مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة والثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1989 إلى آخر فبراير سنة 1990) - صـ 421

(30)
جلسة 9 من ديسمبر سنة 1989

برئاسة السيد الأستاذ/ المستشار محمد أنور محفوظ رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأستاذة: محمد المهدي مليحي ومحمد أمين المهدي وصلاح عبد الفتاح سلامة والسيد عبد الوهاب أحمد - المستشارين.

الطعن رقم 1088 لسنة 32 القضائية

ترخيص - محال تجارية وصناعية - (تموين).
القانون رقم 453 لسنة 1954 في شأن المحال الصناعية والتجارية - سريانه على المحال المنصوص عليها في الجدول الملحق بالقانون ومن بينها الأفران المستعملة للعموم والمخابز العمومية - الرخص التي تصرف طبقاً لهذا القانون دائمة ما لم ينص القانون على توقيتها - حددت المادة 16 أحوال إلغاء رخصة المحل - إذا كانت المادة 4 من القانون رقم 95 لسنة 1945 حظرت بغير ترخيص من وزارة التموين على أصحاب المطاحن والمخابز أن يستخرجوا أو يعرضوا للبيع أو يحوزوا دقيقاً غير مطابق للمواصفات - إعمال قانون التموين لا يحول دون إعمال القانون رقم 453 لسنة 1954 الذي حدد أحوال إلغاء الرخصة - صدور قرار وزير التموين بإلغاء تراخيص المخابز الطباقي التي يرفض أصحابها تشغيلها تموينياً مع غلقها إدارياً - مخالفته للقانون لعدم تحقق أي من الأحوال المنصوص عليها في المادة 16 من القانون رقم 453 لسنة 1954 - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الاثنين الموافق 24/ 2/ 1986 أودعت هيئة قضايا الدولة نيابة عن الطاعن بصفته قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد برقم 1088 لسنة 32 ق في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 26/ 12/ 1985 في الدعوى رقم 2085 لسنة 39 ق فيما قضى به من وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات. وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الأمر بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه حتى يفصل في موضوع الطعن ثم إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي بقبوله شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى مع إلزام رافعيها بالمصروفات.
وبعد إعلان الطعن قانوناً أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه بشقيه العاجل والموضوعي مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات وحددت لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 6/ 3/ 1989 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (دائرة منازعات الأفراد والهيئات والتعويضات) وحددت لنظره جلسة 7/ 10/ 1989 وتأجلت إدارياً لجلسة 11/ 11/ 1989 وفيها نظرت المحكمة الطعن على الوجه المبين بمحضر الجلسة وقررت إصدار الحكم بجلسة اليوم مع التصريح بتقديم مذكرات خلال أسبوع وانقضى الأجل ولم يقدم أي من الخصوم مذكرة بدفاعه وقد صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن أقيم في الميعاد القانوني مستوفياً سائر أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - في أن المطعون ضدهم أقاموا أمام محكمة