مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة والثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1989 إلى آخر فبراير سنة 1990) - صـ 541

(42)
جلسة 23 من ديسمبر سنة 1989

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد أنور محفوظ رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: محمد المهدي مليحي، ومحمد أمين المهدي وصلاح عبد الفتاح سلامة، وسعد الله محمد حنتيرة - المستشارين.

الطعن رقم 430 لسنة 32 القضائية

أسواق عمومية - شروط شغلها (تراخيص).
القانون رقم 68 لسنة 1949 بتنظيم تجارة الجملة - قرار وزير التموين رقم 126 لسنة 1967 باللائحة سوق الجملة والفاكهة بمدينة دمنهور - تختص لجنة السوق بالترخيص في شغل الأماكن والمساحات في السوق ابتداء أو بإلغاء هذا الترخيص لإخلائها انتهاء - لا يجوز استعمال المحل أو المساحة موضوع الترخيص في غير أغراض عرض الخضر والفاكهة للبيع بالجملة - لا يشترط إجراء تحقيق مع المرخص له أو سبق توجيه إنذار إليه - وإخلاء المحل الذي يثبت استعماله في غير لا لغرض يكون صحيحاً ما دام قد تغيا الصالح العام - مثال: استعمال المكان كجراج لسيارة خاصة.


