أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 5 - صـ 257

جلسة 17 من ديسمبر سنة 1953
(39)
القضية رقم 293 سنة 20 القضائية

برياسة السيد الأستاذ أحمد حلمي وكيل المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: عبد العزيز محمد وكيل المحكمة، وسليمان ثابت، ومحمد نجيب أحمد، وعبد العزيز سليمان المستشارين.
دعوى صحة التعاقد. تدخل خصم ثالث فيها مدعياً صدور عقد له عن نفس المقدار موضوع الدعوى وأنه سجل عقده. قبول تدخله ورفض دعوى إثبات التعاقد على أساس المفاضلة بين المشترين بأسبقية التسجيل. لا خطأ.
متى كان الحكم المطعون فيه إذ قبل تدخل المطعون عليه الأخير في دعوى صحة التعاقد المقامة من الطاعن على البائعين له، وأجرى المفاضلة بين عقد الخصم المتدخل وعقد الطاعن على أساس أسبقية التسجيل قد قرر أن البحث في دعوى صحة التعاقد وسلامة العقد وتوافر أركانه القانونية يقتضي البحث فيما إذا كان البائع مالكاً للمبيع المرفوعة بشأنه الدعوى، فإذا تبين للمحكمة أن البائع تصرف بالبيع للغير الذي سجل عقده قبل تسجيل المشتري الثاني تعين عليها أن تقضي برفض دعوى هذا المشتري الثاني على أساس أسبقية التسجيل، وإلا كان حكمها بصحة التعاقد لمن تراخى في تسجيل عقده لغواً لا قيمة له، إذ قرر الحكم ذلك، فإنه لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير حضرة المستشار المقرر، ومرافعة المحامين عن الطاعن والمطعون عليه الأخير والنيابة العامة وبعد المداولة؛
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه، وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى المدنية رقم 4449 لسنة 1941 محكمة جرجا الجزئية بعريضة أعلنها في 4/ 9/ 1941، وسجلها في 25/ 9/ 1941 وطلب فيها الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع المحرر في 31/ 7/ 1941 الصادر إليه من أبو الفضل أحمد إبراهيم المطعون عليه العاشر، ومن يسين إبراهيم عبد الرحيم مورث المطعون عليهم التسعة الأولين ببيع فدانين و15 قيراطاً و5 أسهم المبينة بالدعوى وبالعقد نظير ثمن مقداره 22 جنيهاً، وباعتبار الحكم الذي يصدر صالحاً للتسجيل ونقل الملكية، وتدخل المطعون عليه الأخير خصماً ثالثاً في الدعوى، وطلب رفضها تأسيساً على أنه اشترى من البائعين للطاعن أنفسهم، ومن آخرين بعقد عرفي محرر في 25/ 8/ 1941 فدانين و15 قيراطاً و5 أسهم الأطيان موضوع العقد المرفوعة عنه الدعوى، وأنه رفع عن عقده دعوى صحة التعاقد رقم 4249 لسنة 1941 مدني محكمة جرجا الجزئية، وسجل صحيفتها في 20/ 9/ 1941 قبل تسجيل صحيفة دعوى الطاعن في 25/ 9/ 1941، وصدر له حكم بصحة التعاقد في 26/ 10/ 1941 ثم إنه سجل هذا الحكم في 1/ 9/ 1942، وأشر بتسجيله على هامش العريضة والعقد بنفس التاريخ، وقررت المحكمة قبوله خصماً ثالثاً في الدعوى فطعن الطاعن في عقده بالصورية، بحجة أنه لم يدفع ثمناً لما اشتراه، ولم يضع يده على المبيع، فأحالت المحكمة الدعوى على التحقيق لإثبات ونفي الصورية. وفي 11 من إبريل سنة 1943 قضت برفض الدعوى استناداً إلى أن الطاعن لم يثبت صورية عقد الخصم الثالث، وإلى أن عقد هذا الأخير يفضل عقد الطاعن، لأنه سجل صحيفة دعواه قبل تسجيل صحيفة الدعوى التي رفعها