظر الحزب بالنسبة لقضايا العصر التي تهم الدول النامية ومنها مصر ومن ذلك قضية الديون الخارجية المستحقة على مصر، رغم بيانه تجاوز هذه المديونية ثلاثين ملياراً من الجنيهات وموقف الحزب من دعم بعض السلع الاستهلاكية وأفضل السبل التي يلزم اتبعاها للوصول بهذا الدعم إلى مستحقيه من محدودي الدخل كما لم يحدد البرنامج منهجه في استخدام أو عدم استخدام الطاقة النووية في الأغراض السلمية.
ومن حيث إن هذه المحكمة، بتشكيلها الخاص على النحو الوارد بالمادة (8) من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية المعدلة بالقانونين رقمي 144 لسنة 1980، 114 لسنة 1983 إنما تلتزم في إعمال رقابتها على القرار الصادر من لجنة شئون الأحزاب بالاعتراض على تأسيس الحزب بأحكام الدستور والقانون، بما مؤداه ولازمه أن تمتد هذه الرقابة إلى تحديد نطاق اختصاص تلك اللجنة ومداه. ويكون الاستهداء في استنطاق نصوص الدستور والقانون، بتفسير عباراتها بالتطبيق للقواعد العامة المقررة للتفسير، مع الاستهداء، عند الاقتضاء بالمبادئ العامة التي صدرت تلك النصوص عنها وهدفت إلى تحقيقها.
ومن حيث إن وثيقة إعلان الدستور، أكدت على أن جماهير شعب مصر هي التي قبلت وأعلنت ومنحت لأنفسها الدستور وقد انعقد عزمها على بذل الجهد لتحقق أولاً: السلام القائم على العدل بحسبان أن التقدم السياسي والاجتماعي لكل الشعوب لا يمكن أن يتم إلا بحرية الشعوب وإرادتها المستقلة وثانياً: الوحدة العربية التي هي أمل الأمة العربية باعتبارها نداء تاريخ ودعوة مستقبل، وثالثاً: التطوير المستمر للحياة في الوطن إيماناً بأن التقدم لا يحدث تلقائياً أو بالوقوف عند إطلاق الشعارات وإنما قوته الدافعة لتحقيقه في إطلاق جميع الإمكانيات والملكات الخلاقة والمبدعة للشعب ورابعاً: حرية الإنسان المصري عن إدراك بأن حرية الإنسان وعزته هي الشعاع الذي هدى ووجه مسيرة التطور الذي قطعته الإنسانية نحو مثلها العليا، وأن كرامة الفرد انعكاس لكرامة الوطن، وأن سيادة القانون ليست ضماناً مطلوباً وحسب لحرية الفرد ولكنها الأساس الوحيد لمشروعية السلطة. وتتبع تطور الحياة السياسية في مصر خلال الفترة التي أعقبت قيام ثورة 23 يوليه سنة 1952 يكشف عن أن تكوين الأحزاب السياسية استمر محظوراً منذ تاريخ العمل بأحكام المرسوم بقانون رقم 27 لسنة 1953 بشأن حل الأحزاب السياسية حتى أن اتخذ رئيس الجمهورية قراراً سياسياً، على نحو ما ورد بخطابه بمناسبة افتتاح دور الانعقاد الأول لمجلس الشعب سنة 1976، بأن تتحول التنظيمات السياسية التي كانت قد تكونت كمنابر داخل الاتحاد الاشتراكي إلى أحزاب وبتاريخ 3 من فبراير سنة 1977 صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 2 لسنة 1977 استناداً لحكم المادة (74) من الدستور، نص في المادة (1) على أن "حرية تكوين الأحزاب مكفولة طبقاً لما ينص عليه القانون الخاص بإنشاء الأحزاب حال صدوره من السلطة التشريعية". وقد طرحت أحكام القرار بقانون رقم 2 لسنة 1977 على الشعب في الاستفتاء العام، فوافق عليه، ثم صدر القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية الذي عمل به اعتباراً من تاريخ نشره بتاريخ 7 من يوليو سنة 1977 ونص في المادة (30) على أن تستمر قائمة التنظيمات السياسية الثلاثة حالية وهي:
1 - حزب مصر العربي الاشتراكي.
2 - حزب الأحرار الاشتراكيين.
3 - حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي.. ونصت المادة (1) من القانون على أن للمصريين حق تكوين الأحزاب السياسية ولكل مصري حق الانتماء لأي حزب سياسي وذلك طبقاً لأحكام هذا القانون. كما أوردت المادتان (2) و(3) من القانون تعريف الحزب السياسي ودوره في الحياة السياسية فنصت المادة (2) على أن يقصد بالحزب السياسي كل جماعة منظمة تؤسس طبقاً لهذا القانون وتقوم على مبادئ وأهداف مشتركة وتعمل بالوسائل السياسية الديمقراطية لتحقيق برامج محددة تتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة وذلك عن طريق المشاركة في مسئوليات الحكم. كما نصت المادة (3) على أن تسهم الأحزاب السياسية التي تؤسس طبقاً لأحكام هذا القانون في تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للوطن على أساس الوحدة الوطنية وتحالف قوى الشعب العاملة والسلام الاجتماعي والاشتراكية الديمقراطية والحفاظ على مكاسب العمال والفلاحين وذلك كله على الوجه المبين بالدستور. وتعمل هذه الأحزاب باعتبارها تنظيمات وطنية وشعبية وديمقراطية على تجميع المواطنين وتمثيلهم سياسياً. كما بين القانون شروط تأسيس أو استمرار أي حزب سياسي وتنظيم حله، إلى غير ذلك من أمور الحزب مع تشكيل لجنة شئون الأحزاب السياسية وتحديد اختصاصاتها، بحيث يعرض طلب تأسيس الحزب عليها، ولها على النحو المبين بالقانون أن تصدر قراراً بالاعتراض على التأسيس على أن يكون قرارها في هذا الشأن مسبباً. وفي 11 من إبريل سنة 1979 نشر قرار رئيس الجمهورية رقم 157 لسنة 1979 بدعوة الناخبين إلى الاستفتاء حيث تضمن الموضوعات المحدد طرحها للاستفتاء ومنها ما ورد تحت البند ثانياً الخاص بإعادة تنظيم الدولة على الأسس التالية تدعيماً للديمقراطية:1 - ........ 2 - إطلاق حرية تكوين الأحزاب.. وبعد موافقة الشعب عل ما طرح عليه بالاستفتاء فقد تم تعديل المادة (5) من الدستور بمقتضى نتيجة الاستفتاء الذي تم في 22 من مايو سنة 1980 بحيث أصبح نصها يجرى بأن النظام السياسي في جمهورية مصر العربية يقوم على أساس تعدد الأحزاب وذلك في إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور، وعلى أن ينظم القانون الأحزاب السياسية.