إجراءات الطعن

في يوم الأحد الموافق 12 من يناير سنة 1986، أودع الأستاذ بشير حسين بشير المحامي نيابة عن الأستاذ فاروق أبو ستيت المحامي بصفته وكيلاً عن السيد/ صبحي أحمد أحمد زغلول قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم الوحدة المحلية لمدينة مركز دمنهور 2 - محافظ البحيرة 3 - وزير الحكم المحلي بصفاتهم، في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية بجلسة 5 من ديسمبر سنة 1985 في الدعوى رقم 1101 لسنة 37 القضائية المقامة من الطاعن على المطعون ضدهم والقاضي برفض الدعوى وبإلزام الطاعن بالمصروفات. وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام المطعون ضده الأول بالمصروفات وبمقابل أتعاب المحاماة وأعلن تقرير الطعن على الوجه المبين بالأوراق. وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً مع إلزام الطاعن بالمصروفات.
وعين لنظر الطعن جلسة 5 من ديسمبر سنة 1988 أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة وجرى تداوله بالجلسات على النحو الثابت بالمحاضر حتى قررت الدائرة بجلسة 3 من يوليه 1989 إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا (دائرة منازعات الأفراد والهيئات والتعويضات) وحددت لنظره جلسة 11 من نوفمبر سنة 1989، وفي هذه الجلسة قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أنه بتاريخ 5 من مايو سنة 1983 رفع الطاعن الدعوى رقم 1101 لسنة 37 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية على المطعون ضدهم، وطلب الحكم أولاً بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الصادر من المطعون ضده الأول بإلغاء الترخيص الممنوح للطاعن في محل بسوق الجملة للخضر والفاكهة بمدينة دمنهور وبالاستيلاء عليه وثانياً في الموضوع بإلغاء هذا القرار وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام المطعون ضده الأول بالمصروفات وبمقابل أتعاب المحاماة. وذكر أنه أسوة بتجار الخضر والفاكهة بمدينة دمنهور ترك محله بميدان التوبة ومساحته تزيد على مائة متر مربع واستأجر المحلين رقمي 30، 31 بسوق الجملة للخضر والفاكهة بمدينة دمنهور من المطعون ضده الأول بصفته المسئول عن إدارة السوق وذلك لاستعمالهما وكالة لبيع الخضر والفاكهة بالجملة عوضاً عن محله السابق ولمواجهة تجارته الواسعة وقد تسلم المحلين وباشر نشاطه فيهما حتى فوجئ في 12 من مارس سنة 1983 بشرطة مرافق مجلس مدينة دمنهور تقيم جداراً من الطوب الأحمر في المنتصف وتستولي على أحد المحلين بمقوله صدور قرار من المطعون ضده الأول بإلغاء تراخيص المحال التي لا تستخدم في الغرض المخصص له، وهذا القرار مخالف للقانون لأن الطاعن مرخص له في شغل المحلين ولم يرتكب مخالفة ما ولأن القرار لم يصدر من المحافظ ولم يخطر به الطاعن بالمخالفة للمادة 32 من لائحة السوق الصادرة بقرار وزير التموين والتجارة الداخلية رقم 126 لسنة 1967. وردت الجهة الإدارية على الدعوى بأن مجلس إدارة السوق ناقش بجلسة 4 من يناير سنة 1983 مشكلة وجود باعة خارجة السوق لعوامل منها عدم تمكنهم من مزاولة النشاط داخل السوق في حين أن بداخله محالاً مغلفة أو مستعملة في أغراض أخرى، وقرر تشكيل لجنة اتضح لها في 12 من يناير سنة 1983 أن الطاعن يشغل محلاً داخل السوق مساحته تزيد على 50 متراً مربعاً يصلح لاستخدام ثلاث محلات علاوة على محلين آخرين يستخدم أحدهما جراجاً لسيارته الخاصة وهو ما أثبته أيضاً رئيس نقطة شرطة السوق الأمر الذي يشكل مخالفة للمادة 36 من لائحة السوق التي حظرت استعمال المحل في غير أغراض عرض الخضر والفاكهة للبيع بالجملة، ورأت اللجنة إلغاء ترخيص هذا المحل تحقيقاً للصالح العام بالقضاء على ظاهرة البيع خارج السوق، ووافق رئيس مجلس إدارة السوق باعتباره صاحب الاختصاص طبقاً للمادة 6 من اللائحة، كما قرر مجلس إدارة السوق باعتباره صاحب الاختصاص طبقاً للمادة 6 من اللائحة، كما قرر مجلس إدارة السوق في 10 من مارس سنة 1983 اختيار تجار لشغل المحلات التي ألغيت تراخيصها، ونفذت الشرطة هذا في 12 من مارس سنة 1983، ولم يؤثر ذلك على نشاط الطاعن في السوق. وقضت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية في جلسة 8 من ديسمبر سنة 1983 بقبول الدعوى شكلاً وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وبإلزام الطاعن بالمصروفات، ثم قضت في جلسة 5 من ديسمبر سنة 1985 برفض الدعوى وبإلزام الطاعن بالمصروفات، وأقامت قضاءها الأخير على أن القرار الصادر بإلغاء الترخيص الممنوح للطاعن في شغل المحل هو قرار سليم لأنه صدر طبقاً للمواد 2 و36 و37 من لائحة السوق حيث ثبت استعمال المحل في غير الغرض المرخص فيه ووافق مجلس إدارة السوق على إلغاء الترخيص وصدر الإلغاء من رئيس مركز ومدينة دمنهور.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه خالف القانون لأن القرار المطعون فيه لم يصدر من محافظ البحيرة ولم يسبق بإخطار للطاعن أو بتحقيق معه وذلك لاتجاه النية إلى أخذ المحل منه وإعطائه مع المحلات المماثلة لآخرين معروفين سلفاً ودون اتباع إجراءات الشغل المقررة في لائحة السوق بحجة أنهم يتاجرون خارج السوق وهو ما يعد انحرافاً بالسلطة.