القضاء الإداري الدعوى رقم 2085 لسنة 39 ق ضد وزير التموين بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة بتاريخ 26/ 1/ 1985 طالبين الحكم أولاً: وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار رقم 9 لسنة 1985 الصادر من وزير التموين والتجارة الداخلية بغلق الأفران الخاصة بهم وفي الموضوع بإلغاء ذلك القرار وإلزام المدعى عليه بالمصروفات وقالوا شرحاً لدعواهم إنه بموجب تراخيص صادرة من وزير الداخلية يملكون ويديرون أفراناً طباقية منذ أكثر من ثلاثين عاماً. وقد أصدر المدعى عليه القرار رقم 9 لسنة 1985 بغلق هذه الأفران ووفق تشغيلها بمدعاة أنه يرى تشغليها أفراناً بلدية. وقد تم تنفيذ هذا القرار فعلاً وأوقفت تراخيصهم في 14/ 1/ 1985، ونعى المدعون على القرار المطعون فيه بأنه مشوب بعيب الانحراف عن الغاية التي رسمها القانون وجاء مجحفاً بحقوقهم إذ ليس في مكنتهم تحويل هذه الأفران إلى أفران بلدية لأن ذلك يتطلب أموال طائلة تجاوز قدرتهم المحدودة إلى جانب ضيق الأفران الخاصة بهم. وردت الجهة الإدارية على الدعوى بأنه صدر المنشور الدوري رقم 23 لسنة 1984 في 28/ 10/ 1984 من وزارة التموين بناء على توجيهات وزير التموين الذي يرغب أصحاب المخابز الطباقي في تشغيلها تموينياً، وفي حالة موافقتهم يراعى استيفاء الاشتراطات خلال مدة محددة فإذا تم ذلك تحدد حصة من الدقيق لمزاولة النشاط. وفي حالة رفض أصحاب هذه المخابز. تتخذ الإجراءات الفورية لإلغاء رخصهم بصفة نهائية مع غلقها إدارياً بالتنسيق مع رؤساء الأحياء وذلك للقضاء على إنتاج خبز مخالف للأوزان والأسعار المقررة التي تنتجها هذه المخابز وبالجلسة المنعقدة بتاريخ 26/ 12/ 1985 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات تأسيساً على أن الرخصة الممنوحة للمحال الخاضعة لأحكام القانون رقم 453 لسنة 1954 في شأن المحال الصناعية والتجارية وغيرها من المحال المقلقة للراحة والمضرة بالصحة العامة ومنها الأفران المستعملة للعموم والمخابز العامة التي وردت بالجدول الأول الملحق بهذا القانون تحت رقم (93) دائمة ما لم ينص على توقيتها. وقد حددت المادة 16 من ذلك القانون أحوال إلغاء الرخصة ولم يتحقق أي من هذه الأحوال في شأن الأفران الخاصة بالمدعين. ومن ناحية أخرى فإن الجهة الإدارية لم تنسب مخالفات معينة لأي من هذه الأفران، وإنما نسبت إلى أصحابها بوجه عام مخالفة القرارات المنظمة لشروط ومواصفات إنتاج الخبز التمويني. ومثل هذا الاتهام الذي يتسم بالعمومية وبغير تحديد لا يصلح سنداً لاتخاذ إجراء عقابي ضد أي من أصحاب هذه الأفران بسحب التراخيص الخاصة بهم. وقد انتفى في شأن المدعين السبب المسوغ لاتخاذ إجراء عقابي فضلاً عن عدم تحقق أي من الحالات التي حددتها المادة 16 لإلغاء الترخيص في شأنهم فمن ثم يكون من غير السائغ إلغاء التراخيص الممنوحة لهم وغلق أفرانهم بقرارات إدارية ومن ثم يضحى القرار المطعون فيه بحسب الظاهر من الأوراق غير موافق لأحكام القانون وهو ما يتحقق به ركن الجدية في طلب وقف التنفيذ فضلاً عن تحقق ركن الاستعجال وذلك لأن الأمر يتصل بممارسة المدعين لنشاطهم الذي يرتزقون منه ويعولون عليه في معاشاتهم.
