مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة والثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1989 إلى آخر فبراير سنة 1990) - صـ 359

(24)
جلسة 2 من ديسمبر سنة 1989

برئاسة السيد الأستاذ المستشار طارق عبد الفتاح البشري نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: محمد يسري زين العابدين ويحيى السيد الغطريفي ود. فاروق عبد البر السيد وأحمد شمس الدين خفاجي - المستشارين.

الطعن رقم 724 لسنة 21 القضائية

عاملون مدنيون بالدولة - تأديب - مجالس تأديب العاملين بالمحاكم (تفويض) (مجالس تأديب).
طبقاً لنص المادة (167) من القانون رقم 46 لسنة 1972 بشأن السلطة القضائية يشكل مجلس التأديب في المحاكم الابتدائية والنيابات من رئيس المحكمة ورئيس النيابة أو من يقوم مقامهما وكبير الكتاب.. - عبارة "أو من يقوم مقامهما تفسر على أساس من يقوم مقامهما بإرادة الأصيل أو بقوة القانون أي عن طريق التفويض أو الحلول فيمكن لرئيس المحكمة أن يفوض غيره لرئاسة مجلس التأديب ويمكن لرئيس النيابة أن يفوض غيره ليكون عضواً في مجلس التأديب - كذلك فإنه إذا قام مانع بالأصيل أي برئيس المحكمة أو برئيس النيابة يحول بينهما وبين مباشرة هذا الاختصاص فإن من يليهما من الزملاء يمكن أن يحل محلهما - والمانع قد يكون إرادياً مثل والإجازة بأنواعها وقد يقع رغم إرادة الأصيل كالمرض - إذا لم يكن هناك تفويض أو مانع يحول بين الأصيل وممارسة اختصاصاته فلا يجوز لأحد أن يحل محله عملاً بالمبدأ المقرر في القانون العام وهو أن صاحب الاختصاص يجب أن يمارسه بذاته - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الخميس 24/ 7/ 1975، أودعت هيئة قضايا الدولة، نائبة عن الطاعن، تقرير الطعن الماثل، والقرار الصادر من مجلس التأديب بمحكمة المنيا الابتدائية بجلسة 24/ 6/ 1975 في القضية رقم 3 لسنة 1975، والقاضي بمجازاة.... بخصم سبعة أيام من مرتبه.
وطلب الطاعن بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والحكم أصلياً ببطلان تشكيل مجلس التأديب الذي أصدر الحكم، وإعادة القضية إلى الجهة الإدارية لإعادة محاكمة المتهم تأديبياً. واحتياطياً الحكم بفصل المطعون ضده، مع إلزامه في جميع الحالات المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وبتاريخ 3/ 9/ 1975 أعلن المطعون ضده بالطعن، وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني رأت فيه قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
وحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 28/ 12/ 1988، وفيها قررت إحالة الطعن إلى هذه المحكمة التي نظرته بجلسة 4/ 2/ 1989، ثم قررت بجلسة 21/ 10/ 1989، إصدار الحكم بجلسة اليوم 25/ 12/ 1989، وفيها صدر الحكم، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع النزاع تتحصل - كما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 27/ 1/ 1975، أصدر السيد المستشار رئيس محكمة المنيا الابتدائية، قراراً بإحالة.... المحضر بمحكمة عطاى إلى مجلس التأديب بمحكمة المنيا الابتدائية لمحاكمته تأديبياً فيما نسب إليه من أنه قام بتزوير توقيع راضي عبد الحكيم علي، على أصل صحيفة الدعوى رقم 89/ 1974 بما يفيد استلام الأخير صورة العريضة، في حين أنه لم يتسلم أية إعلانات، وأن التوقيع المنسوب إليه مزور.
ومن حيث إن مجلس التأديب نظر الدعوى، وبجلسة 24/ 6/ 1975 قضى بمجازاة المذكور بخصم سبعة أيام من راتبه، وأقام المجلس قراره، على أن التهمة ثابتة قبل المحضر المتهم...، من اعترافه، ومما أثبته قسم أبحاث التزييف والتزوير، من أنه هو الموقع بتوقيع راضي عبد الحكيم وأضاف المجلس أنه على الرغم من أن التهمة ثابتة في حق المذكور إلا أن المجلس حرصاً منه على مستقبله، خاصة وأنه حديث العهد بالعمل وإن الجزاءات الموقعة عليه جميعها لانقطاعه عن العمل - يرى أخذه بشيء من الرأفة والاكتفاء بتوقيع الجزاء سالف الذكر عليه.