الطاعن، كما سجل الحكم الصادر فيها قبل أن يسجل الطاعن عقده. استأنف الطاعن هذا الحكم، وقيد استئنافه برقم 285 لسنة 1943 محكمة سوهاج الابتدائية التي قضت في 13/ 2/ 1944 منعقدة بهيئة استئنافية بندب خبير زراعي للاطلاع على مكلفات البائعين للطرفين لمعرفة مقدار أكل البحر المكلف باسم المورث، ومقدار ما يخص كلاً من الورثة وبيان ما إذا كان المبيع في عقدي الطاعن والخصم الثالث واحداً أم أنه يختلف في كل منهما، وقدم الخبير تقريره المودعة صورته الرسمية ضمن أوراق الطعن، وانتهى فيه إلى أن المرحوم إبراهيم عبد الرحيم المورث الأصلي للبائعين للطاعن يملك 3 أفدنة و17 قيراطاً و4 أسهم في أرض لا حدود لها، لأنها أطيان أكل بحر غير موجودة على الطبيعة، وأن كلاً من الطاعن والخصم الثالث اشترى بعقده من أطيان أكل البحر فدانين و15 قيراطاً و5 أسهم من ورثة إبراهيم عبد الرحيم وباستبعاد هذا المقدار الذي اشتراه الخصم الثالث يكون الباقي في تكليف المورث فداناً وقيراطاً و23 سهماً يمكن أن يقال إنه يدخل في عقد الطاعن لو صح عقد الخصم الثالث، وأن البائعين للطاعن والخصم الثالث وهما يسين إبراهيم عبد الرحيم وأبو الفضل أحمد إبراهيم لا يمتلكان بحسب سلسلة التوريث في مقدار الفدانين و15 قيراطاً و5 أسهم المبيعة منها للطاعن إلا 8 قراريط و22 سهماً وكسور كما ذكر الخبير أن الطاعن قال أمامه إن لديه إقرارات تفيد إجازة باقي الورثة لما اشتراه بعقده، إلا أنه لم يمكن حصر ما يملكه هؤلاء فيما أقروا به لعدم تقديم الطاعن إعلاماً شرعياً بحصر الورثة. وفي 21 من مايو سنة 1950 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف للأسباب التي بني عليها، ولما أضافته من أسباب أخرى تبينتها من تقرير الخبير ومحاضر أعماله، فقرر الطاعن بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب يتحصل الأول منها
في أن الحكم المطعون فيه أخطأ في الإسناد إذ قرر أن الخبير حصر الأطيان المكلفة باسم المورث الأصلي إبراهيم عبد الرحيم في أكثر من حوض واحد فكلها تختلف عن الأرض موضوع الدعوى مع أنه لا دليل في الأوراق على صحة ما قرره الحكم في هذا الخصوص، وإذ قال الحكم إنه ثابت من محاضر أعمال الخبير ومن كشف المكلفات المرافق لتقريره ومن صحيفة افتتاح دعوى الطاعن وعقد الخصم الثالث أن المبيع لكل من المشترين من ورثة إبراهيم عبد الرحيم ومقداره فدانان و15 قيراطاً و5 أسهم هو مبيع واحد منه 14 قيراطاً وسهمان تقع بحوض جوده وفدانان وقيراط و3 أسهم بدون أحواض، مع أن الثابت من الكشف المقدم من الخصم الثالث أن المورث الأصلي ترك أطياناً مقدارها 3 أفدنة و17 قيراطاً و4 أسهم كلها أكل بحر وبدون أحواض، ومع أن عقد الطاعن وصحيفة افتتاح دعواه ورد بهما أن الأطيان المبيعة له هي أطيان أكل بحر بلا حدود ظاهرة على الطبيعة مما لا يصح معه استخلاص اتحاد المبيع في العقدين، وإذ قرر الحكم أن الخبير أثبت أن الباقي من تكليف المورث بعد استبعاد ما اشتراه الطاعن هو فدان وقيراط و23 سهماً خارج عن نطاق الدعوى، وهذا كله لا سند له في الأوراق.
ومن حيث إن هذا السبب مجرد عن الدليل إذ لم يقدم الطاعن صورة رسمية من محاضر أعمال الخبير وهي أحد المصادر التي استقى منها الحكم تقريراته المنعى عليها.