ومن حيث إن مبنى الطعن مخالفة الحكم المطعون فيه لصحيح حكم القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله تأسيساً على أن المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين نص على أن يحظر بغير ترخيص من وزارة التموين على أصحاب المطاحن والمخابز والمحال العامة والمسئولين عن إدارتها أن يستخرجوا أو يعرضوا للبيع أو يحوزوا بأي صفة كانت دقيقاً غير الدقيق المطابق للمواصفات والشروط التي يحددها وزير التموين الذي يحدد الطريقة التي يجب على أصحاب المخابز أو المسئولين عن إدارتها إتباعها في صناعة الرغيف من بدايتها إلى نهايتها، كما حظرت المادة الأولى من القرار الوزاري رقم 232 لسنة 1975 إنتاج أو بيع أو عرض خبز بغير مواصفات وأوزان وأسعار وزارة التموين. واستناداً إلى ذلك أصدرت وزارة التموين المنشور رقم 23 لسنة 1984 في 28/ 10/ 1984 الذي يقضي بإلغاء تراخيص المخابز الطباقية وأخذ إقرارات على أصحابها لتشغيلها تموينياً. وبعد استيفاء الاشتراطات تحدد حصة الدقيق اللازمة لكل مخبز. والمخابز الطباقية التي يرفض أصحابها ذلك يتم إلغاء تراخيصها نهائياً وإغلاقها إدارياً. وبإنزال ما تقدم على واقعة المنازعة الراهنة نجد أن أصحاب المخابز الطباقي المطعون ضدهم ينتجون رغيفاً بدون ترخيص ومخالفاً للمواصفات المنصوص عليها بمعرفة وزارة التموين. فضلاً عن حصولهم على الدقيق المدعوم والمخصص للمخابز التي تنتج الخبز التمويني، بطرق غير مشروعية، ثم يتم إنتاج رغيف يباع بسعر مغالى فيه وبدون موافقة وزارة التموين. وللقضاء على هذه الظاهرة المخالفة للقوانين أصدرت الوزارة المنشور رقم 23 لسنة 1984 بتخيير أصحاب المخابز الطباقية بين تشغيلها لإنتاج الخبز التمويني أو بإلغاء التراخيص الممنوحة لهم وذلك تحقيقاً للصالح العام وتوفير الخبز التمويني لطبقات الشعب الكادح في فترة يعاني فيها من وجود اختناق في إنتاج الخبز التمويني وإذ رفض المطعون ضدهم تحويل مخابزهم إلى إنتاج رغيف الخبز التمويني فقد صدر القرار المطعون فيه بإلغاء التراخيص الممنوحة لهم الأمر الذي يصادف صحيح حكم القانون ولا مطعن عليه. وإذ أغفل الحكم المطعون فيه تطبيق حكم التشريعات التموينية آنفة الذكر وانتهى إلى خلاف هذا النظر فإنه يكون قد خالف صحيح حكم القانون وانطوى على خطأ في تطبيقه وتأويله وبالتالي يكون جديراً بالإلغاء.
ومن حيث إنه ولئن كان الحكم المطعون فيه لم يتعرض صراحة لبحث شكل الدعوى إلا أنه لما كان المطعون ضدهم أقاموا دعواهم في 26 من يناير سنة 1985 طعناً في القرار رقم 9 لسنة 1985 الصادر خلال ذات الشهر مستوفاة سائر أوضاعها الشكلية فمن ثم تكون مرفوعة في الميعاد القانوني المنصوص عليه في المادة 24 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 ومقبولة شكلاً.
ومن حيث إن القانون رقم 453 لسنة 1954 في شأن المحال الصناعية والتجارية وغيرها من المحال المقلقة للراحة والمضرة بالصحة العامة - الذي يسري وفقاً للمادة الأولى منه على المحال المنصوص عليها في الجدول الملحق بالقانون ومن بينها الأفران المستعملة للعموم والمخابز العمومية الواردة بالبند 93 من محال القسم الأول بالجدول الملحق بالقانون - تنص مادته التاسعة على أن "الرخص التي تصرف طبقاً لهذا القانون دائمة ما لم ينص فيها على توقيتها...." وحددت المادة 16 من القانون المذكور معدلة بالقانون رقم 359 لسنة 1956 أحوال إلغاء رخصة المحل بأنها:
1 - إذا أوقف المرخص إليه العمل بالمحل وأبلغ الجهة المنصرفة منها الرخصة بذلك.
2 - إذا أوقف العمل بالمحل لمدة تزيد على عامين في محلات القسم الأول وعام واحد في محلات القسم الثاني.
3 - إذا أزيل المحل أو أعيد بناؤه أو إنشاؤه.
4 - إذا كان المحل ثابتاً ثم نقل من مكانه.
5 - إذا أجرى تعديل في المحل بالمخالفة لأحكام المادة 16 ولم تتم إعادته إلى حالته قبل التعديل خلال المدة التي تحددها الجهة المختصة.