ومن حيث إن الطعن في القرار المذكور يقوم على سبين:
الأول: بطلان تشكيل مجلس التأديب الذي أصدر الحكم، ذلك أن السيد وكيل النيابة عبد الحكم أبو الدهب، حضر بدلاً من السيد رئيس النيابة، ولم يثبت من الأوراق أن عضوية وكيل النيابة كانت نيابة عن رئيس النيابة بمقتضى تفويض بذلك، كما أنه لم يثبت من الأوراق أيضاً أن وكيل النيابة كان يقوم بعمل رئيس النيابة، أثناء المحاكمة التأديبية ووقت صدور الحكم.
الثاني: انعدام التناسب بين الذنب الإداري الذي ارتكبه المطعون ضده، وهو التزوير في أوراق رسمية وبين الجزاء الموقع عليه، مما يخرج هذا الجزاء عن نطاق المشروعية ويجعله مخالفاً للقانون ذلك أن الجزاء لمثله هو الفصل من الخدمة.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق، أن السيد/.... عامل التليفون بناحية أولاد الشيخ على أبلغ بأنه بتاريخ 29/ 4/ 1974، استلم من.... المحضر بمحكمة عطاى صورة من حكم التنفيذ الصادر من محكمة سمالوط الجزئية في القضية رقم 89 لسنة 1974 شرعي لصالح..... ضد زوجها....، وعندما توجه إلى تسليم الأخير صورة الحكم رفض استلامها مقرراً له بأنه لم يعلن بالجلسة التي صدر فيها هذا الحكم. وقد توجه معه إلى محكمة سمالوط، وبالاطلاع على أصل صحيفة الدعوى لمعرفة مستلم الصورة، تبين أنه ثابت بها توقيع باسم...، يفيد استلامه هذه الصورة، في حين أنه لم يتسلم أية إعلانات وأضاف أن التوقيع المنسوب إليه مزور عليه.
ومن حيث إنه بسؤال....، قرر أنه رفض استلام صورة الحكم من.... لعدم إعلانه بالجلسة التي صدر فيها هذا الحكم.
ومن حيث إن تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير أفاد بأن المحضر.... هو الموقع بتوقيع (....) الثابت بأسفل خط المستلم، على أصل عريضة الدعوى المؤرخة 3/ 2/ 1974.
ومن حيث إنه بسؤال المحضر المطعون ضده أمام النيابة، أنكر ما نسب إليه، مقرراً أنه توجه إلى ناحية أولاد علي محل إقامة المعلن إليه وقام بتسليم صورة عريضة الدعوى إلى... وأضاف أنه لا يعرف هذا الأخير من قبل. وبمواجهته بما أثبته تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير من أنه هو الموقع باسم المعلن إليه - المستلم - قرر أنه من الجائز على سبيل السهو، أنه قام بكتابة... بخطه تحت لفظ المستلم بقصد تسهيل عملية قراءة الاسم، عند إعلانه بعريضة الدعوى، كما قرر ذلك أمام مجلس التأديب وأضاف: بأنه نظراً لعدم وضوح أغلب الإمضاءات والأختام على الأوراق المطلوب إعلانها، فإنه عادة يكتب اسم المستلم للإعلان، ثم يوضع الختم أو الإمضاءات تحت تلك الأسماء حتى يسهل قراءتها. وأنه نظراً لكثرة العمل وسهواً منه لم يوقع من المستلم لصور العريضة أثناء المحضر. وقال أن له مدة خدمة أربع سنوات لم يحدث في خلالها منه أية مخالفات، وأن جميع الجزاءات الموقعة عليه كانت لانقطاعه عن العمل.