ومن حيث إن مفاد ما سبق، بعد أن صدر القانون رقم 40 لسنة 1977 فقد طرح للاستفتاء وتمت الموافقة، على مبدأ يتصل بإعادة تنظيم الدولة تدعيماً للديمقراطية هو إطلاق حرية تكوين الأحزاب ويكون النص في الدستور على أن النظام السياسي في جمهورية مصر العربية يقوم على أساس تعدد الأحزاب، ترجمة لما استقرت عليه إرادة الناخبين، فيما سبق من استفتاء على المبادئ التي وردت بقرار رئيس الجمهورية رقم 157 لسنة 1979 المشار إليه من إطلاق حرية تكوين الأحزاب، وبالتالي فإنه وفي ضوء أحكام الدستور والقانون رقم 40 لسنة 1977 فإن تعدد الأحزاب وحرية تكوينها، يكون هو الأصل الذي يتلاءم صدقاً وحقاً مع النظام الديمقراطي الذي تأخذ به جمهورية مصر العربية وذلك مراعاة لاعتبارين: أولهما أن هذه الحرية تتفق ومبدأ حرية الرأي التي كفلها الدستور في المادة (47) وهي تعد فرعاً من المساهمة في الحياة العامة التي نصت المادة (62) من الدستور على اعتبارها واجباً وطنياً، وثانيهما أن وجود الأحزاب العامة وتعددها يتصل، أوثق الصلة، بسير المؤسسات الدستورية وطريقة اضطلاعها بالاختصاصات المقررة لها بالدستور والقوانين. وقد أوردت المحكمة الدستورية العليا بأسباب قضائها في القضية رقم 44 لسنة 7 القضائية (دستورية) المشار إليه أنه "بل أن قانون الأحزاب السياسية، وقد صدر في سنة 1977 قبل تعديل المادة الخامسة من الدستور سنة 1980 بالنص فيها على نظام تعدد الأحزاب، حين أراد واضعوا القانون المشار إليه أن يقيموا هذا القانون على أساس الدستور قد ارتكنوا - على ما يبين من مذكرته الإيضاحية وتقرير اللجنة التشريعية عنه - إلى بعض الحريات والحقوق المقررة في الدستور ومنها حرية الرأي والعقيدة السياسية باعتبار أن حق تكوين الأحزاب يعد حقاً دستورياً متفرعاً عنها ومترتباً عليها، واستناداً إلى أن النظم الديمقراطية تقوم على أساس التسليم بقيام الأحزاب السياسية باعتبارها ضرورة واقعية للتعبير عن اختلاف الرأي الذي تحتمه طبيعتها الديمقراطية ولو لم ينص الدستور صراحة على حرية تكوين الأحزاب السياسية وتنظيمها.
ومن حيث إن المادة (4) من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية المعدلة بالقانونين رقمي 36 لسنة 1979، 144 لسنة 1980 قد تضمنت الشروط التي يلزم توافرها لتأسيس الحزب ابتداء وكذلك لاستمرار بقائه. وقد ثار الخلاف حول مدى توافر الشروط المنصوص عليها بتلك المادة في الحزب طالب التأسيس فيقوم اعتراض اللجنة المشكلة بالتطبيق لحكم المادة (8) من القانون المشار إليه على تأسيس الحزب على أنه لا تتوافر فيه الشروط المتطلبة في البند (3) من أولا من المادة (4) من القانون كما إنه يخالف حكم الفقرات (ثانياً) و(ثالثاً) و(خامساً).
من المادة (4) المشار إليها، بينما يؤكد وكيل المؤسسين على أن اعتراض اللجنة لا يقوم على أساس صحيح من الواقع أو القانون.
ومن حيث إن السبب الأول لاعتراض اللجنة المشار إليها على تأسيس الحزب يتحصل في عدم تميز برنامج الحزب وسياساته تميزاً ظاهراً عن برامج الأحزاب الأخرى وعن ذلك تقول اللجنة، على ما جاء بأسباب اعتراضها، أنه بالاطلاع على برنامج الحزب تحت التأسيس، يبين أنه لا يتميز تميزاً ظاهراً عن برامج الأحزاب الأخرى القائمة، بل يكاد أن يكون مشابهاً لبرامج العديد منها في الأساسيات التي تقوم عليها ومردداً لذات الأفكار والاتجاهات التي تضمنتها هذه البرامج. وقد استعرضت اللجنة الأساس الذي استندت إليه للوصول إلى النتيجة التي انتهت إليها حيث خلصت إلى أن جوهر برنامج الحزب وأساسياته" ليس فيه جديد يعول عليه وأنه جاء مطابقاً في شق منه لبرامج بعض الأحزاب ومشابهاً في شق آخر لبرامج البعض الآخر ومن ثم لا يعدو أن يكون تكراراً لمقتطفات متفرقة من جزئيات تضمنتها برامج الأحزاب القائمة، وتجميع لخليط منها، الأمر الذي أفقد هذا البرنامج قوامه المتكامل وذاتيته المتميزة تميزاً ظاهراً عن غيره من برامج الأحزاب القائمة بالمعنى الذي عناه المشرع في البند ثانياً من المادة (4) من القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية. ومن حيث إن تفسير أحكام القانون رقم 40 لسنة 77 الخاص بنظام الأحزاب السياسية يتعين أن يستهدي فيه بحكم نص المادة (5) من الدستور، المعدلة طبقاً لنتيجة الاستفتاء الذي أجرى يوم 22 من مايو 1980، التي أناطت بالمشرع تنظيم الأحزاب السياسية وبغيرها من الأحكام التي وردت بالدستور في شأن المقومات الأساسية للمجتمع والحقوق والواجبات العامة الدستورية، بحسبان أن المشرع إذ يتصدي لتنظيم أمور الأحزاب السياسية تنفيذاً للتوجيه الدستوري بذلك، إنما يفترض فيه ابتداء وهو بصدد هذا التصدي، الالتزام بالأحكام العامة والمبادئ الأصولية التي وردت في الدستور وعلى ذلك فإن التزام التفسير الذي يتفق وأحكام الدستور، هو الذي يتعين اتباعه بحسبانه الذي يكشف، بحق عن إرادة المشرع ونيته فيما أصدره من أحكام الأحزاب السياسية.