ومن حيث إن القانون 68 لسنة 1949 بتنظيم تجارة الجملة أناط بوزير التجارة في المادة الأولى تعيين أماكن أسواق تجارة الجملة وفي المادة الثانية وضع الأحكام والشروط الخاصة بشغل المساحات في هذه الأماكن، وأجاز له في المادة الخامسة أن يعهد بإدارة تلك الأماكن إلى مجالس المديرات أو المجالس البلدية، وبناء عليه أصدر وزير التموين والتجارة الداخلية في 18 من يونيه سنة 1967 القرار رقم 126 لسنة 1967 بلائحة سوق الجملة للخضر والفاكهة بمدينة دمنهور، وقضى في المادة الثالثة بأن يعهد إلى مجلس مدينة دمنهور بإدارة هذا السوق، وقضى في المادة الرابعة بأن يعمل فيها بأحكام اللائحة المرافقة له. وبالاطلاع على هذه اللائحة يبين أنها نصت في المادة الخامسة على تشكيل لجنة للسوق برئاسة رئيس مجلس المدينة أو من ينوب عنه ومن أعضاء بينتهم، ونصت في المادة السادسة على أنه (تختص لجنة السوق بما يأتي: 1 - النظر في طلبات شغل الأماكن والمساحات بالسوق وإخلائها وفقاً لأحكام هذه اللائحة. 2 - .......)، ونصت في المادة 8 على أنه (....... ولا تعتبر قرارات اللجنة نافذة إلا بعد اعتمادها من السيد محافظ البحيرة)، ونصت في المادة 36 على أنه (لا يجوز استعمال المحال أو المساحات المرخص في شغلها في غير أغراض عرض الخضر والفاكهة للبيع بالجملة....) ونصت في المادة 37 على أنه (....... ويجوز إلغاء الترخيص في حالة مخالفة أي حكم أو شرط من الشروط الواردة بهذا القرار....) وصدر قرار محافظ البحيرة رقم 704 لسنة 1976 متضمناً في المادة الأولى النص على تفويض رئيس مركز ومدينة دمنهور في اعتماد قرارات لجنة سوق الخضر والفاكهة بمدينة دمنهور. ومفادها أن لائحة سوق الجملة للخضر والفاكهة بمدينة دمنهور الصادرة بقرار وزير التموين والتجارة الداخلية رقم 126 لسنة 1967 طبقاً للقانون رقم 68 لسنة 1949 بتنظيم تجارة الجملة، عقدت في المادة 1/ 6 للجنة السوق الاختصاص بشأن الأماكن والمساحات في السوق سواء بالترخيص في شغلها ابتداء أو إلغاء هذا الترخيص لإخلائها لانتهاء. وأخضعت في المادة 8 قرارات اللجنة عامة لاعتماد محافظ البحيرة الذي فوض في هذا الاعتماد رئيس مركز دمنهور بالقرار رقم 704 لسنة 1976، ثم أجازت ضمن المادة 37 إلغاء الترخيص في حالة مخالفة أي حكم وارد فيها وهو ما يصدق على حكم المادة 36 التي حظرت استعمال المحل أو المساحة موضوع الترخيص في غير أغراض عرض الخضر والفاكهة للبيع بالجملة، ولم تشترط في هذه الحالة سبق إجراء تحقيق مع المرخص له أو سبق توجيه إنذار إليه، ومن ثم فإن القرار الذي تصدره لجنة السوق ويعتمده رئيس المركز بإلغاء الترخيص إخلاء للمحل الذي ثبت استعماله في غير هذه الأغراض يكون قراراً صادراً من مختص ومبرءاً من عيب الشكل وقائماً على صحيح سببه متفقاً وحكم القانون مما يجعله بمنأى عن الإلغاء ما دام قد تغيا الصالح العام بما يطهره من عيب الانحراف في استعمال السلطة.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن مجلس إدارة (لجنة) سوق الجملة للخضر والفاكهة بمدينة دمنهور في اجتماعها بجلسة 4 من يناير سنة 1983 ناقشت ما لوحظ من وجود باعة خارج السوق بسبب عوامل منها عدم التمكن من مزاولة النشاط داخل السوق في حين أنه توجد محلات مغلقة أو مستعملة في أغراض لا علاقة لها بالنشاط التجاري داخل السوق، قررت تشكيل لجنة محايدة لحصر هذه المحلات. وقامت هذه اللجنة المشكلة بالمرور على المحلات داخل السوق في 12 من يناير سنة 1983 واقترحت إلغاء تراخيص محال معينة وإخلاءها ومنها محل يستعمله الطاعن كجراج لسيارته الخاصة. وأشر رئيس مجلس إدارة السوق في 18 من يناير سنة 1983 بالموافقة والعرض على مجلس الإدارة، وقرر هذا المجلس برئاسة رئيس مركز ومدينة دمنهور في 30 من يناير سنة 1983 إلغاء تلك التراخيص ومنها الترخيص الخاص بالطاعن، ووقع رئيس مركز ومدينة دمنهور على محضر الجلسة. وبناء على كتاب مؤرخ 2 من فبراير سنة 1983 من مدير السوق أفاد رئيس نقطة شرطة السوق في كتاب مؤرخ 5 من مارس سنة 1983 أن المحل رقم 30 الخاص بالطاعن يستخدم كجراج لسيارته الخاصة رقم 14 ملاكي بحيرة. وقد تم تنفيذ القرار في 12 من مارس سنة 1983. ويؤخذ من هذه الوقائع أن المحل الخاص بالطاعن والمرخص فيه لعرض الخضر والفاكهة للبيع بالجملة لم يرصد للغرض المخصص له إذ استعمل مكاناً لإيواء السيارة الخاصة بالطاعن على الوجه الذي سجلته اللجنة المشكلة لحصر مثل هذا الحل في السوق وأكده بعدئذ كتاب رئيس نقطة شرطة السوق، الأمر الذي يعتبر خروجاً عن حكم المادة 36 من لائحة السوق ويجيز بالتالي إلغاء الترخيص طبقاً للمادة 37 منها، وهو ما حدث بقرار نبع من لجنة السوق بمحضر وقعه رئيس مركز ومدينة دمنهور الذي فوض من جانب محافظ البحيرة في اعتماد قراراتها، ومن ثم يكون هذا القرار صادراً من مختص ومتفقاً وحكم القانون على نحو يعصمه من الإلغاء ما دام قد خلا من الانحراف في استعمال السلطة على نقيض ما يزعمه الطاعن حيث صدر بإنهاء ترخيص في محل استخدم في غير غرضه أسوة بأمثاله وتغيا في هذا إفساح المجال في السوق لمن لم تسعهم محلاتها فحطوا بضاعتهم خارجها على الوجه المدون في محضر مجلس إدارة السوق بجلسة 4 من يناير سنة 1983 كإرهاص لما تتالى بعدئذ من حصر للمحلات المخالفة حتى تمام إلغاء تراخيصها إخلاء لها وتمهيداً لشغلها، وبالتالي فإن الحكم المطعون فيه يكون قد صادف الحق إذا قضى برفض طلب إلغاء ذلك القرار وبإلزام الطاعن بالمصروفات على سند من مشروعية القرار المطعون فيه، مما يجعل الطعن على هذا الحكم خليقاً بالرفض موضوعاً مع إلزام الطاعن بالمصروفات عملاً بالمادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الطاعن بالمصروفات.