ومن حيث إن السبب الثاني يتحصل في أن الحكم شابه القصور، إذ لم يرد على طلب الطاعن الحكم له بصحة التعاقد بالنسبة إلى فدان وقيراط و23 سهماً التي قال عنها الخبير إنها الباقية من تكليف المورث ومقداره 3 أفدنة و17 قيراطاً و4 أسهم بعد استبعاد ما اشتراه الخصم الثالث (المطعون عليه الأخير) ومقداره فدانان و15 قيراطاً و5 أسهم، وإذ لم يرد على دفاع الطاعن بصحيفة استئنافه بأن العين المبيعة موضوع الدعوى هي أرض أكل بحر ولم يظهر بعد ما يقابلها من طرح البحر، وأن البائعين له غير البائعين للخصم الثالث مما كان لا يجوز معه والحالة هذه أن تجرى المفاضلة بين العقدين.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بما جاء بالحكم "من أنه بان من تقرير الخبير أن مورث المستأنف عليهم التسعة الأول والمستأنف عليه العاشر تصرفاً للمستأنف بالبيع في أكثر مما يملكان، فقد خصهما من تركة مورثهما إبراهيم عبد الرحيم الأول 7 قراريط و9 أسهم وربع، والثاني قيراط و3 أسهم وكسور ومجموع ذلك 8 قراريط و12 سهماً وكسور وأن هذا القدر يدخل بداهة في القدر المبيع إلى المستأنف عليه الثالث (المطعون عليه الأخير) لأن مورث المستأنف عليهم التسعة الأول والمستأنف عليه العاشر كانا من البائعين له كما تقدم القول"، ويبين من هذا الذي أورده الحكم أن كل ما كان يملكه البائعان للطاعن فيما تصرفا فيه له هو 8 قراريط و22 سهماً وكسور، ولما كانا قد تصرفا له وللمطعون عليه الأخير في أكثر من هذا المقدار، إذ باعا فدانين و15 قيراطاً و5 أسهم مرة للطاعن ومرة أخرى للمطعون عليه الأخير "الخصم الثالث" وقد استخلصت محكمة الموضوع من أوراق الدعوى ومستنداتها وتقرير الخبير فيها ومحاضر أعماله في حدود سلطتها الموضوعية أن العقدين واردان على مبيع واحد فإنها لا تكون قد أخطأت في إجراء المفاضلة بين العقدين على أساس أسبقية التسجيل. أما تحدي الطاعن بأن الأرض المبيعة هي أرض أكل بحر لا وجود لها فإنه لا مصلحة له فيه، إذ هو يطلب الحكم بصحة عقده على أساس وجود المبيع الذي هو ركن من أركان العقد.
ومن حيث إن السبب الثالث يتحصل في أن المحكمة أخطأت في تطبيق القانون إذ قبلت الخصم الثالث ورفضت الدعوى على أساس انطباق عقده على الأطيان المبيعة للطاعن مع أن الخصومة في دعوى صحة عقد الطاعن كانت منعقدة بينه وبين البائعين إليه، فما كان يجوز قبول الخصم الثالث في دعوى لم يختصمه فيها الطاعن ولا يعتبر الحكم الصادر فيها حجة عليه، ولكن المحكمة قبلته وأجرت المفاضلة بين تسجيل صحيفة دعواه وتسجيل صحيفة دعوى الطاعن، مع أن المفاضلة لا تكون إلا بعد أن يصدر الحكم في كل من دعوى صحة التعاقد لمن يكون منهما أسبق تسجيلاً للحكم في دعواه ولا تتسع دعوى صحة التعاقد لبحث الملكية، إذ كل ما يترتب على العقد غير المسجل هو التزامات شخصية. ولما كان البيع في العقدين قد وقع على أكل البحر، وكان القانون رقم 48 لسنة 1932 ينص على أن الأولوية في التوزيع تكون للملاك في البلد الواقع في جهة ورد مياه النيل، وأن التوزيع يتم بقرار من وزير المالية، وهو قرار نهائي لا تجوز المعارضة فيه فإنه يكون غير صحيح في القانون ما قاله الحكم من أن الحكم بصحة التعاقد للطاعن مع مزاحمة الخصم الثالث الأسبق تسجيلاً لسنده لغو لا قيمة له مع أنه قد تقع الأولوية في التوزيع للطاعن.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بما قاله الحكم في هذا الخصوص "من أن المثالب التي أخذها المستأنف "الطاعن" على حكم محكمة أول درجة والتي تتلخص في أنه ما كان لهذه المحكمة أن تقبل المستأنف عليه الثالث "المطعون عليه الأخير" خصماً ثالثاً في الدعوى ثم تفاضل بين العقدين على أساس أسبقية التسجيل مردود عليها بأن البحث في دعوى صحة التعاقد وسلامة العقد وتوافر أركانه القانونية يقتضي بالبداهة البحث فيما إذا كان البائع مالكاً للمبيع المرفوعة بشأنه دعوى صحة التعاقد فإذا تبين للمحكمة أن البائع تصرف بالبيع للغير الذي سجل سند شرائه قبل تسجيل المشتري الثاني تعين عليها أن تقضي برفض دعوى هذا المشتري الثاني على أساس أسبقية التسجيل وإلا كان حكمها بصحة التعاقد لمن تراخى في تسجيل عقده لغواً لا قيمة له"، وهذا الذي قاله الحكم صحيح في القانون، أما ما يتحدى به الطاعن من أحكام قانون طرح البحر فخارج عن نطاق الدعوى.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن في غير محله ومن ثم يتعين رفضه.