ومن حيث إن المحكمة الدستورية العليا قد سبق لها القضاء بأن المادة 5 من الدستور المعدلة بتاريخ 22 من مايو سنة 1980 - تنص على أن يقوم النظام السياسي في جمهورية مصر العربية على أساس تعدد الأحزاب وذلك في إطار المقومات والمبادئ الأساسية وقد تحقق بهذا التعديل تغيير جذري في إحدى ركائز النظام السياسي في الدولة، ذلك أن هذه المادة كانت المادة التي تنص قبل تعديلها على أن الاتحاد الاشتراكي العربي هو التنظيم السياسي الذي يمثل بتنظيماته القائمة على أساس مبدأ الديمقراطية تحالف قوى الشعب العاملة من الفلاحين والعمال والجنود والمثقفين والرأسمالية الوطنية وهو أداة هذا التحالف في تعميق قيم الديمقراطية والاشتراكية وفي متابعة العمل الوطني في مختلف مجالاته ودفع هذا العمل إلى أهدافها المرسومة وبموجب هذا التعديل يكون الدستور قد استعاض عن التنظيم الشعبي الوحيد ممثلاً في الاتحاد الاشتراكي العربي، بنظام تعدد الأحزاب، وذلك تعميقاً للنظام الديمقراطي الذي أقام عليه الدستور البنيان السياسي للدولة بما نص عليه في مادته الأولى من أن "جمهورية مصر العربية دولة نظامها اشتراكي ديمقراطي يقوم على تحالف قوى الشعب العاملة".. وبما ردده في كثير من مواده من أحكام ومبادئ تحدد مفهوم الديمقراطية التي أرساها، وتشكل معالم المجتمع الذي ينشده سواء ما اتصل بتوكيد السيادة الشعبية وهي جوهر الديمقراطية أو بكفالة الحقوق والحريات العامة وهي هدفها - أو بالاشتراك في ممارسة السلطة - وهي وسيلتها - كما جاء ذلك التعديل انطلاقاً من حقيقة أن الديمقراطية تقوم أصلاً على الحرية وأنها تتطلب - لضمان إنقاذ محتواها - تعدداً حزبياً بل هي تحتم هذا التعدد كضرورة لتكوين الإرادة الشعبية وتحديد السياسة القومية تحديداً حراً واعياً. وخلصت المحكمة الدستورية العليا مما تقدم إلى أنه ولما كان ذلك، وكان الدستور إذ نص في المادة (5) على تعدد الأحزاب كأساس للنظام السياسي في جمهورية مصر العربية، وجعل هذا التعدد غير مقيد إلا بالتزام الأحزاب جميعاً - سواء عند تكوينها أو في مجال ممارستها لعملها - بالمقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور وهو ما لا يعني أكثر من تقيد الأحزاب كتنظيمات سياسية تعمل في ظل الدستور - بمراعاة الأحكام المنصوص عليها فيه، فإن الدستور إذ تطلب تعدد الأحزاب ليقوم على أساسه النظام السياسي في الدولة، يكون قد كفل بالضرورة حرية تكوينها في الإطار الذي رسمه لها، بما يستتبع حتماً ضمان حق الانضمام إليها ذلك أنه من خلال ممارسة هذا الحق، وبه أساساً، يتشكل البنيان الطبيعي للحزب وتتأكد شرعية وجوده في واقع الحياة السياسية.. كما استعرض قضاء المحكمة الدستورية العليا حكم المادة (62) من الدستور وانتهى إلى أن مؤداها أن الحقوق السياسية المنصوص عليها في هذه المادة اعتبرها الدستور من الحقوق العامة التي حرص على كفالتها وتمكين المواطنين من ممارستها لضمان إسهامهم في اختيار قيادتهم وممثليهم في إدارة دفة الحكم ورعاية مصالح الجماعة، ولم يقف الدستور عند مجرد ضمان حق كل مواطن في ممارسة تلك الحقوق، وإنما جاوز ذلك إلى اعتبار مساهمته في الحياة العامة عن طريق ممارسته لها واجباً وطنياً يتعين عليه القيام به في أكثر المجالات أهمية لاتصالها بالسيادة الشعبية، ومن ثم فإن إهدار تلك الحقوق يعد بدوره مخالفة لأحكام الدستور.. (حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 21 من يونيه سنة 1986 في القضية رقم 56 لسنة 6 القضائية الدستورية).
ومن حيث إن مفاد قضاء المحكمة الدستورية المشار إليه أن الأصل المستمد - من أحكام الدستور هو حرية تكوين الأحزاب السياسية، وهو أصل كفله الدستور طالما التزمت الإطار الذي رسمه لها. فعلى ذلك فإن القيود التي يكون قد تضمنها التشريع المنظم للأحزاب السياسية، إنما يتعين تفسيرها بحسبانها تنظيماً للأصل العام الذي قرره الدستور، ومن ذلك الالتزام، على ما هو مستقر عليه في شئون التفسير، بوجوب أن يلتزم التنظيم إطار الأصل العام المقرر كقاعدة أعلى في مدارج النصوص التشريعية وأنه لا يجوز بحال أن يخرج التنظيم عن الحدود المقررة له بالتطاول على الأصل الذي يستند إليه في قيامه، سواء بالتوسعة فيه أو الانتقاص منه وتقييده.
ومن حيث إن المادة (4) من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية المعدلة بالقانونين رقمي 36 لسنة 1979، 144 لسنة 1980 تنص على أن يشترط لتأسيس أو استمرار أي حزب سياسي ما يلي.. أولاً:.... ثانياً: تميز برنامج الحزب وسياساته أو أساليبه في تحقيق هذا البرنامج تميزاً ظاهراً عن الأحزاب الأخرى.. وقد سبق للمحكمة الدستورية العليا أن قضت بدستورية هذا الشرط بحسبانه ضماناً للجدية وحتى يكون للحزب قاعدة جماهيرية حقيقية تسانده، وأن يكون في وجود الحزب إضافة جديدة للعمل السياسي ببرامج وسياسات متميزة عن الأحزاب الأخرى إثراءً للعمل الوطني ودعماً للممارسة الديمقراطية تبعاً لاختلاف البرامج والاتجاهات المتعلقة بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتوسعة لنطاق المفاضلة بينها واختيار أصلح الحلول وأنسبها (الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 7/ 5/ 1988 في القضية رقم 44 لسنة 7 القضائية الدستورية) وأنه ولئن كان قضاء المحكمة الدستورية العليا المشار إليه بتقرير دستورية نص البند (ثانياً) من المادة (4) من القانون رقم 40 لسنة 77 المشار إليه فإنه لا يكشف بذاته صراحة، عن وجه تفسير عبارة التميز الظاهر التي تضمنها نص الفقرة (ثانياً) المشار إليها إلا أن قضاء تلك المحكمة، بما قام عليه من أسباب، سواء في القضية 44 لسنة 7 القضائية دستورية أو في القضية رقم 56 لسنة 6 القضائية دستورية المشار إليهما يرسي الأصول العامة والمبادئ الأساسية التي يتعين أن يدور تفسير نص القانون في إطارها، وأول هذه الأصول وتلك المبادئ ودعامتها هي حرية تكوين الأحزاب السياسية. باعتبارها حقاً نص عليه الدستور وأصلاً من الأصول التي يقوم عليها نظام الحكم على النحو المقرر دستوراً.