ومن حيث إنه عن وجه الطعن الأول ببطلان تشكيل مجلس التأديب، لحضور السيد وكيل النيابة بدلاً من السيد رئيس النيابة، فإن المادة 167 من القانون رقم 46 لسنة 1972 بشأن السلطة القضائية تنص على أن يشكل مجلس التأديب في محكمة النقض...
وفي المحاكم الابتدائية والنيابات من رئيس المحكمة ورئيس النيابة أو من يقوم مقامهما وكبير الكتاب ويستبدل كبير المحضرين عند محاكمة أحد المحضرين ورئيس القلم الجنائي عند محاكمة أحد كتاب النيابات.
ومن حيث إن النص سالف الذكر يقضي بتشكيل مجلس التأديب في المحاكم الابتدائية والنيابات من رئيس المحكمة ورئيس النيابة أو من يقوم مقامهما و.. فإن عبارة "أو من يقوم مقامهما" تفسر على أساس من يقوم مقامهما بإرادة الأصيل أو بقوة القانون، أي عن طريق التفويض أو الحلول فيمكن للسيد رئيس المحكمة أن يفوض غيره لرئاسة مجلس التأديب. كما يمكن لرئيس النيابة أن يفوض غيره ليكون عضواً في مجلس التأديب. كذلك فإنه إذا قام مانع بالأصيل أي برئيس المحكمة أو برئيس النيابة يحول بينهما وبين مباشرة هذا الاختصاص، فإن من يليهما من الزملاء يمكن أن يحل محلهما. والمانع قد يكون إرادياً مثل والإجازة بأنواعها وقد يقع رغم إرادة الأصيل كالمرض ولكن إذا لم يكن هناك تفويض أو تخلف المانع الذي يحول بين الأصيل وبين ممارسته لاختصاصه، فإنه لا يجوز لأحد أن يحل محله، لأن المبدأ في القانون العام هو أن صاحب الاختصاص يجب أن يمارسه بذاته.
ومن حيث إن السيد رئيس محكمة المنيا الابتدائية قد ندب السيد محمد عباس أبو علم رئيس المحكمة بالمحكمة لرئاسة مجلس التأديب مما يعني تفويضه في اختصاصه.
ومن حيث إنه عن الادعاء بحضور السيد وكيل النيابة مجلس التأديب، بدلاً من السيد رئيس النيابة دون أن يكون مفوضاً في ذلك، فإنه لما كان على وزارة العدل أن تقدم من الأدلة ما يثبت هذا القول بحكم أنها الطاعنة أولاً، وبحكم أنها جهة الإدارة القادرة على تأييد دعواها بالمستندات التي تملكها تحت يدها، وبحكم أنها تريد إثبات عكس المفترض وهو صحة تشكيل المجلس.
ومن حيث إن الجهة الطاعنة لم تقدم الدليل على أن السيد وكيل النيابة كان فاقد الصفة في عضويته مجلس التأديب الذي حاكم المطعون ضده، كما لم يثبت أنه لم يكن هناك مانع يحول بين حضور رئيس النيابة مجلس التأديب وحل محله رغم ذلك وكيل النيابة، لذا فإن قولها بعدم مشروعية تشكيل مجلس التأديب الذي حاكم المطعون ضده، يكون مجرد قول مرسل لا دليل عليه. وبالتالي يكون مجلس التأديب الذي أصدر الحكم المطعون فيه مشكلاً على الوجه القانوني السليم.
ومن حيث إنه عن القول بعدم تناسب الجزاء الموقع على المطعون ضده مع ما ارتكبه من ذنب، فإن الثابت من أسباب القرار المطعون فيه أن مجلس التأديب رأى أخذ المطعون ضده بالرأفة حرصاً من المجلس على مستقبله باعتبار أنه حديث العهد بالعمل. وأن الجزاءات التي سبق وأن وقعت عليه كانت لانقطاعه عن العمل، وهي مبررات للتخفيف من الجزاء تتبناها المحكمة كذلك، خاصة وأن ما آتاه المذكور، وان تمثل في إخلاله بواجبات وظيفته، وعدم أداء هذه الواجبات بدقة وأمانة. إلا أنه لم يثبت أنه يشكل جريمة تزوير بالمعنى المقرر في قانون العقوبات وصفاً وأركاناً.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.