6 - إذا أصبح المحل غير قابل للتشغيل أو أصبح في استمرار إدارته خطر داهم على الصحة العامة أو على الأمن يتعذر تداركه.
7 - إذا أصبح المحل غير مستوف للاشتراطات الواجب توافرها فيه من حيث الموقع أو عدم إقامة منشآت فوقه.
8 - إذا صدر حكم نهائي بإغلاق المحل نهائياً أو إزالته.
ومفاد ذلك أن الرخصة الممنوحة طبقاً لهذا القانون دائمة ما لم ينص في الرخصة على توقيتها ولا يجوز إلغاؤها إدارياً إلا في الأحوال المحددة بالمادة 16 من القانون المذكور وإذا كانت المادة 4 من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين حظرت بغير ترخيص من وزارة التموين على أصحاب المطاحن والمخابز والمحال العامة أو المسئولين عن إدارتها أن يستخرجوا أو يعرضوا للبيع أو يحوزوا بأي صفة كانت دقيقاً غير الدقيق المطابق للمواصفات والشروط التي يحددها وزير التموين، وتنص الفقرة الثانية من المادة الخامسة من القانون المذكور على أن يحدد وزير التموين الطريق التي يجب على أصحاب المخابز أو المسئولين عن إدارتها إتباعها في صناعة الرغيف من بدايتها إلى نهايتها. فإن إعمال هذا القانون لا يحول دون إعمال القانون رقم 453 لسنة 1954 سالف الذكر الذي حدد أحوال إلغاء الرخصة الصادرة تطبيقاً له خاصة وأنه صدر بعد المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 المشار إليه.
ومن حيث إن الثابت من ظاهر الأوراق أنه صدر المنشور الدوري رقم 23 لسنة 1984 م بتاريخ 28/ 10/ 1984 من رئيس قطاع التوزيع والرقابة بوزارة التموين بناء على توجيهات وزير التموين الذي ينص البند 2 منه على أن المخابز الطباقي المستوفاة للاشتراطات يؤخذ إقرارات على أصحابها لترغيبهم في تشغيلها تموينياً وفي حالة الموافقة يكلفون بتقديم الطلبات والمستندات اللازمة... ثم تحدد حصة الدقيق اللازمة لتشغيلها بمعرفة المديرية وينص البند 4 من هذا المنشور على أن المخابز الطباقي التي يرفض أصحابها تشغيلها تموينياً تتخذ الإجراءات الفورية بالنسبة لها لإلغاء رخصها بصفة نهائية مع غلقها إدارياً. واستناداً إلى هذا المنشور صدر القرار المطعون فيه رقم 9 لسنة 1985 بغلق المخابز الطباقي المملوكة للمطعون ضدهم ومن ثم يكون هذا القرار مخالفاً للقانون لعدم تحقق أي من الأحوال المنصوص عليها في المادة 16 من القانون رقم 453 لسنة 1954 المشار إليه آنفاً خاصة وأن الجهة الإدارية لم تنسب مخالفات محددة إلى أصحاب المخابز المذكورة وإنما نسبت إليهم وأنهم ينتجون رغيفاً دون ترخيص ومخالفاً للمواصفات والأوزان والأسعار المحددة بمعرفة وزارة التموين فضلاً عن حصولهم على الدقيق المدعوم والمخصص للمخابز التي تنتج الخبز التمويني بطرق غير مشروعة ثم يتم إنتاج رغيف بسعر مغالى فيه وبدون موافقة وزارة التموين، ومثل هذا الاتهام الذي يتسم بالتعميم - والذي لم يقم عليه دليل من الأوراق - بالنسبة للمطعون ضدهم لا يصلح سنداً لاتخاذ إجراء عقابي ضد المذكورين.
ومن حيث إنه وإذ صدر الحكم المطعون فيه بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه فإنه يكون صحيحاً متفقاً وأحكام القانون، ويكون الطعن فيه على غير سند من القانون ومن ثم يتعين الحكم برفضه وإلزام الجهة الإدارية الطاعنة بالمصروفات عملاً بحكم المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الجهة الإدارية الطاعنة بالمصروفات.