ومن حيث إنه يتعين الإشارة، بادي ذي بدء، إلى أن الأحزاب السياسية، القائمة منها والتي تطلب التأسيس تلتزم باحترام المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور تطبيقاً لحكم المادة (5) المعدلة من الدستور. كما تلتزم الأحزاب بألا تتعارض مقوماتها، أو مبادئها، أو أهدافها أو برامجها أو سياساتها أو أساليب ممارستها نشاطها مع مبادئ الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع ومبادئ ثورتي 23 يوليه و15 من مايو سنة 1971، كما تلتزم بالحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والنظام الاشتراكي الديمقراطي والمكاسب الاشتراكية، كل ذلك على النحو المنصوص عليه بالفقرة (أولاً) من المادة (4) من القانون رقم 40 لسنة 1977 المشار إليه، ومؤدى ذلك ولازمه أن الدستور ومن بعده القانون رقم 40 لسنة 1977 يكونان قد تطلبا لزاماً اتفاق الأحزاب، القائمة منها والتي تطلب التأسيس في أمور غير مسموح في شأنها بالاختلاف دستوراً وقانوناً. ويكون مفاد ذلك أن يضيق مجال التميز المتطلب، كشرط لتأسيس الحزب، فالتميز لا يكون مسموحاً به أو جائزاً إلا في غير تلك الأمور مما يعد مجالاً للعمل السياسي المسموح به للأحزاب. الأمر الذي يؤدي إلى أن التماثل، بل والتطابق مفترض حتماً في المقومات الأساسية التي يقوم عليها الأحزاب. وعلى ذلك فان عدم التميز في هذا الشأن، لا يمكن أن يكون مانعاً أو حائلاً دون تأسيس الحزب. كما أنه يكشف عن الوجه الصحيح لتفسير حكم الفقرة (ثانياً) من المادة (4) المشار إليها التي تجرى عبارتها باشتراط تميز برنامج الحزب وسياساته أو أساليبه في تحقيق هذا البرنامج تميزاً ظاهراً عن الأحزاب الأخرى. والتميز المتطلب لا يمكن أن يكون مقصوداً به أن يكون تميزاً عن كافة ما تقوم عليه برامج الأحزاب كلها. أو تكون أساليبه متميزة عن أساليب الأحزاب الأخرى مجتمعة. فليس في عبارة النص المشار إليها ما يوحي بأن التميز يتعين أن ينظر إليه بالمقارنة بما ورد ببرامج وسياسات الأحزاب الأخرى القائمة جميعها، بل التميز يتحقق صدقاً إذا توافر في الحزب طالب التأسيس الصفة التي تجعله متبايناً ومختلفاً ومنفرداً عن أي حزب منظور إليه على استقلال، إذا اشترط التميز المطلق والتام بين الحزب طالب التأسيس وبين برامج الأحزاب الأخرى منظوراً إليها مجتمعة، يفترض أن هذه الأخرى تمثل حزباً واحداً أو تنظيماً واحداً، بحيث يجب أن يتميز عنها الحزب طالب التأسيس، وهو أمر غير مقبول في تفسير النص، كما أن القول به مؤداه فرض قيد هو تحريم تكوين أي حزب جديد أقرب منه إلى تنظيم الحق في هذا التكوين فالتميز يتحقق متى توافرت شروطه، بمعنى التفرد والانفصال، عن حزب آخر، بحيث لا يكون هناك حزبان يتفقان في البرامج والسياسات أو الأساليب التي يعتنقها لتحقيق تلك البرامج والسياسات. فالأحزاب القائمة ليست فروعاً لتنظيم واحد يضمها جميعاً، بل كل منها ينفرد بذاتية مستقلة، رغم ما قد يكون بينها من اتفاق في أصول عامة تابعة ومنبثقة من قواعد دستورية وقانونية تستلزم هذا الاتفاق على النحو المشار إليه فيما سبق، مما يتيح للمواطن أن ينحاز إلى أي منها، وبحيث يتحقق بهذا الانتماء الحر الأساس الأول للنظام السياسي في جمهورية مصر العربية القائم على أساس تعدد الأحزاب على النحو المنصوص عليه بالمادة (5) من الدستور.
ومن حيث إنه وبالترتيب على ما تقدم، وإذ كانت اللجنة المشكلة بالتطبيق لحكم المادة (8) من قانون الأحزاب قد أقامت اعتراضها على طلب تأسيس الحزب في المنازعة الماثلة، تأسيساً على أنه قد ورد ببرنامج الحزب طالب التأسيس بشأن نظام الحكم، ما يتفق بعضه مع ما ورد ببرنامج حزبي العمل الاشتراكي والوفد الجديد، وبعضه مع ما ورد ببرنامج هذين الحزبين وحزب الأمة وبعض آخر مع ما ورد ببرنامجي الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الأحرار الاشتراكيين، فيكون البادي أن اللجنة المشار إليها قد ردت مقارنتها ببرنامج الحزب طالب التأسيس مع ما ورد في برامج الأحزاب الأخرى، فلم تستظهر اللجنة اتفاق الحزب وتطابق برنامجه وأهدافه في شأن نظام الحكم مع برنامج وأهداف حزب بعينه، فإذا كان ذلك وكان من أوجه النعي التي أبرزتها اللجنة أن برنامج الحزب طالب التأسيس إذ ورد به التأكيد أن مصر دولة إسلامية تكفل الحرية الدينية بعيداً عن التعصب والتطرف فإن ذلك لا يعدو أن يكون تكراراً لما أكده الدستور في المادة (40) من أن - المواطنين لدى القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة لا تميز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة وما أوردته اللجنة في هذا الشأن يبدو بعيد الصلة مع اعتراضها على التأسيس. إذ أن الالتزام بالأحكام الرئيسية والمبادئ العامة للمجتمع المصري، على نحو ما قرره الدستور، هو التزام مفروض على الأحزاب جميعاً ولا تثريب إن تضمن برنامج الحزب التأكيد عليها.
ومن حيث إنه بالاطلاع على برنامج الحزب طالب التأسيس المقدم بحافظة المستندات المقدمة بجلسة 13 من ديسمبر سنة 1988، يبين أن البرنامج يقوم على تحقيق أربعة أهداف: أولاً: حماية ودعم الحقوق السياسية والشخصية للفرد بصورة تحقق للمواطن الثقة بذاته والاعتزاز بانتمائه لمصر، ثانياً: تحقيق تنمية اقتصادية شاملة تكفل التوظيف الأمثل لموارد البلاد ولجمهور المواطنين في أعمال منتجة تحقق زيادة في الإنتاج القومي والدخل المتوسط للفرد ليقترب من متوسطات الدخول في الدول المتقدمة، ثالثاً: العمل على النهوض بالمرافق العامة المصرية إلى المستوى الحضاري الذي يليق بشعب مصر، رابعاً: وضع ضوابط لسياسة خارجية رشيدة تحفظ لمصر مكانتها وكرامتها في أسرة العالم وتكفل تحقيق الأمن والسلام للعشب المصري مع الدعوة والعمل المستمر لتحقيق الوحدة مع أبناء الجنوب والسودان. وعن الهدف الأول يقوم البرنامج على ضرورة النظر في تعديل الدستور لتحقيق مزيد من الديمقراطية، على أن تضطلع بذلك جمعية تأسيسية تتكون عن طريق الانتخاب المباشر الذي يتم بإشراف هيئة قضائية ويدعو البرنامج أن يكون التعديل بحيث يحقق:
1 - تطبيق الانتخاب المباشر لرئيس الجمهورية ونائبه وأعضاء المجالس النيابية.
2 - ضرورة العناية بوضع القواعد والضوابط الكفيلة بالفصل بين السلطات. التشريعية والتنفيذية والقضائية بحيث لا تطغي إحداهما على الأخرى.
3 - تنظيم العلاقة بين السلطة التنفيذية والقوات المسلحة والشرطة بما يحقق إضعاف سيطرة السلطة التنفيذية عليهما تجنباً لإمكانية الانفراد بالحكم والميل إلى الدكتاتورية مع ما ينتجه ذلك من المساس بالحريات.
4 - حرية تكوين الأحزاب السياسية في الإطار الذي سوف تحدده الجمعية التأسيسية، وحرية الأفراد في إصدار الصحف والمجلات على أنه بالنسبة للصحف القومية القائمة فيرى البرنامج ضرورة عدم خضوع تشكيل مجالس إدارتها للسلطة التنفيذية ويكون ذلك بطرح أسهمها للاكتتاب العام حتى يساهم الشعب والعاملون بالشركات التي تصدر عنها تلك الصحف في الجمعيات العمومية لها.
5 - النص في الدستور الجديد على أن مصر دولة إسلامية، وعلى احترام حرية المواطنين في اعتناق دياناتهم الأخرى مع كفالة الدستور مزاولة مراسم دياناتهم. وبين البرنامج أن الدعوة للإسلام ليست حقاً للمسلم بل هي واجب عليه على أن يلتزم في ذلك بأساليب تنأي عن التعصب أو التطرف بأن تكون الدعوة قائمة على الحكمة والموعظة الحسنة. وعن الهدف الثاني أورد البرنامج أن الوضع الاقتصادي للدولة هو من أهم الموضوعات التي يعنى بها تأسيساً على أنه لا حرية ولا كرامة مع وجود الفقر. وبعد استعراض أهم مظاهر التخلف الاقتصادي، من جمود الإنتاج ووجود عجز مستمر ومتزايد في الميزان التجاري وميزان المدفوعات وفي الميزانية العامة للدولة وزيادة حجم النقد المتداول والخلل في هيكل توزيع القوى العاملة، ذهب البرنامج إلى بيان أن انتهاج سياسة تعيين خريجي الجامعات بمجرد التخرج وعدم تعيين أصحاب المؤهلات المتوسطة إلا بعد مدة قد تطول إلى أربع سنوات وعدم الالتزام بتعيين غير الحاصلين على مؤهلات، فقد ترتب على ذلك الإقبال على التعليم الجامعي، وبالتالي تضاعفت أعداد خريجي الكليات النظرية مثل التجارة والحقوق والآداب والخدمة الاجتماعية والتربية الفنية مما أدى إلى إنشاء وظائف لهم بمصالح الحكومة وهيئات وشركات القطاع العام دون أن تكون حاجة العمل ومقتضياته تستلزم ذلك، وبالتالي تضخم عدد الموظفين دون أن يقابل ذلك إنتاج حقيقي. وبالتوازن مع ذلك فقد ازدادت أعداد الفئات التي لا تنتج إنتاجاً مباشراً ومن ذلك التجارة والوسطاء مما أدى إلى حدوث خلل كبير في هيكل القوى العاملة بحيث اقتصر عدد العاملين المنتجين على أربعة ملايين عامل في حين يعمل أربعة عشر مليوناً بمجالات غير منتجة. ويقرر البرنامج أن إصلاح هيكل القوى العاملة سوف يكون من أهم الأهداف التي سيسعى الحزب إلى تحقيقها. كما استطرد البرنامج إلى بيان ملامح العلاج للمشكلات الاقتصادية وتتحصل في دعوة الشعب للاهتمام بالمشكلة وفي أن يتم العمل من خلال إستراتيجية واضحة تقوم على فكر اقتصادي يؤمن به الشعب مع بيان أن رؤية الحزب، في ظل الظروف الحالية. الاستمرار في إتاحة الفرصة لسياسة الانفتاح الاقتصادي ودعوة رؤوس الأموال المصرية والأجنبية والعربية للاستثمار في مصر، مع تشجيع المستثمرين عن طريق توفير المنافسة الحرة وجعل الثمن الأسلوب الأساسي لتوجيه الاستثمار. واستعرض البرنامج بعض السياسات التي يرى الأخذ بها لتنمية القطاعات الاقتصادية الهامة، ففي مجال الزراعة يتعين الحفاظ على الأرض الزراعية مما يتطلب الأخذ بنظام المباني ذات الطوابق المتعددة بالمدن والقرى، وتجميع الهيئات والمراكز التي تقوم على التنمية الزراعية في هيئة واحدة تابعة لوزارة الزراعة مع مكان الاستعانة بخبراء الزراعة العالميين في المجالات الزراعية المختلفة والعمل على زيادة الإنتاج الزراعي والأنشطة المتعلقة بتربية لدواجن وذلك عن طريق استغلال المساحات المتاحة من أسطح المنازل والشركات في زراعة بعض أنواع الخضر أو نباتات الزينة في أحواض خاصة، وعن طريق مد الطرق بالأراضي الصحراوية والمرافق الأساسية باعتبار أن ذلك من أهم الوسائل المساعدة لزيادة الرقعة المستصلحة. ونبه البرنامج إلى ضرورة البدء في إجراء دراسة شاملة وجادة حول السد العالي وآثاره الجانبية وعلى الأخص تعرف وجه الحق فيما يشاع من تكون سد هائل من الطمي جنوب وادي حلفا بسبب وجود السد مما يتسبب في أن تتجه مياه النيل، في مستقبل قصر أو بعد، إلى الصحراء المحيطة بالبحيرة بما قد يحرم مصر من مياه النيل نهائياً. وفي مجال الصناعة التي يراها البرنامج طريق الخروج من دائرة الفقر، فيدعو البرنامج إلى وجوب الأخذ بالتقنيات مما يمكن الحصول عليها عن طريق تهيئة المجال لتلقي الاستثمارات الأجنبية وخاصة ما اتصل منها بصناعة الالكترونيات الحديثة. على أن يتواكب ذلك مع تغيير نظرة الإعلام إلى أصحاب رؤوس الأموال المنتجة وتقليل دور الأجهزة الحكومية على الرقابة على النقد الأجنبي مع الاستفادة القصوى من الموارد الدائمة للنقد الأجنبي الأمر الذي يتطلب ألا تتجاوز الرقابة على النقد الأجنبي الحدود المعقولة كما يتطلب العمل على زيادة الثقة والاطمئنان للاقتصاد المصري وإيقاف الحملة على تجارة العملة والعمل على الاستفادة بهم كوسيلة جلب للعملات الأجنبية من الخارج مع تنظيم النشاط في صورة مكاتب معتمدة لأعمال الصرافة، والسماح للبنوك في التعامل بالنقد الأجنبي على أساس سعر حقيقي، وإيجاد الحافز نحو إنشاء المشروعات الصناعية عن طريق الإعفاءات الضريبية مع تطوير الأجهزة القائمة على شئون الصناعة وترميمها وعن مجال الصيد أورد البرنامج ضرورة الاهتمام بنشاط صيد الأسماك وإزالة المعوقات الإدارية التي تصادف الصيادين ومن ذلك حرمانهم من الصيد غرب مدينة العلمين واستلزام تحديد خط سير سفن الصيد واستلزام العودة إلي ذات ميناء المغادرة كل ذلك مما يتطلب، على ما ورد بالبرنامج، إيجاد هيئة لها صلاحيات كافية لرعاية الثروة السمكية وتنظيم أعمال الصيد وتدعيم الصيادين. وفي مجال السياحة أبرز البرنامج ضرورة الاهتمام بتشجيع السياحة بالعناية بتنظيم زيارات المناطق الأثرية مع إيجاد أماكن جذب في تلك المناطق ومثال ذك إنشاء مدن الملاهي الكثيرة. وفي مجال الإسكان يرى البرنامج أن مشكلة الإسكان سوف تحل في حد ذاتها بعلاج أوجه الخلل في الهيكل العام للدولة. وعن الهدف الثالث يرى البرنامج ضرورة الاهتمام برفع كفاءة المرافق العامة مع التركيز على أمرين: التعليم والصحة. وعن التعليم أورد البرنامج أن إصلاح نظم التعليم سوف تنبع من تخفيف الضغط الزائد على مراحل التعليم المختلفة والذي نشأ بسبب إطلاق مجانية التعليم بدون وعي أو دراية لذلك يرى أن تقتصر المجانية على التعليم الإلزامي الابتدائي والإعدادي أما بعد ذلك فيكون التعليم الثانوي الفني بالمجان أما بالنسبة للتعليم الثانوي العام فيكون نصفه بالمجان ونصفه لمن يريد بمصروفات كاملة وكذلك الحال بالنسبة للتعليم الجامعي. وعن الصحة يرى البرنامج توفير العلاج الكامل بصورة كريمة لكل من يحتاجه مع وجوب تحسين الخدمة بالمستشفيات العامة المجانية وتغيير أسلوب إدارة المستشفيات العامة الجامعية بحيث تستند إدارتها لأطباء متفرغين. وقد تصدر برنامج الحزب طالب التأسيس مقدمة تضمنت إعلاناً عن هدفين أساسيين يسعى الحزب إلى تحقيقهما أولهما: حث المواطنين على المساهمة الفعالة في الأمور العامة والاهتمام بشئون الوطن وممارسة الحقوق السياسية العامة في إطار العمل الحزبي القائم على تعدد الأحزاب وثانيهما: تحقيق وحدة وادي النيل، مصره وسودانه، بحسبان أن هذه الوحدة كيان موجود وكائن يعم الوادي.
ومن حيث إن تحقيق وحدة وادي النيل، على ما ينادى به برنامج الحزب طالب التأسيس، تختلف عن مفهوم الوحدة العربية، وإن لم تتعارض معها، ذك أن الحزب يرى أن ما فصم عرى هذه الوحدة في مرحلة تاريخية معينة، كان أحداثاً طارئة داخلية آن زمان العمل على تجاوزها وإزالة آثارها. وبهذا المفهوم فإن تحقيق وحدة وادي النيل كهدف يتميز عن هدف تحقيق وحدة الأمة العربية أو وحدة الأمة الإسلامية ولا يعتبر في برنامج الحزب طالب التأسيس جزءاً من سياسة خارجية، بل أساساً للعمل السياسي، داخلياً وخارجياً، وأنه ولئن كان برنامج حزب الوفد الجديد قد تضمن، فيما تضمن بالنسبة للسياسات الخارجية، وجوب بذل أقصى الجهود لتوثيق الصلات ودعم الروابط بين مصر والسودان على المستوى الرسمي والشعبي حتى يصلا إلى الهدف الأسمى وهو تحقيق الوحدة الكاملة لشطري الوادي، إلا أن برنامج الحزب طالب التأسيس، فيما يتعلق بتحقيق وحد ة وادي النيل يتميز عما ورد ببرنامج حزب الوفد الجديد في هذا الشأن، إذ يعتبر الحزب طالب التأسيس أمر هذه الوحدة هدفاً جوهرياً يقوم عليه وليس مجرد عنصر من عناصر سياسة خارجية يتعين اتباعها. ولا يكون صحيحاً ما أثارته هيئة قضايا الدولة، في معرض دفاعها، من أن من شأن إقامة علاقات خاصة مع السودان، عن طريق إبرام اتفاقية التكامل وغيرها، ما يحول دون أن يتبنى حزب، يطلب التأسيس، تحقيق الوحدة بين شطري الوادي، ذلك أنه من المعروف ومن العلم العام أن الحزب الذي يتولى السلطة هو الحزب الوطني الديمقراطي، وبرنامجه خلو من هدف تحقيق وحدة وادي النيل، فيكون إبرام الاتفاقيات بين الدولتين من قبيل أعمال السياسة بإجراء الموازنات المختلفة تحقيقاً للمصالح المشتركة، في إطار تقدير الاعتبارات الدولية والملاءمات السياسية. كما لا يكون صحيحاً أن العمل على تحقيق الوحدة العربية يجب أن يحجب الدعوة عن توحيد شطري الوادي، على نحو ما ورد ببرنامج الحزب طالب التأسيس، ذلك أن توحيد شطري الوادي يقوم على أساس قيام الوحدة التاريخية التي تصل بين قاطني الوادي الواحد جنوبه وشماله ومن الجدير بالإشارة في هذا الصدد، إلى أن هذه الدعوة كانت ركيزة أساسية من الركائز التي قامت عليها السياسة المصرية في التاريخ السياسي المعاصر. وقد تضمن خطاب رئيس مجلس وزراء مصر أمام مجلس الأمن بتاريخ 5 من أغسطس سنة 1947 استعراضاً تاريخياً وجغرافياً وسياسياً للعلاقة بين شطري وادي النيل والمحاولات التي بذلتها دولة الاحتلال البريطاني لفصم عرى الوحدة مع السعي إلى تقسم السودان ذاته بفصل جنوبه عن شماله بهدف إيجاد نظام حكم ذاتي في الجنوب يمكن أن ينفصل عن الشمال ويستقل عنه، وأنه أياً ما يكون الرأي في هدف تحقيق وحدة وادي النيل، بين السودان ومصر فإن هذا الهدف لا يكون النظر إليه أو الحكم عليه، بمطلق منظور الوحدة بين كيانات سياسية قائمة وإنما هو، بالنظر إلى جذوره التاريخية، مما يمكن اعتباره تمشياً مع وجهة نظر الحزب طالب التأسيس، رأباً لصدع حدث لكيان سياسي واحد نتيجة ظروف خاصة أدت إليه وأفرزته.
ومن حيث إنه بالترتيب على ما سبق فإن مناداة الحزب طالب التأسيس، وقيام برنامجه، على تحقيق هدف الوحدة بين شطري وادي النيل يكون مما يتحقق به تميز الحزب في دعامة من دعاماته الأساسية عما ورد ببرامج الأحزاب الأخرى، وتكفي هذه السمة سبباً للتميز ومدعاة للتفرد. وأنه ولئن نسب إلى الحزب طالب التأسيس أنه إن هو إلا فرع لحزب قائم بالسودان، وبالتالي قد خالف حكم الفقرة (خامساً) من المادة (4) من القانون رقم 40 لسنة 1977 المشار إليه، إلا أن ما أثير في هذا الشأن لا يجد سنداً صحيحاً، باستخلاص سائغ، من الأوراق ذلك أن ما ورد من عبارات ببرنامج الحزب طالب التأسيس من قيام حزب في السودان ينادي بالوحدة مع مصر، ويطالب بتحقيقها، وأنه بقيام الحزب طالب التأسيس فيعمل على تحقيق هذا الهدف، ليس من مؤداه أو مفاده أن الحزب طالب التأسيس هو فرع للحزب القائم بالسودان والاتفاق بينهما في الهدف لا يعني قيام التبعية وتوافر أسبابها. وفي هذا الشأن فإن في نصوص قانون الأحزاب السياسية ما يكفل تحقيق التزام الأحزاب جميعاً في علاقاتها أو اتصالاتها بالأحزاب القائمة بدول أخرى، بحدود معينة لا يجوز تجاوزها أو مخالفتها وقد نصت المادة (1) من القانون رقم 40 لسنة 1977 المعدلة بالقانون رقم 144 لسنة 1980 على أن تضع لجنة شئون الأحزاب السياسية القواعد المنظمة لاتصال الحزب بأي حزب أو تنظيم سياسي أجنبي وذلك بناء على ما يقترحه رئيس هذه اللجنة. ولا يجوز لأي حزب التعاون أو التحالف مع أي حزب أو تنظيم سياسي أجنبي إلا طبقاً للقواعد المشار إليها في الفقرة السابقة.
ومن حيث إنه عما ورد بالاعتراض على تأسيس الحزب من أن برنامجه يشوبه القصور فالبادي من استعراض هذا البرنامج أنه تعرض لأمهات المبادئ التي يراها في الشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية ونص المادة (2) من قانون نظام الأحزاب السياسية على أنه "يقصد بالحزب السياسي كل جماعة منظمة تؤسس طبقاً لأحكام هذا القانون وتقوم على مبادئ وأهداف مشتركة وتعمل بالوسائل السياسية الديمقراطية لتحقيق برامج محددة تتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة وذلك عن طريق المشاركة في مسئوليات الحكم. وعلى ذلك فيكفي أن يتعرض برنامج الحزب إلى المبادئ العامة المتعلقة بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة التي تحدد إطاره الفكري بصدد هذه الشئون وبحيث يكون الانتماء إليه عن بصيرة ويقين من اتجاهاته الرئيسية ومبادئه العامة، أما البرامج التفصيلية المتفرعة عن المبادئ العامة والاتجاهات الرئيسية فإنها لا تعدو أن تكون فروعاً لهذه المبادئ والاتجاهات الرئيسية، فلا يعيب البرنامج خاصة والحزب في طور التكوين الأول، ألا يتعرض ببرامج تفصيلية لعلاج كل المشكلات التي تقوم في الواقع، واستلزام ذلك فيه عنت وإرهاق، قد يصل إلى حد الاستحالة إذا نظر إلى المشكلات التي تواجه المجتمع، أي المجتمع، في وقت معين. بل إن تطور المجتمع يفرز حتماً تطوراً في مشكلاته، سواء بتجاوزها أو استفحالها، والرؤية الواضحة لحلول لها، جميعاً، ابتداء فضلاً عن صعوبته، إن لم تكن استحالته، لا يمكن أن تتوفر صدقاً وحقاً إلا بالاطلاع على حقائق إحصائية وبيانات دقيقة متشعبة قد لا تكون متوافرة، دائماً للجمهور فإذا كان ذلك وكان برنامج الحزب طالب التأسيس قد تناول على ما سبق البيان، المبادئ الأساسية المتعلقة بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حسب رؤيته لهذه المسائل وتقديره لوسائل معالجة المشاكل التي تثور بشأنها، أياً ما يكون من شأن الحكم الموضوعي عليها الأمر الذي مناطه في النهاية إلى مجموع الناخبين فإنه لا يكون فيما قدمه ما يمكن وصمه بالقصور الذي يتنافى مع الحكم المنصوص عليه بالمادة (2) من قانون الأحزاب السياسية على ما سلف البيان.
ومن حيث إنه عما نسب إلى الحزب طالب التأسيس من مخالفته لحكم البند (3) من أولاً من المادة (4) من قانون الأحزاب السياسية بحسبان أن ما تضمنه برنامجه بشأن تنظيم أمور التعليم يتضمن مساساً بمكاسب اشتراكية تتمثل في مجانية التعليم، فإنه يتعين ابتداء تحديد مفهوم المكاسب الاشتراكية المعنية بنص البند (3) المشار إليه. وهذا التحديد يستفاد من إجراء المقابلة بين نص المادة (3) ونص البند 3 من أولاً من المادة (4) من القانون رقم 40 لسنة 1977 المشار إليه. إذ تنص المادة (3) من القانون المشار إليه على أن تسهم الأحزاب السياسية التي تؤسس طبقاً لأحكام هذا القانون في تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للوطن على أساس الوحدة الوطنية وتحالف قوى الشعب العاملة والسلام الاجتماعي والاشتراكية الديمقراطية والحفاظ على مكاسب العمال والفلاحين وذلك كله على الوجه المبين بالدستور.. بينما تنص المادة (4) على أنه يشترط لتأسيس أو استمرار أي حزب سياسي ما يلي: أولاً: عدم تعارض مقومات الحزب أو مبادئه أو أهدافه أو برامجه أو سياساته أو أساليبه في ممارسة نشاطه مع:.... 3 - الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والنظام الاشتراكي الديمقراطي والمكاسب الاشتراكية. ومن حيث المقابلة بين هذين النصين يبين أن ما ورد بالبند (3) من أولاً من المادة (4) من قانون الأحزاب السياسية، بشأن الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والنظام الاشتراكي الديمقراطي والمكاسب الاشتراكية إنما هو توكيد وترديد لما ورد بالمادة (3) من القانون التي تحيل في بيان كل ذلك إلى أحكام الدستور وبالتالي تكون عبارة المكاسب الاشتراكية الواردة بالبند (3) مقابلة لعبارة مكاسب العمال والفلاحين الواردة بنص المادة (3) من القانون التي تحيل في بيان هذه المكاسب إلى أحكام الدستور وقد تضمن الدستور في المادة (5)، بيان المبادئ العامة التي تحكم التنظيم الحزبي فنصت تلك المادة على أن يقوم النظام السياسي في جمهورية مصر العربية على أساس تعدد الأحزاب وذلك في إطار المقومات الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور. وينظم القانون الأحزاب السياسية ومفاد ما تقدم أن ما يعتبر بمنأى من إرادة التغيير التي يسمح بها في إطار العمل الحزبي، ما يكون الدستور قد اعتبره من المقومات الأساسية التي يقوم عليها المجتمع على نحو ما تضمنه الدستور وأحكم بيانه في الباب الثاني منه بعنوان "المقومات الأساسية للمجتمع". وباستعراض ما تضمنه الباب المشار إليه من الدستور في الفصل الأول بعنوان المقومات الاجتماعية والخلقية يبين أن المادة (18) تنص على أن التعليم حق تكفله الدولة، وهو إلزامي في المرحلة الابتدائية، وتعمل الدولة على مد الإلزام إلى مراحل أخرى وتشرف على التعليم كله، وتكفل استقلال الجامعات ومراكز البحث العلمي، وذلك كله بما يحقق الربط بينه وبين حاجات المجتمع والإنتاج. بينما تنص المادة (20) على أن التعليم في مؤسسات الدولة التعليمية مجاني في مراحله المختلفة. فعلى ذلك فإن التعليم المجاني في مؤسسات الدولة يكون معتبراً من المقومات الأساسية للمجتمع مما ينأى عن أي مساس به أو الانتقاص منه إعمالاً لصريح حكم الدستور، وإن لم يرد بقانون الأحزاب أو تجر به نصوصه وعباراته، بحسبان أن ما ورد بالدستور من أحكام بشأن التنظيم الحزبي يتعين الالتزام بها ومراعاتها حتى وإن خلا منها قانون الأحزاب تأسيساً على أن أحكام الدستور هي مصدر المشروعية الأول باعتبارها قمة مدارج الإلزام التشريعية فإذا كان ذلك وكان الطاعن قد أكد بالمذكرات المقدمة أمام هذه المحكمة، على أن برنامج الحزب لا يتضمن المساس بالمجانية بمؤسسات الدولة التعليمية، وأن ما ورد بالبرنامج بشأن تنظيم العملية التعليمية إنما المقصود به إصلاح هيكل التعليم برعاية الأكثر قدرة وكفاءة علمية، وتوجيه الأقل قدرة إلى مناحي التعليم الفني، تحقيقاً للحد من مظاهر البطالة المقنعة ودفعاً وتدعيماً للقوى المنتجة ومن مطالعة ما ورد ببرنامج الحزب طالب التأسيس، في شأن تنظيم التعليم، لا يؤدي لزاماً إلى القول بإخلال البرنامج بالمجانية المقررة دستوراً في مؤسسات الدولة التعليمية. ذلك أن عبارة البرنامج، على نحو ما حرص الطاعن على إيضاحه بمذكرات دفاعه أمام هذه المحكمة، يكون مفادها أن يقتصر القبول بمؤسسات الدولة التعليمية سواء في المرحلة الجامعية - وبافتراض أن استقلال الجامعات المنصوص عليه دستوراً في المادة (18) لا يحول دون اعتبارها مما يدخل في مفهوم تعبير مؤسسات الدولة التعليمية المعنية بحكم المادة (20) من الدستور المشار إليها - أو بمرحلة التعليم الثانوي العام على أكثر الطلبة تفوقاً وامتيازاً ويكون التحاق غيرهم بالتعليم الفني بالمجان، أو بمؤسسات خاصة مقابل مصروفات. ولا يكون في ذلك مساس بقاعدة أو مبدأ ورد ضمن المقومات أو المبادئ الأساسية التي نص عليها الدستور. ولا تتأبى عبارات برنامج الحزب على هذا الفهم إذ تجرى بما يأتي.. لذلك يرى الحزب أن تقتصر المجانية على التعليم الإلزامي الابتدائي والإعدادي فقط أما بعد ذلك في مرحلة التعليم الثانوي فيكون كل التعليم الثانوي الفني بالمجان أما بالنسبة للتعليم الثانوي العام فيكون 50% منه مجاناً للمتفوقين وال50% الذين تقل قدراتهم يكون التعليم الثانوي بالنسبة لمن يريده بمصاريف كاملة أو يخرج من لا يريد منهم تحمل المصاريف لميدان العمل حيث يكون ذلك أنسب لقدراتهم وأجدى لهم وللوطن وكذلك في التعليم الجامعي يكون نصفه مجاناً للمتفوقين والنصف الآخر بمصاريف، ولا يفهم من هذه العبارات كما هي لا تؤدي بحكم اللزوم إلى المساس سواء بالمجانية في مرحلة الإلزام الأمر الذي تكفله الدولة ويجب عليها توفيره على النحو المنصوص عليه في المادة (18) من الدستور ويقتصر على المرحلة الابتدائية، أما ما عدا هذه المرحلة أو المراحل الأخرى التي يمتد إليها الإلزام بمقتضى أحكام التشريعات فإنه ليس في الدستور ما يحول دون اضطلاع مؤسسات خاصة - هي بعد تخضع لإشراف الدولة تطبيقاً للتوجيه الدستوري بإشرافها على التعليم كله وأياً ما تكون طبيعة المؤسسات التي تقوم به - بالخدمات التعليمية مقابل مصروفات لمن يشاء ذلك ويرغب فيه ممن لم يمكنه الحصول على هذه الخدمة بمؤسسة من مؤسسات الدولة التعليمية بسبب مرجعه إلى درجة الكفاءة أخذاً بمعيار يتساوى أمامه الجميع. ويكون ما ورد ببرنامج الحزب إن هو، في النهاية إلا دعوة إلى تشجيع الدولة للتعليم الفني وإلى الإقلال من الأعداد المقبولة بمرحلة التعليم الثانوي العام ومرحلة التعليم الجامعي، وأنه وأياً ما يكون الرأي من الناحية الموضوعية فيما ينادى به برنامج الحزب طالب التأسيس في هذا الشأن فليس من شأن اختلاف وجهات النظر وتباينها في تقييمه، ما يحول بذاته دون قيام الحزب قانوناً متى لم يتحقق أن في برنامجه مخالفة لحكم ورد بالدستور أو القانون.
ومن حيث إنه بشأن ما أثير منم قيام الحزب طالب التأسيس على أساس جغرافي بمقولة أن غالبية المؤسسين يقطنون بمدينة الإسكندرية مما من شأنه مخالفة حكم الفقرة ثالثاً من المادة (4) من قانون الأحزاب فإن ذلك لا يستقيم مع صحيح الواقع أو حقيق القانون. ذلك أن الحظر الوارد بالفقرة (ثالثاً) من المادة (4) المشار إليها إنما ينصرف إلى قيام الحزب على أساس جغرافي ولا يتصل ذلك بأن يكون المؤسسون من قاطني مدينة معينة أو محافظة بعينها طالما خلا البرنامج مما يفيد قيام الحزب على هذا الأساس الجغرافي. وفي واقعة المنازعة الماثلة فإن مبادئ الحزب وبرنامجه متصلان أوثق الصلة بنظرة عامة لأمور الوطن، دون اعتداد بأساس جغرافي أو تحديد بنطاق مكاني معين، ومن الجدير الإشارة إلى أن نشر أفكار الحزب والدعوة إلى مبادئه على نطاق مما يتنافى مع الحظر المفروض بموجب حكم الفقرة الثانية من المادة (9) من قانون الأحزاب التي تحظر على مؤسسي الحزب ممارسة أي نشاط حزبي أو إجراء أي تصرف باسم الحزب إلا في الحدود اللازمة لتأسيسه وذلك قبل التاريخ المحدد لتمتعه بالشخصية الاعتبارية على النحو الذي ينظمه نص الفقرة الأولى من المادة (9) المشار إليها وهو اليوم التالي لنشر قرار لجنة شئون الأحزاب السياسية بالموافقة على تأسيس الحزب بالجريدة الرسمية أو في اليوم العاشر من تاريخ هذه الموافقة إذا لم يتم النشر أو من تاريخ صدور حكم المحكمة الإدارية العليا بإلغاء القرار الصادر من هذه اللجنة بالاعتراض على تأسيس الحزب.
ومن حيث إنه بالترتيب على ما سبق جميعه، فإن الاعتراض على تأسيس الحزب الاتحادي الديمقراطي يكون غير قائم على سند صحيح من حكم القانون مما يتعين معه القضاء بإلغاء القرار بالاعتراض.
ومن حيث إن من يخسر الدعوى يلزم بمصروفاتها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار بالاعتراض على تأسيس الحزب الاتحادي الديمقراطي مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت المطعون ضده بصفته بالمصروفات.


[(1)] يراجع حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 44 لسنة 7 القضائية (دستورية).